الأزمة وإدارة الأزمة

الأزمة وإدارة الأزمة

تخضع الدول والشعوب والمجتمعات إلى أزمات منها الاقتصادية ومنها السياسية ومنها الاجتماعية ومنها العسكرية... إلخ، ولكن طريقة التعامل مع هذه الأزمات تختلف من دولة إلى أخرى وفق إدارتها السياسية والحكومية للدولة، ويمكن تأكيد أن المجتمعات التي اعتمدت قيادتها فيها على فرق خاصة وكفوءة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عوداً وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت أسلوباً مغايراً تمثل في التصدي المرتجل، والتعامل بطرق غير مدروسة سلفاً مع بؤر الصراع والتوتر، ما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها، فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار.

تعددت تعريفات الأزمة، فاختلفت في بعض الجوانب، واتفقت في جوانب أخرى، وفي ما يلي عرض سريع لبعض هذه التعريفات:
1 - الأزمة حالة توتر ونقطة تحول، تتطلب قراراً تنتج عنه مواقف جديدة - سلبية كانت أم إيجابية - تؤثر في مختلف الكيانات ذات العلاقة.
2 - الأزمة فترة حرجة أو حالة غير مستقرة تنتظر حدوث تغيير حاسم.
3 - الأزمة ظرف انتقالي يتسم بعدم التوازن، ويمثل نقطة تحول في حياة الفرد، أو الجماعة، المنظمة، أو المجتمع، وغالباً ما ينتج عنه تغيير كبير.
4 - الأزمة موقف عصيب يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية.
5 - الأزمة خبرة متعلقة بمعوق غير مألوف.
6 - الأزمة تحدٍّ ظاهر أو رد فعل بين طرفين أو عدة أطراف حاول كل منهم تحويل مجرى الأحداث لمصلحته.

أسباب الأزمات
أولاً: الأسباب الإنسانية، وتشمل:
1 - سوء التقدير والاحترام.
2 - حب السيطرة والمركزية الشديدة.
3 - تعارض الأهداف والمصالح.

ثانياً: الأسباب الإدارية، وتشمل:
1 - سياسات مالية مثل ارتفاع التكاليف وضعف قدرة الرقابة.
2 - غياب التخطيط الفعال.
3 - اتخاذ القرارات بشكل عشوائي.
4 - اختفاء أنظمة حوافز ناجحة.
5 - عدم توافر الوصف الوظيفي الجيد للمهام والواجبات.
وعلى أي حال فإن الأزمة هي حالة انتقال من مرحلة إلى أخرى، يصاحبها نقص شديد في المعلومات وحالة من عدم التأكد، وهي مفتاح التطور والتغيير نحو الأفضل أو التقهقر والهلاك.
وعليه، فلابد من تنصيب برنامج أو أكثر، يتم تشغيله في ظروف الطوارئ، إذا ما أراد القائمون على الواقع السياسي والإداري تفادي مصير التقهقر والهلاك على أقل تقدير، وبرنامج من هذا القبيل هو عبارة عن منهج يمثل تقنية تستخدم لمواجهة الحالات الطارئة التي لا يمكن تجنبها وإجراء التحضيرات اللازمة لها قبل وقوعها. وهو بمعنى أكثر دقة أشبه بمحاولة تجميع المعلومات الضرورية اللازمة.

خصائص الأزمات الإدارية ومواصفاتها
1 - المفاجأة العنيفة والشديدة، لدرجة أنها تكون قادرة على شد الانتباه لجميع الأفراد والمنظمات.
2 - التشابك والتداخل في عناصرها وعواملها وأسبابها.
3 - عدم التأكد وعدم توافر المعلومات، مما يسبب الأخطاء في اتخاذ القرارات، وبالتالي تفاقم الأوضاع وتدهورها.
4 - غالباً ما يصاحبها أمراض سلوكية غير مستحبة كالقلق والتوتر وحالات عدم الانتباه واللامبالاة.
5 - وجود مجموعة من الضغوط المادية والنفسية والاجتماعية تشكل في مجموعها مزيداً من ضغط الأزمة على الجهاز الإداري.
6 - ظهور القوى المعارضة والمؤيدة (أصحاب المصالح)، ما يفاقم من شدة الأزمة.

إدارة الأزمات
لا شك في أن الأزمة تحتاج إلى من يتعامل معها من الأطراف المتنازعة أو الحليفة مع بعض أطرافها الرئيسيين، وذلك من أجل الخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة أو تحقيق التفوق على بعض الأطراف المعنية.
وجدير بالإشارة أنه جرى استخدام مصطلح إدارة الأزمة Crisis management في مجال العلاقات السياسية الدولية في بداية ستينيات القرن الماضي، عندما نشبت أزمة الصواريخ السوفييتية على الأراضي الكوبية.
وبعد أن انتهت الأزمة من خلال  استخدام عدد من الأساليب (غير القتالية)، والتي هي أقرب إلى الأساليب النفسية قال ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي: لقد انتهى عصر الاستراتيجية وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه «عصر إدارة الأزمات».
ومنذ ذلك التاريخ أطلّ اتجاه جديد يتعامل مع المواقف الصعبة من خلال مجموعة من القواعد (أو المبادئ) أو التوجهات أطلق عليها أحياناً «فن إدارة الأزمات» أو «سيكولوجية إدارة الأزمات» أو «سيناريوهات إدارة الأزمات».
وتستند الدول المتقدمة في إدارة الأزمات إلى الخبراء والاستشاريين ومراكز الأبحاث والدراسات، على النقيض من الدول المتخلفة التي تعالج أو تدير الأزمات بصورة ارتجالية، وبعيداً عن الاستناد إلى أي جهات ذات خبرة ومعرفة واستشارة.
وهنا يمكننا أن نذكر بعض التعريفات لإدارة الأزمات:
1 - هي سلسلة الإجراءات أو القرارات الهادفة إلى السيطرة على الأزمة والحد من تفاقمها حتى لا يفلت زمامها، مؤدية إلى نشوب الحرب... وبذلك تكون الإدارة الرشيدة للأزمة هي تلك التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها.
2 - هي قدرة أحد الأطراف في نزاع ما على إقناع خصمه أو خصومه بصدق عزمه على تصعيد النزاع لحمله أو لحملهم على التراجع عن تصعيد الأزمة تجنباً للمساس بمصالحه... وقد يفضل أطراف النزاع احتواء الأزمة من خلال ممارستهم ضبط النفس ومحاولتهم إيجاد مخرج منها يحفظ لهم جميعاً ماء وجوههم، أو الوصول في ما بينهم إلى تسوية تنزع فتيل الأزمة من دون المساس بالمصالح الجوهرية لأي منهم.
3 - هي احتواء الأزمة والتخفيف من حدتها على نحو يستبعد حدوث اشتباكات عسكرية على نطاق واسع.

مراحل الأزمة وإدارتها
تقسم مراحل الأزمة ومن ثم إدارتها إلى:
1 - مرحلة الصدمة، وتتسم بالغموض وتؤدي إلى الإرباك والشعور بالدهشة وعدم التصديق لما يجري، وهي مرحلة تتناسب عكسياً مع مدى معرفة الإنسان وإدراكه.
2 - مرحلة التراجع، وتحدث بعد حدوث الصدمة، إذ تبدأ بوادر الاضطراب والحيرة بالظهور بشكل متزايد، ويصاحب ذلك أعراض منها زيادة حجم الأعمال التي لا جدوى منها (الأعمال الفوضوية).
3 - مرحلة الاعتراف، وهنا تتجلى عقلانية التفكير في ما بعد امتصاص الصدمة، حيث تبدأ عملية إدراك واسعة ومراجعة للأزمة بغية تفكيكها.
4 - مرحلة التأقلم، حيث يتم استخدام استراتيجيات معينة، بالإضافة إلى استخدام الموارد البشرية والمادية بهدف التخفيف من آثار الأزمة. وما لم يتم التعامل بذكاء وحذر في هذه المرحلة، فإن الخط البياني للأمور سوف يتجه نحو الكارثة. وقد أطلقت على هذه المرحلة تسميات أخرى، من أبرزها، مرحلة الإنذار المبكر أو مرحلة اكتشاف إشارات الخطر، وهي بهذا المعنى أولى خطوات إدارة الأزمة، تليها مجموعة أساليب وقائية وسيناريوهات معينة تتابع أحداث الأزمة وتحدد لكل فرد في فريق الأزمة دوره بوضوح تام وتهيئ وسائل عمل تحدُّ من الأضرار وتمنعها من الانتشار. وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى المرحلة التالية من مراحل إدارة  الأزمة، ألا وهي مرحلة استعادة النشاط وتشتمل على إعداد وتنفيذ برامج قصيرة وطويلة الأجل سبق أن تم اختبارها بنجاح على أزمات مشابهة، وعادة ما تكتنف هذه المرحلة روح الحماس التي تقود إلى تماسك الجماعة وتكاتفها، في مواجهة الخطر.

أساليب مواجهتها
مهما تعددت أشكال وأنواع الأزمات ومهما اختلفت خصائصها وطرق وأساليب مواجهتها، فإنها تجتمع على الحد الأدنى من التدهور والتقليل من شأن الخسائر الناجمة عنها في إطار العمل واستراتيجية مواجهتها، ولعل أبرز وأهم الأساليب ما يلي:

الأساليب التقليدية وهي تتعدد لتشمل:
< إنكار الأزمة وعدم إعلامها، وتستخدمها الإدارات المتسلطة التي تعتقد أن إصرارها على الإنكار يمكنها من السيطرة على الموقف.
< كبتها، ويتم من خلال استخدام العنف المفرط والقوة المادية لتدمير العناصر الأولية للأزمة، وعدم الاستجابة لأي ضغوط، والتحرك منها يكون سريعاً ومباشراً.
< التقليل من شأنها، ويتحقق عن طريق التقليل من تأثيرها ونتائجها بعد الاعتراف بها حدثاً فعلياً لكنه غير مهم.
< تفريغها أو تقسيمها، ويكون بإخراج ما في نفوس مصادر قوى الأزمة من غليان شديد عن طريق فتحات أو ثغرات جانبية حول الأزمة تخفف الضغط من خلال دراسة الأزمة ودراسة قوى الضغط عليها، وكذلك تصارع المصالح ومعرفة أطراف علاقات قوى الضغط.
- تمييعها، ويمكن أن يحدث ذلك من خلال تشكيل لجان لبحث الأزمة ومعرفة الذين ساهموا في وجودها ومن ثم تأجيل هذه اللجان وتفريغها حتى تتلاشى.
- عزل قوى الأزمة وتلمّس القوى المؤثرة في إحداثها ومن الذي يقوم بتصعيدها ليتم عزلها، وهنا تجب معرفة القوى الصانعة والمؤيدة للأزمة والمهتمة بها.

الأسباب غير التقليدية، وتتمثل في التالي:
< الفريق المتكامل: وهو الفريق الذي يجمع كل التحقيقات ذات العلاقة بالأزمة لتجنب مسبباتها ودراستها، وتحديد سبل التعامل معها وخطة العمل التي تكفل النجاح.
< ادخار الاحتياطيات، وهو يستخدم في الكيانات الإنتاجية الصناعية، التي تحتاج إلى موارد خام لعمليات الإنتاج كي تتلافى أزمة نقصها.
< المشاركة الديمقراطية، وهذا الأسلوب شديد التأثير عندما تتعلق الأزمة بالعنف البشري.
< تفتيت الأزمة، وذلك باللجوء إلى تفتيت قواها إلى أجزاء صغيرة ليسهل التعامل معها منفردة، ويتم في ثلاث مراحل هي
الاصطدام وإعطاء البدائل والتفاوض مع كل فريق.
< احتواؤها، ويتم عبر محاصرة الأزمة وحصرها في نطاق ضيق ومحدود، وتجميدها عند المرحلة التي وصلت إليها مع استيعاب الضغوط المؤيدة لها في الوقت نفسه لإفقادها قوتها.
< تدمير الأزمة ذاتياً، هو أصعب الأساليب، ويستخدم في الأزمات ذات الضغط العنيف والمدمر وتستنفر فيها المعلومات كي تؤثر في مكان الضعف بالأزمة، واستقطاب بعض القوى ذات التأثير المباشر في عوامل الدفع في الأزمة، بهدف التأثير في استقرارها وإفقادها التماسك، وإيجاد حالة من الصراع الداخلي، مما يؤدي إلى تدميرها.
- تحويل مسارها ويستخدم هذا الأسلوب الأمثل والأكثر ضماناً للسيطرة على الأزمة والتعامل معها وفق خطوات علمية متكاملة ومترابطة، وتتمثل في الآتي:
- تقرير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة، ويتم فيه تحديد القوى  المسببة للأزمة ومدى ما وصلت إليه من نتائج وطرائق الحل المضادة.
- تحليل الموقف والدراسة التحليلية، ويتحدد فيه تحليل الأزمة لمعرفة المصالح الكامنة فيها والأهداف غير المعلنة والعوامل المساعدة على إيجاد الأزمة، ثم تحليل أسباب التوتر ونقاط الضعف والقوة والوقوف على طبيعة الخطر الذي تشكله الأزمة وأعباء ونتائج استمرارها ومدى تأثيرها.
- التخطيط العلمي المتكامل للتعامل معها لإعداد الخطط والإجراءات والبرامج اللازمة لمواجهتها وترتيب أسبقياتها وإعادة هيكلة الموارد البشرية والمادية المتاحة وتحديد المسؤوليات وحشد كل الطاقات، وتحديد حجم المساعدات الخارجية المطلوبة ونوعها، وتحديد التوقيت الملائم لبدء تنفيذ الخطة.
- التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة، وهذا التدخل يعتمد على معالجة الأزمة في البداية بشكل سريع، يتطلب قرارات مهمة وسريعة وحاسمة أحياناً، إلا أنه في هذه المرحلة يتم استيعاب الأزمة ومحاولة تحويل مساراتها، مما يسمح بإزالة الآثار الناجمة والناتجة عن عملية المواجهة ومحاولة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، ويصبح التفكير والتصرف العقلاني هما سيدا الموقف .