العرب بين أمريكا والكيان الصهيوني: د. سليمان إبراهيم العسكري

العرب بين أمريكا والكيان الصهيوني: د. سليمان إبراهيم العسكري
        

          تكشف الرؤية الهادئة لردود الفعل الإسرائيلية المتحفظة على الأحداث الساخنة من ثورات وانتفاضات تمور بها أرجاء المنطقة العربية، عن الكيفية التي يتحرك بها الكيان الصهيوني في إطار الإستراتيجية طويلة المدى، التي وضعت قبل أكثر من قرن لاحتلال فلسطين وفق الشعار الصهيوني المعلن «أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات»، بينما تتوالى الحكومات الصهيونية لتنفيذ هذا المخطط، مهما تغيرت الأسماء والوجوه، مستندة إلى الغرب الأوربي وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى كحليف إستراتيجي تاريخي يدعم الكيان الصهيوني بكل السبل المالية والعسكرية والسياسية والإعلامية!

  • كيف لدولة فلسطينية قابلة للحياة أن تحمي نفسها من دون سلاح وقوة عسكرية، وعلى حدودها - بل وفي قلبها - دولة يهودية مدججة بأحدث ما وصلت إليه الصناعات العسكرية التدميرية وفي مقدمتها القنابل الذرية?!
  • إن هذا التحالف الوثيق بين الكيان الصهيوني والولايات  المتحدة لا يستند إلى قوة اللوبي اليهودي وتأثيره العميق في سياسات الولايات المتحدة الخارجية فقط، بل إن له جانبًا دينيًا وعقائديًا في صلب الوعي الديني لدى المواطن الأمريكي
  • إن إعلان إسرائيل عن طبيعة الدولة التي تطمح لإقامتها بوصفها «دولة يهودية» يتضمن بالضرورة انتزاع كل الحقوق أو الامتيازات التي يتمتع بها عرب إسرائيل، مسلمين ومسيحيين، وإجبارهم إما إلى إعلان يهوديتهم أو الخروج من حدود مواطني الدولة
  • إن رياح التغيير التي تهب على المنطقة وتعد بإرساء الديمقراطية وإطلاق الحريات سوف تعتمد على أساليب جديدة في الحكم، من بين سماتها تغيّر الوجوه وتعاقبها على الحكم في الجمهوريات العربية المختلفة لكي تنفذ مصالح شعوبها وبينها تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي

          إذا تأملنا السياسات التي يمارسها الكيان الصهيوني فسوف يتضح لنا في الوقت نفسه عدد من التناقضات، بين ادّعاءات هذا الكيان وحلفائه في الغرب عن الديمقراطية والليبرالية، بينما ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعبر عن نزعة عنصرية لا لبس فيها، توجت أخيرًا بأنها «دولة يهودية»، وهو ما يؤكد على الجذور الدينية لهذه الدولة وليست السياسية، وهذا جانب يجب الانتباه إليه في فهم ذلك التأييد الشعبي والحماسي الأمريكي، الذي جعل رئيس الحكومة الإسرائيلية في خطابه داخل الكونجرس قبل شهر مضى يبدو كأنه يخاطب أعضاء حكومته ويحظى بالتصفيق المتوالي، رغم أنه عارض ما كان الرئيس الأمريكي أوباما قد شدّد عليه قبل أيام من هذا الخطاب.

          ويمكن القول إن  الكيان الصهيوني في تنفيذ إستراتيجيته يعتمد على عاملين رئيسيين، أولهما الاستناد إلى الدعم الكامل والضمانة الأكيدة من الولايات المتحدة الأمريكية، أما العامل الثاني فيمثله العمل الدءوب المتواصل من أجل تشتيت وحدة الدول العربية، ودعم عوامل الفرقة الداخلية، المتمثلة في إثارة ودعم الفتن الطائفية والمذهبية، أو الصراعات السياسية الداخلية على السلطة. والنتيجة هي ضمان عدم اتفاق العرب على موقف موحد ضد الكيان الصهيوني، بحيث يمكن له أن يتقدم في إستراتيجيته الموضوعة سلفًا والتي وفقا له نجحت في احتلال فلسطين في 48 والأراضي العربية المحتلة في 67 لأكثر من 60 عامًا حتى الآن.

الخطاب الأمريكي - الإسرائيلي

          وإذا عدنا إلى زيارة نتنياهو لأمريكا أخيرًا، لنتأمل الخطابين المتتابعين اللذين ألقى بهما كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ثم رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو عن رؤيتهما عن الصراع العربي - الإسرائيلي، في وزارة الخارجية الأمريكية (أوباما) وفي مجلس الشيوخ الأمريكي (نتنياهو)، لوجدنا نموذجا ساطعا على الكيفية التي يعمل بها الكيان الصهيوني لتنفيذ مخططه، في مقابل موقف عربي صامت ومتخاذل.

          كان الرئيس الأمريكي أوباما قد دعا الكيان الصهيوني للعودة إلى حدود 1967 قائلًا: «إن الولايات المتحدة تعتقد أن المفاوضات يجب أن تسفر عن قيام دولتين بحدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر، وحدود إسرائيلية دائمة مع فلسطين. ونحن نعتقد أن حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تقوم على أساس خطوط العام 1967 مع تبادل متفق عليه في الأراضي، بحيث يتم إنشاء حدود آمنة معترف بها للدولتين، إذ يجب أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في حكم نفسه بنفسه ويحقق كامل إمكانياته في دولة ذات سيادة ومتصلة»، مضيفًا أن الوضع الراهن غير قابل للاستدامة ويتعين على إسرائيل أيضًا أن تتحلى بالجرأة لتحقيق سلام دائم.

          إلا ان رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو لم يجد أي حرج في رفض فكرة الانسحاب إلى هذه الحدود التي طرحها الرئيس الأمريكي، وقال في نص كلمته: «إن الحدود ستكون مختلفة عن الحدود الموجودة في الرابع من يونيو من العام 1967، وإن إسرائيل لن تعود إلى حدود العام 1967 التي لا يمكن الدفاع عنها»، مضيفًا: «إسرائيل ستكون سخيّة فيما يتعلق بحجم الدولة الفلسطينية، لكنها ستكون ثابتة بشأن وضع الحدود مع هذه الدولة، وهذا مبدأ مهم، ويجب ألا ننسى هذا المبدأ، فنحن نعترف بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون كبيرة بما يكفي لتكون عملية وأن تكون مستقلة وتكون ذات رفاهية. كلكم جميعًا والرئيس أيضًا قال إن إسرائيل هي موطن للشعب اليهودي، تمامًا كما كنتم تتحدّثون عن دولة فلسطينية مستقبلية بصفتها موطنًا للشعب الفلسطيني».

          وبالرغم من أن الفارق بين خطاب أوباما السنوي للأمريكيين والعالم، وبين خطابه الثاني أمام اللوبي اليهودي (إيباك) كان بضع ساعات فقط، فقد تراجع أوباما في خطابه الثاني عمّا قاله في خطابه الأول عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

          وقد أكّد نتنياهو على «دولة فلسطينية (منزوعة السلاح) والدولة اليهودية، وبالتالي يستحيل على الكيان الصهيوني العودة إلى خطوط 1967».

          وباستثناء هذا التراجع فإننا يمكن أن نرى العديد من خطوط التماس بين الخطابين ومنها ما قاله أوباما عن أمن الكيان الصهيوني وفلسطين: «وأما بالنسبة للأمن، فإن لكل من الدولتين الحق في الدفاع عن النفس وينبغي لإسرائيل أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي تهديد، والشروط يجب أن تكون قوية أيضًا إلى حد كافٍ للحيلولة دون عودة الإرهاب ووقف تسرّب الأسلحة وتوفير أمن فعال للحدود، وانسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية التام يجب أن ينسّق مع تولي الفلسطينيين مسئولية أمنهم في دولة ذات سيادة غير عسكرية»، وهو المعنى نفسه تقريبًا الذي أعلنه نتنياهو حين قال: «من المهم أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح تمامًا، من الضروري أن تبقى إسرائيل على حضور عسكري على المدى الطويل على خطوط على طول نهر الأردن، إن التدابير الأمنية المهمة على الأرض ضرورية، ليس فقط لحماية السلام، فإنها مهمة أيضًا لحماية إسرائيل في حالة ما إذا تكشّف السلام، لأنه في منطقتنا التي تتميز بعدم الاستقرار فلا أحد يضمن أن شركاء السلام اليوم سينكرون ذلك في المستقبل، وعندما أقول الغد لا أعني زمنا بعيدا».

          ويصعب على أي إنسان قادر على الفهم أن يستوعب هذا التناقض، فكيف لدولة فلسطينية قابلة للحياة أن تحمي نفسها من دون سلاح وقوة عسكرية، وعلى حدودها - بل وفي قلبها - دولة يهودية مدجّجة بأحدث ما وصلت إليه الصناعات العسكرية التدميرية وفي مقدمتها القنابل الذرية؟ فالرئيس الأمريكي يقول: «بوجود دولة إسرائيلية دولة يهودية آمنة تعيش جنبًا إلى جنب بسلام وأمن مع دولة فلسطينية»!

          ويبدو واضحًا أن الكيان الصهيوني في إستراتيجياته طويلة المدى يتحرك وهو يعرف أن الولايات المتحدة معه على طول الخط، بوصفها حليفًا رئيسيًا، ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هنا أن هذا التحالف الوثيق بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لا يستند إلى قوة اللوبي اليهودي وتأثيره العميق في سياسات الولايات المتحدة الخارجية فقط، بل إن له جانبًا دينيًا وعقائديًا في صلب الوعي الديني لدى المواطن الأمريكي.

الدعم الأمريكي والعقيدة الدينية

          في مستهل خطاب أوباما الذي سبقت الإشارة إليه نجده يقول عن دول الشرق الأوسط: «وعلى الرغم من أن تلك البلدان تقع على مسافات بعيدة عن شواطئنا، فإننا نعلم أن مصيرنا نحن يرتبط بهذه المنطقة، بقوى الاقتصاد والأمن، وبالتاريخ والعقيدة».

          ففكرة العقيدة لها ثقل كبير في فكرة انتهاج الولايات المتحدة سياساتها الداعمة للكيان الصهيوني، وهو ما تناوله العديد من الكتاب في الولايات المتحدة ومنهم والتر ماكدوجال في كتابه «أرض الميعاد وأرض الدولة الصليبية»، الذي ترجمه للعربية الكاتب رضا هلال، وفيه يوضح المؤلف دور العامل الديني في السياسة الخارجية الأمريكية، ويركز على التمايز بين العهد القديم للسياسة الخارجية الأمريكية، والذي استهدف الحرية في الداخل، والعهد الجديد الذي حاولت فيه أمريكا توسيع دورها في العالم ثم قيادته، موضحًا المفارقة الهائلة بين السياسة الخارجية الأمريكية في القرن التاسع عشر ، والتي كانت على أساس العهد القديم وأرض الميعاد ، وتلك السياسة في القرن العشرين.

          وقام رضا هلال نفسه بتأليف كتاب حول الموضوع بعنوان «المسيح اليهودي ونهاية العالم» وتتلخص أطروحته في الكتاب في مقولة مفادها انحياز الولايات المتحدة لدولة الكيان الصهيوني ومساندتها مساندة شاملة بلا قيد ولا شرط في مشروعها التوسعي، الذي يسعى إلى تصفية الوجود العربي في فلسطين على الأقل، بل وفي المناطق المجاورة «من النيل إلى الفرات» إذا سمحت الظروف بذلك، ويرجع ذلك إلى أسباب دينية وثقافية الطابع أكثر منها سياسية وليس انحيازًا إستراتيجيًا ناتجًا عن المشاركة في المصالح. ويصل هلال إلى أن الجمهور الأمريكي أي (الرأي العام) هو الذي يفرض على مؤسسة الحكم هذا الخيار المنحاز للمشروع الصهيوني.

          والمعنى أن كثيرا من المسيحيين المتدينين في الولايات المتحدة يعتقدون أن المخلَّص (المسيح المنتظر) سوف يظهر في إسرائيل، وبالتالي يدعمون وجود هذه الأرض لكي تتاح الفرصة لظهور هذا المخلَّص.

رؤية إسرائيلية مقابل لا رؤية عربية

          وبغض النظر عن جوهر هذه الرؤى الأمريكية فإنها في النهاية وسيلة من وسائل الكيان الصهيوني في ضغطه المعنوي على الولايات المتحدة لتحقيق خطته الإستراتيجية بلا هوادة، أو تراجع، لا يقابلها، على الجانب العربي، إلا غياب الرؤية الواحدة، إذا كانت هناك رؤية أصلًا لدى أي طرف من الأطراف، التي يمكن بموجبها استعادة حقوق الفلسطينيين المغتصبة، والانشغال بالفتن والعصبيات الدينية، التي بلغت حد الانقسام الداخلي والاقتتال في فلسطين بين حماس وفتح، إضافة إلى شواهد الفتن في أرجاء واسعة من العالم العربي القائمة على المذهبية والطائفية.

          وهذا الغياب للرؤية العربية يعبر عن فشل إستراتيجي تعانيه  منظومات الإدارة والسياسة العربية منذ عقود، ولاتزال، وهو ما يجعلها فاقدة للإرادة في نهاية الأمر لتحقيق مطالب الشعوب العربية العادلة.

          في المقابل نجد أن الكيان الصهيوني قد وضع رؤية إستراتيجية بعيدة المدى لا يحيد عنها أي ممن تولوا حكوماته على مدى تاريخ احتلاله للأراضي العربية، بدءا من بن جوريون صاحب تسمية الدولة العبرية الوليدة باسم إسرائيل ومن مؤسسيها الأوائل، الذي تولى رئاسة الحكومة تسع مرات، بدأت الأولى بقيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 وانتهت التاسعة في 26 / 6 / 1963، ثم تتابعت السياسة ذاتها على الحكومات المتعاقبة التي تولاها كل من موشيه شاريت ثم ليفي أشكول، وجولدا مائير ومناحم بيجين، اسحق شامير، اسحق رابين، ثم بيريز ونتنياهو وباراك وشارون وصولا للزمن الراهن.

          ولا تخشى أي من هذه الحكومات أيًا من ممارسات البطش واستخدام القوة المفرطة مع الشعب الفلسطيني الأعزل، والمجازر التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين بلا تمييز، ولا في تعارض هذه الممارسات من مقولات الديمقراطية التي تتشدق بها آلة الإعلام الغربي عن الكيان الصهيوني بسبب الدعم الكامل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين.

          فهذا المجتمع تكوّن أساسًا على العدوان والاحتلال والاستيطان والتوسع وطرد السكان، وقام على أساس «نقاء الدولة وصفاء العرق اليهودي»، ومازال يرفض أن تكون إسرائيل دولة لكل مواطنيها، بل لليهود منهم فقط وليهود العالم الموجودين في خارجها، هذا هو جوهر الفكرة الصهيوينة، التي لاتزال الأجيال اليهودية تتربى عليها في مؤسسات مجتمع الكيان الصهيوني المدنية والعسكرية، وهذا ما يفسر التنكيل والقتل المتعمد واللاإنساني الذي تمارسه المؤسسة العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين.

تناقضات العنصرية

          إن أحد أبرز مظاهر التناقض التي نشهدها اليوم إصرار إسرائيل على أن تمنح دولتها طابعًا دينيًا، مقابل رفضها المعلن لكل الفصائل العربية ذات التوجهات الدينية وبينها حماس، ووصف جميع التنظيمات الدينية بالإرهاب والتطرف، بالرغم من أن ظهور هذه التوجهات السياسية ذات الطابع الديني، في جانب كبير منها، رد فعل بديهي للشعارات التي ترفعها إسرائيل وترسخ لها عن طبيعتها الدينية. وفي إطار استمرار الحكومات الصهيونية على تأكيد الطابع الديني للدولة، فعليها أن تتوقع المزيد من ردود الفعل ذات الطابع الديني في المنطقة ردا على هذا النهج، وربما نشأة المزيد من التنظيمات السياسية الدينية لمواجهة الشعار الديني اليهودي المعلن من قبل الكيان الصهيوني.

          وتجدر الإشارة إلى أن إعلان إسرائيل عن طبيعة الدولة التي تطمح لإقامتها بوصفها «دولة يهودية»، وهذا ما وافق عليه الرئيس الأمريكي أوباما، يتضمن، بالضرورة، انتزاع كل الحقوق أوالامتيازات التي يتمتع بها عرب إسرائيل، مسلمين ومسيحيين، وإجبارهم إما إلى إعلان يهوديتهم، أو الخروج من حدود مواطني الدولة، وإن بقوا فسوف تنتزع منهم جميع الامتيازات التي قد تتعلق بفرص العمل أو الإقامة وغيرها. والغريب أن الرئيس الأمريكي يساند قيام دولة دينية في إسرائيل (يهودية) ويرفض قيام دولة دينية في فلسطين (إسلامية)، وهو ما يعبر عن ثقافة الحروب الصليبية المختزنة في أعماق الثقافة الأوربية.

          وبالتالي فإن العامل الديني الذي يستند إليه الكيان الصهيوني اليوم، لكي يغذي إلهامه للمتدينين المسيحيين في الولايات المتحدة، وربما خارجها أيضًا، هو في الحقيقة لون من ألوان الحق التي يراد بها باطل، وإقحام للدين في السياسة، شأنه تقوية النزاعات الدينية - السياسية في العالم العربي، وتأكيد الطابع العنصري للدولة اليهودية.

          وهذا العامل الديني، أيضًا، هو الذي يجعل الكيان الصهيوني حتى اليوم يراوغ كثيرًا في فكرة رسم حدود محددة لدولته، لأنه في إخلاص حكوماته على تنفيذ الإستراتيجية الموضوعة سلفًا يعرف أن الأرض الموعودة هي «من النيل إلى الفرات»، بينما الواقع بعيد عن هذه الفرضية لأسباب سياسية عديدة.

          والمطلوب الآن من جميع القوى العربية الوقوف بحزم وبرؤية إستراتيجية مقابلة تحقق كيفية استعادة الأراضي المغتصبة في فلسطين ووقف التعديات والاستيطان، وإيجاد وسائل الضغط التي يمكن ممارستها على الغرب لتأكيد حق الفلسطينيين في أرضهم. والتأكد من أن تغير الوجوه في أي من الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، لا علاقة له بالثوابت الإستراتيجية لكل منهما.

          فصحيح أن خطاب باراك أوباما بشكل عام تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط يبدو أكثر ليونة من سابقيه، لكنه في النهاية يراعي المصالح الأمريكية العليا ولا يستطيع تجاوزها، وبينها حق الدعم المطلق لإسرائيل.

          إن هذه الإستراتيجية التي ينبغي على الدول العربية أن تتحرك الآن لوضع أسسها، وملامحها العامة، وإعداد الخطط الإستراتيجية الزمنية لتنفيذها تبدو اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى، خصوصا أن رياح التغيير التي تهب على المنطقة وتعد بإرساء الديمقراطية وإطلاق الحريات سوف تعتمد على أساليب جديدة في الحكم من بين سماتها تغير الوجوه وتعاقبها على الحكم في الجمهوريات العربية المختلفة، لكي تنفذ المصالح العليا لشعوبها التي تقوم بانتخابها، ومن بين أولويات مصالح الشعوب العربية تسوية النزاع العربي الإسرائيلي من أجل مستقبل أفضل لكل الأجيال الجديدة في المنطقة العربية بأسرها، وفي مقدمتها إنشاء دولة فلسطين العربية ذات السيادة الكاملة على أرضها وحدودها وسمائها ومياهها وحريتها.

 

سليمان إبراهيم العسكري