جانب من التراث الموسيقي العربي «تاريخ الموسيقى والغناء في الكويت»

جانب من التراث الموسيقي العربي «تاريخ الموسيقى والغناء في الكويت»

يحتل موضوع الموسيقى والغناء عند شعوب العالم حيزاً كبيراً من الاهتمام، وذلك لأهمية الغناء والموسيقى بين الناس على مختلف فئاتهم وطبقاتهم كجزء من الموروث الوجداني الذي يتم التعبير عنه فنياً، بدءاً بأغاني الأطفال وصولاً إلى الكبار من مرددين ومنشدين، في شتى المواضيع من تراتيل العبادات إلى أغاني الحرب والهجاء والغزل والمديح، بين جميع الأعمار والفئات والطبقات تقريباً, حيث تبين الدراسات النظرية مدى العناية بهذا الموضوع.

أكدت مصادر الموسيقى والغناء عند العرب قبل الإسلام، حضور ألوان الغناء في كثير من المناسبات الاجتماعية، كالزواج وغيره، أو في ترانيم العبادات في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام.
ومن المؤكد أن الشعر، وهو ديوان العرب، هو أساس الغناء في الجزيرة العربية، حيث كان يعتمد عليه عليّة القوم والقبائل في التعبير الفني، فكانت القبيلة تحتفل بمولد شاعر من أبنائها (وتقيم الولائم وتغني النساء على المزهر كما يصنعن في الأعراس) احتفاءً بظهور فرد من الموهوبين ممن سيتولى الدفاع عنها ويوثق مآثر وبطولات أبنائها.

مقام الشاعر الاجتماعي
كان للشاعر مقامه الاجتماعي السامي في كل مكان، سواء في بلاط الحيرة أو في قصور آل غسان أو في سوق عكاظ أو في خيمة البدوي (كانت كثرة من المغنين والشعراء من طبقة الملوك والأمراء في أيام الجاهلية مما يلفت النظر).
والشاعر موسيقي أكثر منه ناظماً وقيل إنه كان يستأجر موسيقياً (مغنياً) يغني أبياته الشعرية مثلما يستخدم راوية يرويها عنه، وفي بداية ظهور الإسلام ونشر دعوة النبي محمد  والصحابة رضي الله عنهم، وانشغالهم بنشر تعاليم الإسلام السامية، انحسر الاهتمام بالغناء والموسيقى، نسبياً، في تلك الفترة. 
أما الشعر فلم يفقد مكانه، فقد كان الشاعر حسان بن ثابت أشبه بشاعر النبي  الرسمي، وواحداً من أقوى من ذاد عن النبي والإسلام، وقام بمواجهة الأضداد وسحق عادات التكبر والترفع عن العامة. وبعد فتح مكة دخل كثير من المناوئين إلى الإسلام، وكان من بينهم كثير من الشعراء والمغنين.
وبعد فترة استقرار الإسلام في مكة والمدينة، ظهرت بعض الأراجيز والأغاني، قيل إن بعضاً من الصحابة أعرض عنها ومنهم من استهجنها ومنهم من أقبل على سماعها.                        
كما تروي كثير من المصادر أن النبي  أوصى بالغناء للزفاف، إذ إنه قال لعائشة حينما زفت عروس أحد الأنصار: «أبعثتم معها مَن يغني؟ قالت لا، قال أما علمت أن الأنصار قوم يعجبهم غناء الغزل». وكذلك في بعض المناسبات التي عايشها ولم يحرم الغناء فيها، وهنا يرى البعض أن هذه أنواع محددة من الغناء وليس للغناء على عواهنه.

جدل طويل
لعل واحداً من أعقد مواطن الجدل في الفكر الإسلامي وأشدها ابتعاثاً للحيرة، موقف الدين الإسلامي من الموسيقى، وكأن الجدال لم يتوقف بين الفقهاء والمشرعين في سماع الموسيقى، فمنهم من أرجعه إلى الشعر وسوّغ إباحته في الدفاع عن وجهة النظر الإسلامية في مواضيع تدعم توجه المسلمين في جميع المناسبات والتوجهات، ومنهم مَن رأى غير ذلك.

الأسانيد التي تبيح السماع
إن الأسانيد التي تبيح «السماع» لا تقل قوة عن أضدادها، وإن لم تكن بكثرتها، وقد جاءت الكثير من المؤلفات التي اهتمت بهذا الشأن، وطرحت بأسانيدها من الأحاديث إضافة لآراء مهمة لهذه المواضيع. وبين أيدينا كتاب أصدره متخصص بالموسيقى، قدم فيه من وجهة نظره كمسلم وموسيقي حاصل على مؤهل عالٍ، وهو د.حمد الهباد، في كتابه «المختصر في حكم النغم والوتر»، كثيراً من الأحاديث وشرح علاقة الموسيقى بالمسلمين، وبيّن مدى إباحة الغناء والموسيقى في كثير من المواضع، معتمداً على المراجع الموثقة.

بداية علم الهارموني
الهارموني harmony، اصطلاح يطلق على مجموعة من الأصوات الموسيقية من آلات موسيقية أو أصوات بشـرية تؤدي أكثر من لحن في وقت واحد وبشكل متناسق، وفق مهارة المؤلف الموسيقي أو الموزع، والهارموني له أشكال عدة أشهرها المستخدم في العزف الأوركسترالي السيمفوني orchestra symphony، فمنه «الكونشرتو concerto»، و«الكاونتربوينت counter point»، أو الطِّباق في الموسيقى، وهو العلاقة بين الأصوات التي تعتمد بعضها، على بعض، ومع ذلك تستقل في الإيقاع والمعالم وتستخدم الآلات الوترية والنحاسية والخشبية. 
وقد كتب كل من الفارابي (في القرن العاشر) وابن سينا (القرن الحادي عشر) عن المسافات الموسيقية باعتبارها بداية علم الهارموني الذي ارتقى بالموسيقى العالمية، كما كتبا عن تناغم وتداخل الأصوات «النغمات» كشرح بُعد الدرجتين الأولى والثالثة كمسافتين متفقتين، حيث سبقا العالم الغربي الذي يستقي موسيقاه وعلم الهارموني ونظرياته بالذات، عن كثير من الفلاسفة والعلماء العرب. 
وقد أتت إسهاماتهما بين إسهامات عدد كبير من العلماء والفلاسفة العرب، بدءاً من الفيلسوف يونس بن سليمان الكاتب (المتوفى سنة 148هـ - حوالي 765م) ومعه أربعة وثلاثون عالماً وفيلسوفاً من بينهم: الخليل ابن أحمد، الكندي، ابن المنجم، المسعودي، الرازي، الأرموي، إسحاق الموصلي، وغيرهم كثير، ولعل آخرهم أبو زيد عبدالرحمن الفاسي المتوفى سنة 1096هـ، حوالي1685م، حيث أسهموا في طرح كثير من النظريات التي ارتقت لاحقاً بالموسيقى العالمية.
وقد أشار د. يوسف شوقي لهذه الحقيقة بقوله: «لقد حمل د. هنري  فارمر Dr. Henry farmer  لواء الدعوة لنا نحن العرب، وأخذ على عاتقه وحده تعريف العالم المعاصر بما تدين به نظرية الموسيقى في أوربـــــا للمعرفة العربية، وعمل مخلصاً على شـد انتباه العالم إلى الفلاسفة العرب وعلمائهم، الذين كانت لهم كتابات في الموسيقى أثــرت في معارف الإنسانية».
كما أكدت د.سمحة الخولي الفكرة نفسها، حيث كتبت تقول: «ونحن نرتكب خطأ تاريخياً لا يغتفر إذا أغفلنا عظماء الفلاسفة والمفكرين والمسلمين من العصور الوسطى، فهم الذين سبقوا علماء الغرب من الألمان والفرنسيين والأمريكيين في العصر الحديث، بما تركوه لنا، وللغرب ذاته، من تراث علمي وفلسفي يتناول الموسيقى، ونخص بالذكر منهم الكندي والفارابي وإخوان الصفا وابن سينا والأرموي وغيرهم، وإن كانت الموسيقى لا تمثل إلا واحداً من مجالات بحوثهم الواسعة، التي اطلع الغرب فيها لأول مرة على جوانب الفكر اليوناني القديم».

المؤتمر الأول للموسيقى العربية
 عُقد مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة عام 1932 لتدارس الموسيقى العربية تحت رعاية الملك فؤاد ملك مصر آنذاك، فــــي أروقة معهد الموسيقى العربية، الموجود حالياً في  شارع رمسيس، وذلك بعد بضع سنوات مـــن تأسيس معهد الموسيقى العربية تحت رعاية الملك فؤاد الأول عام 1929م، وقد ضم المؤتمر موسيقيين من مصر والشام وتركــــيا وبــعض المـــندوبين الأوربيين. 
وقام بالدعوة إلى المؤتمر عام 1932 الفنان محمد أحمد الحفني تحت الرعاية الملكية، وكان الحفني قد أتم دراسته للموسيقى في ألمانيا. وكان الهدف من الدعوة إلى المؤتمر الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي، خصوصاً بعد وفاة أعلامه الكبار مثل المنيلاوي عام 1911، وصالح عبدالحي عام 1912، وسيد درويش عام 1917، وهم مجموعة من رموز الفن والأعلام الذين خلفوا موهبة الغناء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ الفنان عبده الحامولي، الذي كان يغني في قصور الخديو إسماعيل. 
وبُحث في المؤتمر السُلَّم العربي الموسيقي وعلاقته بالسُّلَّم الموسيقي الغربي، والمقامات، والإيقاع، وقدمت فيه محاضرات عن طرق تدريس الموسيقى وتاريخها.
كما اهتم الحاضرون باختيار الأعمال الموسيقية المصرية والعربية التي يجب الحفاظ عليها كتراث يحفظ للأجيال القادمة. وكانت مصر حاضنة للموسيقى، وعرفت بتقدير المتعاملين فيها، وخصوصاً تلك النخبة منهم التي ذُكرت في «كتاب الموسيقى الشرقي» للأستاذ محمد كامل الخلعي، الذي حفظ كثيراً من نصوص ومقامات، وكان مشهوراً ومحبوباً حين ذاك, وعند الرجوع إلى دور الموسيقى بمصر قبل المؤتمر، فقد كانت تزخر بالموسيقيين والمغنيين الذين تخصصوا في ألوان من الغناء الشرقي، أهمها «الموشحات»، ودور الرواد منهم في تأليف النصوص والألحان والغناء المتقن. (انظر كتاب الموسيقى الشرقي الذي وصف فيه المؤلف نقلات المقام بين الدرجات الموسيقية وأسمائها الشائعة قديماً من تأليف الموسيقار محمد كامل الخلعي، ذيلّه د.حسين فوزي).

الموسيقى بين مصر والكويت
مما يؤسف له أنه لم تكن هناك صلة في ذلك الوقت بين الموسيقيين في مصر والكويت، وقد كتب في ذلك د. يوسف الدوخي:
«ومن غريب الاتفاق أن يتعايش الفرج والحامولي في عصر واحد، وأن يحملا مشعل الفن كل حسب درايته واتساع مداركه. ومن غريب الأقدار أن يتوفيا في عام واحد وكأنهما على موعد مع القدر. 
فعبده الحامولي (1845 - 1901) ما إن تخرج في الفن على يد أستاذه حتى علت مكانته وطفقت شهرته البلاد، وأتيح له السفر إلى إسطنبول أكثر من مرة، استغل فيها موهبته ليضيف إلى ألوان الغناء ألوانا طريفة. وعبدالله الفرج (1836 - 1901) نشأ في الهند، وكانت له يد في الرسم والتصوير، وبرع في دراسة الموسيقى، فصنع من تلك الدراسة ألحاناً تداولها عازفو الخليج». 
لذلك أخذت الأغنية العربية تسير، عموما، نحو مفترق الطرق لاقتفائها جميع الأساليب المتبعة في الغناء العربي القديم. 
«مركز رعاية الفنون الشعبية 1956»
لعل أهم ما قامت به حكومة الكويت ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هو إنشاء مركز رعاية الفنون الشعبية، الذي يعتبر ثاني مركز للفنون الشعبية بعد مصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث أولت الوزارة عناية علمية وفنية بالتراث الشعبي الحي، وقام المركز بتسجيل مختلف أنواع الفنون من وسائل التسجيل المختلفة الصوتية والفوتوغرافية والسينمائية، كما جمع الآلات الموسيقية والأزياء، وأشرف على تأسيس المركز الفنان رائد الموسيقى والمسرح الأول حـمـد عيسى الرجيب (1924-1998م)، ولحسن الحظ أن يكون بين من كان لهم دور الريادة في المركز الأستاذ صفوت كمال، الذي يعد واحداً من الشخصيات المميزة في علم الفلكلور، وله أهمية بين كثيرين من الأساتذة بهذا الجانب، وكان من الشخصيات التي لها دور الريادة. 
وانضم لهذا المركز الأول بالخليج  نخبة من الشخصيات الأدبية، مثل: أحمد العدواني، أحمد البشر. وقد شكلت مجموعة من اللجان على النحو التالي:
- لجنة  الموسيقى والفنون الشعبية.
- لجنة المسرح: زكي طليمات, محمد النشمي.
- لجنة الفلكلور والتراث الشعبي: صفوت كمال.
- لجنة  الموسيقى والفنون الشعبية: وكان في عضويتها من الفنانين حمد الرجيب، سعودالراشد، أحمد الزنجباري، أحمد باقر، ومبارك الميال. كما انضم لها من الفنانين الشعبيين والنهامين راشد صالح الجيماز وغيره من الجيل القديم، ثم الأخوين دوخي، وهما المطرب عوض الدوخي والشاعر الملحن يوسف الدوخي محمد التتان، وجاء من جيل الشباب شادي الخليج وعبدالحميد السيد وإبراهيم الصولة وغيرهم. وتقاطر الفنانون والموسيقيون وشعراء الأغنية وكتّابها والهواة أيضاً على هذا المركز.
وتعد لجنة الفنون الشعبية من أهم اللجان التي بدأت الكويت بعدها تخطو إثر خطى الدول العربية في الحفاظ على موروث عامة، والموسيقى الغنائية بصورة خاصة، وبدأ التطوير الموسيقي الحثيث, متزامناً مع دراسة ما كان يقدمه الفنانون المؤسسون للفن في الكويت والخليج، وما تركوا من تراث لدى أبناء الخليج، لتبرز بعد ذلك ألوان من الموسيقى والغناء العربي بهذه المنطقة كغناء شعبي من دون آلات موسيقية، أو التي تعتمد على آلات موسيقية محدودة مثل آلــة الـعـود بشكل رئيس، والكمان إن وجدت، والآلة الإيقاعية الشهيرة في أثناء غناء ألوان الصوت الثلاثة التي جاء بها عبدالله الفرج (1836/1900م), الذي يعتبر مؤسس الصوت في الخليج العربي، وتلاميذ مدرسته مثل: الفنانين خالد البكر وأخيه يوسف، وإبراهيم اليعقوب وأخيه، إضافة إلى عبداللطيف العروج. وكان هذا اللون من الغناء هو فن الصفوة ومن الفنون المحببة للعامة، كما كان للفنان الشيخ محمد بن فارس  (1895/1935م) والفنان ضاحي بن وليد، دور الريادة في غناء وألحان الصوت البحريني.

الموسيقى الشعبية في الكويت
نظراً لثراء الموسيقى الإيقاعية في منطقة الخليج العربي بصورة عامة والكويت بصورة خاصة، وهذا لا يعني الإقلال من أهمية الإيقاعات في سائر أرجاء الجزيرة العربية والوطن العربي، لكن لضيق المساحة وتكثيف الموضوع، سأركز على الكويت.  ففي الكويت والخليج توجد ضروب إيقاعية مزدوجة متداخلة تداخلاً يشابه إلى حد كبير التوزيع الهارموني، وهذا توزيع هارموني فطري، ومن هنا يكتسب قوته وتأثيره. وهذه النوعية لم نسمع أو نقرأ عنها في الإيقاعات المعروفة في الوطن العربي كإيقاعات الموشحات،  فقد اقتصرت في وظيفتها على تقوية الإيقاع وتنظيم حركة اللحن. وأبدع الفنان الشعبي في تنظيم هذه الإيقاعات على درجات مختلفة. فجعل لكل آلة إيقاع تسمية ولها مشتقات، ومهمة خاصة، وضروب تختلف في ما بينها مكونة إيقاعاً واحداً… «وتكثر الآلات الإيقاعية أو تقل في الغناء الجماعي وفقاً لعدد الأصوات التي تؤدي الغناء... وما تناسب معها فتشكل بذلك القالب الغنائي».
ولدينا الآن هذا الإيقاع الذي تؤديه آلات عدة:      
أولاً: خط اللحن «الغــناء».
ثانيا: خط الطــــــارات، وهو الإيقاع الأساس.
ثالثاً: آلة «الطبل الخماري» الشكل الثابت.
رابــــــعاً: «الــطـــبل اللاعـــــــوب» للتـــصرف والزخرفــــــــــة.
خامسـاً: آلة «الطويسات» للزخرفة الإيقاعية: وهي حادة الصوت يسمعها جميع المؤدين.
ويتبع هذه الطريقة من قوالب الغناء الكثير التي تؤدّى باستخدام عدة آلات إيقاعية.
وقد تستبدل بـ«الطارات» أي الدفوف «الجحال» أي الأواني الفخارية وذلك في غناء الحدادي «البحري».
ولهذا يلاحظ أن أكثر أنواع الغناء اعتمدت على آلات الإيقاع منذ القدم لتغطي نقص الآلات النغمية، وهنا يحرص الفنان الشعبي، على تعدد آلات الإيقاع، وتعدد درجاتها الموسيقية، فمنها ما يأخذ شكل الباص ومنها الدرجات المتوسطة والحادة، إضافة للتصفيق المزخرف والأدوات النحاسية مثل الصاجات الصغيرة والنحاسية (الطاسات) والهاون، وبعض الأواني الفخارية التي لا تؤثر فيها عوامل الطبيعة من رطوبة على الجلود بالنسبة للدفوف وغيرها.
كما توظف الإيقاعات والتصفيق في كثير من أغاني العمل، وهي إيقاعات صعبة ومعقدة تردد في أثناء غناء البحارة عند الإبحار بالسفن الكبيرة لمسافات طويلة للهند وإفريقيا وغيرهما، تغنى لتوحيد الجهد في أثناء رفع الأشرعة وإنزالها، وكذلك عند الاستعداد لرسو السفينة  والتجديف، وكذلك أغاني الترفيه.

ألحان الصوت
 من العجيب أن ألحان الصوت التي عرفت في منطقة الخليج العربي كقالب من الغناء الرئيس لم تكن معروفة قبل انتشار وسائل الإعلام أو قبل بث الإذاعات في الكويت والبحرين ودول الخليج. أما غناء الصـوت، فهو الغناء الكلاسيكي في الكويت والبحرين بشكل خاص، وفي دول الخليج بشكل عام.
 إيقاع الصوت: هو الذي يؤدى بمصاحبة آلـــة العـود الرئيسة وآلة إيقاعية صغيرة تحمل باليد وينقر بالأصابع عليها باليد الأخرى وهو على ثلاثة قوالب من الإيقاع.
 أولاً: الصوت الشامي، وهو رباعي الإيقاع 4/4.
ثانيـاً: الصوت العـربي، وهو سداسي الإيقاع 4/6.
 ثالثاً: «الصوت الخيالي»، وهو مركب إيقاع الرباعي 8/12، وهذا النوع الذي تَغلُب على نصوص ألحانه مواضيع أخف على السامع، وإذا رددت ألحانه غناءً من دون آلة إيقاع المرواس يسمى «خـتم،  وتؤدّى أغانيه عادة في نهاية السمر وبمواضيع من الوعظ أو النصيحة والطرافة كعجوز الشعر.  وتعتمد ألحان  الصوت على النص الفصيح أو نص الشعر الحميني الذي كان معروفاً وشائعاً في غناء الموسيقيين لألحان الصوت الثلاثة.

القوالب الغنائية الشعبية الكويتية
إن الألحان الغنائية الشعبية في الكويت، كثيرة بأسمائها متعددة بألوانها ضمن قوالب معينة أو محددة. ولكل قالب إطاره الخاص به من حيث تركيبه الإيقاعي وجمله اللحنية الملتزمة إلى حد ما بتفعيلة الإيقاع وكذلك بأوزان من شعر الفصحى أو العامية. 
وبمعنى أوضح يكون لكل قالب ألوانه التي تميزه عن غيره من الألوان الغنائية، وله اسم يستدل من خلاله على هدف هذا النوع أو الإيقاع... ويتكون اللون الغنائي عادة من ثلاثة عناصر:
أولاً: الإيقاع، وهو الذي يحدد سير النغمات ضمن موازير (حقول) متساوية (كما أشرنا سابقاً... من إيقاعات بسيطة أو مركبة).
ثانياً: اللحن، ويخضع اللحن في الأغنية الشعبية للمضمون الذي تعبر عنه، فمثلاً لحن أغنية الزفاف وضعه الفنان الشعبي للتعبير عن الفرحة, بكلمات مناسبة، مثال، لا إله إلا الله - عليك أسعيد, كما وضع لحن العرضة التي هدفها التغني في زمن السلم بأمجاد الماضي وما فيه من بطولات ومآثر يتم فيها عرض الرجال والسلام استعداداً للحرب. والغناء هنا يكون بما يتناسب أيضاً مع هذا المضمون من حيث الحماسة في اللحن.
ثالثاً: أوزان الشعر... إن كثيراً من أوزان الشعر الشعبي مرتبطة بألوان معينة في الغناء، وشاعت عند الشاعر الشعبي الغنائي نصوص السامري ونصوص الخماري أو الأصوات، وكذلك نظم «الزهيري».
كما شاعت أسماء شعراء أجادوا فيها مثل:
1 - الشاعر الفنان عبدالله الفرج (1836/1901م) صاحب الإبداع والأغنية العربية المستمدة من التراث العربي «الأصوات»، أغاني الصوت، إضافة لإبداعات أخرى.
2 - الشاعر الفنان محمد بن لعبون (1797/1831م) مجدد الغناء الحضري والبدوي.
3 - الفنان جوهر اللنقاوي (1870/1950م تقريباً)، صاحب أول فرقة تجمع البحارة.

الإيقاعات في الموسيقى الكويتية
كما هو معروف لدى المتعاملين في حقل الموسيقى، تتكون إيقاعات الموسيقى الكويتية من عنصرين جوهريين، هما: الصوت والزمن.
والصوت في عرف الطبيعيين موضوعه دراسة الأصوات عامة، أما في عرف الموسيقيين فموضوعه دراسة الأصوات التي تقبلها الأذن وترتاح لها النفس وقد حددت بـ «النغمة» أو «الدرجة الصوتية» حين صدور الصوت (غناءً) من الأصوات البشرية أو (عزفاً) من الآلات الموسيقية.
وتنقسم الأصوات البشرية إلى قسمين رئيسين، هما:
- أصوات النساء والأطفال.
- أصوات الرجال.
وينقسم كل من هذين القسمين إلى أنواع:
أولاً: أصوات النساء والأطفال:
1 - يسمى النوع الأول منه: الندى، واصطلاحه الموسيقي سبرانو، وهو للأصوات الحادة.
2 - يسمى النوع الثاني: الرنان، واصطلاحه الموسيقي كونترالتو، وهو لأصوات النساء الغليظة.
ثانياً: أصوات الرجال
1 - يسمى النوع الأول منه «الغليظ»، واصطلاحه الموسيقي «باص».
2 - يسمى النوع الثاني منه «الصادح»، واصطلاحه الموسيقي «تينور».
3 - هذا بالنسبة للأصوات حسبما جاء في كتاب د. محمود الحنفي «الموسيقى النظرية».
وتنحصر الآلات جميعها في ثلاثة أنواع:
1 - النوع الأول: آلات ذات أوتار وتسمى الآلات الوترية كالرباب والعود.
2 - النوع الثاني: آلات ينفخ فيها وتسمى آلات النفخ كالناي أو المزامير.
3 - النوع الثالث: آلات ينقر عليها وتسمى آلات الإيقاع.
وقسمت أصوات هذه الآلات كتقسيم الأصوات البشرية السابق ذكرها، سبرانو للأصوات البشرية السابق ذكرها، سبرانو أول وسبرانو ثان، وكونترالتو للأصوات الحادة.
والباص التيــنور الأول والتينور الثاني للأصوات الغليظة، وقبل التطرق إلى آلات الإيقاع، لابد أن نتعرف على الإيقاع وأهميته في الموسيقى.

الإيقاع:
يسمى في الموسيقى الأوزان أو الضروب أو الأصول، وهو الوزن الذي يحدد سير النغمات، كما هي الحال بالنسبة لبحور الشعر، حيث إن لكل بحر تفعيلاته الخاصة يسير عليها المنظوم من الكلام, ثم الإيقاعات المركبة، وهي انقسام الزمن الواحد إلى ثلاثة أزمنة.
مثال: مركب الثاني، ينقسم كل زمن منه إلى ثلاثة أزمنة صغيرة فيصبح بدل (1 - 2 - 3 - 3 -)، وقد شاع هذا النوع من الإيقاعات المركبة بالخليج والجزيرة العربية بأكملها، ويتبعه من الإيقاعات الشعبية في الكويت «إيقاع الدزة» المستعمل في «أغاني الزفاف» منه هذا اللحن: عليك أسعيد... لا إله إلا الله.
ومثال آخر من اليمن على هذا الوزن الإيقاعي (مركب الثنائي) مع الفارق في الضروبات. عن الإيقاع السابق هذا المثال: ألا يا طير يا الخضر.
وقد أبدع الفنان الشعبي في تنظيم هذه الإيقاعات، فجعل لكل آلة إيقاع تسمية ولها مشتقات، ومهمة خاصة، وضروب تختلف فيها بينها مكونة إيقاعاً واحداً.
«وتكثر الآلات الإيقاعية أو تقل في الغناء الجماعي وفقاً لعدد الأصوات التي تؤدي الغناء.. وما تناسب معها فتشكل بذلك القالب الغنائي».

آلات الإيقاع
- الطار أو الطارة وجمعها طيران أو طـــارات:
هو أكثر الآلات الإيقاعية الشعبية انتشاراً وأهمية بين أهل فن الغناء الشعبي والطابع الترفيهي. وقد أجاد العزف (الضرب) عليه كثير من الفنانين الشعبيين، وتفنّنوا باستخراج «الدُم»، وثلاثة أنواع من «التك».
والصفقال يضيف للغناء الحيوية وحث المشاركين لزيادة التطريب كما يتصرف الكثير من «ضاربي الطار» في الإيقاع ارتجالات لملء الفراغات والزخرفة.
- الطبل البحري الكبير:
هو آلة إيقاعية أساسية لأكثر أنواع الغناء وخصوصاً (الغناء البحري) - الراس - الشمالي. (ثم عملية الشباح) ويحتل هذا الطبل مكان الصدارة وقد قسمه الفنانون الشعبيون إلى نوعين أو مهمتين كما أشرنا سابقاً.
الأول: «طبل الراس» كما تسميه البحارة. ويعتبر من أهم الطبول وقد سمي بهذا الاسم لضربه «دُم» الأساس ضمن الأشكال الإيقاعية الموجودة في الطقم الواحد «أو الوزن».
الثاني: «الطبل الخماري» يصاحب الطبل الأول في أكثر الفنون الغنائية البحرية. بعد أن يشد الطبل الخماري على درجة صوتية أعلى من درجة الطبل الكبير «طبل الراس» للحصول على صوتين مختلفين.
الثالث: «المرواس»، وجد المرواس ليصاحب آلة العود في غناء «الأصوات» فصغر حجمه يجعل الدرجة الصادرة منه (بعد عملية الشباح) لا تطغى على صوت آلة العود، حتى وإن وصل عدد المروسين بين 4 و6 أفراد،  وإن كان أفضل عدد للمروسين في أثناء غناء الصوت ثلاثة، بحيث يقتصر إيقاع أحدهم على الإيقاع الأساسي، والاثنان الآخران يقومان بـ«التشربك» وهي الزخرفة الإيقاعية التي أدخلها البحارة لمصاحبة الطبل الكبير والحجلة والهاون في أثناء غناء الحداديات.

قوالب الغناء والموسيقى في الكويت
القالب أو «الفورم» هو أساس الغناء والموسيقى، والقوالب عبارة عن شعر ولحن وإيقاع، وهي العناصر التي يتكون منها أنواع القالب الغنائي والألحان, مثل: قالب السامري، قالب غناء الخماري، وعلى ضوء ذلك تصاغ الأغاني.
الموسيقى الآلية، أي التي تعتمد على الآلات الموسيقية، مثل البشارف والسماعيات والدولاب، ولكن أنواع القوالب والغناء لم تكن معروفة عند الموسيقيين في العالم العربي حتى ظهور الأغاني المطبوعة على أشرطة الكاسيت التي انتشرت بعد طبع ألبومات غنائية للفنانين العرب بصورة عامة والفنانين في الخليج بصورة خاصة، حيث برز الغناء الكويتي والسعودي واليمني، والجزيرة العربية بصورة خاصة.
وفي سبعينيات القرن الماضي، غنى بعض الفنانين الكبار في العالم العربي مجموعة من هذه القوالب، مثل: قالب الصوت الذي غناه المطرب الكبير عبدالحليم حافظ، وهو صوت «ياهلي» كما غنى قالب الصوت مجموعة من الفنانين المطربة فايزة أحمد، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، المطربة صباح، وغيرهم، من الشام والعراق وهم الأكثر معرفة بالغناء في الكويت. 
أما الغناء الأشهر شعبياً في دول الخليج، وبصورة خاصة دولة الكويت ودولة البحرين، حيث برع فنانو هذين البلدين بالأصوات، فهو غناء النخب من الأشخاص بنصوص شعر عربية فصيحة ونصوص من الشعر الحميني. كما أنه الغناء الشعبي المحبب للبحارة ويؤدى بطريقة شعبية بالعزف على آلة العود والمراويس والتصفيق المزخرف.