الثقافة في الكويت... نشأتها وتطورها

الثقافة في الكويت... نشأتها وتطورها

تحتفل الكويت هذا العام باختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية، وهو ما جاء إثر المساهمات المستمرة التي تقدمها الكويت على المستوى الإنساني، ولتقديمها الصورة المعتدلة للروح الإسلامية المتسامحة مع المجتمعات الأخرى بغض النظر عن عقائدها الفكرية، وكذلك لدور الكويت في تعزيز مفهوم ثقافة السلام والوسطية وتقبل الآخر والتعايش السلمي بين جميع الأديان. 

الثقافة كلمة تحمل في مضمونها، وبين تعريفاتها العديدة، الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للشعوب. وهي المرآة الصادقة التي تعكس هوية مجتمع ما، والسلوك الذي يختاره الأفراد داخل المجتمع بإرادته الحرة, بغية الارتقاء بنفسه وتحرير ذاته من الانغلاق وضيق الأفق. والثقافة، أيضا، كمصطلح لغوي واسع، تشمل كل ما يتصل بالإنسان من عادات وتقاليد وموروثات اجتماعية وفكرية وأدبية وإبداعية، إضافة إلى مجموع القيم والمعلومات التي تحكم السلوك. 
ولا شك أن الثقافة في الكويت هي امتداد لتراث الثقافة العربية والإسلامية، وذلك بحكم الموقع الجغرافي الخاص والمتميز الذي تحظى به دولة الكويت على ساحل الخليج العربي، الذي كان له الأثر في جعل المجتمع الكويتي منفتحاً ومتقبلاً للثقافات المحيطة، وساهم أيضاً في نضجها وتفاعلها. 
وحين يتم اختيار الكويت اليوم عاصمة للثقافة الإسلامية، فإن ذلك يؤكد أن علاقة أهل الكويت بالثقافة علاقة قديمة، أسهم في إقبال أهل الكويت عليها كونها مجتمعاً منفتحاً على الآخر.
في مطلع القرن العشرين، كانت الكويت مجتمعاً صغيراً يعتمد اقتصاده على التجارة والصيد والغوص على اللؤلؤ، كما شاعت فيه حياة البادية المتنقلة وبعض الحرف اليدوية التي تحتاج إليها حياة البحر والبادية. وبسبب تلك الظروف، اشتهرت الكويت بصناعة السفن بحرفية، واستطاع من خلالها البحارة الكويتيون اعتلاء البحار والمحيطات وصولاً إلى الهند وشواطئ إفريقيا على تلك السفن الشراعية من أجل التجارة والصيد. كما ارتبط نشاط أهل الكويت التجاري بالصحراء والتنقل فيها ومقاومة المناخ الحار والجاف.
ورغم قسوة الحياة في ذلك الوقت، وقبل ظهور النفط، كانت الحياة بسيطة وهادئة يسودها التفاؤل واحترام الكلمة والالتزام بالدين والانتماء إلى المجتمع وتضامن أفراده. كما أن كثرة التنقل، براً، وبحراً، أتاحت للكويتيين الانفتاح على الحضارات والمجتمعات المحيطة بها، ما أدى إلى اكتساب المعرفة وتقبل كل ما هو جديد ونافع للمجتمع.
ويبدو أن تلك الظروف قد أدت إلى ظهور إرهاصات مبكرة للثقافة والتعليم في الكويت. فقد ارتبط تاريخ التعليم والوعي الفكري بالكويت منذ النشأة الأولى للبلاد، وكانت البداية في القرن الثامن عشر، ممثلة في اهتمام بسطاء أهل الكويت بالتعليم وحرصهم على حفظ القرآن الكريم، والإلمام بالشريعة الإسلامية. واتخذت في ذلك الوقت المساجد والكتاتيب شكلاً من أشكال المدارس. وكانت الكتاتيب تركز على تحفيظ القرآن وتعليم مبادئ القراءة والكتابة وبعض مبادئ العلوم البسيطة. وكان القائمون على تلك الكتاتيب بعض الأشخاص المتطوعين من رجال الدين في المجتمع الكويتي.
وفي سبيل التعرف على المؤسسات التعليمية والثقافية الأولى التي نشأت في الكويت، التي كان لها دور كبير في تشجيع الاهتمام بالثقافة لاحقاً، نرجع إلى مجلدات «الثقافة في الكويت» الصادرة عن دار سعاد الصباح، بمشاركة عدد كبير من المؤلفين، وتتناول كل ما يتعلق بالثقافة في الكويت منذ نشأتها حتى الوقت الراهن، ومن أبرز تلك المؤسسات:

المدرسة المباركية
في عام 1911 بدأت فكرة إنشاء المدرسة المباركية، التي تعد أول مدرسة نظامية في دولة الكويت، وقد سميت بهذا الاسم نسبة لحاكم الكويت في ذلك الوقت الشيخ مبارك الصباح، وكانت أولى ثمرات نمو الوعي وازدياد اليقظة الفكرية، باعتبار أن التعليم هو حجر الأساس في تدعيم كل نهضة، وفي تقدم ورقي الشعوب. 
وقد بدأت فكرة إنشاء هذه المدرسة في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي في ديوان يوسف بن عيسى القناعي، وهو أحد رواد النهضة في الكويت والمساهمين في حملة الإصلاح. وكان المجلس يضم مجموعة كبيرة من أهل الكويت ورجال الدين من بينهم ياسين الطبطبائي، وهو أحد رجال الدين المعروفين، فقام بطرح فكرة الاقتداء بما جاء به النبي  وأن يتعرفوا على سيرته وأنهم لن يتمكنوا من معرفة ذلك إلا بالتعليم، ولا علم إلا بوجود مدارس ومعلمين يكونون كالسراج المنير الذي يخرجهم من الطريق المظلم إلى النور، واعتبار أن الدين مكون أساسي من مكونات ثقافة المجتمع، وهكذا تم الاتفاق على إنشاء أول مدرسة نظامية. 
وجسَّد بناء هذه المدرسة بداية عهد جديد من الثورة المعرفية الجديدة على المجتمع الكويتي في ذلك الوقت، وقدم دلالة على حرص المجتمع الكويتي على الارتقاء، وتنمية مداركه، رغم قلة الموارد وصعوبة المعيشة. كما أنها من جهة أخرى قدمت دليلاً آخر على التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، وحب العمل الخيري والتطوعي الراسخ في الكويتيين منذ القدم, حيث أنــشئـــت هذه المدرسة وتمت إدارتها من تبرعات الكويتيين واجتهاداتهم الشخصية، أمثال يوسف القناعي وشملان بن علي وياسين الطبطبائي، بالإضافة إلى تبرعات ومساهمات المواطنين المحبين للعلم والمعرفة. وكانت بداية انطلاقة المدارس النظامية في الكويت. 

الجمعية الخيرية
تميُّز الكويت في العمل الإنساني واحتلالها مراكز متقدمة في العمل الخيري لهما جذور تمتد طويلاً مع تاريخ ونشأة البلاد، فهما من تراث الأجداد وتطلعات الأبناء. لكن هذه الجمعية الخيرية كان لها دور ثقافي كبير، فهي أول جمعية خيرية في الكويت وأنشئت عام 1913 في عهد الشيخ مبارك الصباح، وأسست ككيان أهلي، وتعنى بشكل كبير ببعض الأمور الدينية، وتهتم بارسال بعثات للتعليم على نفقة هذه الجمعية. كما كان لديها عدد من المحاضرين الذين كانت تتم دعوتهم للكويت من الدول العربية المحيطة، لإثراء الحركة التعليمية والثقافية في الكويت. وبالإضافة إلى تقديم المساعدات للأفراد، وتجميع الكتب والمطبوعات وتوزيعها، كانت الجمعية الخيرية تقدم المعونة العلمية والاجتماعية والدينية. وقام فرحان الخالد الذي اشتهر بحبه للعلم ونشأته الدينية وكرمه وسعيه للإصلاح بإنشاء هذه الجمعية من أمواله الخاصة لتحقيق هدفه النبيل وهو الإصلاح والقضاء على الجهل لخدمة المجتمع. وعلى الرغم من قلة إمكانات هذه الجمعية، فإنها ساعدت في تقديم خدمات رائدة في العمل الخيري والتطوعي.

المكتبة الأهلية 
بدأت الحركة الثقافية في الكويت تأخذ طريقها إلى التطور والازدهار بافتتاح أول مكتبة عامة في الكويت عام 1923 في عهد الشيخ أحمد الجابر. وكان قد دعا إلى إنشائها في ذلك الوقت يوسف القناعي، واعتمدت على تبرعات مجموعة من المواطنين وأثرياء الكويت، منهم السيدة شاهه الصقر التي تبرعت بشراء الأرض لبناء المكتبة. وكان يتردد عليها أهل الثقافة والعلم لتيسر عليهم الاطلاع والعلم. وقد أسهمت المكتبة بدورها في ظهور حركة فكرية دفعت إلى الساحة بعديد من المفكرين والأدباء.
 تلقت المكتبة عند افتتاحها وبدء نشاطها مجموعة كبيرة من الكتب القيمة، التي قدمها عدد من الكويتيين الذين تحمسوا لدعم هذا المشروع، ومن أهل الخير والأدباء والمحسنين الذين تبرعوا بتزويد المكتبة بمجموعة متنوعة من المجلات والصحف، ما ترك أثراً في تشجيع القراءة  وساعد على  بداية النهضة الأدبية في الكويت.

النادي الأدبي
فكر مجموعة من المثقفين الكويتيين، من بينهم خالد سليمان العدساني  في عام 1924 بتأسيس ناد يجمعهم يلتقون ويتبادلون فيه الآراء, بهدف نشر الوعي الثقافي والأدبي في المجتمع. وبالفعل افتتح النادي الأدبي في أبريل عام 1924 وكان بمنزلة اتحاد للأدباء في ذلك الوقت. وكان يجتمع فيه الأدباء والمفكرون وكل محبي الفكر والأدب, يومياً, لبحث قضايا الأدب والمجتمع النافعة ونشر المعرفة بين الشباب في ذلك الوقت. وكان أول ناد يؤسس في تاريخ الكويت، وعندما تم افتتاحه كان له صدى جميل ومؤثر في جميع أنحاء المنطقة. وانضم إلى النادي عدد كبير من المثقفين وأصبح  ملتقى للشباب والكبار لتبادل الآراء والأفكار في ما بينهم وإلقاء المحاضرات ونشر العلوم. وقد أسهم أهل الكويت مادياً ومعنوياً، دعماً للنادي الأدبي، من خلال التبرع بالكتب والمخطوطات وإقامة الندوات وإلقاء الخطب والقصائد الشعرية، حتى أصبح منارة من منارات الثقافة في ذلك الوقت.

مجلة الكويت
أنشئت في عام 1928 أول مجلة كويتية وهي «مجلة الكويت»، أصدرها الأديب والمؤرخ عبدالعزيز أحمد الرشيد أحد رموز الثقافة الكويتية، وكان مشهوراً بحبه للأدب، وكان مصلحاً اجتماعياً له آراؤه، ومواقفه الوطنية المؤثرة والشجاعة في ذلك الوقت. وكانت المجلة تدعو إلى التجديد والإصلاح وتهتم بأمور الدين، وكانت لها أفكار واقتراحات لدعم الإصلاح والتقدم. وقد لعبت المجلة دوراً كويتياً لا يستهان بقيمته في تلك الفترة المبكرة في نشر الثقافة وتأكيد مشروع التنوير في المجتمع الكويتي. وكان القائمون على المجلة يقومون بطباعتها خارج الكويت لعدم توافر مطبعة في الكويت في ذلك الوقت. وعلى الرغم من صعوبة التنقل في تلك الفترة، حيث لم تكن وسائل الانتقال الحديثة معروفة في الكويت، كانت المجلة تصدر وتصل إلى قرائها. وكان للمجلة صداها في المنطقة، ونالت شهرة واسعة لما كانت تحويه من تنوع في الأفكار والموضوعات، وإصرار القائمين عليها على  طرح كل ما هو جديد ومفيد لتغيير حياتهم للأفضل. 

ولا شك أن هذه الدلائل المبكرة لاهتمام أهل الكويت بالثقافة، قبل فترة طويلة من اكتشاف النفط،  هي ما أهلها لاحقا لكي تنفتح أكثر على الثقافة والفنون، وتقدم نماذج رائدة في العمل الثقافي، من خلال إصدارات ومجلات ثقافية انتشرت في أرجاء العالم العربي، وكذلك الانفتاح على فنون المسرح الذي تمكنت أن تحفر لنفسها فيه موقعا لا يستهان به، وفنون الدراما لاحقاً، إضافة إلى الموسيقى والطرب، وغيرها من مجالات الفنون والآداب، التي أسهمت من خلالها في التعبير الفني عن هويتها الإنسانية ورسالتها الإنسانية، وكينونتها كثقافة تعبر عن الانفتاح على الآخر، والتفاعل مع ثقافات العالم تأكيداً لقيم التسامح واحترام الآخر. 
ولا تزال الثقافة اليوم في الكويت كما كانت، ثقافة تعبر عن التوازن بين الأصالة والمعاصرة, بين المادة والروح, بين العلم والإيمان... ثقافة ثابتة في يقينها في القيم الإنسانية الأساسية المستمدة من القيم الدينية الإسلامية الروحية، تتحرك وتتفاعل وتـــدور حول المحور الثابت المتمثل في السلام والتــــسامح بين المجتمعات.

مغادرة الطلاب بعد انتهاء اليوم الدراسي عام 1951