برامج تتبنى الفن والموسيقى والدراما للأطفال فالانتينا ميرا: العلاج بالفنون مهم لذوي الاحتياجات الخاصة في العالم

برامج تتبنى الفن والموسيقى والدراما للأطفال  فالانتينا ميرا: العلاج بالفنون مهم  لذوي الاحتياجات الخاصة في العالم

لا يزال العلاج بالفنون أو ما يطلق عليه Art Therapy مجالاً جديداً نسبياً في العالم العربي، مقارنة بمدى انتشاره والتوسع في استخدامه في الغرب، ومع ذلك فهناك اليوم تجارب عديدة في عدد من الدول العربية، بينها مصر والبحرين مثلاً، وغيرهما من دول العالم العربي، التي بدأت تهتم بهذا المجال. وهو مجال يختص بعلاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بامتلاك مهارات التعبير عن الذات ومواجهة مشاكل عدم النمو العقلي أو الإصابة بأمراض مزمنة، مثل التوحد على سبيل المثال، وأنواع من متلازمة داون سيندروم وسواها من أوجه الإصابة بأمراض جينية أو وراثية. 

الباحثة والفنانة الإيطالية فالانتينا ميرا، واحدة من المهتمات والمختصات بهذا الموضوع، وقد قطعت شوطاً كبيراً في الدراسة الأكاديمية في هذا المجال الذي يجمع بين الدراسة الفنية المتخصصة والتأهيل التعليمي والتربوي، وكذلك في علم النفس والطب، كما أنها قامت بتصميم عدد من البرامج العلاجية بالفنون وقامت بها في كل من البحرين ومصر. وفي هذا الحوار نتعرف على هذا الميدان المهم والجديد في علاج الأطفال وطبيعة هذا التخصص، كما نتعرف على مستقبل هذا النوع من العلاج في العالم العربي في المستقبل القريب، وطبيعة برامج العلاج التي تتم الآن ونجحت في خدمة آلاف الأطفال في المعاهد الطبية وبعض المدارس ودور رعاية الأيتام وغيرها. 
< أود أن أبدأ الحوار معك حول طبيعة دراستك وتخصصك في مجال الفنون، وصولاً لبداية الاهتمام بمجال العلاج بالفنون؟
- كان عمري 13 عاماً حين التحقت بمدرسة الفنون بالمعهد العالي للفنون في تشيرينيولا بإيطاليا، وحصلت على دبلوم في الدراسات الفنية من معهد تشيريونيولا، وتخرجت في أكاديمية الفنون لاحقاً في مدينة فودجا، بقسم التصوير، ثم التحقت بالدراسات العليا في قسم تصميم الجرافيك، وكان موضوع الدراسة مشروعاً للرسم للأطفال كعلاج نفسي باستخدام الفنون والفيديو آرت والمسرح.
< متى بدأ اهتمامك فعليا بهذا الشأن؟ 
- بدأ اهتمامي جدياً بموضوع العلاج بالفن للأطفال منذ العام 2013، وفي العام 2014 أنجزت ورقة بحثية حول الموضوع. وشاركت في مهرجان صيفي لفنون الأطفال في دولة البحرين في العام نفسه تحت رعاية وزارة الثقافة بالبحرين، كما شاركت في مشروعات عدة للعلاج بالفنون في عدد من المدارس الإيطالية. 
< هل العلاج بالفنون تخصص علمي؟ وكيف هو وضعه كتخصص في إيطاليا؟ وإلى أي مدى منتشر؟ وهل هناك مؤسسات أكاديمية متخصصة في هذا الأمر؟
- العلاج بالفنون أصبح اليوم موضوعاً علمياً يشترك فيه متخصصون في الفنون وفي علم النفس والطب. وفي السنوات الأخيرة ساعدني شقيقي أنطونيو ميرا في أحد الأبحاث العلمية حول كيفية علاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما وفر لي اكتساب الخبرة في التعامل مع الأطفال الذين يعانون مشاكل صحية ونفسية خطيرة ويتم علاجهم في المستشفيات المتخصصة. وفي إيطاليا يوجد عدد من الأكاديميات التي تتضمن أقساماً للعلاج بالفنون، وفيها تتمحور الدراسة حول سبل علاج الأطفال في المستشفيات باستخدام الفنون والألوان وعدد من الدراسات المتخصصة الأخرى المتعلقة بالموضوع.
< كيف يمكن المزج هنا بين مجالين يبدوان بعيدين عن بعضهما البعض نسبياً وهما الفن والطب؟ وما المؤهلات التي ينبغي أن يتمتع بها من يخوض هذه التجربة؟ 
- بالنسبة لي فإنني متخصصة في علاج الأطفال الذين يعانون صعوبات نفسية وخصوصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. في مشروعاتي العلاجية أستخدم عددا من الوسائل الفنية المختلفة، مثل الرسم، والكتب المصورة باعتبارها من الوسائل المهمة لتطور النمو الذاتي لكل طفل، والمسرح وفن الجرافيك وأخيراً فيديوهات الرسوم المتحركة. وكل مشروع يتم تصميمه وفقاً للظروف الخاصة بكل طفل وطبيعة المشكلات التي يعانيها. وبالنسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فلكل منهم مشروعات علاج خاصة باستخدام ورش وأدوات تمنح كلاً منهم الفرصة للتعبير عن نفسه.
< لماذا وقع اختيارك على مصر لكي تقومي بالعمل فيها ببرامج علاج الأطفال بالفنون؟ 
- لم يكن اختياري للعمل في مصر عشوائيا في الحقيقة، فقد أردت أن أسهم في تنفيذ مشروع علاجي للأطفال في هذا البلد الجميل. فقبل سنوات عدة حين كنت في القاهرة، وبالتحديد في منطقة عين شمس في شرق القاهرة، شاهدت عدداً من الأطفال الذين كانوا يلعبون في الشارع. وفي أحد الأيام التقيت بأم لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وصدمني أنها كانت تعتقد أنه لا أمل لطفلتها الصغيرة في الحياة. ومنذ تلك اللحظة أخذت على عاتقي الدراسة بتوسع ومزيد من التخصص في مجال الطفولة، وفي كيفية علاج الأطفال باستخدام الفن، وقد ولد مشروعي للعلاج بالفن بهدف توسيع أفق الأطفال الذين يحتاجون للمساعدة العلاجية وللآباء والأمهات بشكل خاص، لتأكيد أن أطفالهم لا يحتاجون إلا إلى بعض الدعم العلاجي والتعليمي. وكان تركيزي ينصب على منح مساحة للطفل من خلال الفن: خلال الورش العلاجية للأطفال كنت أسأل الأطفال عن أحلامهم، فكل إنسان يجب أن يكون لديه حلم. أسالهم عما يريدون أن يحققونه في حياتهم، وعما يحبونه بشكل عام. وباستخدام الألوان أو أي أشكال فنية أخرى نقوم بمساعدتهم على رسم ما يحلمون به أو تفسير ما يقومون برسمه. 
وقبل أشهر عدة وافقت مكتبة الإسكندرية على دعم مشروع تقدمت به لهم بعنوان «ألعاب خيال الظل»، وهو مشروع يتكون من ثلاث ورش تتم إقامة كل منها في المدارس والمستشفيات ودور الأيتام وغيرها.
 < ما أوجه الاختلاف بين أوربا والعالم العربي في حقل العلاج بالفن؟ 
- توجد في أوربا مراكز متخصصة في متابعة هذا الهدف، بالإضافة إلى مؤسسات أهلية غير حكومية متخصصة في العلاج بالفنون المختلفة، بينها مؤسسات علاج بالموسيقى، ومراكز للعلاج بفن الرقص، وأخرى للعلاج باستخدام الدراما، وكل منها يستخدم أشكالاً عديدة للتعبير، بينها الرسم، وغيره من الوسائل.
أما في ما يتعلق بالعالم العربي، ففي بعض الدول العربية هناك مجموعات من الفنانين الذين يقومون بعمل ورش للعلاج بالفن، لكني لست مطلعة على طبيعة البرامج العلاجية التي يستخدمونها.
والآن توجد في مستشفيات عدة مختصة بعلاج الأطفال أقسام خاصة بالعلاج بالفنون، مثل «مستشفى طنطا لعلاج سرطان الأطفال 57357» أو «مستشفى مجدي يعقوب لعلاج وجراحة القلب» في أسوان. 
وبالنسبة لي فإنني أستغل فرصة المحاضرات التي أشارك فيها، وبينها مثلاً محاضرة قدمتها في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية قبل فترة، حيث أركز دائما على مشاركة خبراتي في مجال العلاج بالفنون، وتوضيح الكيفية التي يسهم بها الفن في علاج الأطفال، كما أؤكد للفنانين وطلبة الفنون أن هذا العمل يحتاج إلى كثير من الدراسة المتخصصة، وكثير من الصبر، ويحتاج إلى طاقة صبر هائلة في الحقيقة. فكل مشروع علاجي يحتاج إلى دراسة الأهداف المتوخاة منه بحرص وتركيز، ومراعاة طبيعة الأطفال الموجه لهم المشروع واحتياجاتهم ومتوسط أعمارهم.  فكل مشروع علاجي بالفن لابد أن يتضمن ثلاثة عناصر رئيسة:
- العلاج بالفن.
- الجانب التعليمي في المشروع.
- الجانب الإنساني.
فكل طفل من حقه أن يحصل على وسيلة للعلاج بالفن، وامتلاك أدوات تتيح له التعبير عن نفسه.
 وأتمنى أن تقوم الجامعات الأكاديمية في الدول العربية بتبني إنشاء أقسام متخصصة للعلاج بالفن في الكليات المختلفة لإعداد الدارسين والفنانين للحصول على الخبرة في التعامل مع الأطفال المحتاجين للرعاية العلاجية والطبية بهذه الوسائل.
 < هل تتوافر لكل طفل يتلقى ورشة علاجية فرصة الحصول على النتائج العلاجية نفسها التي تحقق له الشفاء مما يعانيه أم أنها تختلف من طفل لآخر؟ 
- البرنامج العلاجي يختلف في الحقيقة باختلاف عمر الطفل، وباختلاف الهدف المحدد من العلاج، كما سبق أن وضحت لك. كما أن درجة إصابة الطفل بالإعاقة الذهنية مثلا قد تحدد طبيعة البرنامج العلاجي الذي يتم تصميمه من أجله، وهكذا. والمهم أن تتوافر في كل برنامج علاجي فرص كبيرة تتيح للطفل المستهدف أن يعبر عن نفسه بشكل جيد فهذه من أهم الأهداف لأنها تيسر علاج المشاكل التي يعانيها. وقد منحتني هذه الخبرات شعوراً عاطفياً قوياً، خصوصا خلال الورش التي يشارك فيها الآباء معنا للتفاعل وفهم طريقة عمل البرنامج العلاجي.
< ما الفئات الاجتماعية الأكثر تقبلاً وتفهماً لهذا النوع من العلاج؟ 
- خلال عملي في مصر، تعاملت مع أطفال من الطبقات الموسرة، لكني أيضا تعاملت مع الفقراء أكثر بكثير. أذكر أطفالاً لم يكونوا سمعوا أبداً عن «مسرح خيال الظل» مثلاً، أو حتى مسرح العرائس. ولم يكن لديهم في منازلهم ألوان أو حتى أقلام لأنها تعتبر مكلفة بالنسبة لأوضاع أهلهم الاقتصادية. لكن الطيبة والبساطة اللتين يتمتع بهما هؤلاء الناس كانتا تتضحان من خلال انفعالاتهم ومشاعرهم، في رسومهم، وفي السعادة التي يشعرون بها وهم يرون ابتسامات ذويهم المشجعة وفي محاولاتهم لإسعاد أطفالهم بمشاركتهم التلوين أو اللعب بالدمى والعرائس. 
< كيف تتعاملين مع الأطفال العرب خلال البرامج العلاجية؟ وبأي لغة؟ 
- الحقيقة لغتي العربية ليست جيدة، ولذلك أستخدم الإنجليزية البسيطة، ويقوم فريق رائع من المساعدين والمتطوعين والفنانين بترجمة ما أقول للأطفال، ولكن أهم طريقة للحوار والتفاعل بيني وبين الأطفال هي لغة الفن، وهي لغة عالمية يستطيع الجميع فهمها بسهولة، خصوصاً حين أستخدم الدمى والعرائس، أو الرسم والألوان. 
< في تقديرك إذا بدأ الاهتمام العربي أكاديمياً بمثل هذا التخصص، فهل يجب أن يكون تابعاً لكليات الفنون أم يلحق بالكليات الطبية المتخصصة؟
- أعتقد أن أي كلية مختصة بدراسة العلوم الإنسانية والفنون والآداب يجب أن يكون بها قسم متخصص في العلاج بالفنون. الجانب الطبي الأكاديمي مختلف، وأكثر تخصصاً علمياً خصوصاً وفقاً لتشخيص كل مرض. 
والهدف النهائي للعلاج بالفن Art Therapy، أن يعمل على اكتشاف الطفل لذاته وقدراته التي قد يكون غير قادر على اكتشافها بنفسه. وذلك من خلال فعاليات النشاط الفنية المختلفة، أما الجانب العلاجي فيتوقف على قدرات ومهارات المتخصصين لقيادة الأطفال في طريق العلاج والتعبير عن ذواتهم. 
< كيف ترين مستقبل هذا التخصص في العالم العربي؟ 
- هناك في الواقع مؤشرات عديدة تدل على ارتفاع الاهتمام بهذه المقاربة العلاجية في العالم العربي، ما يؤكد أنها ستلقى اهتماما أكبر في السنوات المقبلة. لكن لا بد من التأكيد أن العلاج بالفن يحتاج إلى دراسة مكثفة، وخصوصاً في باب إعداد وتأهيل وتدريب الطلبة والمتطوعين للعمل في هذا المجال، ولعلنا سنشهد في القريب برامج متخصصة لتدريب وتعليم الخبرات الخاصة بالعلاج بالفنون. وهناك حماس متزايد من الجهات المسؤولة في التعليم والحكومات والأطباء والآباء بتبني هذه المسألة واستثمارها في مواجهة المتاعب النفسية والمشكلات الصحية التي يعانيها بعض الأطفال.