الإسلام دين وأمة

يلخص هذا العنوان الفكرة المحورية في النص، وهو نص فكري تاريخي ينطلق من أسس الفكر السياسي في مرحلة صدر الإسلام، كما وردت في مؤلفات فحول مؤرخي الإسلام، كما سماهم ابن خلدون.
من المعروف أن النبي العربي جمع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وانقطاع الوحي، أصبحت السلطة السياسية منذ اجتماع سقيفة بني ساعدة شأناً دنيوياً لا علاقة له بالسماء، فقد ترك الإسلام الحرية كاملة للمسلمين لاختيار النظام السياسي المستجيب لقضايا زمانهم.
تذكر بعض الروايات أن العباس بن عبدالمطلب قال لعلي لما احتضر الرسول : اسأله لمن سيكون الأمر بعده، فإن كان لنا فذاك، وإن كان لغيرنا أوصى بنا خيراً، فرفض عليٌّ أن يسأل، وهو من أدرى الناس بالفكر السياسي للنبوة، وبقي وفياً له، وهو أمير المؤمنين، فلما طعنه عبدالرحمن بن ملجم دخل عليه الناس فقالوا له: «أيبايع الناس الحسن؟» فقال: «لا آمركم، ولا أنهاكم، وأنتم أبصر».
حرية اختيار النظام
تنقل لنا النصوص رواية عن تأسُّف أبي بكر ، وهو على فراش الموت، أنه لم يسأل الرسول عن ست مسائل، منها «وددت أني كنت سألته فيمن هذا الأمر فلا ينازع الأمر أهله»، «وددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب فنعطيهم إياه»، ولكن الأنصار لم يفهموا أن لهم نصيباً فقط، بل طمعوا في الأمر كله فاجتمعوا في السقيفة لتولي السلطة، والرسول لم يُدفن بعد!
هذا يؤكد ما ألمحنا إليه قبل قليل أن الإسلام ترك المسلمين أحراراً في اختيار النظام الذي يقررونه.
وأبرز ما يتجلى من هذه النصوص أنها لم تربط تولي السلطة السياسية بالدين، فلما أراد أبوبكر أن يقنع الأنصار بأن الوضع السياسي لا يسمح لهم بتولي الإمارة لما برز اقتراح «منا أمير، ومنكم أمير»، قال: إن العرب لا ترضى أن يكون هذا الأمر في غير قريش، ملمحاً إلى زعامتها السياسية، وهي تعود بجذورها إلى قرن ونصف القرن، إلى عهد قصي بن كلاب جد الرسول الأعلى، وليس لأن أحد أبنائها حمل رسالة الدعوة الإسلامية.
وضعت النبوة الأسس الدينية، والأخلاقية، وأسس العلاقات الإنسانية بين أهل الدار، ومع الآخر كذلك، فهي مرتبطة بالنسق السياسي لمرحلة النبوة، فهي متأثرة إذن بالجغرافيا والظرفية الزمانية، وبالتالي فإن نصوصها قابلة للاجتهاد.
السلطة الجديدة
بدأت السلطة الجديدة في المدينة، وقبل وفاة الرسول بزمن قصير تفكر في الخروج من شبه الجزيرة، والاتجاه شمالاً وشرقاً (تمت في السنة الثامنة للهجرة غزوة مؤتة من أرض البلقاء في بلاد الشام). وهذا يعني الدخول حتما في صراع سياسي وعسكري مع قوتين كبيرتين من قوى العالم القديم: القوة البيزنطية، والقوة الساسانية، ولكن المخطط اتضحت معالمه مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مهندس الفتوحات الكبرى، وقد تفطن إلى أن الخطوة الأولى ينبغي أن تبدأ بتوحيد صفوف الأمة الجديدة، وحماية ظهرها قبل إرسال الجيوش. بُعث الإسلام في بيئة قبلية شديدة التعقيد، وقد حاول عمر أن يخفف من حدة الصراع فيها، فرسم لها أهدافاً جديدة التفّت حولها في البداية القبائل الكبرى، وانتبه، انطلاقاً من تجربة حروب الردة، إلى الأخطار التي تهدِّد مشروع الأمة الجديدة، وفي مقدمتها الصراع القبلي على السلطة، ولذا اتخذ قرارين خدمة للمشروع الجديد:
أولاً: قرار التمصير، فأسَّس مدناً عملاقة في الفضاء الإسلامي الجديد: الكوفة، والبصرة، والفسطاط، وفي مرحلة لاحقة أسست القيروان، ووزع مقاسمها على قبائل متنوعة, لتتجاور، وتتعايش، وتدخل في مرحلة العمران الحضري فتضعف مع مرور الأجيال ظاهرة الذهنية القبلية.
ونشير في هذا الصدد إلى أن الفضاء المديني مثّل دائماً حاضنةً للإسلام، فالحضارة الإسلامية هي حضارة مدن بالدرجة الأولى.
ثانياً: أدرك خطر بروز زعامات سياسية دينية على الإسلام، فمنع الصحابة من مغادرة المدينة، وحظر عليهم الإقامة في الأمصار الجديدة كي لا يتحولوا فيها إلى زعماء، مفيدين من انحدارهم القبلي من جهة، ومن صحبتهم للرسول من جهة أخرى.
تفاعلت الحضارة العربية الإسلامية في الأمصار الجديدة مع ثقافة الشعوب الأخرى لتتألق في القرون الأربعة الأولى، ولتسهم في مسيرة الحضارة البشرية.
العنوان الأسمى والأسنى لهذه القرون يتمثل في بروز ظاهرة الإسلام الحضاري، وقد عبّر عنها مولى لهشام بن عبدالملك (71-125 هـ) بكل وضوح وفطنة مطلع القرن الثاني للهجرة لما سأله أبوجعفر المنصور عن هويته، قال: «إن كان الإسلام لغة فقد نطقنا بها، وإن كان ديناً فقد دخلنا فيه».
بعيداً عن الفتن
إن الثراء الحضاري، والتنوع العرقي، والديني والمذهبي في الفضاء الإسلامي بعد الفتوحات الكبرى لا يمكن أن يثمر ويشع, إلا ضمن مفهوم الأمة الجديدة، أما إخضاعه بالقوة، وباسم شرعية ذات محتوى ديني، فإنه سيؤدي حتماً إلى فتن دموية متكررة كما حدث ذلك فعلاً، وهو ما حاول أنصار حزب الأمة الإسلامية منذ البداية اتقاءه.
وآن الأوان أن نتساءل عن قيم هؤلاء الأنصار..
وصفهم عبدالله بن عباس فقال: «إن الله جل ثناؤه، وتقدَّست أسماؤه خص محمداً نبيّه بصحابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29) قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين حتى تهذَّبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل الله بهم الشرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا «السفلى»، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، ورحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا، وهم بعد فيها».
جيل هؤلاء المثاليين هو الذي تحمَّس للمشروع العُمَري، ونأى بنفسه عن الصراع على السلطة، وظن أن الكلمة الحاسمة ستكون لقيم الدعوة الجديدة، ولم يدرك أن الصراع على السلطة آت لا ريب فيه، إذ إن جذوره بين أبناء العمومة تمتد إلى ما قبل ظهور الإسلام.
لما أطلت الفتنة برأسها لأول مرة في اجتماع السقيفة حسم أمرها عمر في المهد، وظن الجيل المثالي أنها فتنة عابرة وقى الله شرها، ولما حصلت انتفاضة المدينة، وانتهت بقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان والمصحف بين يديه برز منه تياران:
تيار المحايدين، وقد وقفوا على المسافة نفسها من الحزبين المتصارعين، وتيار متحمِّس لمشروع الأمة الجديدة متأثراً إلى حد بعيد بالفئة التي وصفها عبدالله بن عباس، وأعني تيار «فئة القرّاء».
إن النصوص التاريخية المؤسسة ظلمت هذا التيار، ولم تسعفنا بمعلومات دقيقة عنه بعد أن صنَّف أصحابه ضمن الغلاة غداة قضية التحكيم بصفين.
من المعروف أن عمر قد رعى نشأة هذه الفئة الاجتماعية، وكأنه اعتبرها تمثل النخبة المثقفة لمشروع الأمة، وهم ليسوا مجرد قراء كما يظن البعض، بل يمثلون قوة سياسية جديدة.
إنني أميل إلى الاعتقاد أنهم يتحدرون أساساً من جيل المسلمين الجدد، وقد شارك بعضهم في انتفاضة المدينة، وقد أصبحت تعج بالنبط بعد الفتوحات الكبرى.
رفضت «فئة القرّاء» هذه أن تبقى محايدة، وتجلس على الربوة، وإنما أرادت أن تحسم أمرها بالسلاح مع القوة المعادية للمشروع العمري، إذ إنها أدركت خطر تحول السلطة في المجتمع الجديد إلى ملك عضوض، وقد تنبأ بذلك عمر (رضي الله عنه) لما زار بلاد الشام، واستقبله واليها معاوية بن أبي سفيان في أبهة الملك، فخاطبه قائلا: «أكسروية يا معاوية»! إن ما عاشته «فئة القرّاء» من صراع دموي سقط فيه كبار الصحابة متحاربين في واجهتين متقابلتين، جعلها تغلو في تعلقها بقيم المثالية الجديدة، وقد اعتنقوا عقيدة الإسلام تحمّساً لها، لذا فهي ترفض السلطة الدنيوية، وتلتجئ إلى السماء فتقع في فخ أحد دهاة العرب لما نصح برفع المصاحف ورحى الحرب تدور في «صفين»، فأعلنوا مقولتهم الشهيرة «لا حكم إلا لله». هؤلاء الذين قال لهم في مرحلة لاحقة عمر بن عبدالعزيز: «إني قد علمت أنكم لم تخرجوا مخرجكم هذا لدنيا، ولكن أردتم الآخرة وأخطأتم طريقها».
معركة التأويل
وسرعان ما انتبه الإمام علي (كرم الله وجهه) إلى خطر توظيف مقولات دينية في الصراع السياسي على الإسلام، فأوقف المعركة الدائرة في صفين، واتجه مهرولاً نحو النهروان لتحصل المأساة الكبرى في صفوفه، وتكون من نتائجها اغتياله في مسجد الكوفة، وبروز فرق دينية سياسية متطرفة، وقد تنبأ بأن الأمة ستدخل مرحلة الفرقة والانشقاق، كيف لا، وقد قاد ثلاث معارك كبرى في مدة لا تتجاوز خمسة أعوام سقط فيها عشرات الآلاف، وبينهم عدد من كبار الصحابة، ومن المبشرين بالجنة: وقعة الجمل في البصرة، وصفين، والنهروان، فهو من أدرى الناس بما يصيب الأمة نتيجة الصراع السياسي على السلطة.
كتب في وصيته، وهو على فراش الموت بعد أن طعنه عبدالرحمن بن ملجم قائلاً: «... فإني سمعت رسول الله يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين...».
مشروع الأمة
إن الحديث عن مشروع الأمة كيف برز ثم توارى، وسقط يومئذ، يجرنا حتماً إلى الحديث عن مفهومين بارزين من مفاهيم تراث الفكر السياسي في الإسلام، مفهوم الملك، ومفهوم الخلافة. إن من يمعن النظر بدقة في النصوص المؤسسة لتاريخ الإسلام يلمس بوضوح أن مفهوم الأمة هو السائد إلى عهد عثمان بن عفان ، وبدأ يتوارى رويداً إلى أن اختفى، أو يكاد لما أخذ معاوية بن أبي سفيان البيعة لابنه يزيد.
وقد استُعمل مفهوم الأمة، وأمة النبي، وأمة محمد، وبرز بسرعة غداة بيعة أبي بكر، فلما تخلّف البعض، ورابطوا في بيت فاطمة، بعث أبوبكر إلى المتخلفين عمر ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، تقول الرواية «فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة...». بدأ مفهوم الملك يظهر في عهد عثمان بن عفان لما أطل كاتبه مروان بن الحكم على الثوار المحاصرين للدار، قائلاً: «جئتم لتفتكوا منا ملكنا».
كيف يمكن الحديث عن أمة النبي، وعن «المحجة العظمى»، و«العروة الوثقى» بعد أن عاش المسلمون، وفي مقدمتهم كبار الصحابة والتابعين ثلاث فتن كبرى قُتل فيها عشرات آلاف من المسلمين، ونجد بينهم عدداً من كبار الصحابة وضمنهم بدريون: وقعة الجمل، صفين والنهروان؟ وقد انطلقت الشرارة الأولى من المدينة لما بدأت تتضح معالم مخطط الحزب الأموي للسيطرة على السلطة.
إن القراءة النقدية لمختلف الروايات التاريخية توضِّح أنه مخطط دقيق أفاد من التراث السياسي لقريش قبل الرسالة، ومن النبوة نفسها، مكتفياً بالإشارة إلى إحياء ظاهرة الصراع القبلي بين اليمانية والنزارية، وأصبح المسلمون يفخرون بنسبهم القبلي، ونسي الإسلام، «فافتخرت نزار على اليمن، وافتخر اليمن على نزار، وأدلى كل فريق بماله من المناقب، وتحزَّبت الناس، وثارت العصبية في البدو والحضر». وساهم الحقدُ القديم بين أبناء العمومة في إحياء هذا الصراع، فطفح فوق السطح بعد أن حاول مشروع الأمة تجاوزه، وأصيبت أجيال المسلمين الجدد من غير العرب بالدهشة، وبخاصة بعد أن اتهم صحابة الرسول بعضهم بعضاً بالخيانة، وبالانحراف عن الإسلام، بل قل بالتنكّر للنص القرآني.
هنا يطرح سؤال محوري نفسه: كيف نجح مخطط الحزب الأموي، بل كيف وظّف قيم الإسلام في الفخر بالأصل القبلي، قال معاوية مخاطباً عبدالله بن الزبير، ومشيداً بمكانة أبيه أبي سفيان: «فكان في الجاهلية عظيماً شأنه، وفي الإسلام معروف مكانه، ولقد أعطي يوم الفتح ما لم يُعطَ أحد من آبائك، وإن منادي الرسول نادى: من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وكانت داره حرماً...».
كان للصراع الدموي على السلطة أولاً بين بني هاشم وبني أمية، ثم بين أبناء العمومة: الطالبيين والعباسيين أثر سلبي بعيد المدى في نفوس المسلمين الذين تحمَّسوا للدعوة الجديدة، وهم يتحدرون من أمم وطوائف متنوعة، ولم تسلم مدينة الرسول من سفك الدماء، واستباحة البيوت، فلما رفض سكانها بيعة يزيد عام 63 هـ، وطردوا منها الأمويين، أرسل إليها جيشاً فأنهبها، وقتل أهلها، «وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد»!
ظواهر غير عربية
إنني أميل إلى الاعتقاد أن ظاهرة التحزُّب القبلي العربي هي التي فتحت الباب لظاهرة التحزب الشعوبي، فمن المعروف أن أنصار الحزب الشعوبي هم من غير العرب، مذكرا بأن الصراع مسَّ قيم الدين نفسه.
ألمحت في ما سبق إلى أن المشروع العُمَري المتمثل في تأسيس أمة جديدة غداة الفتوحات الكبرى، ليكون من بين أهدافها عبر مخطط التمصير كبح جماح الظاهرة القبلية، بدأ يتوارى في عهد عثمان ليختفي بعد البيعة ليزيد، ليبرز مفهومان: الملك، وقد ألمحنا إليه، أما المفهوم الثاني فهو مفهوم الخلافة، مبادراً إلى القول إن المفهوم لا علاقة له بالإسلام ديناً، بل هو مفهوم سياسي سلطوي، شأنه في ذلك شأن مفاهيم الإمامة، والإمارة، والسلطنة التي عرفها تاريخ الإسلام.
بحثنا ولم نعثر على استعمال مفهوم الخلافة في مرحلة النبوة، وبعد وفاة الرسول استُعمل بمعناه اللغوي، أي التالي فقيل لأبي بكر خليفة رسول الله، فلما خلفه عمر نودي بخليفة خليفة رسول الله، فقال: ماذا ستقولون لمن سيأتي بعدي؟! هذا الأمر لا يستقيم، أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فأنا أمير المؤمنين، وهو ما أطلق على كل من جاء بعده، إلى أن بدأ التنظير للخلافة، وأصبح الخليفة ظل الله في الأرض، قال معاوية يوماً، وعنده وجوه الناس: «الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت من مال الله فهو لي، وما تركت منه كان جائزاً لي»، وقيل ليزيد بعد موت أبيه: «أصبحت قد رزئت خليفة الله، وأُعطيتَ خلافة الله، ومُنحْتَ هبة الله».
ومع مرور الزمن أصبحت معارضة الخليفة كفراً باعتباره ظل الله في الأرض، وهكذا أصبح مفهوم الخلافة جزءاً من الدين، مذكراً بموقف عدد من كبار العلماء، ومن التابعين الذين رفضوا هذا الخلط فعذبوا، وقتل بعضهم مثل حجر بن عدي وأنصاره، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وغيلان الدمشقي، وقد صُلب على أحد أبواب دمشق.
ومن المعروف أن مؤسسة الخلافة قد انهارت، وأصبحت اسماً بلا مسمى بعد أن استولت الفرق الانكشارية على السلطة في بغداد، فأصبحت تولي وتعزل، واتفق في بني العباس اتفاق عجيب كما قال القاضي ابن واصل، وهو أن كل سادس من خلفاء بني العباس مخلوع أو مقتول»، بل بلغ الأمر إلى اغتيالهم، وقبل ذلك سمل عيونهم كما حدث للخليفة الظاهر، وللمقتدر بالله.. وللمتوكل على الله، وللمستعين بالله وغيرهم. وهكذا يتضح انطلاقاً من استقراء مفاهيم الفكر السياسي الإسلامي أن الإسلام دين وأمة، وليس ديناً ودولة، وأن توظيفه في الصراع على السلطة هو الذي أدى إلى تعاقب الفتن، وارتكاب المجازر.
وما أشبه الليلة بالبارحة! .