الروائيان محمد جبريل ود. فاطمة يوسف العلي المبدع الحقيقي ينظر إلى قيمة نفسه في داخله

الروائيان محمد جبريل ود. فاطمة يوسف العلي المبدع الحقيقي ينظر  إلى قيمة نفسه في داخله

أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬أمضاها‭ ‬الروائي‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬محترفاً،‭ ‬يغوص‭ ‬خلالها‭ ‬بالقلم‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬حياتنا‭ ‬البشرية،‭ ‬ويتأمل‭ ‬خلالها‭ ‬بالفكر‭ ‬والعقل‭ ‬ومضات‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويسبح‭ ‬خلالها‭ ‬بالروح‭ ‬بين‭ ‬أمواج‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬وخلجاتها،‭ ‬راصداً‭ ‬انفعالاتها‭ ‬وهواجسها‭ ‬ونقاط‭ ‬ضعفها‭ ‬وقوتها،‭ ‬لنجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬كزهرة‭ ‬برية‭ ‬هذبتها‭ ‬يد‭ ‬الخالق‭ ‬فتجلَّت‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورة‭.‬

وُلد‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬بحري‭ ‬بالإسكندرية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1938‭ ‬وبدأت‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬الصحافة‭ ‬عام‭ ‬1959‭ ‬محرراً‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الأدبي‭ ‬بجريدة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬جريدة‭ ‬المساء،‭ ‬وطوال‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬تنقّل‭ ‬فيها‭ ‬عبر‭ ‬مراكز‭ ‬قيادية‭ ‬مهمة،‭ ‬ظل‭ ‬معنياً‭ ‬ومشغولاً‭ ‬بالقضايا‭ ‬الثقافية‭ ‬حتى‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬الكثيرون‭ ‬ممن‭ ‬يحتلون‭ ‬مواقع‭ ‬ثقافية‭ ‬مرموقة‭ ‬الآن،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي،‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬عشقه‭ ‬الأول‭ ‬والدائم،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬للمكتبة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬والمؤلفات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والنقد‭ ‬والتراجم‭ ‬والمقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬والسيرة‭ ‬الذاتية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الأدب‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭.‬

ولأني‭ ‬أتنفس‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬أيضاً،‭ ‬قراءة‭ ‬وكتابة،‭ ‬فقد‭ ‬جذبني‭ ‬عالم‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬الروائي‭ ‬والقصصي،‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬وجداننا‭ ‬وجوده،‭ ‬ومن‭ ‬مشاعرنا‭ ‬صموده،‭ ‬ومن‭ ‬أفراحنا‭ ‬وأتراحنا‭ ‬لحظات‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬الذكرى‭ ‬الباقية،‭ ‬والزاد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفنى‭.‬

وقد‭ ‬صدر‭ ‬للروائي‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬السبعين‭ ‬كتاباً،‭ ‬تشمل‭ ‬الرواية‭ ‬والمجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬والسيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬والدراسة‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬يحرص‭ ‬جبريل‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬أسوارها،‭ ‬وإن‭ ‬حصل‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭. ‬اختيرت‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬رباعية‭ ‬بحري‮»‬‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬مائة‭ ‬رواية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كما‭ ‬ترجمت‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللغات،‭ ‬وصدر‭ ‬عنه‭ - ‬حتى‭ ‬الآن‭ - ‬15‭ ‬كتاباً،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬رسالة‭ ‬جامعية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والوطن‭ ‬العربى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملفات‭ ‬في‭ ‬دوريات‭ ‬عربية‭ ‬تناولت‭ ‬حياته‭ ‬وكتاباته‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬لا‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬اللائق‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬الهدف‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬عالمه،‭ ‬أو‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتنفسه‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬للكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬الصحفية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنا‭ ‬أضع‭ ‬أمامي‭ ‬العشرات‭ ‬والعشرات‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬معه،‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬أعماله،‭ ‬أو‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬مشواره،‭ ‬إنما‭ ‬يسعدني‭ ‬أن‭ ‬أسأله‭ ‬عما‭ ‬لم‭ ‬يسأله‭ ‬عنه‭ ‬الآخرون،‭ ‬وأن‭ ‬أستمع‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬للآخرين‭. ‬

‭<‬‭ ‬بادرته‭ ‬ونحن‭ ‬نجلس‭ ‬ثلاثتنا‭ ‬في‭ ‬منزله‭ ‬بحي‭ ‬مصر‭ ‬الجديدة‭ ‬أنا‭ ‬وهو‭ ‬وزوجته‭ ‬الناقدة‭ ‬الكبيرة‭ ‬د‭. ‬زينب‭ ‬العسال‭: ‬أيهما‭ ‬كان‭ ‬الأسبق،‭ ‬رحلة‭ ‬الصحافة‭ ‬أم‭ ‬رحلة‭ ‬الإبداع‭,‬‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬رحلة‭ ‬القراءة‭ ‬أسبق‭ ‬من‭ ‬كليهما؟

‭- ‬كانت‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ - ‬كعمل‭ ‬عام‭ - ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬بجريدة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬اللحظة‮»‬‭ ‬سنة‭ ‬1970،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سبقتها‭ ‬كتابات‭ ‬إبداعية‭ ‬أخرى‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رحلة‭ ‬القراءة‭ ‬سبقت‭ ‬رحلة‭ ‬الكتابة‭ ‬بأعوام‭. ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬متى‭ ‬تواصلت‭ ‬الرحلتان،‭ ‬وإن‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬أبي‭ ‬ما‭ ‬يحضني‭ ‬على‭ ‬القراءة‭. ‬كان‭ ‬أبي‭ ‬يعمل‭ ‬مترجماً‭ ‬بين‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬اللغات،‭ ‬مجاله‭ ‬شركات‭ ‬التصدير‭ ‬والاستيراد‭ ‬التي‭ ‬أثمرتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬الكوزموباليتينية‭ ‬لمدينتي‭ ‬الإسكندرية‭. ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬يعمل‭ - ‬حتى‭ ‬أقعده‭ ‬المرض‭ - ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬شركات‭ ‬عربية‭ ‬وألمانية‭ ‬وإنجليزية،‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬متقاربة‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬عمله‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فإن‭ ‬مكتبته‭ ‬شملت‭ ‬معارف‭ ‬وإبداعات،‭ ‬أغرتني‭ ‬بقراءتها،‭ ‬وأتاحت‭ ‬لي‭ ‬عالماً‭ ‬سحرياً‭ ‬جميلاً،‭ ‬أبطاله‭ ‬صبي‭ ‬أيام‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ومحسن‭ ‬عودة‭ ‬الروح‭ ‬وشهرزاد‭ ‬وشهريار‭ ‬وأمينة‭ ‬في‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬حرة‮»‬‭ ‬وبخلاء‭ ‬الجاحظ‭ ‬وأشعب‭ ‬أمير‭ ‬الطفيليين‭ ‬والمسكين‭ ‬فرتر‭ ‬وسيرانو‭ ‬دي‭ ‬برجراك‭ ‬وماجدولين‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬الزيزفون‭ ‬وأرسين‭ ‬لوبين‭ ‬وأبو‭ ‬فراس‭ ‬الحمداني‭, ‬كما‭ ‬صوره‭ ‬الجارم‭ ‬والعقاد‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬والفتاة‭ ‬اللقيطة‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬عبدالحليم‭ ‬عبدالله‭ ‬وشخصيات‭ ‬فائق‭ ‬الجوهري‭ ‬المعقدة،‭ ‬وغيرهم‭.‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬أذكرها‭ ‬جيداً،‭ ‬وإن‭ ‬نسيت‭ ‬ملابساتها،‭ ‬تطلعت‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬أبي‭ ‬متسائلاً‭: ‬متى‭ ‬أكتب‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء؟‭ ‬عاودني‭ ‬الخاطر‭ ‬المتسائل‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أحاول‭ ‬الإمساك‭ ‬بطرف‭ ‬الخيط‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬رحيل‭ ‬أمي‭ ‬ما‭ ‬يشجعني‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬كراسة‭ ‬صغيرة‭ ‬كنت‭ ‬أضمنها‭ ‬عبارات‭ ‬استهوتني‭ ‬في‭ ‬القراءات‭ ‬المختلفة‭. ‬شخصية‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬اتجه‭ ‬إليها‭ ‬الراوي‭ ‬بخطابه‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬مثلت‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الاستفزاز،‭ ‬أزمعت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬الأم‭ ‬الملاك،‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬الزوجة‭ ‬الملاك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭. ‬كانت‭ ‬‮«‬الملاك‮»‬‭ ‬عملي‭ ‬الأدبي‭ ‬الأول‭. ‬في‭ ‬التسمية‭ ‬تجاوز،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يصح‭ ‬نسبته‭ ‬لي‭ ‬عبارات‭ ‬قليلة،‭ ‬وصلت‭ ‬السطو‭ ‬الصريح‭ ‬على‭ ‬إبداعات‭ ‬الآخرين،‭ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬أعجبني‭ ‬طوعته‭ ‬ليعبّر‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬أريده،‭ ‬بحيث‭ ‬يتجه‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬عمومه‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬أدته‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أسرتي‭. ‬

في‭ ‬حوزتي‭ ‬نسخة‭ ‬وحيدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البداية‭ ‬القديمة،‭ ‬ونسخة‭ ‬وحيدة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬التالي‭ ‬‮«‬ظلال‭ ‬الغروب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬زاد‭ ‬عدد‭ ‬صفحاتها،‭ ‬وقللت‭ ‬من‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬تعبيرات‭ ‬الآخرين‭. ‬

ثم‭ ‬كانت‭ ‬قصتي‭ ‬القصيرة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬سلام‮»‬‭ ‬أولى‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬أعتز‭ - ‬حتى‭ ‬الآن‭ - ‬بانتسابها‭ ‬لي‭. ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬آلمني‭ ‬لبائع‭ ‬جوال‭ ‬عجوز،‭ ‬يحدِّث‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ليل‭ ‬الإسكندرية‭ ‬الشتوي،‭ ‬يتمنى‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬موضع‭ ‬يلوذ‭ ‬به‭. ‬تخيلت‭ - ‬عقب‭ ‬عودتي‭ ‬إلى‭ ‬
البيت‭ - ‬أني‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬الموضع‭ ‬الذي‭ ‬يتمناه‭ ‬العجوز،‭ ‬وأنه‭ ‬أظهر‭ ‬امتنانه‭ ‬لعرضي‭ ‬بإشارته‭ ‬إلى‭ ‬الشبه‭ ‬بين‭ ‬ابنه‭ ‬الذي‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وبيني،‭ ‬ولعل‭ ‬القصة‭ ‬كانت‭ ‬تأثراً‭ ‬بقصة‭ ‬‮«‬الحرب‮»‬‭ ‬للويجي‭ ‬برانديللو‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬قتل‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

قصص‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬اسكتشات‭ ‬لأعمال‭ ‬تالية‭ ‬لمصر‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬كتّابها‭ ‬المعاصرين‭ ‬التي‭ ‬استغرقت‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬التسع‭. ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬ود‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الثناء،‭ ‬لكن‭ ‬رأيي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أبدله‭ ‬أنها‭ ‬تجارب‭ ‬أولية‭ ‬لأعمال‭ ‬تالية،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬اسكتشات‭ ‬الفنانين‭ ‬التشكيليين،‭ ‬إرهاصاً‭ ‬بأعمالهم‭ ‬الكبيرة‭. ‬لذلك‭ ‬فإني‭ ‬أعتبر‭ ‬كتابي‭ ‬الإبداعي‭ ‬الذي‭ ‬أطمئن‭ - ‬أو‭ ‬أكاد‭ - ‬إلى‭ ‬قيمته‭ ‬هو‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬الأسوار‮»‬‭. ‬أدعى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬لوحدة‭ ‬الفنون،‭ ‬أو‭ ‬تفاعل‭ ‬الأنواع،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬طرحت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬بعد‭.‬

 

كتب‭ ‬القدامى‭ ‬والمعاصرين

‭<‬‭ ‬إيماناً‭ ‬بمبدأ‭ ‬تواصل‭ ‬الأجيال،‭ ‬لابد‭ ‬أنك‭ ‬تعترف‭ ‬بفضل‭ ‬أساتذة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬معايشتهم،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إبداعاتهم‭... ‬مَن‭ ‬صاحب‭ ‬الفضل‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه؟

‭- ‬كانت‭ ‬قراءاتي‭ ‬الأولى‭ - ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬ضمّته‭ ‬مكتبة‭ ‬أبي‭ - ‬للكتب‭ ‬التي‭ ‬تخاطب‭ ‬الكبار‭. ‬كتب‭ ‬القدامى‭ ‬والمعاصرين،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الجاهلية‭ ‬وحتى‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الشرقاوي‭ ‬في‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬مصري‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬ترومان‮»‬‭ ‬وقصيدة‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬عن‭ ‬القمح‭ ‬الذي‭ ‬يشابه‭ ‬أجساد‭ ‬الفلاحين،‭ ‬عيدان‭ ‬نحيلة‭ ‬جدرها‭ ‬مغروس‭ ‬في‭ ‬طين،‭ ‬مروراً‭ ‬بالمؤلفات‭ ‬المترجمة‭ ‬عن‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬وكتابات‭ ‬ابن‭ ‬قتيبة‭ ‬والماوردي‭ ‬والأصفهاني‭ ‬والمقريزي‭ ‬وابن‭ ‬إياس‭ ‬وابن‭ ‬تغري‭ ‬بردي‭ ‬والمازني‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬والعقاد‭ ‬والزيات‭ ‬والحكيم‭ ‬وسعد‭ ‬مكاوي‭ ‬والبدوي‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬عبدالله‭ ‬وغراب‭ ‬والسحار‭ ‬وباكثير‭ ‬وعشرات‭ ‬غيرهم،‭ ‬أتيح‭ ‬لي‭ ‬قراءتهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ألتفت‭ ‬إلى‭ ‬المؤلفات‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬الناشئة،‭ ‬لسعيد‭ ‬العريان‭ ‬وفريد‭ ‬أبو‭ ‬حديد‭ ‬وكامل‭ ‬كيلاني،‭ ‬ومجلات‭ ‬البلبل‭ ‬وسندباد‭ ‬والفارس،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أفرغ‭ ‬لقراءته‭ ‬من‭ ‬مجلات‭ ‬المصور‭ ‬والكواكب‭ ‬والاثنين‭ ‬والدنيا‭ ‬وسلسلة‭ ‬روايات‭ ‬الهلال‭ ‬ومسامرات‭ ‬الجيب‭... ‬إلخ‭. ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ - ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ - ‬فضل‭ ‬في‭ ‬تنشئتي‭ ‬المعرفية‭ ‬والأدبية،‭ ‬وإن‭ ‬
توضحت‭ - ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ - ‬معالم‭ ‬مهمة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وديستويفسكي‭ ‬وقصص‭ ‬تشيخوف‭ ‬وإدريس‭ ‬والشاروني‭ ‬وقصائد‭ ‬السياب‭ ‬وعبدالصبور‭ ‬وحجازي‭ ‬التي‭ ‬عمَّقت‭ ‬من‭ ‬حبي‭ ‬للإبداع‭ ‬في‭ ‬أطيب‭ ‬تجلياته‭. ‬

 

زينب‭ ‬العسال

‭<‬‭ ‬تعددت‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬فيها‭ ‬سيرتك‭ ‬الذاتية،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬رباعية‭ ‬بحري‭ ‬وحكايات‭ ‬عن‭ ‬جزيرة‭ ‬فاروس‭ ‬وأيامي‭ ‬القاهرية‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬خلت‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬زوجتك‭ ‬
د‭. ‬زينب‭ ‬العسال؟

‭- ‬حكايات‭ ‬عن‭ ‬جزيرة‭ ‬فاروس‭ ‬والحياة‭ ‬ثانية‭ ‬ومد‭ ‬الموج‭ ‬وأغنيات‭ ‬تتضمن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سيرتي‭ ‬الذاتية،‭ ‬اسم‭ ‬الكاتب‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬الراوي،‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬للتخمين‭. ‬وأزعم‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬زينب‭ ‬العسال‭ ‬يتخلل‭ ‬هذه‭ ‬الكتب،‭ ‬بما‭ ‬يصعب‭ ‬إغفاله‭. ‬انعكاساً‭ ‬مؤكداً‭ ‬لدورها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكاتب‭. ‬أما‭ ‬رباعية‭ ‬بحري‭ ‬فهي‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬يتناول‭ ‬الحياة‭ ‬السكندرية‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو،‭ ‬أبطاله‭ ‬تخلّقوا‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة،‭ ‬بحيث‭ ‬يختلط‭ ‬الواقع‭ ‬والخيال،‭ ‬ليقدما‭ ‬مشهداً‭ ‬بانورامياً‭ ‬للواقع‭ ‬المصري‭ ‬آنذاك‭. 

‭<‬‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬زوجتك‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭. ‬فالبعض‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ظهور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭ ‬قليل،‭ ‬أو‭ ‬نادر‭. ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الواقع؟‭ ‬وكيف‭ ‬تراها‭ ‬في‭ ‬أعمالك؟

‭- ‬ظهور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬أعمالي‭ ‬استجابة‭ ‬لطبيعة‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭. ‬‮«‬إمام‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‮»‬‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬معتقل‭ ‬قوامه‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬تأتي‭ ‬المرأة‭ ‬باستدعاءات‭ ‬الذاكرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لحظات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الومضات‭ ‬العابرة،‭ ‬وإن‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬واضح‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الرجل،‭ ‬وفي‭ ‬مسار‭ ‬الأحداث‭ ‬عامة،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬المرأة‭ ‬شخصية‭ ‬هامشية‭ ‬في‭ ‬‮«‬‭ ‬إمام‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬دورها‭ - ‬سلباً‭ ‬وإيجاباً‭ - ‬يتخلل‭ ‬الأحداث،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬شاكر‭ ‬جعل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المتنبي‭ ‬حباً‭ ‬عميقاً‭ ‬لشقيقة‭ ‬سيف‭ ‬الدولة،‭ ‬فإن‭ ‬سيرة‭ ‬المتنبي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قواماً‭ ‬لروايتي‭ ‬‮«‬من‭ ‬أوراق‭ ‬أبي‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‮»‬‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬المرأة،‭ ‬حتى‭ ‬زوجه‭ ‬أم‭ ‬ابنه‭ ‬محسد،‭ ‬لا‭ ‬يذكرها‭ ‬الدارسون،‭ ‬أو‭ ‬يذكرونها‭ ‬في‭ ‬إشارات‭ ‬عابرة‭. ‬صرفتني‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬والشخصية‭ ‬عن‭ ‬اصطناع‭ ‬المرأة‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يشوش‭ ‬الدلالات‭ ‬التي‭ ‬قصدتها‭ ‬الرواية‭. ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬مخطئاً،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬اطمأننت‭ ‬إليه‭ ‬حين‭ ‬كتبت‭ ‬الرواية‭. ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬قرأت‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬قاضي‭ ‬البهار‭ ‬ينزل‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬و«الصهبة‮»‬‭ ‬والروايات‭ ‬التالية،‭ ‬فلابد‭ ‬أنك‭ ‬أدركت‭ ‬الدور‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬رواية،‭ ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قصصي‭ ‬القصار،‭ ‬بما‭ ‬أملته‭ ‬طبيعة‭ ‬الأحداث،‭ ‬وتشابك‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات‭ ‬المختلفة،‭ ‬إنها‭ ‬حركة‭ ‬مجتمع،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الاختيار‭ ‬ولا‭ ‬الانتقاء،‭ ‬وإنما‭ ‬تأتي‭ ‬الشخصية‭ - ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نوعها‭ - ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تختارها،‭ ‬أو‭ ‬يختارها‭ ‬العمل‭. ‬إنها‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬حالاتها،‭ ‬وتعقيداتها،‭ ‬وصراعها،‭ ‬وطموحها‭ ‬إلى‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى،‭ ‬أو‭ ‬العكس‭.‬

‭<‬‭ ‬كثرت‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬حياتك‭ ‬الشخصية‭ ‬وأعمالك‭. ‬وثمة‭ ‬دراسات‭ ‬جامعية‭ ‬تناولت‭ ‬حياتك‭ ‬وإنتاجك‭. ‬ما‭ ‬أحب‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬والكتب‭ ‬إليك؟

‭- ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ترجمت‭ ‬لحياتي‭ ‬الشخصية،‭ ‬وكتاباتى،‭ ‬بلغ‭ - ‬حتى‭ ‬الآن‭ - ‬15‭ ‬كتاباً،‭ ‬بينما‭ ‬جاوزت‭ ‬رسائل‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬عشرين‭ ‬رسالة،‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬الدراسات‭ ‬والمقالات‭ ‬والحوارات‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تثبته‭ ‬لغة‭ ‬الأرقام،‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شعور‭ ‬بالزهو‭ ‬أو‭ ‬التباهي‭. ‬طبيعي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬مبدع‭ ‬نقاده‭ ‬ودارسوه،‭ ‬وتتعدد‭ ‬الرؤى‭ ‬والاجتهادات‭ ‬بتعدد‭ ‬الرسائل،‭ ‬ولعل‭ ‬بعضها‭ ‬قد‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬موضع‭ ‬الإعجاب،‭ ‬رغم‭ ‬اختلافه‭ ‬معي‭ - ‬موضوعياً‭ ‬أو‭ ‬فنياً‭ - ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬رسائل‭ ‬حرصت‭ ‬ألا‭ ‬تغضب‭ ‬من‭ ‬درست‭ ‬أعماله‭. ‬

 

اليقين‭ ‬الديني

‭<‬‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأدباء‭ ‬يمثل‭ ‬منطقة‭ ‬يتوقف‭ ‬أمامها‭ ‬المرء‭ ‬كثيراً،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬لك‭ ‬روايات‭ ‬كثيرة‭ ‬محورها‭ ‬قضايا‭ ‬الدين‭... ‬تُرى‭ ‬كيف‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة؟

‭- ‬لي‭ ‬كتاب‭ ‬أصدرته‭ ‬منجماً،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أجمعه‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬مطبوع‭. ‬تناولت‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬فقد‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬مئذنة‭ ‬جامع،‭ ‬واعتدت‭ ‬مشاهدة‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المقابلة‭ ‬للجامع،‭ ‬ثم‭ ‬قضاء‭ ‬أوقات‭ ‬المذاكرة‭ ‬في‭ ‬صحنه،‭ ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬قراءاتي‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬أبي‭ ‬كتب‭ ‬دينية‭ ‬وتراثية،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬أذكره‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القراءات‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإسلام‮»‬‭ (‬أمّ‭ ‬تعريفة‭) (‬والتعريفة‭ ‬تساوي‭ ‬نصف‭ ‬قرش‭ ‬أي‭ ‬5‭ ‬مليمات‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصدرها‭ ‬محمد‭ ‬توفيق‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬أفادتني‭ ‬روحياً‭ ‬وفنياً‭ ‬في‭ ‬قراءاتي‭ ‬عن‭ ‬رحلة‭ ‬الإسراء‭ ‬والمعراج،‭ ‬وطقوس‭ ‬الحج،‭ ‬وصورة‭ ‬الجنة‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬الكتاب‭. ‬

اليقين‭ ‬الديني‭ ‬تكوين‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬لا‭ ‬أذكره،‭ ‬طرف‭ ‬خيطه‭ ‬متشابك‭ ‬في‭ ‬الخيوط‭ ‬الأخرى‭. ‬

ظني‭ ‬أن‭ ‬العيد‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬تعرفي‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الدين،‭ ‬ترامي‭ ‬تكبيرات‭ ‬المصلين‭  - ‬عبر‭ ‬النافذة‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬جامع‭ ‬سيدي‭ ‬علي‭ ‬تمراز‭ - ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬شروق‭ ‬الشمس‭: ‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬كبيراً،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬كثيراً،‭ ‬وسبحان‭ ‬الله‭ ‬بكرة‭ ‬وأصيلاً‭. ‬

أطل‭ ‬على‭ ‬الميدان‭ ‬الواسع،‭ ‬يتناثر‭ ‬فيه‭ ‬المصلون،‭ ‬وإن‭ ‬دل‭ ‬فرش‭ ‬الحصير‭ ‬إلى‭ ‬نهايات‭ ‬الميدان‭ ‬والشوارع‭ ‬الجانبية،‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬المصلين‭ ‬الذين‭ ‬يقيمون‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬موعدها‭.‬

مثلت‭ ‬لي‭ ‬صلاة‭ ‬العيد،‭ ‬ثم‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬وامتلاء‭ ‬سعة‭ ‬ميدان‭ ‬الخمس‭ ‬فوانيس،‭ ‬بداية‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭. ‬تأملت،‭ ‬وسألت،‭ ‬وتلقيت‭ ‬أجوبة،‭ ‬تلاصقت‭ ‬الجزئيات‭ ‬والتفصيلات،‭ ‬لتشكل‭ - ‬في‭ ‬النهاية‭ - ‬مشهداً‭ ‬بانورامياً‭ ‬يعاني‭ ‬الشحوب،‭ ‬ثم‭ ‬لحقته‭ ‬تكوينات‭ ‬جديدة،‭ ‬فرضها‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الدين‭. ‬

 

مشروعي‭ ‬الإبداعي

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬رحلتك‭ ‬الإبداعية‭ ‬بعد‭ ‬إبداعات‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬سبعين‭ ‬كتاباً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬رواية‭ ‬ومجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬ودراسات‭ ‬نقدية‭ ‬وتراجم‭ ‬ومقالات؟‭ ‬وهل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬المنجز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الإخفاقات،‭ ‬أو‭ ‬العكس؟

‭- ‬لا‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭. ‬حياتي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والتأمل‭ ‬والكتابة،‭ ‬ولي‭ ‬مشروعي‭ ‬الإبداعي‭ ‬الذي‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬توقفي‭ ‬عن‭ ‬استكماله،‭ ‬توقفاً‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬بمعناها‭ ‬المادي‭. ‬أكتب‭ ‬عملاً،‭ ‬ثم‭ ‬أتبين‭ - ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬سبيله‭ ‬للنشر‭ - ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الدلالة‭ ‬والفنية‭ ‬خطوة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتلوها‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى،‭ ‬وأواصل‭ ‬القراءة‭ ‬ومحاولات‭ ‬التأمل‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬تتمنى‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬بك‭ ‬الأيام‭ ‬لتعيد‭ ‬مسار‭ ‬أي‭ ‬إخفاق‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬من‭ ‬جديد؟

‭- ‬أفضّل‭ ‬أن‭ ‬أتذكر‭ ‬لحظات‭ ‬التفوق،‭ ‬وظني‭ ‬أنها‭ ‬كثيرة‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬تؤمن‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬كرامة‭ ‬لنبي‭ ‬في‭ ‬أهله،‭ ‬وأن‭ ‬الأديب‭ ‬لا‭ ‬يكرّم‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بمشواره‭ ‬الإبداعي‭ ‬وإنتاجه‭ ‬الفني؟‭ ‬وكيف‭ ‬ترى‭ ‬ذلك؟‭ ‬وهل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬ينطبق‭ ‬عليك؟

‭- ‬لا‭ ‬أكابر،‭ ‬ولا‭ ‬أدعي‭ ‬التواضع‭ ‬حين‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬الإبداع‭ ‬حياتي،‭ ‬لا‭ ‬أصله‭ ‬بتقدير‭ ‬الآخرين‭ ‬ولا‭ ‬إهمالهم‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬ألفت‭ ‬هذا‭ ‬منذ‭ ‬وعيت‭ ‬على‭ ‬دنيا‭ ‬القراءة،‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬لملامسة‭ ‬تجليات‭ ‬الإبداع،‭ ‬المبدع‭ ‬الحقيقي‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬داخله،‭ ‬ولا‭ ‬يتسوَّل‭ ‬الإعجاب‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الآخرين‭. ‬أشير‭ - ‬بالمناسبة‭ - ‬إلى‭ ‬أني‭ ‬أهدي‭ ‬كتبي‭ ‬لمن‭ ‬يطلبها،‭ ‬ولا‭ ‬أهديها‭ ‬إلى‭ ‬النقاد‭. ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬القراءة‭ ‬بالفعل،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬الإهداء‭ ‬ابتزازاً‭ ‬ينتظر‭ ‬المقابل،‭ ‬أعني‭ ‬الدراسة‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الكاتب‭ - ‬أحياناً‭ - ‬مجاملة‭ ‬صعبة‭.‬

‭<‬‭ ‬الجوائز‭ ‬تجافيك،‭ ‬والمناصب‭ ‬تخاصمك‭... ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬صحيحاً،‭ ‬فلماذا‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬حقك؟

‭-  ‬بالنسبة‭ ‬للجوائز،‭ ‬فقد‭ ‬أزمعت،‭ ‬منذ‭ ‬فشل‭ ‬محاولة‭ ‬وحيدة‭ ‬لقبول‭ ‬تزكية‭ ‬أصدقاء‭ ‬مثقفين‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التقديرية،‭ ‬أن‭ ‬أكتفي‭ ‬بالإشارة‭ ‬في‭ ‬سيرتي‭ ‬الذاتية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التشجيعية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي،‭ ‬هي‭ ‬الجائزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬فزت‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الدولة‭. ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬عملي‭ ‬بالصحافة‭ ‬أتاح‭ ‬لي‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الغرف‭ ‬المغلقة،‭ ‬وإلى‭ ‬الدروب‭ ‬والعطوف‭ ‬والمنحنيات‭ ‬والخواطر‭ ‬والمجاملات‭ ‬والمحسوبيات‭ ‬ومترادفات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭. ‬

ورأيي‭ ‬أن‭ ‬الجوائز‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬مبدعاً،‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬المقابل‭ ‬المادي‭ ‬الضخم،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬من‭ ‬رشاهم‭ ‬بالهدايا،‭ ‬وتذلل‭ ‬في‭ ‬هواتفهم،‭ ‬وألحت‭ ‬زياراته‭ ‬الشخصية،‭ ‬وبطاقات‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬احترامه‭ ‬لنفسه،‭ ‬فهو‭ ‬أعرف‭ ‬الجميع‭ ‬بسر‭ ‬الطبخة‭.‬

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬مستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي؟

‭- ‬الثقافة‭ ‬تعني‭ ‬التراث‭ ‬والحضارة‭ ‬واللغة‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والقيم‭ ‬والتقاليد‭. ‬إنها‭ ‬مجموع‭ ‬المكتسبات‭ ‬والخبرات‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬للمواطن‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬امتداد‭ ‬التاريخ‭. ‬إنها‭ - ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ - ‬هوية‭ ‬الشعب‭ ‬العربي،‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭- ‬متأثرة‭ ‬ومؤثرة‭ - ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬مقوماتها‭ ‬ولا‭ ‬خصائصها،‭ ‬يعني‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬الأخطار‭ ‬المحدقة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية‭. ‬ثمة‭ ‬مفردات‭ ‬وتعبيرات‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬سمة‭ ‬لحواراتنا‭ ‬الثقافية،‭ ‬مثل‭ ‬العولمة،‭ ‬والحداثة،‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬والغزو‭ ‬الثقافي،‭ ‬والآخر،‭ ‬والتحديث،‭ ‬والثورة‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬والعالم‭ ‬الذي‭ ‬تحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭... ‬إلخ‭. ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ - ‬بوصفه‭ ‬رصيداً‭ ‬إيجابياً‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭ - ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬الدور‭ ‬الفاعل‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عموماً‭. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬فإن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬تفقد‭ ‬نفسها‭ ‬إذا‭ ‬تحوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬ثقافات‭ ‬متعددة‭ ‬مصرية‭ ‬وسودانية‭ ‬ومغاربية‭ ‬وعراقية‭ ‬وخليجية‭... ‬إلخ،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬الفكر‭ ‬والإبداع‭ ‬المحلي‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الشرايين‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬يكتسب‭ ‬عافيته‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬هذه‭ ‬الشرايين،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬ضخ‭ ‬الدماء‭ ‬عبر‭ ‬خلاياه‭ ‬وأنسجته‭. ‬أخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬الثقافة‭ ‬الأصيلة‭ ‬والجادة‭ ‬والواعية‭ ‬هي‭ ‬الأمل‭ - ‬أكاد‭ ‬أقول‭ ‬الوحيد‭ - ‬في‭ ‬مجاوزة‭ ‬التخلف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬وقوعنا‭ ‬أسرى‭ ‬قيوده،‭ ‬واللحاق‭ ‬بالتقدم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ - ‬حتى‭ ‬الآن‭ - ‬أمنية‭ ‬ضبابية‭ ‬أو‭ ‬غائبة‭ ‬الملامح‭. ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬الدور‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬الفاعل‭ ‬فرض‭ ‬الخوف،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬عدم‭ ‬اللحاق‭ ‬بالقرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭.. ‬الثامن‭ ‬عشر‭!‬

 

ثقافة‭ ‬الحرب‭... ‬وثقافة‭ ‬السلام

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬مستقبل‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ - ‬الإسرائيلي؟

‭- ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬مقابلة‭ ‬لثقافة‭ ‬الحرب،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬يغيب‭ ‬عنه‭ ‬الفهم‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بثقافة‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الحرب؟،‭ ‬بصراحة‭ ‬أكثر‭:‬‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أن‭ ‬أتثقف‭ ‬بالسلام‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬من‭ ‬احتل‭ ‬أرضي،‭ ‬ويمارس‭ ‬اعتداءات‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها،‭ ‬ويرفض‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدين‭ ‬تصرفاته‭ ‬في‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية؟

لست‭ ‬ضد‭ ‬السلام،‭ ‬لكنني‭ ‬ضد‭ ‬ذلك‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬يروج‭ ‬له‭ ‬البعض،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ - ‬في‭ ‬حقيقته‭ - ‬فرض‭ ‬للاستسلام‭. ‬كيف‭ ‬أمد‭ ‬يدي‭ ‬بالسلام‭ ‬لمن‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬واجهة‭ ‬مجلسه‭ ‬التشريعي‭ - ‬إلى‭ ‬الآن‭ - ‬عبارة‭ ‬‮«‬من‭ ‬النيل‭ ‬إلى‭ ‬الفرات‭ ‬أرضك‭ ‬يا‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬يعد‭ ‬نفسه‭ - ‬ويهددنا‭ - ‬بابتلاع‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المساحة؟‭ ‬ليست‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬الهدف،‭ ‬لكنها‭ ‬الأراضي‭ ‬الواقعة‭ ‬بين‭ ‬النيل‭ ‬والفرات‭. ‬إذا‭ ‬قبلنا‭ ‬بتسمية‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام،‭ ‬وحرصنا‭ ‬عليها،‭ ‬وسعينا‭ ‬في‭ ‬اتجاهها،‭ ‬فهل‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يحرص‭ ‬
عليه‭ - ‬في‭ ‬المقابل‭ - ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬القنابل‭ ‬الذرية،‭ ‬ويواصل‭ ‬اعتداءاته‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬ويعلن‭ ‬عن‭ ‬قوائم‭ ‬اغتيالات،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬من‭ ‬تستهدفهم‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬بذاته،‭ ‬لكنها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬صريح‭ ‬لكل‭ ‬المبادئ‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية؟

من‭ ‬غير‭ ‬المتصور،‭ ‬ولعله‭ ‬المستحيل‭ ‬نفسه،‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام،‭ ‬وما‭ ‬ارتبط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬أرضي،‭ ‬ويمثل‭ ‬وجوده‭ ‬خطراً‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬بلدي‭ ‬القومي،‭ ‬واستمرارية‭ ‬حياتي‭. ‬من‭ ‬غير‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭.‬

مفهوم‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬شديدة،‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لأن‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬من‭ ‬يحرص‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مجرد‭ ‬الحرب،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬طردي‭ ‬من‭ ‬أرضي،‭ ‬واجتثاث‭ ‬هويتي‭ ‬وملامحي‭ ‬تماماً‭. ‬

 

الصوت‭ ‬الهامس‭ ‬يعلو

‭<‬‭ ‬أخيراً،‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬فاطمة‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الصوت‭ ‬الهامس‭ ‬يعلو‮»‬،‭ ‬وأكدت‭ ‬أهمية‭ ‬تجربتها‭ ‬الإبداعية‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أبناء‭ ‬جيلها‭ ‬من‭ ‬المبدعات‭. ‬هل‭ ‬مازلت‭ ‬عند‭ ‬رأيك؟

‭- ‬أضع‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الصوت‭ ‬الهامس‭ ‬يعلو‮»‬‭ - ‬بحق‭- ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬مشروعي‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬معناه‭ ‬الكلي‭. ‬وكما‭ ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬فثمة‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭ ‬الأدب‭. ‬إنه‭ ‬فن‭ ‬إنساني‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فناً‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬هذا‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب،‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭. ‬وثمة‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬تسمية‭ ‬الأدب‭ ‬النسائي،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تضع‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الأنوثة،‭ ‬أو‭ ‬تقصرها‭ ‬عليها،‭ ‬وإسقاط‭ ‬الصفة‭ ‬الأعم‭ ‬وهي‭ ‬الإنسانية‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأدب‭ ‬النسائي‮»‬،‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬نسف‭ ‬الفكرة‭ ‬تماماً،‭ ‬لأن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬إنسان‭ ‬يحمل‭ ‬مشاعر‭ ‬واحدة،‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬التجربة‭ ‬والنضج‭ ‬والوعي‭ ‬والظروف‭ ‬المتاحة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬وليس‭ ‬باختلاف‭ ‬النوع‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬المبدعة‭ ‬تخاف‭ ‬البوح‭ - ‬أحياناً‭ - ‬‮«‬لأن‭ ‬المجتمع‭  ‬ينظر‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬أدب‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انعكاس‭ ‬لحياتها‭ ‬الشخصية‮»‬‭. ‬المرأة‭ ‬تخاف‭ ‬من‭ ‬مغامرة‭ ‬الإبداع‭ ‬لما‭ ‬تتطلبه‭ ‬من‭ ‬جرأة،‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬تعرية‭ ‬الواقع‭.‬

 

تبادل‭ ‬المواقع

وربما‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬الروائي‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬على‭ ‬سؤالي‭ ‬الأخير‭ ‬له‭ ‬يمثل‭ ‬أبلغ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوله‭ ‬عني،‭ ‬وبه‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تقديمي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬بوصفي‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الكويتية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تركت‭ ‬له‭ ‬المجال‭ ‬ليسألني‭ ‬هو‭ ‬بدوره‭ ‬وأنا‭ ‬أجيب،‭ ‬فبادرني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبادلنا‭ ‬المواقع‭ ‬ليصبح‭ ‬هو‭ ‬محاوري،‭ ‬وأنا‭ ‬ضيفته‭:‬

‭<‬‭ ‬دعيني‭ ‬أبدأ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهى‭ ‬الآخرون،‭ ‬فكثيرة‭ ‬هي‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬معك‭ ‬حول‭ ‬حياتك‭ ‬وحول‭ ‬إنتاجك‭ ‬الأدبي‭ ‬ومشاركتك‭ ‬الدولية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬الندوات‭ ‬والمؤتمرات،‭ ‬كيف‭ ‬ترين‭ ‬هذا‭ ‬الزخم،‭ ‬وهذه‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بها‭ ‬ولاتزال‭ ‬حياتك‭ ‬الإبداعية؟

‭- ‬نعم‭ ‬أوافقك‭ ‬الرأى،‭ ‬فهو‭ ‬زخم‭ ‬بالفعــــل،‭ ‬زخم‭ ‬جميل‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬جماله‭ ‬يساوي‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬بعض‭ ‬التعب،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬بجهد‭ ‬كبير،‭ ‬وأحمد‭ ‬الله‭ ‬كثيراً‭ ‬أن‭ ‬احتفت‭ ‬بي‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬والنقدية‭ ‬والعربية‭ ‬والدولية‭ ‬بعشرات‭ ‬التكريمات،‭ ‬وأصدرت‭ ‬عني‭ ‬عشرات‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬وتحولت‭ ‬قصصي‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيـــونيــــة،‭ ‬ومنها‭ ‬قصة‭ ‬البومة‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دورات‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬للتلفــــزيون‭ ‬وكانـــت‭ ‬بطولة‭ ‬الفنانة‭ ‬الكبيرة‭ ‬حياة‭ ‬الفهد،‭ ‬وتحولت‭ ‬قصصي‭ ‬إلى‭ ‬مسرحيات‭ ‬وأعمال‭ ‬إذاعية‭ ‬وسهرات‭ ‬مثل‭ ‬السهرة‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬د‭. ‬رفيق‭ ‬الصبان‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬لإذاعة‭ ‬القاهرة‭ ‬الكبرى‭ ‬‮«‬هو‭ ‬والعكاز‮»‬‭.‬

وأفتخر‭ ‬كذلك‭ ‬بأني‭ ‬كنت‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬غيري،‭ ‬وهي‭ ‬جائزة‭ ‬المرأة‭ ‬المتميــــزة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬عالمية‭ ‬بالمــــشاركة‭ ‬مع‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أبها‭ ‬للقصة،‭ ‬ولعلي‭ ‬أؤكد‭ ‬دون‭ ‬إحساس‭ ‬بالغرور‭ ‬أن‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬الجوائز‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭.‬

كما‭ ‬ناقش‭ ‬اختصاصيو‭ ‬الاجتماع‭ ‬قصصي‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬فيها‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة‭ ‬والأسرة‭ ‬والمجتمع‭ ‬واهتموا‭ ‬بها‭ ‬وأوصوا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موضع‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬وكتب‭ ‬الدراسات‭ ‬المقارنة‭ ‬الجامعية،‭ ‬وقد‭ ‬تُرجمت‭ ‬أعمالي‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللغات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والهندية‭ ‬والفارسية،‭ ‬لتشابه‭ ‬المرأة‭ ‬وقضاياها‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وقد‭ ‬أبرمت‭ ‬عقداً‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لترجمة‭ ‬قصصي‭ ‬وتحويلها‭ ‬درامياً‭ ‬للإذاعة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نشرت‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬أجنبية‭ ‬وعربية‭.‬

ومن‭ ‬حصيلة‭ ‬منجزي‭ ‬أن‭ ‬قرِّرَت‭ ‬قصصي‭ ‬على‭ ‬طلبة‭ ‬الجامعة‭ ‬خاصة‭ ‬قسم‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬والعربي،‭ ‬وفي‭ ‬جامعة‭ ‬سيدني‭ ‬قررت‭ ‬قصتي‭ ‬‮«‬خالتي‭ ‬موزة‮»‬‭ ‬على‭ ‬طلبة‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الشرقي،‭ ‬ودعيت‭ ‬لإلقاء‭ ‬محاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬سيدني‭ ‬وحيدر‭ ‬آباد‭ ‬وجامعة‭ ‬فاشكا‭ ‬باتنام‭ ‬بالهند‭ ‬والمغرب‭ ‬والكويــت‭ ‬وإيران‭ ‬وغيرها‭.‬

 

عوّضت‭ ‬فترة‭ ‬انقطاعي

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬أخذتك‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬والكتابة،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬إنتاجك‭ ‬الأدبي‭ ‬قليل‭ ‬مقارنة‭ ‬بطول‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬صعد‭ ‬فيها‭ ‬نجمك‭ ‬كأديبة‭ ‬وباعتبار‭ ‬أنك‭ ‬من‭ ‬رائدات‭ ‬الرواية‭ ‬الكويتية؟

‭- ‬لا‭ ‬يمكن،‭ ‬وفقاً‭ ‬لحركة‭ ‬المجتمع‭ ‬والكون‭ ‬والطبيعة،‭ ‬أن‭ ‬نفصل‭ ‬الجزء‭ ‬عن‭ ‬الكل،‭ ‬فما‭ ‬الكتابة‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الكلية‭ ‬للأدب‭ ‬الذي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليه‭ ‬وللمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬أهبه‭ ‬وقتي‭ ‬وجهدي،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإنتاجي‭ ‬القليل‭ ‬مقارنة‭ ‬بطول‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬فيها‭ ‬ومازلت‭ ‬بالأدب‭ ‬والكتابة،‭ ‬فقد‭ ‬اتفق‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أنني‭ ‬أهتم‭ ‬بالكيف‭ ‬لا‭ ‬بالكم،‭ ‬وما‭ ‬أنتجته‭ ‬على‭ ‬قلته‭ ‬كان‭ ‬جديراً‭ ‬بأن‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صوتي‭ ‬وقلمي‭ ‬وإبداعي‭ ‬موجَّه‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬بني‭ ‬جنسي‭ ‬ولتبني‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية‭ ‬والأسرية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

‭<‬‭ ‬اتفق‭ ‬معظم‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬فاطمة‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬كسروا‭ ‬قواعد‭ ‬الفن‭ ‬القصصي‭ ‬ولم‭ ‬يتقيدوا‭ ‬بالعناصر‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬النقاد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مقصوداً‭ ‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬انعكاساً‭ ‬لموهبة‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للقيود؟‭ ‬

‭- ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬مبدع‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يتقيد‭ ‬باستخدام‭ ‬المسطرة‭ ‬وهو‭ ‬يكتب،‭ ‬ورغم‭ ‬هــذا‭ ‬فالقيود‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬موجـــــودة‭ ‬بشــكل‭ ‬أو‭ ‬بآخـــــر،‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬درست‭ ‬قواعد‭ ‬الفن‭ ‬القصصي‭ ‬وأعرف‭ ‬جيداً‭ ‬العناصر‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬يتشكل‭ ‬منها،‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬أحياناً‭ ‬تتداخل‭ ‬الــــفـــنون‭ ‬وتتكامــل‭ ‬وتتــــفاعل‭ ‬الأنـــــواع،‭ ‬كان‭ ‬ذلـــــك‭ ‬أمـــراً‭ ‬لاحقاً‭ ‬لبدايتي‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬ومع‭ ‬الأدب،‭ ‬ولعلي‭ ‬أميل‭ ‬أثناء‭ ‬الكـــــتابة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أترك‭ ‬قلـــمي‭ ‬يعبِّر‭ ‬عما‭ ‬يتطلبه‭ ‬الفن‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬أكتبه،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬قصة‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬نقداً،‭ ‬فكل‭ ‬جنس‭ ‬أدبي‭ ‬يختار‭ ‬لغته‭ ‬ويختار‭ ‬ما‭ ‬يناسبه‭ ‬من‭ ‬طرائق‭ ‬التعبير‭ ‬وأنساقه،‭ ‬ثم‭ ‬إنك‭ ‬سيد‭ ‬العارفين‭ ‬بأن‭ ‬القصة‭ ‬أو‭ ‬الرواية‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬الأديب‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

‭<‬‭ ‬مَن‭ ‬مِن‭ ‬الأديبات‭ ‬الجديدات‭ ‬تشعرين‭ ‬أنها‭ ‬امتداد‭ ‬لك؟‭ ‬ومَن‭ ‬مِن‭ ‬الرائدات‭ ‬تشعرين‭ ‬أنك‭ ‬امتداد‭ ‬لها؟

‭- ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التقليد‭ ‬أو‭ ‬الامتدادات‭ ‬أو‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬الكاتبة‭ ‬الشابة‭ ‬ميس‭ ‬العثمان‭ ‬بداياتي،‭ ‬ولكنها‭ ‬مستقلة،‭ ‬لها‭ ‬بصمتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وحين‭ ‬أذكر‭ ‬الرائدات‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬أجدني‭ ‬أتحسس‭ ‬معالم‭ ‬كتاباتهن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬رائدات‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬مهَّدن‭ ‬الطريق‭ ‬لجيلي،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬لطيفة‭ ‬الزيات‭ ‬ولبيبة‭ ‬هاشم‭ ‬وملك‭ ‬حفني‭ ‬ناصف،‭ ‬مروراً‭ ‬بمي‭ ‬زيادة‭ ‬ونوال‭ ‬السعداوي‭ ‬ورضوى‭ ‬عاشور‭ ‬وسلوى‭ ‬بكر،‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬كانت‭ ‬فاطمة‭ ‬سليم‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬خديجة‭ ‬الجهمي‭ ‬ومرضية‭ ‬النعاس‭ ‬وفي‭ ‬سورية‭ ‬غادة‭ ‬السمان‭ ‬وكوليت‭ ‬خوري،‭ ‬وفي‭ ‬فلسطين‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان‭ ‬وسميرة‭ ‬عزام‭ ‬وفي‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬سميرة‭ ‬خاشقجي‭ ‬وهدى‭ ‬الرشيد‭ ‬وهند‭ ‬باغفار‭ ‬وفوزية‭ ‬أبو‭ ‬خالد‭ ‬وشريفة‭ ‬الشملان،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬جميعهن‭ ‬درسن‭ ‬خارج‭ ‬المملكة،‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬وخولة‭ ‬عبدالجبار‭ ‬زيدان‭ ‬ومديحة‭ ‬سعيد‭ ‬وسلمى‭ ‬عبدالرازق،‭ ‬وفي‭ ‬الأردن‭ ‬لينا‭ ‬أبوبكر‭ ‬وعطاف‭ ‬جانم‭.‬

هؤلاء‭ ‬جميعاً‭ ‬وغيرهن‭ ‬كانت‭ ‬لهن‭ ‬بصمتهن‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تأثر‭ ‬بها‭ ‬أبناء‭ ‬الأجيال‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬بعدهن،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬يرون‭ ‬أنهن‭ ‬قدمن‭ ‬صورة‭ ‬نمطية‭ ‬عن‭ ‬المرأة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تابعاً‭ ‬للرجل،‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬وجودها‭ ‬المستقل،‭ ‬وكأنها‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬معيته،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬بعدهن‭ ‬جيل‭ ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬أنهن‭ ‬استسهلن‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬المستور‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العناية‭ ‬بالجماليات‭ ‬الفنية‭ ‬والبناء‭ ‬السردي،‭ ‬ولهذا‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬التأثير‭ ‬والتأثر‭ ‬واردة‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬كبصمة‭ ‬الإصبع،‭ ‬لأن‭ ‬لكلٍّ‭ ‬بصمته‭ ‬وصوته‭.‬

‭<‬‭ ‬هناك‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬فاطمة‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬كباحثة،‭ ‬حدثيني‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬في‭ ‬مسيرتك‭ ‬العلمية‭... ‬وهل‭ ‬مثلت‭ ‬إضافة‭ ‬لإنتاجك‭ ‬الأدبي‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مغاير؟

‭- ‬أظنها‭ ‬كذلك،‭ ‬تمثل‭ ‬إضافة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬منجزي‭ ‬الأدبي‭ ‬والعلمي،‭ ‬وهو‭ ‬منجز‭ ‬متكامل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬أجزاء‭ ‬منه‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬رسالة‭ ‬الماجستير‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬مهم‭ ‬هو‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ - ‬دراسة‭ ‬فنية‭ ‬سوسيولوجية،‭ ‬وقد‭ ‬تركزت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬حول‭ ‬أمرين،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬بدأ‭ ‬وحتى‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬توفر‭ ‬من‭ ‬المطبوع‭ ‬ومن‭ ‬المخطوط‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬بخصائصه‭ ‬المميزة‭ ‬وتغيره‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يشملها‭ ‬البحث،‭ ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬كانت‭ ‬إضافة‭ ‬مهمة‭ ‬للمنجز‭ ‬العلمي‭ ‬للحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالكويت،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬خطاً‭ ‬موازياً‭ ‬يفسِّر‭ ‬ويوضِّح‭ ‬بعض‭ ‬القصص،‭ ‬وليس‭ ‬هدفه‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬قوانين‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬أو‭ ‬تصوراته‭ ‬أو‭ ‬مصطلحاته‭ ‬هي‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬شملها‭ ‬البحث،‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬ندرة‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬حول‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬الدراسة‭ ‬ويصل‭ ‬عددها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬قصة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬توجيه‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬تصويب‭ ‬المنهج‭.‬

 

الأنساق‭ ‬الحديثة

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬الخطوة‭ ‬المقبلة‭ ‬التي‭ ‬تنوين‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اهتماماتك‭ ‬الأدبية‭ ‬والإبداعية؟

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أني‭ ‬مادمت‭ ‬أتنفس‭ ‬فأنا‭ ‬أكتب‭ ‬لأني‭ ‬أحيا‭ ‬لأكتب،‭ ‬ولن‭ ‬تنتهي‭ ‬مشاريعي‭ ‬الأدبية‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬نفس،‭ ‬وحالياً‭ ‬أعكف‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬سيرتي‭ ‬الذاتية،‭ ‬وأعكف‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬رؤية‭ ‬نقدية‭ ‬حول‭ ‬الأنساق‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬ويهمني‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬حقيقية‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تشغلني‭ ‬والإبداع‭ ‬الذي‭ ‬أكتبه،‭ ‬فربما‭ ‬وأنا‭ ‬أحدثك‭ ‬طفرت‭ ‬في‭ ‬عقلي‭ ‬فكرة‭ ‬وعزمت‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬ترين‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬بعامة‭ - ‬والكويت‭ ‬بخاصة‭ - ‬أنصفك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تستحقينها،‭ ‬أو‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬حقك‭ ‬الحصول‭ ‬عليها؟

‭-  ‬لا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الأضواء‭ ‬أو‭ ‬الجوائز‭ ‬أو‭ ‬الترجمة‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬تأتي‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تأتي،‭ ‬فأنا‭ ‬أكتب‭ ‬لكي‭ ‬أحيا،‭ ‬أكتب‭ ‬لكي‭ ‬أعيش،‭ ‬أكتب‭ ‬لكي‭ ‬أفهم،‭ ‬وقد‭ ‬استمعت‭ ‬إلى‭ ‬نصيحة‭ ‬غالية‭ ‬من‭ ‬أساتذتنا‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬انشغالي‭ ‬بالكتابة‭ ‬والإبداع‭ ‬هو‭ ‬قضيتي‭ ‬الأولى،‭ ‬ولا‭ ‬أشغل‭ ‬بالي‭ ‬بقضايا‭ ‬أخرى‭ ‬تصرفني‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬اخترتها‭ ‬لنفسى‭ ‬وهي‭ ‬الكتابة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬أني‭ - ‬والحمد‭ ‬لله‭ - ‬أشعر‭ ‬برضا‭ ‬كبير‭ ‬عما‭ ‬لاقيته‭ ‬من‭ ‬احتفاء‭ ‬بي‭ ‬وبأعمالي‭ ‬وبالجوائز‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬وبالترجمات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬لمختارات‭ ‬من‭ ‬قصصي‭.‬

 

بلدي‭ ‬وأولادي

‭<‬‭ ‬لو‭ ‬سألتك‭ ‬عن‭ ‬الحنين‭ ‬في‭ ‬قلبك‭ ‬الآن،‭ ‬هل‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬بلدك‭ ‬أم‭ ‬أولادك‭ ‬أم‭ ‬طفولتك‭ ‬أو‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬ماذا؟

‭- ‬لابد‭ ‬أنه‭ ‬لبلدي‭ ‬وأولادي،‭ ‬فأنا‭ ‬ابنة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الحبيب،‭ ‬وأولادي‭ ‬هم‭ ‬أولادي‭ ‬الذين‭ ‬أحبهم،‭ ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬أبادل‭ ‬بلدي‭ ‬وأولادي‭ ‬الشعور‭ ‬بالحنين،‭ ‬لأن‭ ‬وطني‭ ‬بمنزلة‭ ‬الأم‭ ‬الحنون‭ ‬وأنا‭ ‬أم‭ ‬حنون‭ ‬لأولادي،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬فالحنين‭ ‬بشكل‭ ‬أشمل‭ ‬للكلمة‭ ‬والمعنى‭ ‬هو‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬والدافع‭ ‬الأول‭ ‬لكل‭ ‬مبدع‭ ‬عندما‭ ‬يكتب،‭ ‬ولولا‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬ذكرى‭ ‬عشتها‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬قابلته‭ ‬وأثر‭ ‬فيك‭ ‬ما‭ ‬حاولنا‭ ‬الكتابة،‭ ‬ولولا‭ ‬ما‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬والوجدان‭ ‬من‭ ‬معانٍ‭ ‬ما‭ ‬حاولنا‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭.‬

‭<‬‭ ‬للرجل‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬أعمالك،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬الشخصية؟‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬تدينين‭ ‬له‭ ‬بالفضل؟‭ ‬

‭- ‬جداً‭ ‬جداً،‭ ‬نعم‭ ‬للرجل‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وفي‭ ‬قلبي،‭ ‬الرجال‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬ومنهم‭ ‬الأمير‭ ‬الأسبق‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح،‭ ‬رائد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ومؤسسها‭ ‬ومعين‭ ‬المرأة‭ ‬وناصرها‭ ‬ومشجّعها‭ ‬على‭ ‬العلم،‭ ‬وهو‭ ‬الحاكم‭ ‬المثقف‭ ‬والشاعر‭ ‬المبدع،‭ ‬وقد‭ ‬ألَّفت‭ ‬عنه‭ ‬كتاباً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬عبدالله‭ ‬السالم‭... ‬رجل‭ ‬عاش‭ ‬ولم‭ ‬يمت‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬المتميز‭ ‬ومازال‭ ‬الكتاب‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مرجعاً‭ ‬للباحثين‭ ‬والدارسين‭.‬

والرجل‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الفقيد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬رجل‭ ‬الثقافة‭ ‬والتنوير،‭ ‬والأمير‭ ‬الحالي‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬ببُعد‭ ‬النظر‭ ‬والحكمة،‭ ‬أيضاً‭ ‬والدي‭ ‬الذي‭ ‬علّمني‭ ‬وحرّرني،‭ ‬وأخذت‭ ‬منه‭ ‬البساطة‭ ‬والصدق‭ ‬اللذين‭ ‬هما‭ ‬مفتاح‭ ‬القلوب،‭ ‬وأيضاً‭ ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬خلدون‭ ‬النقيب‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬عصره‭ ‬بكثير‭ - ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬أجمعين،‭ ‬وأطال‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الأمير‭ - ‬وكذلك‭ ‬يأتي‭ ‬زوجي‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬لغة‭ ‬عربية‭ ‬تعلمت‭ ‬منه‭ ‬الكثير،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كونه‭ ‬كاتباً،‭ ‬وسّع‭ ‬لى‭ ‬الفضاء‭ ‬الذي‭ ‬أتحرّك‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬زوجاً‭ ‬تقليدياً‭ .