الجديد في بنية الدولة السعودية

الجديد في بنية الدولة السعودية

عشت في الرياض 12 سنة كأمين عام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تابعت فيها مسار الدبلوماسية السعودية، وقبلها كنت في الأمم المتحدة سفيراً لدولة الكويت لدى المنظمة الدولية، الأمر الذي أتاح لي الوقوف على محتويات هذه الدبلوماسية، ونحن الآن في مرحلة مختلفة، نتابع فيها الجديد الذي دخل تلك المحتويات التي عرفتها في لجان الأمم المتحدة وفي اجتماعات مجلس الأمن والجمعية العامة.

هناك عناصر مستجدة دخلت المضمون المعروف لسياسة المملكة العربية السعودية الخارجية، الذي وضع أساسه الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة، والذي التزم به الملوك اللاحقون من أبنائه، وهذا المضمون هو مبادئ آمن بها الملك عبدالعزيز ورسخها الأبناء في ما بعد، وهي مرآة لواقع المملكة تعكس هويتها، وتبرز مسؤولياتها وتحدد غيرتها على تربتها وإصرارها على حماية سيادتها وحدودها، مع ما يتوافر من حس مرتفع بالمسؤولية الدينية التي تتحملها المملكة في تحقيق تسهيلات لراحة الحجاج ولحماية الأماكن الإسلامية المقدسة.
ويسجل التاريخ أن الملوك الذين تولوا المسؤولية بعد وفاة المؤسس الملك عبدالعزيز صانوا هذه الأمانة وأحاطوها برعاية لها أولوية على ما عداها، كما أرسوا نهجاً استراتيجياً لا مجال للتغيير أو التبديل فيه.
كان الملك المؤسس نبيلاً في تعامله مع أبناء شعبه ومع زواره، سخياً معهم وحريصاً على راحتهم، وبقدر ما كان متفانياً في حماية وطنه، كان شرساً مع خصومه الذين سعوا لتوطئة أقدامهم على تراب المملكة أو احتلال جزء منها أو مس المبادئ التي تلتزم بها.
والتزم الأبناء بهذه التركة، وتبنوا الدبلوماسية الذكية Smart Diplomacy موظفين المسارات نفسها في الترحيب الصافي والسخاء الواقي والدفء المريح، متبنين الأسلوب نفسه عند الشدة في نهج أسود مدافعين عن العرين المقدس بشجاعة سجلها التاريخ وشدة مقاومة أثارت الإعجاب، مع عزم لا يلين وإصرار لا يضعف، وهي الصفات التي توارثوها منذ ولادة الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر.
ويسجل التاريخ مقاومة الملك سعود ثم أخيه فيصل محاولات الثورة المصرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لتقويض أعمدة الاستقرار السعودي، كما أبرز شجاعتهم في الحفاظ على سلامة المملكة ووحدة ترابها.
كما سجل التاريخ أيضاً الفزعة الوطنية لتحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1990 وما صاحبها من تغيير في آليات الدبلوماسية الناعمة الهادئة وتطويرها إلى الدبلوماسية الفاعلة Effective Diplomacy.
كنت في الرياض آنذاك بصفتي الأمين العام لمجلس التعاون، وشاهدت أبناء الملك عبدالعزيز وقد تحولوا إلى نمور من النوع الذي لا يهدأ حتى الوصول إلى هدفه، فقد أيقنوا بأن أمن بلدهم يتعرض للتحدي وحان الوقت للاستبدال بقنوات الدبلوماسية الناعمة آليات المواجهة والذود عن قدسية الوطن ونبل الشرف والضمير.
كما لاحظت من متابعتي أن المرونة هي ركن من أركان الدبلوماسية السعودية، لا تقبل الجمود ولا التحجر، طالما إنها لا تمس الجوهر.
ولم يتردد الملك سلمان بن عبدالعزيز في إطلاق حملة الهيبة ودعم الشرعية اليمنية بعد التمرد عليها، وخصوصاً بعد احتلال صنعاء واعتقال المتمردين للقيادة الشرعية، وبعد أن شعرت المملكة بأن أمنها يتعرض للزعزعة، وأن هناك أصابع إقليمية مستترة وراء التمرد الطامح إلى إقامة نظام يشكل تهديداً لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وبالذات لأمن المملكة، واستجابت بعض دول المجلس لإملاءات الواجب في حماية التربة الخليجية، وشاركت ضمن ائتلاف التحالف الخليجي في مواجهة المتمردين وشركائهم وداعميهم.
ولم يكن قلق المملكة محصوراً في الوضع في اليمن، وإنما كان الوضع في سورية يثير مخاوفها ويزيد قلقها، بعد أن تمادى النظام السوري في تحديه لإرادة التغيير وسخَّر قواته للقضاء على المعارضة التي رفضت استمرار الاستبداد وعملت لتأكيد حق التغيير وفق إرادة شعبية حرة، تؤمن بآدمية الإنسان وكرامته ودستور منفتح على الجميع في إطار ديمقراطي مستنير.
وتبنت المملكة معارضة النظام السوري ومن يقف معه من حلفاء إقليميين ودوليين معروفين، وهو النظام المفروض بالقوة على رقاب الشعب السوري.
وعندما تطلق المملكة شعار عاصفة الحزم والعزم، فإن هذه الكلمات تترجم ما جاء في خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما التقى ضيوف مهرجان الجنادرية وذلك يوم الأحد السابع من فبراير 2016، مؤكداً المبادئ المتوارثة قائلاً: «لا يوجد في المملكة العربية السعودية نزاعات، ولا يوجد فيها إضراب ولا ما يثير الأمن، وأقولها وأكررها، ملوكنا من الملك عبدالعزيز إلى الملك عبدالله رحمهم الله، وأنا أتحمل المسؤولية، إن أمن بلادكم بلاد الحرمين أمن لكم أنتم، الحاج والمعتمر والزائر يجيئها آمناً، لذلك تشرفت أن يسمى ملكنا بخادم الحرمين الشريفين وهذه مسؤولية وشرف لنا».
ويضيف الملك سلمان مجدداً الالتزام بأمن البلد، قائلاً «إن المملكة تدافع عن بلاد المسلمين ومن حقها أن تدافع عن نفسها دون تدخل في شؤون الآخرين، وندعو  الآخرين إلى عدم التدخل في شؤوننا وهي بلاد العرب والمسلمين».
وقد جاءت كلمات الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية استعدادها لإرسال قوات برية لمكافحة تنظيم داعش في سورية، وسط ترحيب من الائتلاف العالمي لمحاربة الإرهاب، ونلاحظ هنا أن المشاركة في سورية لمحاربة داعش ستكون إذا ما تم إنجازها في إطار توافق جماعي، وليست مبادرة فردية مستقلة.
وليست هذه المرة الأولى التي ترسل فيها المملكة قوات سعودية تدافع عن استراتيجية أمنية لها علاقة بأمن المملكة، فقد استقبلت الكويت قوة سعودية كبيرة عام 1961 للدفاع عن استقلالها، بعد أن حاول رئيس وزراء العراق آنذاك عبدالكريم قاسم ضم الكويت بالقوة، كما أرسلت قوات إلى الأردن وسورية وشاركت في قوات حفظ السلام المنبثقة عن الجامعة العربية.
كما نلاحظ أيضاً تطور دبلوماسية المملكة التي انفتحت على الهيئات والمؤسسات الدولية، وتحولت من مراقب هادئ إلى عضو فاعل ومؤثر يشارك في الترشيح ويترأس الاجتماعات ويسعى لعضوية اللجان وفرق العمل.
خلال عملي في نيويورك في الفترة من 1971 - 1981، كان وفد المملكة في الأمم المتحدة يشارك في المداخلات سواء في مجلس الأمن أو اللجان المتخصصة، لكنه لم يسع للعضوية في مختلف اللجان والهيئات بما في ذلك مجلس الأمن.
في عام 2013 ترشحت المملكة العربية السعودية لأول مرة لعضوية مجلس الأمن عن مقعد من المقعدين المخصصين لقارة آسيا، على الرغم من أن المملكة عضو مؤسس في المنظمة الدولية، ورحبت الدول الأعضاء بذلك تقديراً لمواقف المملكة السياسية والاقتصادية ومكانتها الإسلامية، لكنها رغم الارتياح بفوزها بالمقعد، فإن قيادة المملكة رأت أن مجلس الأمن لا ينهض بمسؤولياته الدولية في حفظ الأمن والسلام العالميين، فاعتذرت عن أخذ المقعد وحل الأردن مكانها وشغل المقعد لعامي 2014 و2015، ورغم ذلك فقد تعاونت المملكة ومجلس الأمن حول قضيتين تشغلانها وتشغلان أيضاً الآخرين، هما اليمن وسورية، وسهلت المهمة للمبعوثين لاسيما في حالة اليمن، حيث يتردد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة على الرياض للاجتماع مع الشرعية اليمنية ومع القيادة السعودية، كما أن المملكة ترعى المعارضة السورية المعتدلة وتستضيف اجتماعاتها وتقدم لها الخدمات اللوجستية وتدعمها سياسياً.
هل يمكن القول إن المك سلمان بن عبدالعزيز اتخذ قرارات تعدت الإطار الذي انحصرت فيه مواقف المملكة؟ وللإجابة عن ذلك لابد من تحديد المبادئ التي تشكل جوهر الدبلوماسية السعودية:
أولا: الحفاظ على الدولة الوطنية السعودية بحدودها المعروفة منذ عام 1932، ووقاية هذه الحدود، وتأمين حرية شعبها وحماية سيادتها وتقاليدها وأعرافها، وباختصار مهمة الدبلوماسية السعودية هي سلامة الجغرافيا السياسية والاجتماعية والسيادية للمملكة الدينية.
ثانياً: الالتزام بعروبة الدولة الوطنية السعودية باعتبار الجزيرة العربية أرض العرب التي احتضنت قبائلهم في سابق الأزمان، وهي الموقع الذي انطلقت منه هذه القبائل نحو البحر المتوسط ومصر وشمال إفريقيا، في ممارسة التجارة والهجرة نحو الأفضل قبل بزوغ الإسلام.
ثالثاً: واقع المملكة كمهبط الرسالة المحمدية ومنبع الإسلام وحضن الدعوة التي حملها النبي محمد ، ومنها انطلقت تلك الدعوة إلى خارج الجزيرة نحو إفريقيا وآسيا وجنوب أوربا، وفيها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، في مكة ولد الرسول ، وفيها المسجد النبوي في المدينة المنورة، حيث يرقد الرسول  مع الخليفة أبوبكر والخليفة عمر.
هذه الحقائق، مهبط الوحي وموقع بيت الله الحرام،  ومرقد الرسول  في المدينة، ترسم خطوط الدبلوماسية السعودية، في حمل مسؤولية حماية الأماكن المقدسة.
فالملك فيها هو خادم الحرمين المحافظ على سلامتهما، والمؤمن الوصول إليهما لجميع المسلمين، سواء في فترة الحج أو في فترات أخرى لأداء العمرة.
رابعاً: المملكة عضو مؤسس للجامعة العربية وأيضاً عضو مؤسس في الأمم المتحدة، وتشارك في اتفاقيات عربية ودولية وتلتزم مبادئ الميثاق الذي يجسدها، سواء ميثاق الجامعة أو الأمم المتحدة، وتتصرف بامتثال لقواعده وتراعي في سلوكها الضوابط التي تلتزم بها الأسرة العالمية.
خامساً: واقع المملكة كعضو في مجموعة العشرين التي تتميز بقدرتها الاقتصادية، والمالية، وتماهي السياسة الخارجية السعودية مع هذه الحقيقة التي أخذت في الاتساع بإضافة اهتمامات أخرى للمملكة تزيد من مسؤولياتها العالمية.
لا جدال في أن سياسة المملكة الخارجية هي تعبير عن تداخل مصالح الدولة الوطنية، مع الرابطة العربية في حضن الإسلام، يضاف إلى ذلك واقعها السياسي والاقتصادي المميز إقليمياً وعالمياً.
ويعني ذلك أن المملكة تتحمل أعباء عن مسؤوليات الآخرين، فصوتها السياسي لا يتأخر في الذود عن الوطن والاستعداد له، وواقعها العربي لا يتردد في تبني القضايا العربية بكل أشكالها، وتتصدر مسؤولياتها الإسلامية الأولويات في ترسيخ التعاون بين الدول الإسلامية، وتأمين ترابطها وإخراجها بصوت موحد يضمن لها القوة على مسرح الأحداث.
لذا سعت المملكة بقوة لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، ورشحت مدينة «جدة» كمقر لها، وعززت مكانتها وساهمت في اتساع نفوذ المنظمة في إطار الدول الإسلامية وخارجها، وعززت مكانة البنك الإسلامي للتنمية، متبرعة بمبلغ مليار دولار إسهاماً منها في علاج مشاكل الفقر في الدول الإسلامية.
كما تنهض السياسة الخارجية السعودية بأعباء ترابط واقع المملكة مع مجموعة العشرين، وما يعني ذلك من تحملها واجبات إضافية سياسية واقتصادية وأخلاقية، في الحفاظ على الاستقرار المالي العالمي، والالتزام بسياسة نفطية معتدلة توازن بين حق المنتجين وحقوق المستهلكين دون اضطراب يهز استقرار الاقتصاد العالمي، ورسخت حق المبادرة في زيادة الإنتاج عند الضرورة، متبعة نهجاً مسؤولاً وموثوقاً به في دبلوماسية النفط Oil Diplomacy.
وانسجاماً مع هذه اللائحة من الأسس التي تقوم عليها السياسة السعودية الخارجية، فقد رسم المسؤولون السعوديون نهجاً واضحاً يعبر عن واقع المملكة ويؤدي إلى الحفاظ على صلابة الدولة ووحدتها وسلامة أرضها في شكل مسارات استراتيجية.
ويمكن لنا أن نلقي الضوء على هذا الجديد الذي وجد في بنية الدولة السعودية التي أسسها الملك عبدالعزيز.
كما أشرت في مطلع المقال، فإن قيادة المملكة منذ تولي الملك فهد - خامس ملوك المملكة - مسؤولية الحكم عام 1982، اتخذت خطوات غير مألوفة في سعيها للتناغم مع المستجدات السياسية والاقتصادية المعاصرة، فمع ارتفاع أسعار النفط وزيادة الدخل، صار موقع المملكة السياسي والاقتصادي مختلفاً عما كان عليه سابقاً، فالمتانة المالية والعقلانية السياسية المعتدلة، وضعتا المملكة في قائمة النخب السياسية والاقتصادية في مجموعة العشرين، التي تتكون من الدول ذات الأهلية المالية المساهمة في استقرار الاقتصاد العالمي وازدهاره، وترتب على ذلك مساران مهمان، الأول هو المساهمة المالية الكبيرة التي تقدمها المملكة إلى الاقتصاد العالمي، سواء عبر المؤسسات العالمية وصناديق النقد المنتشرة أو  الدعم المباشر أو عبر صندوق التنمية السعودي أو بالأسلوب الثنائي.
ويتسم المسار الثاني بضرورة إسهام مجموعة دول الخليج، التي وجدت نفسها في وضع متماثل، في التنمية العالمية، وفي الاعتدال في دبلوماسية النفط.
وجاءت فكرة قيام مجلس التعاون الخليجي من الشعور العام بضرورة التكاتف والتكامل واتخاذ موقف موحد في السياسة الاقتصادية وفي تأمين الاستقرار الداخلي وحماية السيادة لدول الخليج.
ونجحت مساعي الخليج في إقامة مجلس التعاون عام 1981، وتكاثفت اجتماعاته وتعاظمت مسؤولياته وبرز كهيئة خليجية يثمن العالم دورها السياسي والاقتصادي والنفطي ويثمن حكمة قياداتها في إدارة شؤونهم.
وسارت المملكة في تعاملها مع مجلس التعاون بالأسلوب التاريخي المعروف بالحذر من الظهور بدور القائد في وعي كامل لمخاطر الحساسيات، مع بروز دورها الريادي عند الأزمات، كما برز مع الغزو العراقي لدولة الكويت، كما حرصت على أن يظل اهتمام مجلس التعاون بالشأن الخليجي تاركاً العمل العربي للجامعة العربية، حرصاً من المملكة على وحدة العمل العربي المشترك دون انكفاءات.
وبعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز عام 2005، جاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز  بمقترحات تعظيم الدور السعودي في القضايا العربية والإقليمية، وتأكيد الإسهام السعودي في المحفل العالمي، فقد طرحت المملكة وبمبادرة منه، عندما كان ولياً للعهد، ما يسمى المبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، بالاعتراف بإسرائيل في حدود عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية، وخرجت قمة بيروت عام 2002 بالمصادقة عليها كمبادرة عربية سجلت في الأمم المتحدة، ثم أكدتها المجموعة الإسلامية وصارت الصيغة التي تنال الإجماع عربياً وإسلامياً وعالمياً.
كما ساند الملك عبدالله الجهد الدولي لمقاومة الإرهاب، ودفع بالمملكة لتتولى السبق في إقامة مركز محاربة الإرهاب العالمي في الرياض مع تبرع بمبلغ مائة مليون دولار لتسهيل انطلاقه.
وتوجه الملك عبدالله نحو الحوارات بين الحضارات في إيمان بضرورتها بين الأديان والثقافات وإيماناً منه بدورها في التقارب بين الشعوب، وغرس مشاعر الألفة بينها، وتبنى إقامة «مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات» في مدينة فيينا مع تبرع سخي لبدء ممارسة جوانب نشاطه.
ومما يلفت النظر أن عهد الملك عبدالله تميز بتوالي المبادرات المتنوعة، سواء على الصعيد العربي في تنقية الأجواء، أو على الساحة الدولية في تكثيف وجود المملكة، لاسيما في المنظمات السياسية والمالية، وفي هذا الإطار ترشحت المملكة لأول مرة لعضوية مجلس الأمن إيمانا من الملك عبدالله بإسهام المملكة في توجيه الشأن السياسي العالمي نحو المبادئ التي جسدها ميثاق الأمم المتحدة بــدلاً من احتكار القوى الكبرى للقرار في مجلس الأمن حماية لمصالحها وتنفيذاً لاستراتيجيتها.
واتخذ الملك عبدالله، بعد نجاح المملكة في عضوية المجلس، قرار عدم المشاركة والانسحاب، في خطوة غير مسبوقة، مدفوعاً بقناعاته بأن المجلس لن يحقق التوقعات في فرض العدالة والانتصار للمظلوم.
ومع تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد السلطة، استمرت الديناميكية التي أشعل فتيلها الملك عبدالله، متمثلة في قرار مقاومة التهديدات التي يتعرض لها أمن المملكة، سواء في اليمن أو من إسقاطات الوضع في كل من سورية والعراق، مع التصدي لمساعي زعزعة استقرار دول الخليج والدفع بها نحو الصراع الطائفي.
واستمرت المملكة في ممارسة الدبلوماسية الفاعلة متمثلة في الخطوة غير المألوفة في تاريخ المملكة، المعبرة عن المرونة الدبلوماسية، عبر مشاركة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اجتماعات حلف الناتو في بروكسل يومي العاشر والحادي عشر من فبراير 2016، لبحث إمكان مشاركة المملكة ضمن قوات التحالف الدولي البرية لمحاربة تنظيم «داعش» والقضاء عليه.
ومن هذا الاستعراض، نتوصل إلى أن المملكة العربية السعودية تملك خبرة واسعة في إدارة الأزمات جمعتها من تاريخ ممتد لثلاثة قرون تعرضت فيها الدولة السعودية إلى أنواع من المؤامرات لتقويض نظامها، وانبثقت من قدرة قيادتها منذ قيام الدولة السعودية الأولى على مواجهة الصعاب بشجاعة مميزة وبحزم شديد مع استعداد للتضحية ومواصلة المقاومة حتى التأكد من هزيمة العدو وضمان الاستقرار وسلامة الوطن وترسيخ أمنه وسيادته.

الخلاصة
إن أبرز الجديد في بنية الدولة السعودية هو نهج الاستباقية Preventive الذي نتابعه في عاصفة الحزم والحسم في اليمن وفي التزام المملكة بالمشاركة في ائتلاف القوة البرية للتحالف الدولي حول سورية، وتمثل واقعاً يستند إلى تقدير ودراسة لمخاطر البطء والتردد، ولا شك في أن هذا الجديد حمّل المملكة دوراً إقليمياً بــارزاً بما فيه من تبعات استراتيجية وسياسية واقتصادية، لكن ذلك كله يصب في قرار الملك سلمان حماية حقوق الإنسان واحترام آدميته وترسيخ شرعيته في الحياة الكريمة الآمنة في وطنه، وفق المبادئ التي جسدتها وثائق الأمم المتحدة وميثاقها.