العرب في أمريكا... موجات الهجرة وإشكالية الاندماج والانفصال

العرب في أمريكا... موجات الهجرة وإشكالية الاندماج والانفصال

تعد‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ -‬الأمريكية‭ ‬إحدى‭ ‬الأقليات‭ ‬ذات‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬خافتة‭ ‬الصوت‭ ‬لوقت‭ ‬طويل،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬يرتفع‭ ‬أخيراً،‭ ‬معبراً‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬ومشكلاته‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬أدبية‭ ‬مختلفة،‭ ‬قصة‭ ‬وشعراً‭ ‬ودراسات‭ ‬أدبية‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬خاص‭.‬

الأقلية‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬الأقليات‭ ‬التي‭ ‬أحرزت‭ ‬نجاحاً‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أخيراً‭. ‬ووفقاً‭ ‬للتقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬مكتب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإحصاء‭ ‬السكان‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ ‬حوالي‭ ‬850‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬تقريباً‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬البالغ‭ ‬281٫4‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬حينذاك‭. ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬تعريف‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق،‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭. ‬أولاً‭: ‬تجب‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭ ‬هوية‭ ‬‮«‬عرقية‭ ‬شاملة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬أعضاء‭ ‬الأقلية‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬خلفيات‭ ‬جغرافية‭ ‬ودينية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬متنوعة‭. ‬ويعبر‭ ‬ستيفين‭ ‬ساليتا‭ - ‬أستاذ‭ ‬الآداب‭ ‬الأمريكية‭ ‬العرقية‭ - ‬عن‭ ‬صعوبة‭ ‬تحديد‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬‮«‬العرب‭-‬الأمريكيين‮»‬‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة،‭ ‬ويتساءل‭ ‬قائلاً‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬الشخص‭ ‬‮«‬العربية»؟‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العربي‭- ‬الأمريكي‭ ‬مسلماً؟‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬يهودياً‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال؟‭ ‬هل‭ ‬يجب‭ ‬تصنيف‭ ‬المواطنين‭ ‬غير‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬كعرب‭ ‬أم‭ ‬كعرب‭ - ‬أمريكيين؟‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬عربي‭-‬أمريكي‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬يتضمن‭ ‬بعض‭ ‬التناقض،‭ ‬فكلا‭ ‬اللفظين‭ ‬‮«‬عربي‮»‬‭ ‬و«أمريكي‮»‬‭ ‬يستبعد‭ ‬‮«‬الآخر‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬يعكس‭ ‬تناقضاً‭ ‬داخلياً‭. ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬بعض‭ ‬النتائج،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬يعاني‭ ‬تهميشاً‭ ‬مزدوجاً،‭ ‬حيث‭ ‬يراوده‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬‮«‬الأمريكية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭. ‬

ومن‭ ‬الموضوعات‭ ‬الأخرى‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استطاع‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيون‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الجديدة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬استيعاب‭ ‬الأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬من‭ ‬المغتربين‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الجديدة‭ ‬بواسطة‭ ‬أشكال‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتم‭ ‬هذا‭ ‬تدريجياً‭ ‬وبشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬المختلفة‭ ‬والوظائف‭ ‬والألعاب‭ ‬والخدمة‭ ‬العسكرية‭. ‬ورغم‭ ‬المحاولات‭ ‬الواعية‭ ‬واللاواعية‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬للعرب‭-‬الأمريكيين‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الثقافة‭ ‬الجديدة،‭ ‬فإنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دائماً‭ ‬محاولات‭ ‬مماثلة‭ ‬لإعادة‭ ‬تاريخ‭ ‬الأجداد‭ ‬وثقافتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بارتباط‭ ‬‮«‬عاطفي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬عملي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬القديم‮»‬‭. ‬

   

موجات‭ ‬الهجرة

يحدِّد‭ ‬المؤرخون‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجيال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العرب‭- ‬الأمريكيين،‭ ‬وهي‭: ‬الهجرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهجرة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهجرة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967‭. ‬وهناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬يرتبط‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬بالفترات‭ ‬التاريخية‭ ‬الثلاث،‭ ‬أولها‭: ‬‮«‬جيل‭ ‬الرواد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية؛‭ ‬يليهم‭ ‬‮«‬جيل‭ ‬الانتقاليين‮»‬،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وحتى‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬1967؛‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬جيل‭ ‬المستقلين‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬وحتى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭: ‬

 

الهجرة‭ ‬الأولى‭: ‬جيل‭ ‬الرواد

بدأت‭ ‬هجرة‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نحو‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وبدأت‭ ‬أعدادهم‭ ‬في‭ ‬التزايد‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين؛‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭ ‬للحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬جاء‭ ‬معظم‭ ‬أوائل‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضم‭ ‬الآن‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية‭ ‬وفلسطين‭ ‬والأردن‭). ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مقاطعة‭ ‬تابعة‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬واستقر‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرون‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬وبلدان‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغرب‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬ولايات‭ ‬مثل‭ ‬نيويورك،‭ ‬وماساتشوستس،‭ ‬وبنسلفانيا،‭ ‬وميتشجن،‭ ‬وأوهايو‭. ‬وعمل‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬البضائع‭ ‬والأشياء‭ ‬غير‭ ‬المألوفة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬آنذاك؛‭ ‬وعمل‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬بمصانع‭ ‬النسيج‭ ‬في‭ ‬‮«‬نيو‭ ‬إنجلاند‮»‬‭ ‬ومنطقة‭ ‬الغرب‭ ‬الأوسط‭ ‬الصناعية،‭ ‬واتجه‭ ‬آخرون‭ ‬للعمل‭ ‬بالزراعة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬والغرب‭ ‬الأوسط‭. ‬

‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرون‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذكور‭ ‬غير‭ ‬المتزوجين‭ ‬قليلي‭ ‬الخبرة‭ ‬ومحدودي‭ ‬الدخل،‭ ‬وغالبيتهم‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ضئيل‭ ‬من‭ ‬التعليم‭. ‬واهتموا‭ ‬بالعمل‭ ‬الجاد‭ ‬والتوفير،‭ ‬فنشأت‭ ‬الأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬أخلاق‭ ‬الآباء‭ ‬والجدود‭ ‬المتوارثة‭ ‬واتباع‭ ‬خطاهم‭ ‬في‭ ‬التكيف‭ ‬التدريجي‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭. ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬المغتربين‮»‬‭ ‬قد‭ ‬خلقوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬عالماً‭ ‬خاصاً‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬الأسرة‭ ‬والعائلة‭ ‬والقرية،‭ ‬خاصة‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬اعتقدوا‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬إقامتهم‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬مؤقتة‭. ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬مجيء‭ ‬العرب‭ ‬أولاً‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا،‭ ‬يشير‭ ‬بهاء‭ ‬أبولبن،‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬بجامعة‭ ‬ألبرتا،‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬عن‭ ‬موطنهم‭ ‬‮«‬سورية‮»‬‭! ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الزوار‭ ‬المؤقتين‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الزوار‭ ‬المؤقتين‭ ‬بدأوا‭ ‬تدريجياً‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭ ‬أضحت‭ ‬احتمالاً‭ ‬بعيداً‭ ‬وأن‭ ‬أمريكا‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬وطنهم‭ ‬الجديد‭, ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بدأوا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬حِرفتهم‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬باعة‭ ‬جائلين‭ ‬إلى‭ ‬حرَف‭ ‬أكثر‭ ‬استقراراً‭ ‬واستمرارية‭ ‬وأكثر‭ ‬ربحاً‭ ‬مثل‭ ‬امتلاك‭ ‬المتاجر‭ ‬والعمل‭ ‬بالمصانع‭ ‬الكبرى‭.‬

 

هجرة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭: ‬

الجيل‭ ‬الانتقالي

بدأت‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬التراخي‭ ‬النسبي‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والكندية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬الهجرة،‭ ‬تضمنت‭ ‬أعداداً‭ ‬كبيرة‭ ‬نسبياً‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬المتعلمين‭ ‬والطلبة‭ ‬والمهنيين‭ ‬من‭ ‬متحدثي‭ ‬الإنجليزية‭ (‬فلسطينيين‭ ‬ومصريين‭ ‬وعراقيين‭ ‬وسوريين‭) ‬ممن‭ ‬وجدوا‭ ‬دافعاً‭ ‬قوياً‭ ‬للسفر‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬احتوت‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬عائلات‭ ‬الطبقة‭ ‬العليا‭ ‬الثرية‭ ‬من‭ ‬قاطني‭ ‬المدينة‭. ‬وتأقلمت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬مع‭ ‬نسق‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭. ‬فقد‭ ‬انضموا‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬الأمريكي‭ ‬واتجهوا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية،‭ ‬حيث‭ ‬اندمجوا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسهولة‭. ‬وقامت‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬بالخروج‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والديني‭. ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬المسيحيون‭ ‬يشكلون‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬مهاجري‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬ضمت‭ ‬أغلبية‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭. ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬غالبية‭ ‬المهاجرين‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المتعلمين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفئة‭ ‬الثانية‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬حظ‭ ‬زافر‭ ‬من‭ ‬التعليم،‭ ‬وما‭ ‬أتت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬إلا‭ ‬طمعاً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرغدة،‭ ‬وسعياً‭ ‬وراء‭ ‬الحلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬وما‭ ‬يعد‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬رفاهية‭ ‬وديمقراطية‭ ‬وحرية‭ ‬دينية‭ ‬وفرص‭ ‬عمل‭. ‬ساعد‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ازدهار‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تحوي‭ ‬أكبر‭ ‬تجمعات‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭. ‬وقرر‭ ‬آخرون،‭ ‬مثل‭ ‬العمال،‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬المراكز‭ ‬الصناعية،‭ ‬مثل‭ ‬ميتشجن‭ ‬وديربون،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

   

‭ ‬هجرة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967‭: ‬جيل‭ ‬المستقلين

تعد‭ ‬حرب‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‭ ‬نقطة‭ ‬تحوُّل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النواحي‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬ديموغرافيا‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيين،‭ ‬فقد‭ ‬سافرت‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات‭ ‬وأوائل‭ ‬السبعينيات‭. ‬فقد‭ ‬سافر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وحاول‭ ‬آلاف‭ ‬العرب‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والقتال‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬أوطانهم‭. ‬ويعتبر‭ ‬قانون‭ ‬الهجرة‭ ‬لعام‭ ‬1965،‭ ‬الذي‭ ‬أنهى‭ ‬نظام‭ ‬الحصة‭ ‬النسبية‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية،‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬التدفق‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المهاجرين،‭ ‬لكون‭ ‬الشباب‭ ‬العاملين،‭ ‬والطلبة،‭ ‬والأسر‭ ‬الصغيرة‭ ‬المحافظة‭ ‬المتدينة‭ ‬هم‭ ‬غالبية‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967‭. ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬فإن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرين‭ ‬كانوا‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬تمييز‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬ككل‭. ‬فقد‭ ‬حاولوا‭ ‬إحياء‭ ‬تاريخهم‭ ‬العربي‭ ‬والتركيز‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع‭ ‬على‭ ‬هويَّتهم‭ ‬العربية‭ ‬الدينية‭-‬العرقية‭. ‬ويعتقد‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬تأثرت‭ ‬بالصعود‭ ‬المتزايد‭ ‬للدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الإسلامية‭. ‬

 

الأدب‭ ‬العربي‭ - ‬الأمريكي‭ ‬المعاصر

‭ ‬كتب‭ ‬جيل‭ ‬الرواد‭ ‬التراجم‭ ‬والسير‭ ‬الذاتية،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬مهارة‭ ‬فنية‭ ‬كبيرة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الغرض‭ ‬الرئيس‭ ‬منها‭ ‬كان‭ ‬تسجيل‭ ‬التاريخ‭ ‬والخبرات‭ ‬الشخصية‭ ‬للمهاجرين‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬كانت‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬البسيطة‭ ‬مدونًّة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وليس‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬

ويرجع‭ ‬تاريخ‭ ‬بداية‭ ‬وجود‭ ‬كيان‭ ‬متماسك‭ ‬للأدب‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬برابطة‭ ‬القلم‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وعُرفت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬بالمهجر‭ ‬أو‭ ‬‮«‬بشعراء‭ ‬المهجر‮»‬،‭ ‬ويعتبر‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ (‬1883-1931‭)‬،‭ ‬وميخائيل‭ ‬نعيمة‭ (‬1889-‭ ‬1988‭)‬،‭ ‬وإيليا‭ ‬أبو‭ ‬ماضي‭ (‬1889-1957‭) ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرابطة‭.‬

ويعتبر‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬آداب‭ ‬الأقليات‭ ‬المزدهرة‭ ‬حالياً‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إحياء‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الانقطاع‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الكُتاّب‭ ‬ذوي‭ ‬الموهبة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أدب‭ ‬مميز،‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬ظهور‭ ‬أدبهم‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الأدب‭ ‬الأمريكي‭. ‬وقد‭ ‬عززت‭ ‬جهود‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأدباء‭ ‬بإنشاء‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬راوي‮»‬‭ (‬1994‭)‬،‭ ‬والمجلات‭ ‬مثل‭ ‬الجديد‭ (‬1995‭)‬،‭ ‬ومزنا‭ (‬1998‭). ‬و«راوي‮»‬‭  ‬هي‭ ‬اختصار‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬Radius of Arabs-American writers Incorporated‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬تعنى‭ ‬بالأدباء‭ ‬وبالإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬للأدباء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭. ‬وتذكر‭ ‬الشاعرة‭ ‬والناقدة‭ ‬الفلسطينية‭-‬الأمريكية‭ ‬ليزا‭ ‬سهير‭ ‬مجاج‭ ‬أربعة‭ ‬أحداث‭ ‬تاريخية‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬تمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬لـ«الراوي‮»‬‭. ‬أولاً‭: ‬حركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭. ‬ثانياً‭: ‬الوعي‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬اتخذوا‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬وسيلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬ذاتيتهم‭ ‬وانتماءاتهم‭ ‬العرقية‭. ‬ثالثاً‭: ‬وصول‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬رابعاً‭: ‬استمرار‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نشر‭ ‬الصحف‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬والكتب‭ ‬النقدية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أوراق‭ ‬العنب‭: ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‮»‬‭ (‬1988‭)‬،‭ ‬و«ما‭ ‬بعد‭ ‬جبران‭: ‬أنثولوجيا‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‮»‬‭ (‬1999‭)‬،‭ ‬ساعد‭ ‬الكُتاب‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬أنهم‭ ‬بالفعل‭ ‬قد‭ ‬كوّنوا‭ ‬مجتمعاً‭ ‬خاصاً‭ ‬بهم‭ ‬وأن‭ ‬إنتاجهم‭ ‬الأدبي‭ ‬جدير‭ ‬بالقراءة‭ ‬والتحليل‭.‬

وما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬أنتجه‭ ‬جيل‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬وبوصفه‭ ‬نتاجاً‭ ‬لثقافتين‭ ‬مختلفتين،‭ ‬استفاد‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬أصله‭ ‬العربي‭ ‬وتجربة‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬إذ‭ ‬تعكس‭ ‬كتابات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬تنوع‭ ‬وثراء‭ ‬وخصوصية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تجربتهم،‭ ‬سواء‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬الأمريكيين‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬يكشف‭ ‬الشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬مركَّبة‭ ‬شكلت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتساع‭ ‬حدود‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬الجانبين‭ ‬العربي‭ ‬والأمريكي‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭. ‬واتساع‭ ‬الحدود‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يستتبعه‭ ‬التنصُّل‭ ‬من‭ ‬الهوية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬ربما‭ ‬أصبح‭ ‬حتمياً‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭. ‬ولكنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يستلزم‭ ‬تقديراً‭ ‬للخصوصية‭ ‬الثقافية‭ ‬والعبر‭- ‬ثقافية‭. ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬أن‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬والتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬كما‭ ‬تروج‭ ‬لهما‭ ‬العولمة‭ ‬خطران‭ ‬يحدقان‭ ‬بالثقافة‭ ‬المحلية‭. ‬بينما‭ ‬يعتبر‭ ‬آخرون‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬السلام‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭. ‬وتذهب‭ ‬ليزا‭ ‬سهير‭ ‬مجاج‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬‮«‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬أقــــوى‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬تعريفاً‭ ‬للهوية،‭ ‬ولكن‭ ‬نحتاج‭ ‬بالأحرى‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬أو‭ ‬تمديد‭ ‬هذه‭ ‬الحدود‭, ‬فحين‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬وتعميق‭ ‬فَهمنا‭ ‬للعرقية،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نهجر‭ ‬عروبتنا،‭ ‬ولكن‭ ‬نُفسح‭ ‬مجالاً‭ ‬أكبر‭ ‬لتجربتنا‭ ‬المركبة‮»‬‭. ‬

 

سمات‭ ‬أدبية

ويذهب‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بسبب‭ ‬خصوصية‭ ‬التجربة‭ ‬الأدبية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تفسيره‭ ‬وتقديره‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬وجه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التجربة‭ ‬العربية‭-‬الأمريكية‭. ‬ولقد‭ ‬حددت‭ ‬إلماظ‭ ‬أبي‭ ‬نادر‭- ‬الكاتبة‭ ‬والناقدة‭ ‬والفنانة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬الأمريكية‭ -  ‬ثلاث‭ ‬سمات‭ ‬رئيسية‭ ‬تميز‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬المعاصر‭. ‬فهو‭ ‬أولاً‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكُتّاب‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وثانياً‭: ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬الشعراء‭ ‬الأمريكيون‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬أعمالهم‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬الثقافة‭ ‬والهوية‭ ‬فقط،‭ ‬ولكنها‭ ‬موضوعات‭ ‬متنوعة‭ ‬وذات‭ ‬مغزى‭ ‬إنساني‭ ‬عام‭. ‬ثالثاً‭: ‬هناك‭ ‬تزايد‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬أصوات‭ ‬النساء‭ ‬ممّن‭ ‬يَمِلنَ‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬خطاب‭ ‬نسائي‭ ‬مستقل‭. ‬ويرى‭ ‬نقاد‭ ‬آخرون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحليل‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ككل‭. ‬ويقول‭ ‬الشاعر‭ ‬والناقد‭ ‬العربي‭- ‬الأمريكي‭ ‬جريجوري‭ ‬أورفاليا‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الملائم‭ ‬حصر‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬للكتاب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬خلفيتهم‭ ‬العرقية،‭ ‬فهم‭ ‬يكتبون‭ ‬شعراً‭ ‬‮«‬أمريكياً‮»‬‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الموضوع‭ ‬والأسلوب‭. ‬ولهذا‭ ‬يشير‭ ‬أورفاليا‭ ‬في‭ ‬‮«‬لف‭ ‬أوراق‭ ‬العنب‮»‬‭ (‬1982‭) ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬الموضوعات‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬أعمال‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيين‭ ‬المعاصرين‭ ‬مثل‭ ‬صموئيل‭ ‬هيزو،‭ ‬وسام‭ ‬هامود،‭ ‬وناعومي‭ ‬شهاب‭ ‬ناي،‭ ‬وإلماظ‭ ‬أبي‭ ‬نادر،‭ ‬وجوزيف‭ ‬عواد‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬التقنية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬أعمالهم،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تعلمه‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيون‭ ‬من‭ ‬جدودهم‭ ‬العرب،‭ ‬وخاصة‭ ‬تقنية‭ ‬علم‭ ‬العروض‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭. ‬فهؤلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬يكتبون‭ ‬الشعر‭ ‬الحر‭ ‬مثلهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬الشعراء‭ ‬الأمريكيين‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يمكننا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أن‭ ‬نرصد‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭-‬الأمريكي‭ ‬أثر‭ ‬بعض‭ ‬خصائص‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬مثل‭ ‬الطباق،‭ ‬والجناس،‭ ‬والقافية‭ ‬الداخلية‭.‬

  ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭- ‬الأمريكي‭ ‬المعاصر‭ ‬ذو‭ ‬سمات‭ ‬مميزة،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أدب‭ ‬أمريكي‭ ‬صرف‭ ‬به‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬أدب‭ ‬الأقليات‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب‭-‬الأمريكيين‭ ‬المعاصرين،‭ ‬وربما‭ ‬بعكس‭ ‬جدودهم‭ ‬من‭ ‬مهاجري‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬قد‭ ‬أدركوا‭ ‬ضرورة‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬وإثبات‭ ‬رسوخ‭ ‬موهبتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬العرقية‭ .