الجهاد والتكفير وتجديد الخطاب الديني... مفاهيم في ضوء العقل جوهر الإسلام الاعتدال

الجهاد والتكفير وتجديد الخطاب الديني... مفاهيم في ضوء العقل جوهر الإسلام الاعتدال

إن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني تقتضي التفكير العميق، غير  المتطرف وغير المتزمّت، في ظل القول المأثور: «وما ضرّ الأمة إلا ترك الاعتدال»، وذلك من أجل توضيح بعض معاني «المفاهيم» ووضعها في سياقها الفقهي السليم، وإنكار التفسير الخاطئ والمتطرف لها، ومن هذه المفاهيم: الجهاد والتكفير.

الجهاد فريضة مظلومة من أبنائها مثل خصومها، حيث اعتبروا القتال غاية في حد ذاته، بينما هو مجرد وسيلة للدفاع عن بلاد المسلمين. ففكرة الجهاد من أجل الجهاد فكرة باطلة، لأن الأصل في الإسلام هو السلام وليس الحرب، كما أن الأصل هو الإحياء وليس الموت، ورسالة الإسلام لم تنزل لإزهاق الأنفس، وإنما جاءت لإحيائها وإصلاحها وعمارة الأرض، ونهى الإسلام عن القتل لأي نفس {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32)، ولم يقل المولى عز وجل من قتل مسلماً أو مؤمناً، وإنما أطلق مفهوم النفس، وكل الأنفس معصومة، كما قال ابن تيمية. ولا يستثنى من ذلك، إلا بدليل أنصع من شمس النهار.
والجماعات ليست مهمتها الحرب، ولكن هذه المهمة للدول والحكومات التي تحتكر استخدام القوة. ولا ينبغي على كل مجموعة أن تكون ميليشيا ثم تحارب كما تشاء، وإلا كانت الفوضى حتى ولو أساءت إليهم الدولة، لكي لا ينفرط عقد المجتمع، أخذاً بالقاعدة الشرعية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، ومبدأ «اختيار أهون الشرّين»، واعتناق بعض الجماعات لفكرة التكفير وخاصة في أوقات الأزمات، والتضييق كرد فعل على ذلك، والتكفير والتهجير وجهان لعملة واحدة، فإذا تم قذف الحاكم بالتكفير وبقية أفراد المجتمع والجنود، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى العنف والتفجير والتدمير.
أولاً: مفهوم الجهاد في الإسلام
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (الحج: 78)، وقد يشير الجهاد إلى الجهاد السلمي في إطار المجتمع لإقامة العدل، ويُثني القرآن على المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، وهناك مجاهدة الحاكم ومناصحته، وهي أفضل أنواع الجهاد: «أفضل أنواع الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»، وهناك الجهاد الحربي وقد يشار إليه بـ «القتال»، وله مبرران، أولهما: دفع العدوان ورده، وثانيهما: منع الفتنة: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190)، بمعنى أن القتال آخر وسيلة يُلجأ إليها لوقف العدوان. والدفع المشروع أو الحرب الدفاعية كما تسمى اليوم مشروطة شرعاً بعدم تعدي الحدود المعقولة لرد هذا العدوان، أي عدم المبالغة بحجة رد العدوان. وقد ربط بعض المسلمين - هداهم الله - بين مفهوم الجهاد وممارسة العنف، وقد أسيء استخدام هذا المصطلح الإسلامي من بعض غير المسلمين خاصة، حين أطلق على العمليات التي توصف بالإرهاب. وهذه الحركات التي تُمارس القتل والتدمير في بلاد المسلمين وغير المسلمين باسم الإسلام، هي أبعد ما تكون عن الإسلام فكراً ومنهجاً.
والأصل أن الجهاد المشروع يكون لرد العدوان على المسلمين أو مغتصبي أراضيهم ومقدساتهم، أي جهاد الأعداء، لا بين المسلمين أنفسهم (الفتنة - حرب أهلية) أو ضد غير المسلمين.
ومن الخطأ الافتراض بأن الجهاد هو الحرب المقدسة كما يُطلق عليه الغربيون، إذ ليس في الإسلام حرب مقدسة أو غير مقدسة، وإنما شُرِّع للدفاع عن المسلمين.
ولم يشرّع الجهاد لمحاربة الكافرين أو المخالفين للإسلام، إذ القاعدة: «أن كُفر الكافر لا يبيح هدر دمه»، فسبب الجهاد الاعتداء على الدين وأهله، على ما استقر عليه الرأي الفقهي (الجمهور) بدليل الآية التي سبق أن أشرنا إليها آنفاً: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190)، وهو ما يدل على أن قتال من لم يُقاتل - وهو في حكم المسالم - عدوان وظلم، وهذه الآية محكمة وليست منسوخة.
وقد كانت سيرة الرسول  أن من سالم لم يقاتله، بل لقد تعايش مع اليهود وتعامل معهم بالتجارة وزار مريضهم وأكل من طعامهم. كما دعاهم لإيثار السلم على الحرب {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال: 61). كما حرّم النبي  مقاتلة النساء والصبيان والرهبان والشيخ الكبير والأعمى والضعفاء وأهل الذمة، أو إساءة معاملة الأسرى والتمثيل بجثث القتلى أو قطع الشجر المثمر أو حرق المساكن أو الأبنية، لكون القتال شُرِّع لمن يقاتل المسلمين، ولأن الإسلام جاء رحمة للعالمين، وقد حرّم حرب الإيذاء والظلم. فالإسلام دين السلم والسلام ويكره إراقة الدماء إلا لضرورة تقتضيها المصالح ودفع المضار والعدوان، والضرورة تقدر بقدرها. أي أن يخلو الجهاد من البغي والعدوان والتجاوز، وأن يأتي الجهاد من حاكم الدولة ورأسها. ولا يُشرَّع الجهاد ضد المسلمين ولو كانوا من المنافقين، مادام أنهم مسالمون ولا يبغون في الأرض فساداً ولا يعتدون، كما لا يُشرَّع الجهاد ضد الأنظمة الحاكمة وإن لم يطبقوا الإسلام، أو ضد الهيئات الأجنبية أو التي تمثل مصالحها، لما قد يؤدي ذلك للفتن وهلاك البشر والحرث والضرع، كما هو حاصل في بلاد الشام منذ خمس سنوات. كما لا تجوز محاربة الأجانب من غير المسلمين في بلاد المسلمين، طالما كانوا مسالمين ويُعتبرون أهل عهد ومن أهل الذمة، ولو كانت حكوماتهم تتبع سياسة مخالفة لمصلحة المسلمين، لكونهم لا يحملون وزر حكوماتهم، وهؤلاء من قصدهم المولى تعالى بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4).
ومن ثم فإن استعمال العنف السياسي المسلح بشتى أنواعه باعتباره جهاداً داخل البلاد الإسلامية أو خارجها بدعوى قمع المنكرات، يعتبر غير مشروع وخطأ في التطبيق.
أما قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (البقرة:191)، فلا يشير إلى القـــتــل الــــشامل للكـــــفار كــــما يزعم البعض، بدليل أن الآية تضـــيف في الســــياق نفسه {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}، بما مفاده أن العــــدوان قد وقع على المسلمين، فحقّ عليهم الدفاع عن أنفسهم وردّ العدوان دون تجاوز. وإيمان البشر جميعاً أمر مستحيل لقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103)، وإن شرط التوقف عن قتال غير المسلمين مرتبط بإنهاء عدوانهم وظلمهم: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193). {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (الأنفال: 39)، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (البقرة: 194)، فعلة القتال هنا هي رد الاعتداء حتى ولو كان من جماعة مسلمة.
ويعلمنا التاريخ أن رسول الله  لم يبدأ قوماً بحرب إلا بسبب عدوانهم أو ظلمهم. وكان المسلمون يفرضون الجزية كضريبة على غير المسلمين (أهل الذمة) الذين يعيشون في ديار الإسلام نظير حمايتهم والاستفادة بمرافق الدولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «من آذى لي ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة»، ومن رحمة الإسلام وسماحته أنه أباح زواج المسلم من الكتابية، لتكون شريكة حياته وربة بيته وأم أولاده وهي غير مسلمة، وأن يكون أخوالهم وخالاتهم من غير المسلمين.
أما قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (التوبة: 5) وكذلـــك قوله سبحانه  {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (محمد: 4)، فالآيتان تتعـــلقان بحالة الحرب مع مــــشركي العرب، بدليل أن الآية التي تسبق الأولى تستثني من لا ينقض عهده، كما جــــاء فـــي الآيــة الرابعة من «سورة التوبة» المذكورة آنـفا، ولو صح أن الشرك وحده سبب للقتال، لما كان هـــــناك مـــــجال للاستثناء، بل إن الآية «السادسة» تنص على إجازة من طلب الأمان من المشركين، حتى يسمع كلام الله، ثم إبلاغه مأمنه حتى ولو لم يسلم {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (التوبة: 6)، وحرمة الإكراه في الدين حتى لو كان مشركاً أو ملحداً: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256)، وعلة قتال المشركين هي نقضهم العهد والصلح، ومبادأتهم بالعدوان على المسلمين.
ولا يجوز قتل الكافر، لأن الإسلام حمى من يعيش على أرضه وخاصة أهل الذمة، وإلا لما عاشت الأقليات الدينية تحت ظل الإسلام ودولته القوية، إذ يؤكد ذلك ما روي عن الرسول : «من آذى لي ذميّاً، فأنا خصيــمه يوم القيامة».
وحينما انتقد القرآن بعض تصرفات المسلمين: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} (التوبة: 97)، فهل يعني ذلك أن الوصف ينصرف إلى جميع الأعراب آنذاك؟! {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (العنكبوت: 46). والحاصل أن هدف الجهاد في الإسلام هو الدفاع عن حرمات المسلمين، ولا يقصد به حمل السيف بظلم للآخرين وقتل النفس التي حرّم الله أو ترويعها: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190). ولا ننسى أن اليهود أنفسهم لا ينسون الأمن والأمان الذيــــن عاشــــوهــــما عهوداً طوالاً سواء في أرض الجزيرة العربية أو في بلاد الأندلس أو في بعض الدول العربية حالياً.

ثانياً: التكفير
لقد ارتبط مفهوم التكفير بالجهاد باعتباره الادعاء الذي يستند إليه التكفيريون، سواء تكفير المسلمين أو غيرهم، ليكون مبرراً لهم لارتكاب العمليات الإرهابية وسفك الدماء البريئة والتدمير والخطف. 
وهم يعتبرون المسلمين مرتدين، كما أن بعضهم يكفِّر الحاكم، وتـــشدد فريق منهم بتكفير المجتمع لعدم تكفيره الحاكم، فاعتبروا المجتمع جاهلياً، وتسبب ذلك في سفك دماء المسلمين وهتـــــك أعراضهــــم، وسلب أموالهم من دون وجه حق، على الرغم من كونـــهم مؤمنين ويقيمون الشعائر، وهم ينتهــجـــون منهـــج الخوارج الذين كفّروا سيدنا الإمام علي - كرّم الله وجهه - وقومه، وكل ذلك سببه عدم فهم الدين وسماحته. 
ومما لا شك فيه أن التكفير بغير دليل صريح انحراف في الفكر، على الرغم من تحذير النبي  من ذلك لقوله: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما». لذا يتعين تحرير الفكر من هذه المفاهيم المغلوطة التي تخالف الكتاب وسنة المصطفى ، حتى لا تكون سبباً في سفك الدماء، ودرءاً للانقسام في المجتمع المسلم، ذلك أن الإسلام دين تسامح بُني على المحبة والتعايش السلمي مع جميع الأديان واحترام الآخر، إنه دين البناء والعلم والسلام، أما البغض والكراهية فهما ديدن الحاقدين، هذا هو جوهر ديننا العظيم ورسالته الخالدة منذ أكثر من 14 قرناً، حيث عايش النبي   أهل الكتاب وتزوج منهم وأكــل طعامهم وتعامل معهم في التجارة، واشترى منهم السيوف والدروع.
ذلك هو دين عمر الفاروق حينما رفض الصلاة في كنيسة القيامة في القدس، ليس تكبراً وتجريماً، بل حكمة وحصافة.

ثالثاً: تجديد الخطاب الديني
إن تجديد الخطاب الديني هو مطلب طبيعي في حياة الناس، وحاجة ملحة لمواجهة مستجدات الحياة ومتغيراتها بما يتطلب اجتهاداً خاصاً ونظراً جديداً، يتفاعل معها ويتناسب مع طبيعتها في حدود الشرع، وقد نجح الفكر الاقتصادي الإسلامي في مسألة استثمار رؤوس الأموال وتوظيفها عبر آليات لاقت اهتمام المؤسسات الاقتصادية العالمية حتى تسابقوا لاحتضان برامجه وتطبيقاته، إلا أنه لم يتم تطوير الفكر السياسي بالموازاة بسبب حالة الضعف العام والتشتت التي تلف أمة الإسلام، ولانزال مقلدين دونما فكر أو تمحيص، ولا يمكن تجديد الفكر الديني إلا بوجود بيئة صالحة يكون فيها تفعيل للحريات ومصالحة وطنية شاملة، فالتجديد في الخطاب الديني لا ينجح في مجتمع تشيع فيه الكراهية والأحقاد والصراعات مع معاناة فئة الشباب الذين لا يجدون عملاً لائقاً.
والمفروض أن يكون هناك خطاب ديني يجدد ولا يبدد، يبشر ولا ينفر، يقرّب ولا يبعد، يستقي من الأصل ويتصل بالعصر ويهتم بفقه المصالح والمفاسد وفكر المراجعة والمناصحة والنتائج، لا يقدس العلماء السابقين، وفي الوقت ذاته لا يهيل التراب عليهم بغير حق... يخاطب العقل والوجدان ولا يدغدغ العواطف، خطاباً ينشر الحب ولا يدعو للكراهية، ينشر التسامح مع المخالفين في الدنيا والدين، ولا يخوض في الأعراض ولا يتاجر بالمصطلحات ولا يتتبع زلات العلماء أو عوراتهم، ولا يوسع من دائرة التحريم بغير حق، فالتحريم بغير حق كالتحليل بغير حق... خطاب لا يؤمن بنظرية المؤامرة أو يعتقد أنها تُسيِّر الكون، يجــــمع بين النص والعقل جمعاً صحيحاً، ويعترف بتنوع الاجتهادات من أهل الاجتهاد، ويــــؤمن بأهمية التعددية السياسية والفكرية، خطاب ديني يهدي ولا يكفّر.
ويجب أن نفرق بيـــــن ثوابت الإسلام ومتغيراته، فنتـــــمسك بثوابته بصلابة ونكون مع متغيراته بمرونة. وثوابت الإسلام قليلة ومتغيراته كثيرة، لذا فالإسلام دين ديناميكي يصلح لكل زمان ومكان، ويصلح لكل الأعراف والبيئات. فالإسلام الذي ســــمح بأن يجمع بين رأسين من دينين مختلفيـــــن على وسادة واحدة هو دين عظيم، والإسلام الذي جعل الأصل هو السلام وليس الحرب هو دين عظيم أيضاً، والإسلام جعل الإحياء (إحياء النفس) هو الأصل، وتعمير الكون أيضاً، وليس قتل الأنفس أو خراب الأكوان، الإسلام الذي علّم الناس قبول المفسدة الصغــــيرة درءاً للكـــبــــيرة، ويـــــفوّت المصلحة الصغيرة طلباً للكبرى والذي لا يحول الخطأ إلى خطيئة، أو الخطيئة إلى كفر، هو دين عظيم... الذي يرتب أولويات الحياة ويقدم حفظ «أي نفس» على كل شيء هو دين عظيم.
ندعو الله تعالى أن يحفظنا من الزلل، وأن يسدد خطانا، وأن يوفقنا جميعاً لنكون ألسنة صدق وأقلام حق، لنعكس سماحة عقيدتنا وسمو قيم ديننا الحنيف.