تصوير للشرق الأوسط الحديث سينمائياً سياسات سينما هوليوود وسينما العالم العربي

يعد هذا الكتاب من الأبحاث المقارنة الرائدة في الكيفية التي تجسد بها السينما الأمريكية المعاصرة وسينما العالم العربي السياسة الشرق أوسطية، حيث تدرس لينا خطيب الطرح السينمائي للقضايا السياسية الرئيسة، بدءاً من الصراع العربي - الإسرائيلي وصولاً إلى حرب الخليج ، ومروراً بالأصولية الإسلامية، وتغطي بعرضها أفلاماً أنتجت في الولايات المتحدة، ومصر وتونس والمغرب ولبنان وسورية وفلسطين.
كما أنها تستكشف دور السينما كأداة من أدوات الدولة للقومية في الولايات المتحدة والعالم العربي، وما تمثله دور السينما العربية الحالية من تحديات لطرح هوليوود للسياسة الشرق أوسطية. كما تكشف كذلك عن أوجه تشابه بين هذين الاتجاهين السينمائيين رغم أنهما من المفترض أن يكونا متناقضين. فهي تبين لنا «صورة الشرق لدى الغرب»، وكذلك «صورة الشرق التي يصورها لذاته»، وكذلك الكيفية التي يجسد بها «الشرق» في هذين النوعين من السينما ذاته والآخرين، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية والخارجية التي غدت جزءا من تكوينه. ويعتبر هذا الكتاب مساهمة رائعة ومهمة في الدراسات المهتمة بالمدارس السينمائية العالمية، من خلال منظور جديد إلى عالم السياسة في منطقة الشرق الأوسط من خلال عدسات السينما.
يعتمد الكتاب في أطروحته الرئيسة على دراسة لجاك شاهين كتبها في العام 2001، وخصصها للحديث عن الكيفية التي تقدم بها الأفلام ووسائل الإعلام الأمريكية صورة العرب بطريقة نمطية وداخل قوالب ثابتة. غير أن خطيب توسع النطاق ليشمل أيضا صناعة السينما العربية. وفي حين انتقد شاهين تصوير العرب والإسلام في أفلام هوليوود، عمدت لينا خطيب إلى التعمق في النقد بعدم قصره على الطرح الهوليوودي لمنطقة الشرق الأوسط، ولكنها أيضا تناولت تصوير العرب لأنفسهم وسياساتهم وأزماتهم في السينما.
يقوم الكتاب بتحليل 70 فيلما أمريكيا وعربيا ويغطي الفترة من العام 1980 إلى العام 2005، وقد اختارتها على أساس «اهتمامها بالقضايا السياسية الملحة في ذلك الوقت». على أنها في أكثر من موضع تؤكد حقيقة أن العديد من أفلام هوليوود التي تقوم بتحليلها في الكتاب لا تدور حول سياسات الشرق الأوسط أو أزماته بطريقة مباشرة، وإنما تفعل ذلك بطريقة ضمنية، أو تكشف من ناحية أخرى عن تورط أمريكا ودورها في مثل هذه الأزمات. وهذا بعكس الأفلام العربية التي ارتبطت حقيقةً بسياسات الشرق الأوسط، ولا تركز بالضرورة على التدخل الأميركي فيها.
تبدو المؤلفة في أكثر من موضع متأثرة بالعديد من أفكار إدوارد سعيد حول المقارنة المتبادلة وضرورة الخطاب الشرقي– الغربي، وهي تحاول تطبيقها في تلك المقاربة السينمائية. وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: تحت عنوان «تسييس المناظر»، تتناول فيه دور المكان وتفككه، وتستخلص منه مجموعة من التبيانات، من بينها: الأمكنة الذكورية المفتوحة في هوليوود مقابل الأمكنة المؤنثة في الأفلام العربية؛ سينما الحركة الأميركية مقابل الميلودراما المصرية؛ والكادر الأمريكي الواسع والتصوير من الجو، مقابل الكادر المتوسط واستخدام الزووم ونقاط الرؤية في الأفلام العربية. وتخلص خطيب في هذا الفصل إلى أن سينما هوليوود تنفي الشخصية العربية المتفردة، بينما تصور الأفلام العربية هذه الشخصية بالتركيز على تفردها وما تحمله من خبرات.
الفصل الثاني: يحمل عنوان «أدوات جنسانية للقومية»، وفيه تقول إن الجنسانية (النوع) استخدمت لإضفاء المشروعية على تصرفات الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه شيطنة وتشويه صورة العرب. ومجدداً نكون أمام تركيز كبير على الأنثى في الأفلام الميلودرامية العربية مقابل تركيز شديد على العرب الذكور في أفلام الحركة الهوليوودية، بما يمثله هذا من مواقف سياسية وثقافية متداخلة. على أن خطيب تلقي الضوء على نقاط تقارب توجد بينهما، وخاصة في طريقة توظيفهما لمفهوم الجنسانية لتعضيد الهوية القومية لكل منهما، وترسيخ صورة الغرباء كأعداء يشكلون تهديدا على تلك الهوية. ومن خلال الربط بين مجموعتي الأفلام تبين لنا أن كلاً من أفلام هوليوود والأفلام العربية فاعل في إطار منظور استشراقي عام، حيث تصور هوليوود الرجال العرب باعتبارهم «الآخر الضرورة»، بينما ترى الأفلام العربية أن المرأة هي ذلك «الآخر الضرورة»، وكلاهما يقدم هذا «الآخر»، باعتباره نقطة جذب لاهتمام شخصيات الفيلم وكذلك المتفرج.
الفصل الثالث: «صراعات الداخل والخارج». تقول خطيب إن تناول الصراع العربي - الإسرائيلي وحرب الخليج في الأفلام قائم على خطاب الاختلاف، ويدعو إلى تعزيز القومية الذاتية. ويتبين لنا أن هذا الفارق هو وجه التشابه بين هذين التوجهين السينمائيين. وفي هذا الفصل تحليل أكثر عمقاً للأفلام مقارنة بسابقيه. الفصل الرابع: «من الآخر الذي في الخارج إلى الآخر الذي بيننا». تتناول فيه ظاهرة التطرف، وتعرض للأفلام العربية التي تزودنا برؤية مركبة معقدة للتطرف، بينما تركز هوليوود على الإرهاب من دون أن تتعمق في السيكولوجيا الكامنة وراءه، أو أن تعمد إلى تجاهل التفريق والتمييز بين الدين والتطرف الديني.
الكتاب بالأساس دراسة مقارنة بين السينما العربية وسينما هوليوود، وهو أمر يحققه من جانب متميز غير مطروح من قبل؛ أي أن يكون الثابت هو الشخصية العربية والمتغير هو السينما العربية والسينما الأمريكية وطريقة طرح وعرض كل منهما لها. والكاتبة تحاول تطبيق أفكار إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» ومفهوم الآخر بين الشرق والغرب، والتجريب هنا على الفن السينمائي. ويعتبر الكتاب إسهاماً له قيمته في هذا المجال من ناحية تسليط الضوء على هذه الزاوية الجديدة غير المطروقة كثيراً. كما أن دارسي الفن والنقد السينمائي سيجدون قيمة كبيرة في هذا الكتاب وخاصة في طريقة تبني مقاربة نقدية منطلقها هو السينما العربية .