التأثير والتأثر بين الثقافتين العربية والروسية

التأثير والتأثر  بين الثقافتين العربية والروسية

لاحت أخيراً مؤشرات على اتجاه العرب شرقاً لآسيا وروسيا في إطار توسيع العلاقات العربية  - الروسية، وإذا ما تأملنا جانباً من هذه العلاقات العربية في بعض دول الشرق، تتحرك إليه السياسة العربية، وهو الجانب الثقافي، وتحديداً العلاقات الثقافية بين العرب، وبخاصة مصر كأول دولة عربية بدأت هذا التحرك، وبين الشرق، ومنه روسيا كأول دولة توجه إليها العرب ورحبت بهم ... فإننا نجد أن هناك خلفيات وجذوراً تاريخية بين الثقافة العربية والثقافة الروسية.

بدأ اهتمام الروس بالثقافة العربية الإسلامية في القرون الوسطى مع بداية التجارة بين روسيا والأقطار العربية الإسلامية، حين كان تجار بغداد يقصدونها للبيع والشراء، وتبع ذلك اهتمام بالثقافة، حيث أرسل الخليفة العباسي المقتدر مبعوثه الخاص أحمد بن فضلان إلى ملك البلغار القابع على ضفاف نهر الفولجا في روسيا، ليعود هذا المبعوث حاملاً للخليفة العباسي مكتوباً من طرف الملك عنوانه «وصف روسيا»، مشتملاً مضمونه على بعض النواحي الثقافية والاجتماعية إلى جانب النواحي التجارية، فيزداد الاهتمام الثقافي تبعاً لذلك بين الطرفين، ثم يتضاعف، خاصة بعد بداية رحلات الحجاج الروس إلى بيت المقدس، وقيامهم بوصف ما كانوا يشاهدونه في هذه الرحلات من عادات وتقاليد وصور اجتماعية. ومن أشهر هذه الرحلات رحلة الأب دانييل، الذي كتبها بالروسية عام 1112م، وأشار إليها المستشرق الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي، ثم ترجمت إلى اللغة الفرنسية بعد ذلك، وازدادت هذه العلاقات عن طريق الإمبراطورية المغولية، حيث اكتسح جنكيز خان في الفترة ما بين عامي 1162و1227م بلداناً كثيرة مخالطاً إياها، لكنه عجز عن إبداع ثقافة أو حضارة تعرف به، لميله الشديد للسلب والنهب، والتخريب والهدم. إلى أن غزا المغول روسيا وأغاروا على بولونيا والمجر، وعبروا نهر الدانوب إلى بلغاريا على يد حفيده باتو خان في الفترة ما بين عامي 1227و1255م، ثم جاء تيمور لنك، فأرسل أحد قادته ويدعى «تقتمش» لغزو روسيا، فاستولى على موسكو ونهبها في عام 1381م، ليجيء بعد ذلك تيمور لنك نفسه عام 1395م فيحتلها، ثم سيطرت حامية إحدى قبائل المغول على جانب كبير من مساحة روسيا لمدة تصل إلى 240 عاماً وطبعتها بطابعها الإسلامي في الدين والثقافة.

الإسلام في روسيا 
ولما سقطت إمبراطورية المغول، خرجت روسيا من حدودها الأوربية لتعزز روابطها بآسيا، وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، حيث لعب الإسلام دوراً بعد أن أصبح فيها ما يقرب من ثلاثة وعشرين مليوناً من المسلمين في آسيا والقوقاز، وشاركت اللغة العربية في بروز روابط ثقافية وتاريخية ودينية، حتى إن روسيا وبعض الدول الآسيوية كانت تفخر بإسهام مفكريها وعلمائها في الحضارة العربية الإسلامية كالخوارزمي، والبيروني وغيرهما، وهو ما تدل عليه آثار ومخطوطات وكتابات باللغة العربية وليست باللغة الروسية، وكتابات على النقود بالعربية، وقد اهتم بهذه الكشوف العربية في شمال القوقاز كل من كراتشكوفسكي مؤلف كتاب «حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي»، المبعوث المصري إلى روسيا، وفق اتفاق جرى وقتئذٍ بين الوالي محمد علي والقيصر الروسي، وغيره من المفكرين والعلماء الذين عنوا عناية خاصة بالمؤلفات العربية، فنشروا عديداً منها وقاموا بترجمتها والتعليق عليها، فضلاً عن نصوص مستقاة من المخطوطات العربية وترجمتها والتعليق عليها، كما صدرت في كفليس مجموعة منتخبات أدبية عربية تتضمن نصوصاً لم تكن قد نشرت بعد، أو نصوصاً مستقاة من المخطوطات العربية كأخبار بلاد جورجيا للبطريرك الأنطاكي مكاريوس، وكذلك أخبار ابن الأزرق الفارقي مؤرخ مدينة ميافارقين، كما ظهر في جورجيا أول قاموس عربي جورجي مشتملاً على مفردات غير واردة في المعاجم العربية.
وفي بخارى في آسيا الصغرى، كان هناك أكثر من خمسة آلاف عربي، ويعدون بعشرات الآلاف مع أبنائهم وأحفادهم يتكلمون اللغة العربية، من بينهم الإمام البخاري، أحد أئمة الإسلام الكبار. هؤلاء تغلغلوا في بخارى تحت لواء الإسلام فاستوطنوها، وللمسلمين في قازان مدرسة للأئمة المسلمين تعنى بتحفيظ القرآن وتفسيره وعلم الكلام والفلسفة والمنطق، كما تعلم المدارس في قازان القرآن الكريم، والحديث الشريف، وفيهم نخبة من العلماء الكبار المتمكنين في اللغة العربية وثقافتها، ومعظمهم يتسمون بأسماء عربية ويصومون رمضان، ويحافظون على تعاليم الإسلام وصلواته الخمس.
    وبعد أن أخذ الغرب الاستشراق مأخذاً علمياً ونظمت فرنسا بعثة فتيان اللغات عام 1699م، وأنشأت النمسا مدرسة لتعليم السياسيين والتجار اللغات الشرقية ومنها العربية، أرسل بطرس الأول خمسة من طلاب موسكو إلى الشرق العربي ليتعلموا لغته العربية، واتبعت الإمبراطورة كاترين الثانية أسلوبه، فأمرت بتعليم عدد من الأفراد اللغة العربية عام 1769م وإعدادهم للقيام بالترجمة بعد ذلك، وقد بدأ عدد من المستشرقين تدريس اللغة العربية في موسكو، واهتدوا إلى معرفة الخط الكوفي، لكن نشاط هؤلاء المستشرقين ظل شاحباً لأسباب سياسية على الرغم من أن الإمبراطورة كاترين أصدرت طبعة للقرآن الكريم على نفقتها، مما أحدث ضجة في كل أوربا.

دعائم اللغات الشرقية في روسيا
ومن الأسباب التي أسهمت في توطيد دعائم اللغات الشرقية وفي مقدمها «العربية» باعتبارها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف: كراسي اللغات الشرقية، والمكتبات الشرقية، والمطابع الشرقية، والمتاحف الشرقية، والمجلات الشرقية، إلى جانب الآداب العربية قديمها وحديثها، فكانت جامعة خاركوف أول جامعة تدرِّس العربية، ثم جامعة موسكو التي أنشئ فيها معهد الألسن عام 1811م، الذي وجه عنايته إلى اللغة العربية وآدابها، وتبع هذه الجامعة إنشاء كلية لازاديف، التي كانت تدرس العربية إلى جانب القوقازية، وقد استعانت جامعة موسكو بكل من الأستاذين العربيين جرجس مرقص الدمشقي وميخائيل يوسف عطايا في تدريس العربية لغةً وأدباً، ثم جامعة بطرسبورج، وفيها نهجت الدراسات العربية منهجاً علمياً صرفاً بعد أن استعان القيصر إسكندر الأول بالمستشرق الفرنسي دي ساكي في كيفية تدريس العربية، وقد تولى كرسي اللغة العربية عام 1847م في هذه الجامعة الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وكان ذلك أثناء تدفق البعثات المصرية إلى الغرب في عصر محمد علي، وكان من بين هؤلاء المبعوثين اثنان من أبناء الأزهر النابهين هما الطهطاوي الذي سافر إلى فرنسا والطنطاوي الذي سافر إلى روسيا.
وهكذا نهجت الدراسات العربية منهجاً علمياً بفضل أستاذية الشيخ الطنطاوي وتلاميذه من الروس منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى ثورة روسيا عام 1917م، فأنشئ معهد اللغات الشرقية الذي تولى إدارته كراتشكوفسكي تلميذ الشيخ الطنطاوي، الذي جعل تدريس العربية فيه يستغرق ثلاث سنوات، كما أنشئ المعهد المركزي للغات الشرقية الحية في موسكو عام 1920م، وأسس تلاميذ كراتشكوفسكي معهداً للدراسات العربية في كفليس عام 1918م, وجمعوا المخطوطات العربية النادرة ونظموها، وفي العام نفسه، أنشأت الحكومة الروسية جامعة طشقند، التي عنيت بتدريس اللغة العربية، وصنف أساتذة قسم اللغة العربية فيها القاموس الروسي العربي. وقد وصل الاهتمام بالعربية وقتئذ إلى أن بعض المدارس الثانوية في طشقند وأذربيجان وطاجيكستان قامت بتدريس هذه اللغة.

اهتمام كبير بالثقافة العربية    
اهتمت كل من المكتبات والمطابع والمتاحف الشرقية في روسيا بالثقافة العربية، فنجد منها المكتبة الإمبراطورية العامة، في بطرسبورج، التي تحوي عديداً من الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية، كما نجد في مكتبة المتحف الآسيوي التابعة لمجمع العلوم في مدينة ليننجراد عدداً مماثلاً من الكتب والمخطوطات والألواح العربية، وأيضاً في مكتبة بطرسبورج نجد عدداً آخر من هذه الكتب والمخطوطات، أهمها نسخة نادرة من القرآن الكريم بخط كوفي كانت محفوظة في صندوق من الزجاج قيل إنها النسخة التي كتبها الخليفة عثمان بن عفان  وعليها قطرة من دمه بعد قتله. وقد طلب المسلمون هذه النسخة لقيمتها المعنوية بالنسبة إليهم من الحكومة المؤقتة وقتئذٍ بعد الثورة البلشفية. وقد أجابتهم الثورة على ذلك بإرسالها إليهم لعدم حاجتهم لها. ونقلت من روسيا في احتفال مهيب إلى إحدى الحواضر الإسلامية.كذلك هناك مخطوطات أخرى نادرة للبيروني وأسامة بن منقذ والحريري وابن قزمان وأحمد بن ماجد. كما ضم المتحف الآسيوي مجموعة من المخطوطات العربية صنف لها المستشرق كراتشكوفسكي فهرساً علمياً دقيقاً. وفي المطابع الشرقية عدد من منشورات مطبعة قازان العربية، وعدد آخر من المنشورات العربية لمطبعة بطرسبورج، منها «لامية الأفعال» لابن مالك، و«نخبة الدهر في عجائب البر والبحر»، لشمس الدين الدمشقي الصوفي، والجزء الأول من صحيح البخاري عام 1876م، و«مشكاة المصابيح» للتبريزي عام 1908م.
وفي المتاحف الشرقية، نجد في متحف معهد علم الشعوب في ليننجراد نسخاً خاصة بالشرق العربي، وكذلك في متحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو نجد مركزاً لحضارات مصر وسورية والعراق. أيضاً نجد في متحف الحضارات الشرقية بموسكو كثيراً من الآثار العربية.

الآداب العربية في العصر الحديث
وفي العصر الحديث، تزايد الاهتمام بالآداب العربية، قديمها وحديثها، فخرج من نطاق الجامعات والمكتبات والمتاحف في روسيا إلى الأدباء والعلماء، خارج أسوار الجامعات والمجلات العلمية ودوائر المعارف الأكاديمية، حيث ألف تولستوي  كتاب «حكم النبي محمد »، وترجمه إلى العربية سليم قبعين، واقترح مكسيم جوركي إنشاء فرع شرقي في دار الآداب العالمية، ونشر حكايات لقمان الحكيم، وحي بن يقظان، وذكريات أسامة بن منقذ، ونشرت مجلة الشرق قصيدتين لأمين الريحاني، ومختارات من شعر المتنبي وابن ياسر وعلي بن الجهم، وإحدى مقامات ناصيف اليازجي، ولامية الشنفرى، وابن حمديس، وألفت الكاتبة الفلسطينية كلثوم نصر «عودة المنتخبات العصرية لدرس الآداب العربية بالروسية» عام 1925م، واشتملت هذه المنتخبات على أسماء كثير من الأدباء المعروفين واللامعين، وقامت جامعات روسيا بتحقيق الكتب العربية وترجمتها ونشرها، وفهرسة المخطوطات وحفظها الآن. وقد خص الشرق العربي منها كثير، كما عنى المستشرقون الروس بنشر عديد من المصنفات العربية وفي مقدمها «تاريخ الجبرتي»، وكتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد»، لابن ماجد، و«مقدمة ابن خلدون»، و«البخلاء» للجاحظ، وفي «الأخبار الطوال» للدينوري، و«كليلة ودمنة» لابن المقفع، و«طوق الحمامة» لابن حزم، و«الاعتبار» لأسامة بن منقذ، وغيرها.
يضاف إلى هذا الاهتمام بنشر وترجمة الكتب العربية، التأثير العربي الإسلامي في الأدب والفكر الروسي، وهو ما أشارت إليه د. مكارم الغمري في كتابها «مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي»، أو ما نشره كاتب هذه الصفحات – في «الأهرام» في عددين متتاليين بتاريخي 24/1/1992 و31/1/1992، هذا التأثير كان من الإسلام وكتابه «القرآن الكريم» الذي شكل ينبوعاً خصباً للإلهام في الآداب الروسية، بل إن الحضارة العربية الإسلامية شكلت هي الأخرى نبعاً آخر استلهم منه الأدباء الروس كثيراً من الصور الأدبية والرموز والأساليب. فإذا كان القرن التاسع عشر انعكس فيه التأثير العربي على الأدب الروسي كمثال واضح، فقد سبقته مرحلة أخرى من التلقي والاستيعاب في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر على امتدادهما أيضاً، عملية اكتناز للعناصر العربية، وهي العملية التي مهدت لحدوث التفاعل الحضاري أو التأثير والتأثر التي اتضحت ملامحها بشكل خاص في الأدباء الروس، حيث تمت عملية الإخصاب الفكري بين أدب وفكر الشرق العربي البالغ كمال نضجه، والأدب الروسي في العصر الحديث وهو في مقتبل يقظته الكبرى وتلمس طريقه عبر وسائط منها العلاقات التجارية بين روسيا والشرق العربي، ورحلات الحج، وحركة الاستشراق، والبعثات العلمية والأخرى الدبلوماسية والترجمات التي نقلت الكتب العربية إلى اللغة الروسية، وأخيراً الصحافة وما قامت به من دور في نشر موضوعات عن الثقافة العربية وعلاقاتها بالروسية، وكان لكل هذه الوسائط نتائج، أهمها اعتراف أكبر أدباء روسيا بعظمة الحضارة العربية الإسلامية، فيقول كبيرهم الأديب بوشكين: «كثير من القيم الأخلاقية موجزة في القرآن في قوة وشاعرية»، ويسجل ليرمنتوف: «سماء الشرق قد قربتني بلا إرادة مني إلى تعاليم نبيهم محمد » ويخاطب تولستوي الإمام محمد عبده: «أعتقد أنني لا أخطئ حين أعتقد أن الدين الذي أعتنقه، هو نفسه الذي تعتنقونه»، ويغرد بونين شعراً: «فتح إذن ذلك الخالد فوق الصحراء، فوق الأرض في المساء المعتم الزرقة، كتاب النجوم السماوية قرآناً».

تأثير الثقافة العربية في كتَّاب روسيا الكبار
ويبقى بعد ذلك تأثير الثقافة العربية في إنتاج أربعة من أدباء روسيا الكبار، وهم «ألكسندر بوشكين، وميخائيل ليرمنتوف، وليف تولستوي، وإيفان بونين. فمثلاً تأثر بوشكين – مؤسس الأدب الروسي الحديث – بكتاب ألف ليلة وليلة في مؤلفاته، ومنها روسلان 
ولودميلا، وليال مصرية، وقصيدتا القمر يتألق والتعويذة، وتستوقفه في هذه الليالي شخصية هارون الرشيد بصفته رمزاً إنسانياً كانت له بصماته في مسيرة الحضارة، كذلك يتأثر شعره بالبديع في الشعر العربي، ويحتل تاريخ مصر القديمة حيزاً من اهتمامه، هذا إلى جانب المؤثرات الإسلامية في أدبه حين استلهم من القرآن الكريم والسيرة النبوية كثيراً من أعماله الإبداعية، فمن القرآن استلهم قصيدته «قبسات من القرآن»، ومن السيرة النبوية استلهم قصيدة عنوانها «الرسول» قاصداً الرسول محمد .
وميخائيل ليرمونتوف، الذي يحتل مكانة تالية بعد بوشكين في الأدب الروسي، تأثر هو الآخر بالثقافة العربية الإسلامية بعد تعرفه إلى الدين الإسلامي من مسلمي القوقاز، وكان لذلك كبير الأثر في نفسه، حيث يشير في قصيدة عنوانها «فاليرك» إلى القرابة الروحية التي صارت تربطه بالإسلام، ويظهر هذا التأثير في قصيدتي «ثلاث نخلات» و«هبات التركي»، وكذلك يستلهم من السيرة النبوية مضمون قصيدة عن النبي محمد  بعد أن سبقه إلى ذلك بوشكين بقصيدة مماثلة. ولا يتوقف اهتمام ليرمونتوف بالشرق العربي والإسلامي على الاهتمام بروحانياته، بل يمتد كذلك إلى حضارته القديمة وواقعه المعاصر، حتى أعطى في إنتاجه، شعراً ونثراً، صورتين متتاليتين عن الشرق العربي القديم كمركز للإشعاع الحضاري، والشرق العربي الحديث الذي أصابه التخلف والتأخر وبات مطمعاً للمستعمرين الغربيين.
أما تولستوي، فقد استحوذت معاني القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف على جانب كبير من اهتمامه، فيتصدر كتاباته عن الإسلام كتاب «أحاديث الرسول»، التي انتقاها بنفسه، وأشرف على ترجمتها إلى الروسية، وذلك حين تحامل المبشرون الروس على الإسلام وتهجموا على نبيه الكريم . فهزت الغيرة على الحق هذا الكاتب العظيم، ليقدم الإسلام وتعاليمه في هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية سليم قبعين، وفيه نلمح تولستوي يهتم بتأكيد الإسلام على قيمة العمل وسماحة هذا الدين تجاه الديانات الأخرى، كما يشير إلى عقيدة التوحيد، وأسس المعاملات والأحكام الإسلامية، بل كثيراً ما تضمنت كتابات تولستوي معاني دعا إليها الإسلام كالمساواة والتكافل الاجتماعي والسماحة، وفي إطار تأثره على هذا النحو، يبدو تأثره بالتصوف الإسلامي. هذا إلى جانب اهتمامه بالكتب العربية، ومنها حكايات «ألف ليلة وليلة»، إلى درجة أنه حين فكر في الكتابة للأطفال، أعاد كتابة بعض قصص ألف ليلة، مؤكداً أنها عمل إنساني عظيم يشوق الصغير والكبير في آن واحد.
ويبقى الشاعر بونين، الحائز جائزة نوبل في الأدب عام 1933، الأكثر تأثراً بالأدب العربي وامتزاجاً بالمعايشة والتجربة الذاتية، حيث طاف ببعض البلاد العربية وفي مقدمها مصر، وخبر حياة الناس فيها، واستلهم من الإسلام كثيراً من قصائده وأعماله الأدبية، التي تدور حول النبي محمد  وشعائر الحج والصلاة، والمدن العربية التي اختصها القرآن بالتكريم وفي مقدمها مكة المكرمة والمدينة المنورة 
ومصر .