معرض إكسبو ميلانو

الفن والصناعة هما توأم المعرض الدولي «إكسبو العالم»، فقد اجتمعا معًا ليصنعا التاريخ، منذ المرة الأولى التي ولد فيها بالعاصمة الفرنسية، حين نظمت باريس المعرض العام للمنتجات والصناعات الفرنسية Exposition publique des produits de l’industrie Française، 1798، وحتى اليوم، حيث يشارك العالم ويشهد «إكسبو ميلانو 2015». وثبات المعرض العالمي أخذته من باريس إلى لندن، ومن فيينا إلى ملبورن، وفي كل مرة، يجتمع الفن مع الصناعة على مائدة التاريخ.
لكن الجد الرسمي للمعرض الدولي كان في مسقط رأسه؛ لندن. ففي العاصمة الإنجليزية، عام 1851، جاءت صناعات الأمم مشاركة في المعرض العظيم، the Great Exhibition of the Works of Industry of all Nations، الذي استضافت فيه لندن 25 دولة وتجول في أجنحته 6 ملايين زائر، ما جعله حدثاً فريداً من نوعه، دشن باكورة هذه المعارض الدولية، وضمن لها النجاح في المستقبل.
بعد عواصم إنجلترا والنمسا وأستراليا، يعود المعرض الدولي إلى باريس مرة أخرى استثنائية عام 1889، بدءاً من 5 مايو إلى 31 أكتوبر بعنوان «الاحتفال بالذكرى المئوية للثورة الفرنسية»، ويذهب المعرض تاركاً خلفه موضوع الثورة وبرج إيفل الذي شُيِّد من الصلب بارتفاع 300 متر، ليصبح أيقونة العاصمة ورمز فرنسا في كل أنحاء العالم.
تدخل «ميلانو» الإيطالية العريقة إطار صورة المعارض الدولية الكبيرة، حدث ذلك للمرة الأولى في عام 1906، بمشاركة 25 بلداً، ليزور المعرض 10 ملايين شخص من جميع أنحاء العالم. وبعد «ميلانو» نُظم المزيد من المعارض العالمية في جميع أنحاء العالم، لتقول الدول المنظمة لها كلمتها الاقتصادية، ولتروج صورتها السياسية، ولتمتدح حالتها الاجتماعية، ولتعلن عن اتجاهاتها الثقافية وابتكاراتها المعمارية والفنية.
وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، نشأت مع ظاهرة المعارض الدولية الحاجة إلى وجود قواعد يجب اتباعها لتنظيم هذه الفعالية الأممية، إنها كأس عالم الصناعة، وأولمبياد الاقتصاد، لذلك نشأت اتفاقية باريس، وقام المكتب الدولي للمعارض عام 1928، بأخذ توقيع 31 دولة ترغب في تنظيم مثل هذه الأحداث الكبيرة.
مع القرن الجديد، جاء المعرض الكبير في نيويورك عام 1939، وبدأ عصر جديد، لم توقفه سوى الحرب العالمية الثانية، ليعمل ثانية عام 1947، وفي عام 1958، جاء شعار المعرض في العاصمة البلجيكية بروكسل: «توازن عالمي، من أجل عالم أكثر إنسانية».
حينها، تأكد اتخاذ المعرض أداة للدعاية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعملت أقوى الدول في العالم معا من أجل النمو العالمي، وهو النمو الذي سيتأكد بفضل دخول الدول الآسيوية الاتفاقية. هكذا نحلق بين «إكسبو 1970» في أوساكا، اليابان، إلى «إكسبو شنغهاي»، الصين، عام 2010 في شنغهاي. أصبح المعرض العالمي يقام كل خمس سنوات، وإذا كان العالم يلتقي اليوم في ميلانو، فهو على موعد في دبي عام 2020.
كنتُ في دبي لحظة إعلان اختيار العالم مدينة دبي لإكسبو 2020، تمضي بنا، أدباء وإعلاميين، سفينة «دبي الثقافية» في خور دبي، تطلعنا إلى السماء والألعاب النارية تشارك أهل المدينة فرحتهم. سيقام معرض إكسبو في دبي تحت شعار: «تواصل العقول وصنع المستقبل»، ليعكس روح الشراكة والتعاون التي كانت وراء نجاح دبي في إيجاد طرق جديدة للنمو والابتكار. سيؤدي معرض «إكسبو 2020، دبي» دور المحفِّز من خلال تواصل العقول من جميع أنحاء العالم، ودفع المشاركين لمناقشة التحديات المشتركة بمفاهيمها الفرعية الثلاثة: التنقل والاستدامة والفرص. ومن المتوقع أن يجذب معرض «إكسبو2020، دبي» 25 مليون زيارة خلال فترة انعقاده، وأن يأتي 70 في المائة من الزوار من خارج دولة الإمارات العربية المتحدة. في الفترة من 20 أكتوبر إلى 10 أبريل، مع انطلاقة تحتفل بالعيد الوطني الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ها نحن في «إكسبو ميلانو 2015»، يعلن الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب من قلب جناح دولة الكويت أن مشاركة بلاده جاءت بموافقة سامية من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على دعوة رئيس الجمهورية الإيطالية لإبراز دور دولة الكويت الحضاري الريادي والإنساني العالمي:
«المشاركة تأتي في محفل كبير يضم 145 دولة، إضافة إلى منظمات ومؤسسات دولية مهمة جداً، لاسيما أن من المتوقع أن يزوره 20 مليون زائر من جميع أنحاء العالم، ما يسهل إيصال الرسالة على أكمل وجه»... يشير وزير الإعلام إلى الرعاية الكريمة من سمو الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء لمشاركة دولة الكويت في المعرض، والدعم الكبير من مجلس الوزراء لعمل اللجنة العليا التأسيسية التي شكلتها وزارة الإعلام في ديسمبر 2012، الذي كان له الأثر الواضح في الإعداد والتحضير المبكر الذي استمر أكثر من ثلاث سنوات بهدف أن تكون المشاركة على الوجه الأمثل: «لتأتي مؤسسات وهيئات الدولة برسالة تعكس وجه الكويت الحقيقي والمشرق في القضايا المتعلقة بالتنمية المستدامة والجوانب الإنسانية التي شهد العالم لها بأنها مركز للعمل الإنساني، مثلما شهد لسمو أمير البلاد بأنه قائد للعمل الإنساني».
وقال الشيخ سلمان الحمود إنه من حسن الطالع أن تتواكب مشاركة الكويت في «إكسبو ميلانو 2015» مع ذكرى مرور 50 عاماً على تدشين العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية إيطاليا الصديقة.
عكست مشاركة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الجانبين الثقافي والفني، وعرضت إرث الكويت الثقافي، وعملت على تسويقه في منطقة «السوق» بالجناح الكويتي، وكان للشباب، كما أكد معالي الوزير، النصيب الأكبر في هذه المشاركة. ووجه الشيخ سلمان الحمود الدعوة للسائحين الكويتيين في أوربا إلى زيارة جناح دولة الكويت، إضافة إلى أجنحة الدول الخليجية والعربية.
يبلغ عدد أعضاء المكتب الدولي للمعارض (B.I.E) اليوم 154 دولة، تدرك جميعها حجم السلطة السياسية والتفاعلية لهذه المعارض، وأكبر دليل على ذلك، فكرة إكسبو ميلانو 2015 «لإطعام الكوكب، طاقة من أجل الحياة». المعرض يستمر 6 أشهر، وهو ممتد مساحياً، وتنشئ كل دولة جناحها الخاص بصناعاتها وفنونها، وكما يقول أحد الشعارات: «184 يوماً من العلوم والفنون». وإذا كانت العلوم تهتم بالطاقة وحلولها المستقبلية، فإن الفنون رعت كل شيء من العمارة للرسم، والموسيقى التي أحيا إحدى لياليها المطرب الأوبرالي الإيطالي أندريه بوتشيلي.
بل إن الفن يبدأ من الشعار LOGO، الذي يماهي بألوانه الصريحة بين العام 2015 والاسم EXPO، وهي رباعية موسيقية لونية بالمثل، وقد حاولت بعض الدول أن تنقش التصميم وتطبعه في جناحها باسمها، كذلك.
مشاركة دولة الكويت، كما يبرزها دليل إكسبو ميلانو 2015، واتساقاً مع الثيمة الأساس للمعرض، تأتي تحت شعار «تحدي الطبيعة». والهدف من ذلك هو إظهار الزوار التحديات الضخمة التي تواجه البلاد من أجل منح شعبها تحسين مستويات المعيشة، على الرغم من الظروف الجغرافية والبيئية التي يهيمن عليها الجفاف الشديد والمناخ القاسي.
فتوافر المياه والزراعة والطاقة هو أكبر التحديات التي تواجه دولة الكويت لضمان حياة أفضل تتماشى مع الاستدامة. وتعد مياه الشرب المورد الحيوي لهذا البلد، لكونها تقع على مفترق الطرق بين شبه الجزيرة العربية وآسيا، مع ظروف جغرافية وبيئية تتميز بها التربة القاحلة والمناخ شديد الحرارة.
في عام 1953، شيَّدت دولة الكويت محطة التحلية الأولى في العالم على أساس تكنولوجي متعدد المراحل (MSF)، ولديها الآن سبعة مصانع تنتج 1.85 مليار لتر من الماء يومياً. وهناك محطة للمعالجة في الصليبية تكرر وتنقي 600 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي، في اليوم الواحد.
ويجري تطوير الزراعة بشكل رئيس في ثلاث مناطق، مع التركيز على زراعة النخيل والبطاطس. أيضا، ومن خلال تعزيز حملات التوعية وغيرها من المبادرات من مختلف الأنواع، تشارك الكويت بكثافة في حملات إرشادية تعليمية.
وتعد الطاقة التحدي الثالث، حيث تسعى دولة الكويت لإيجاد بدائل طبيعية للنفط (مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح). تبلغ مساحة جناح دولة الكويت في معرض إكسبو ميلانو 2790 متراً مربعاً، تعرض المشاريع الكويتية الكبيرة في هذه المجالات الثلاثة والنتائج التي تحققت من خلال المساهمات الإنسانية والتعاون الدولي في مجالات النقل والزراعة والمياه والري والاتصالات والتعليم والصحة.
هيكل الجناح يستحضر القوارب الشراعية للنواخذة الكويتيين؛ ربابنة الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، وصممه استديو إيتالو روتا. داخل الجناح، يجد الزوار أنفسهم أولاً في الفضاء الذي يوضح مشاهد الطبيعة والمناخ بجلاء. في الركن الأخير للجناح، يمكن للزوار أن يعيشوا الثقافة الكويتية التقليدية، وأن يسترخوا وهم يتذوقون أشهى الطعام في منطقة تستحضر السوق العربية التقليدية، بما في ذلك التنور.
تقع أقصى شمال المعرض بحيرة الساحة، التي طوقت بمنطقة للجلوس، تحدها حوالي 100 شجرة، وضعت في ثلاث دوائر متحدة المركز، وتستوعب حوالي 3000 شخص. في الجزء السفلي من الحوض تعطي الحصى السوداء تأثير المرآة. وفي وسط البركة نوافير وشجرة الحياة، وهي نصب تذكاري، ومنحوتة وعمل فني مركب وبناء، وعمل موسيقي أيضا تتناوب عليها عروض فنية لجريان المياه بالصوت والضوء، فضلا عن الحفلات الموسيقية والعروض الفنية المقامة على منصات عائمة. عروض النهار الموسيقية أقل من ثلاث دقائق ونصف الدقيقة، لأعمال خمسة من الملحنين الإيطاليين المعاصرين، أما المساء فهناك عرض مدته 5 دقائق و12 ثانية بعنوان «جناح شجرة الحياة «، ألفها خصيصاً لهذه المناسبة المايسترو روبرتو كاجياباليا. ارتفاع الشجرة نحو 37 مترا، وهيكلها من الخشب والصلب وهي جزء استعاري فني للمشتل، الذي يقدم مفهوم الجناح الإيطالي، وهيكلها يرمز إلى عصر النهضة، حيث إن مصممها ماركو باليتش يستلهم تصاميم مايكل أنجلو. وبما أن الماء عنصر مرتبط بقوة بموضوع معرض إكسبو ميلانو 2015 ، فهو أيضا يستدعي ذكريات القنوات المائية القديمة التي تعد أحيانا رمزاً لميلانو. يتم تغذية البحيرة بقناة طولها أربعة كيلومترات تأخذ ماءها من قناة فيوريسي التي تتدفق شرقا، وهي جزء من مشروع واسع اسمه دي أكوا (المائية). وترتبط المياه ارتباطاً وثيقاً كذلك بإنتاج الغذاء، فهدر الغذاء يعني أيضا إهدار المياه، وعلى سبيل المثال، نجد أن رمي نصف شطيرة يعادل استهلاك الماء مدة ساعة واحدة، لهذا السبب، فإن واحدة من ثماني عشرة منشأة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة في المعرض، يتم استضافتها في منطقة بحيرة الساحة، مكرسة لتحدي الجوع (الجوع صفر) وعدم إهدار المواد الغذائية.
تشارك في المعرض 145 دولة تمثل 94 في المائة من سكان العالم. مشاركات هذه الدول تأتي في إطار أجنحتها أو من خلال أحداث المعرض الدولية. وهناك ثلاث منظمات دولية مشاركة، هي الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، والمنظمة العلمية سيرن (CERN)، التي تعد أضخم مختبر في العالم لدراسة فيزياء الجسيمات، كما يستخدم المصطلح «سيرن» للإشارة إلى المختبر نفسه. وهناك 13 منظمة غير حكومية، تشارك للمرة الأولى في تاريخ إكسبو، وتؤدي دوراً أساسياً ضمن مشروعات التنمية. وهناك خمسة أجنحة للشركات الكبرى المشاركة التي تقدم حلولاً ابتكارية للقضايا التي يتناولها «إكسبو ميلانو 2015».
رحلة بناء الأجنحة المثيرة تبدأ من تخصيص مصممين عالميين للأجنحة، يقدمونها كأفكار واسكتشات، قبل أن تظهر كمجسمات، مروراً بتنفيذها على أرض الواقع، وافتتاحها للجمهور، وكأنها بناء حضارة من الألف للياء، تلخص قصص الأمم والدول في أمتار الجناح المربعة.
وإذا كانت الأطعمة محور الحدث العالمي، فهناك أطباق شهيرة أصبحت معروفة خارج الحدود، مثل الفلافل المصرية، التي قدمها الجناح المصري لزواره، الذي كان من بين أنشطته القصص التفاعلية مع تاريخ قدماء الفراعنة .
الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب يتوسط كبار الضيوف لدى افتتاح جناح دولة الكويت في محفل كبير يضم 145 دولة ويزوره 20 مليون زائر ، وتتواكب المشاركة الكويتية في «إكسبو ميلانو 2015» مع ذكرى مرور 50 عاماً على تدشين العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية إيطاليا.
يأتي محتوى مشاركة دولة الكويت اتساقاً مع الثيمة الأساس للمعرض تحت شعار «تحدي الطبيعة»، لإبراز التحديات المناخية التي تواجه البلاد، حيث يجد الزوار أنفسهم أولاً في الفضاء الذي يوضح مشاهد الطبيعة والمناخ بجلاء.
يستحضر تصميم جناح دولة الكويت الأشرعة البيضاء لمراكب البحارة الكويتيين؛ ربابنة الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، وهو من تصميم استديو إيتالو روتا.