إشكالية المصطلحات... الحرية، الرق، العبودية

إشكالية المصطلحات... الحرية، الرق، العبودية

‮«‬الحرية‮»‬‭ ‬شعار‭ ‬يردده‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬كحقٍّ‭ ‬إنساني‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الشعوب‭ ‬وأفرادها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة‭ ‬بعيش‭ ‬كريم‭. ‬و«الحرُّ‮»‬‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحيا‭ ‬حياته‭ ‬بلا‭ ‬نطاق‭ ‬يخنقه،‭ ‬أو‭ ‬قيد‭ ‬يكبِّله،‭ ‬أو‭ ‬لثام‭ ‬يكممه،‭ ‬أو‭ ‬حاجز‭ ‬يحبسه‭. ‬أما‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬العبودية‮»‬،‭ ‬فعلى‭ ‬عكس‭ ‬معنى‭ ‬الحرية،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬الكلمة‭ ‬والعمل‭ ‬رهناً‭ ‬بموافقة‭ ‬السيّد‭. ‬ويتجلى‭ ‬تعريف‭ ‬الأشياء‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قيست‭ ‬بنقائضها،‭ ‬وتعريف‭ ‬المصطلح‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬بمكان،‭ ‬ومع‭ ‬الأسف،‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬المصطلحات‭ ‬شيوعاً‭ ‬أكثرها‭ ‬مغالطة‭. ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬العبودية‭ ‬والرق‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬نأتي‭ ‬لنشرح‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬فهم‭. ‬

الرقيق‭ ‬هو‭ ‬الضعيف‭ ‬الهش،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬الصعاب،‭ ‬فيكون‭ ‬بذلك‭ ‬عُرْضةً‭ ‬لأن‭ ‬يتحكّم‭ ‬القوي‭ ‬فيه‭ ‬وفي‭ ‬مصيره،‭ ‬يطعمه‭ ‬ويسقيه‭ ‬ويوجهه،‭ ‬ويكون‭ ‬القوي‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬قيداً‭ ‬يكبِّل‭ ‬فيه‭ ‬رقبة‭ ‬الرقيق‭ ‬لينساق‭ ‬لأوامره‭ ‬ومتطلباته‭. ‬وعليه،‭ ‬قيل‭ ‬‮«‬فكّ‭ ‬رقبة‮»‬‭ ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬يُعتق‭ ‬من‭ ‬الرقّ،‭ ‬أي‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬القيد‭. ‬ويُسترقُّ‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬أو‭ ‬مجاعة‭ ‬أو‭ ‬دَيْن،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬يبيعون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أحياناً‭ ‬مقابل‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الجوع‭ ‬والفقر‭. ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬العالم‭ ‬القديم،‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬الدولة،‭ ‬في‭ ‬أسبرطة‭ ‬وأثينا،‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬هاتان‭ ‬الدولتان‭ ‬تسترقان‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬الضعيفة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوربا،‭ ‬وتستخدمانهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أغراضهما‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬مثل‭ ‬خدمة‭ ‬المنازل،‭ ‬ولتطلعاتهما‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬والصناعة،‭ ‬ولأهدافهما‭ ‬العسكرية،‭ ‬حيث‭ ‬كانتا‭ ‬تربيان‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬الرقيق‭ ‬صفّاً‭ ‬عسكرياً‭ ‬يكون‭ ‬ترسانة‭ ‬للجيش‭. ‬كان‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬Sclave،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬يُطلق‭ ‬عليهم‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬السلاف‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تحدّرت‭ ‬منها‭ ‬كلمة‭ ‬slave،‭ ‬لتطلق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬الدول‭ ‬السلافية‭. ‬ومن‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬اليونانية‭ ‬القديمة‭ ‬أخذ‭ ‬العرب‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬صقالبة‮»‬،‭ ‬ليطلقوها‭ ‬على‭ ‬المُستَرقين‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأنحاء‭. ‬ولم‭ ‬يطلق‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬دولهم‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬رقيق‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬للمكانة‭ ‬الرفيعة‭ ‬التي‭ ‬وصلوا‭ ‬إليها‭ ‬بفضل‭ ‬قوتهم‭ ‬الجسدية‭ ‬وحنكتهم‭ ‬العسكرية،‭ ‬فأطلقوا‭ ‬عليهم‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬مماليك‮»‬،‭ ‬والواحد‭ ‬منهم‭ ‬مملوك،‭ ‬فهو‭ ‬مِلْكٌ‭ ‬لسيّده‭ ‬الذي‭ ‬اشتراه‭. ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬المملوك‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬يفتخر‭ ‬بلقب‭ ‬سيده،‭ ‬كأن‭ ‬يقال‭: ‬‮«‬بيبرس‭ ‬البندقداري‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يفتخر‭ ‬بالقيمة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬اشْتُريَ‭ ‬بها،‭ ‬فيقال‭: ‬‮«‬بيبرس‭ ‬الألفي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬اشتراه‭ ‬سيّده‭ ‬بألف‭ ‬دينار‭. ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نذكِّر‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬أخلاقية‭ ‬وفضائل،‭ ‬غيَّر‭ ‬معنى‭ ‬مصطلح‭ ‬العبودية‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬متدنٍ‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬رفيع،‭ ‬وذلك‭ ‬عند‭ ‬جعله‭ ‬صفة‭ ‬للإنسان‭ ‬العابد‭ ‬ربه،‭ ‬فجاءت‭ ‬كلمة‭ ‬عبادة‭ ‬وعبادات‭ ‬مرادفة‭ ‬للطاعة‭ ‬والطاعات‭ ‬في‭ ‬المعنى‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬العبودية‮»‬‭ ‬مصطلحاً‭ ‬سلبياً‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عبادة‭ ‬الله،‭ ‬فإنها‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭. ‬أما‭ ‬المستعبدات‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬فيُطلق‭ ‬عليهن‭ ‬‮«‬إماء‮»‬،‭ ‬ومفردها‭ ‬‮«‬أَمَة‮»‬،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬كنّ‭ ‬يصنفن‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬مِهَنَهنّ‭: ‬‮«‬المولّدة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تُشترى‭ ‬بغرض‭ ‬أن‭ ‬تلد،‭ ‬ويُباع‭ ‬نسلها،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تجارة‭ ‬بيع‭ ‬الرقيق‭ ‬أشهر‭ ‬تجارة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجاهلية،‭ ‬وكان‭ ‬أشهر‭ ‬تجارها‭ ‬أمية‭ ‬بن‭ ‬خلف‭. ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬هنا‭ ‬لنؤصّل‭ ‬معنى‭ ‬ونصحح‭ ‬خطأ،‭ ‬حيث‭ ‬إنّ‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الإماء‭ ‬يُرسَلْن‭ ‬إلى‭ ‬عبيد‭ ‬أشداء‭ ‬وأقوياء،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكونون‭ ‬ملْكاً‭ ‬لسيدهن،‭ ‬وربما‭ ‬أحياناً‭ ‬تُرسل‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬أحرار،‭ ‬بغرض‭ ‬أن‭ ‬تُنجب‭ ‬منهم‭ ‬مولودا،‭ ‬فيُقال‭: ‬تستبضع‭ ‬منهم‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أوقع‭ ‬المؤرخ‭ ‬المسلم‭ ‬أحياناً‭ ‬في‭ ‬خطأ،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬منه‭ ‬عمداً،‭ ‬لنعت‭ ‬المجتمع‭ ‬الجاهلي‭ ‬بالهمجي،‭ ‬حين‭ ‬يصف‭ ‬‮«‬الاستبضاع‮»‬،‭ ‬كأحد‭ ‬أنواع‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭: ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬يقول‭ ‬لامرأته‭: ‬اذهبي‭ ‬إلى‭ ‬فلان‭ ‬واستبضعي‭ ‬منه‭!! ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الدعاة‭ ‬المسلمين‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬بالتدقيق‭ ‬والتحقيق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭! ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬مازال‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬المقروء‭ ‬والمرئي‭ ‬والمسموع،‭ ‬ينشر‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هدى‭ ‬أو‭ ‬تفكير‭ ‬أو‭ ‬مراجعة‭. ‬أما‭ ‬الخطأ‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬المؤرخ‭ ‬والفقيه،‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬وأد‭ ‬البنات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجاهلية،‭ ‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الموؤودة‭ ‬قد‭ ‬وُلدت‭ ‬من‭ ‬بطن‭ ‬حرّة‭ ‬أم‭ ‬أمَة‭. ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬حق‭ ‬للسيّد‭ ‬أنْ‭ ‬يتسرر‭ ‬إماءه،‭ ‬فإذا‭ ‬حملت‭ ‬الجارية‭ ‬منه‭ ‬وأنجبت‭ ‬ولدا،‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬الاعتراف‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالمولود،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬المولود‭ ‬أنثى،‭ ‬فإنّه‭ ‬يبيت‭ ‬بين‭ ‬قلق‭ ‬بيعها‭ ‬أو‭ ‬وضعها‭ ‬بين‭ ‬الرقيق،‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬ينالون‭ ‬منها‭ ‬وبالتالي‭ ‬يُلطخ‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬عرضه،‭ ‬فكان‭ ‬الأسهل‭ ‬عليه‭ ‬وأدها‭. ‬إذن‭ ‬فالموؤودة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬هي‭ ‬المولودة‭ ‬من‭ ‬أمَة‭. ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬‮«‬القارئة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬أَمَة‭ ‬تعرف‭ ‬القراءة،‭ ‬فتُعلّم‭ ‬بنات‭ ‬سيدها‭ ‬الشعر‭ ‬واللغة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬الإسلام‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإماء‭ ‬يختص‭ ‬بتعليم‭ ‬القرآن‭ ‬والحديث‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬الإماء‭ ‬من‭ ‬تستخدم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصناعة‭ ‬أو‭ ‬الزراعة‭ ‬أو‭ ‬رعاية‭ ‬الحيوانات،‭ ‬من‭ ‬مواشي‭ ‬وأغنام‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬إبل‭ ‬وخيول‭. ‬أما‭ ‬‮«‬القينة‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أغلى‭ ‬الإماء‭ ‬سعرا‭ ‬وقيمة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تعزف‭ ‬وتُغني‭ ‬وترقص،‭ ‬ومنهن‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬حسن‭ ‬وجمال‭ ‬وأدب‭ ‬يؤهلها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬محظية‮»‬‭ ‬لسيدها،‭ ‬أو‭ ‬زوجة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭. ‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬للعرب‭ ‬تقاليد‭ ‬أخلاقية‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الرقيق‭ ‬في‭ ‬الجاهلية،‭ ‬منها‭ ‬ألا‭ ‬يتسرر‭ ‬الابن‭ ‬أمة‭ ‬تسررها‭ ‬والده،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬وأن‭ ‬يرث‭ ‬الابن‭ ‬الأكبر‭ ‬إماء‭ ‬أبيه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬عليهن،‭ ‬وكذا‭ ‬الأمر‭ ‬بميراث‭ ‬الأب‭ ‬لأبنائه‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬فقهاء‭ ‬المسلمين‭ ‬فقهاً‭ ‬خاصاً‭ ‬معنياً‭ ‬بالرقيق،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬الحدود‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬العورة؛‭ ‬فكانت‭ ‬عورة‭ ‬الحرّة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬عورة‭ ‬الأَمَة،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬إشارات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الأثر‭ ‬وكتب‭ ‬الأدب‭ ‬والتاريخ‭. ‬لم‭ ‬يُلغ‭ ‬الإسلام‭ ‬نظام‭ ‬الرق،‭ ‬بل‭ ‬ضيّق‭ ‬فيه،‭ ‬حين‭ ‬وسّع‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬العِتق‭. ‬والحقيقة‭ ‬الثابتة‭ ‬تاريخيا‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ألغت‭ ‬نظام‭ ‬الرقّ‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬من‭ ‬العبودية‭ ‬إلا‭ ‬عبودية‭ ‬الله‭ ‬فخرا‭ ‬وجلالا‭.‬

نعود‭ ‬لنناقش‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬سقف‭ ‬أو‭ ‬حد‭ ‬لها‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬مقيدة‭ ‬وغير‭ ‬محدودة؟‭ ‬إنّ‭ ‬التاريخ‭ ‬والواقع‭ ‬يؤكدان‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬الحرية‭ ‬قد‭ ‬قيدتها‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والقوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذات‭ ‬المنفردة‭ ‬وخارج‭ ‬نطاق‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬لذا‭ ‬يصحّ‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الحرية‭ ‬محدودة،‭ ‬عدا‭ ‬حرية‭ ‬الفكر،‭ ‬فحرية‭ ‬الفكر‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬حدّ‭ ‬أبدا،‭ ‬وما‭ ‬دامت‭ ‬الفكرة‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الذات‭ ‬ككلمة‭ ‬مسموعة‭ ‬أو‭ ‬عمل،‭ ‬فهي‭ ‬مشروعة‭ ‬مهما‭ ‬تكن‭ ‬طبيعة‭ ‬ذلك‭ ‬الفكر‭. ‬أما‭ ‬حرية‭ ‬الكلمة‭ ‬وحرية‭ ‬العمل‭ ‬فتقفان‭ ‬عند‭ ‬عدم‭ ‬الإضرار‭ ‬بالغير،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تعارف‭ ‬عند‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬سنن‭ ‬وقوانين،‭ ‬فيكون‭ ‬ضرر‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬العمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منفعتهما‭. ‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تقييد‭ ‬حرية‭ ‬الفرد‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬أضر‭ ‬حدّها‭ ‬حرية‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬الدولة،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بالعدل‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬القوانين‭ ‬وإصدار‭ ‬الأحكام‭. ‬العدل‭ ‬أصل،‭ ‬والمساواة‭ ‬فرع،‭ ‬ومن‭ ‬الخطأ‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬كلمتين‭ ‬مترادفتين‭ ‬لمعنى‭ ‬واحد،‭ ‬فالعدل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جوانبه‭ ‬وصوره‭ ‬محمود،‭ ‬أما‭ ‬المساواة‭ ‬فلا‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬بين‭ ‬الأقران،‭ ‬ممن‭ ‬تجمعهم‭ ‬المميزات‭ ‬والقدرات‭ ‬نفسها،‭ ‬فالمساواة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬والمتقاعس‭ ‬عن‭ ‬عمله،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬المساواة‭ ‬هنا‭ ‬ظلماً‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬صار‭ ‬عمل‭ ‬الدولة‭ ‬الشاغل‭ ‬عنايتها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬العدل‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المتكافئين‭. ‬وقولنا‭ ‬إنّ‭ ‬حدّ‭ ‬الحرية‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬عدم‭ ‬الإضرار‭ ‬بالآخرين،‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬الفهم‭ ‬القاصر‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بأنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بالحق‭ ‬المادي‭ ‬أو‭ ‬الحق‭ ‬الأدبي‭. ‬إنّ‭ ‬الأمر‭ ‬ليتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الفكرة‭ ‬أيضاً،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يتولد‭ ‬منها‭ ‬الإبداع‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬أخيراً‭ ‬بالدعوة‭ ‬والحث‭ ‬على‭ ‬سنّ‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬للأفراد،‭ ‬حين‭ ‬صار‭ ‬العلم‭ ‬مشاعاً‭. ‬

لا‭ ‬ضير‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬عن‭ ‬علوم‭ ‬السابقين‭ ‬ما‭ ‬يفيدنا‭ ‬ويطوّر‭ ‬حياتنا‭ ‬ومجتمعاتنا،‭ ‬فسلسلة‭ ‬الحضارة‭ ‬حلقات‭ ‬متصلة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬من‭ ‬الأولين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إجحاف‭ ‬أو‭ ‬إسراف‭ ‬بما‭ ‬بذلوه‭ ‬وتحملوه‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬التفكير‭ ‬والعمل،‭ ‬أو‭ ‬تحميلهم‭ ‬رأياً‭ ‬أو‭ ‬فعلا‭ ‬لم‭ ‬يقولوه‭ ‬أو‭ ‬يفعلوه‭. ‬إنّ‭ ‬معنى‭ ‬السرقة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬النهب‭ ‬أو‭ ‬السلب‭ ‬أو‭ ‬النشل‭ ‬أو‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬مال‭ ‬الغير‭ ‬وغصبه‭ ‬منه،‭ ‬بل‭ ‬يتسع‭ ‬معناها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سرقة‭ ‬أفكاره‭ ‬وإبداعه‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬إتقانه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬منه‭. ‬اليوم‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬يسرق‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬فقرة‭ ‬أو‭ ‬فصلاً‭ ‬أو‭ ‬كتاباً‭ ‬كاملاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُحاسب،‭ ‬وآخر‭ ‬يسرق‭ ‬لحناً‭ ‬أو‭ ‬معزوفة‭ ‬كاملة،‭ ‬ولا‭ ‬يلقى‭ ‬عقاباً‭. ‬إنهم‭ ‬يسرقون‭ ‬عرق‭ ‬الآخرين‭ ‬ليسقوا‭ ‬به‭ ‬النبت‭ ‬الأثيم‭. ‬ثم‭ ‬نرى‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬سُنّت،‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬خاصة،‭ ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الجاني‭ ‬أن‭ ‬يتقبلها‭ ‬ويدفع‭ ‬بها،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬شيء‭... ‬إنها‭ ‬‮«‬سرقة‭ ‬أفكار‮»‬‭ ‬.