أكثرُ مِن نَهر - مختارات من شعر باراجواي المعاصر

أكثرُ مِن نَهر - مختارات من شعر باراجواي المعاصر

وحدها‭ ‬السنوات

تسمح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نطَّلع‭ ‬على‭ ‬الأسرار،

السنوات‭ ‬تجتاحنا‭ ‬وتنبئنا‭ ‬بالأطلال،

بالخواء‭ ‬بعد‭ ‬تهاوي‭ ‬الأسوار‭. ‬

البقايا‭ ‬ما‭ ‬أوسعها‭:‬

طرق‭ ‬مجهولة،‭ ‬أحزان،

تقرحات‭ ‬وجه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬له،

من‭ ‬خيلاء‭ ‬زخارف‭ ‬أيام‭ ‬الآحاد،

محض‭ ‬قسمات‭ ‬وجه‭.‬

‭ ‬

هناك‭ ‬مكان

هناك‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬أحيا‭ ‬فيه

صغير‭ ‬وفريد،

مكان‭ ‬لي،

قطعة‭ ‬أرض،‭ ‬غابة‭ ‬معطرة،

مع‭ ‬أناس‭ ‬مثلي،‭ ‬بقلب‭ ‬أسير،

صغير،‭ ‬نازف‭ ‬وحزين‭.‬

قطعة‭ ‬أرض،‭ ‬حفنة‭ ‬بشر،

حديد‭ ‬صلب‭ ‬كنهر‭. ‬

أنا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذلك

العالم‭ ‬الصغير‭.‬

يشاركني‭ ‬الأصدقاء،

الزمن‭ ‬والجرح‭ ‬النازف‭.‬

منذ‭ ‬الأزل‭.‬

الحياة‭ ‬بسيطة

كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاجه

احتفالات‭ ‬طقوسية‭:‬

أن‭ ‬نغتال‭ ‬الحقيقة‭ ‬كل‭ ‬صباح

ونتركها‭ ‬تموت‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أحد‭.‬

من‭ ‬يعرف‭ ‬الطريق‭ ‬يحيا

في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬بسكينة‭. ‬

الكلمات‭ ‬تواصل‭ ‬تدفقها،

مستديرة‭ ‬بلا‭ ‬تشققات،

لكل‭ ‬الكلمات‭ ‬مذاق‭ ‬مميز

على‭ ‬كل‭ ‬شفاه

قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬تختلف‭ ‬عما‭ ‬سواها،

وحده‭ ‬صوت‭ ‬الكلمات‭ ‬يذكرني

بلغة‭ ‬كانت‭ ‬لي‭. ‬هناك‭ ‬مرادفات‭ ‬جلية‭:‬

أن‭ ‬تكون‭ ‬حراً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬دائمة،

أن‭ ‬تسرق‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعمل،

أن‭ ‬تحب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكره،

وأن‭ ‬تعيش‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تموت‭.‬

الوحدة‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬صحبة

وأن‭ ‬تخون‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مخلصاً‭ ‬للأصدقاء‭.‬

الجديد‭ ‬هو‭ ‬العتيق،

بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬مسحة‭ ‬من‭ ‬قدم‭. ‬

هناك‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬أحيا‭ ‬فيه

صغير‭ ‬وفريد‭.‬

مكان‭ ‬لي،

قطعة‭ ‬أرض‭ ‬عفنة،

مع‭ ‬أناس‭ ‬مثلي،

بقلب‭ ‬أسير،

صغير،‭ ‬نازف‭ ‬وحزين‭.‬

فن‭ ‬الشعر

طلبوا‭ ‬مني‭ ‬ألا‭ ‬أكتب

وألا‭ ‬أتكلم

قالوا‭ ‬لي‭: ‬اصمت‭. ‬

قالوا‭ ‬لي‭: ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭.‬

وكل‭ ‬الجهود‭ ‬سُدى‭.‬

ومع‭ ‬ذلك

في‭ ‬الخارج،‭ ‬في‭ ‬الشارع،

أصوات‭ ‬مجهولة،‭ ‬ظلال،‭ ‬أشباه‭ ‬ظلال

تبحث‭ ‬عن‭ ‬الريح،‭ ‬والمطر‭ ‬الأزرق،

والسماء‭.‬

 

مدينة‭ ‬تحت‭ ‬الحصار

ألقوا‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المدينة،

حصنوا‭ ‬الأبواب،

والكهوف‭ ‬والطرقات،

الهواء‭ ‬من‭ ‬حجارة‭. ‬

محض‭ ‬صخور

بازلت‭ ‬وجرانيت،

بقايا‭ ‬بشر‭ ‬وخوف،

حياة‭. ‬

الحب‭ ‬يمامة‭ ‬مستحيلة

ترتطم‭ ‬بالسماء‭.‬

الليل‭ ‬ظل‭ ‬صامت

الروح‭ ‬دمعة‭ ‬جفت‭. ‬

الكلمة‭ ‬خارج‭ ‬سياقها،

اللغة‭ ‬لا‭ ‬تُحتمل،

لقد‭ ‬اختطفوا‭ ‬الفجر‭.‬

أسلاك‭ ‬وحوائط‭ ‬شائكة،

أصفاد،‭ ‬وأوامر،‭ ‬ومراسيم‭.‬

صمت،‭ ‬صمت‭ ‬مطبق‭. ‬

كل‭ ‬شيء‭ ‬ساكن‭ ‬في‭ ‬المدينة‭. ‬

السلام‭.‬

‭... ‬وسلاحف‭ ‬الإيغوانا‭ ‬تتمدد‭ ‬تحت‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭. ‬

 

 

 

 

 

 

 

 

جيل‭ ‬السلام

تعلمنا‭ ‬كيف‭ ‬نصمت،

كيف‭ ‬نحني‭ ‬رؤوسنا‭ ‬ونبتسم،

ألا‭ ‬ننظر‭ ‬لأعلى

تعلمنا‭ ‬أن‭ ‬نكرر‭:‬

ما‭ ‬أحلى‭ ‬الحياة،

ما‭ ‬أحلى‭ ‬الحياة،

ما‭ ‬أحلى‭ ‬الحياة‭!‬

أضواء‭ ‬ملونة

ولافتات‭ ‬من‭ ‬نيون،

وحلي‭ ‬في‭ ‬نوافذ‭ ‬المحال،

ويمام‭ ‬على‭ ‬الأسلاك‭.‬

قضاة‭ ‬للبيع

أردية‭ ‬إنجليزية‭ ‬فضفاضة

تهريب،‭ ‬تعذيب،‭ ‬ومخدرات،

ربيع‭ ‬مقلوب‭!‬

تعلمنا‭ ‬أن‭ ‬نصمت،

أن‭ ‬نتجنب‭ ‬المشاكل،

متنا‭ ‬عمياناً،

مرضى‭ ‬ومتعبين‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬السلام‭!‬

تعلمنا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬صامتين،

وأن‭ ‬نبيع‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأن‭ ‬نداهن،

حسب‭ ‬أهواء‭ ‬الزعيم‭. ‬

تعلمنا‭ ‬أن‭ ‬نصمت،

نحن،‭ ‬أمل‭ ‬الأمة،

جيل‭ ‬السلام‭. ‬

‮«‬صمت‭! ‬من‭ ‬يتكلم؟‮»‬‭ ‬

‮«‬لا‭ ‬أحد،‭ ‬إنهم‭ ‬فقط‭ ‬يسبحون‭ ‬بحمدك،‭ ‬سيدي‭ ‬الجنرال‭!‬‮»‬‭ ‬

فردوس‭ ‬صامت

أرض‭ ‬جميلة‭ ‬بلا‭ ‬عيوب،

خرساء،‭ ‬غبية،‭ ‬عمياء،

حتى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭!‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬نهر

أعلم‭ ‬أنا‭ ‬صعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الأعالي،‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬نهر،

محيط‭ ‬ابتلعته‭ ‬العواصف،

تحملنا‭ ‬الأمواج‭ ‬العاتية،

وأقمنا‭ ‬بين‭ ‬الخلجان‭ ‬المتحركة‭. ‬

هناك‭ ‬في‭ ‬الأفق

رسم‭ ‬تخيلي

لأياد‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلينا

لتمنحنا‭ ‬أو‭ ‬تأخذ‭ ‬منا‭ ‬كسرة‭ ‬خبز،

أو‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬سطح‭ ‬يأوينا

من‭ ‬الطقس‭ ‬الغادر،

حيث‭ ‬تستريح‭ ‬عظامنا‭ ‬وجلودنا،

حيث‭ ‬يشعر‭ ‬دمنا‭ ‬بالدفء‭ ‬تحت‭ ‬المفارش،

حيث‭ ‬يمكننا‭ ‬الصلاة،

محض‭ ‬أحرف‭ ‬خاوية،

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نصلي،

في‭ ‬زورق‭ ‬الغد‭ ‬الوحيد‭. ‬

أعلم‭ ‬أننا‭ ‬نبحر‭ ‬في‭ ‬المحيط‭...‬

أنه‭ ‬لا‭ ‬ملاذ‭ ‬لنا‭ ‬أو‭ ‬مرفأ،

أن‭ ‬الهاوية‭ ‬عميقة،

والجزر‭ ‬نادرة،

والمدينة،‭ ‬إن‭ ‬وجدت،‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬شاسعة،

الملح‭ ‬يغمرنا

وحدها‭ ‬تلك‭ ‬الصلاة‭: ‬

‮«‬كسرة‭ ‬خبز‮»‬‭... ‬‮«‬قليل‭ ‬من‭ ‬ماء‮»‬‭...‬

 

 

تأملات

عشب‭ ‬أحمر،

جفاف،

وقلبي‭ ‬ينفطر‭: ‬

حطب‭ ‬مشتعل‭ ‬يئن‭ ‬في‭ ‬الليل‭.‬

حريق‭ ‬مستعر‭ ‬للسنوات‭ ‬الخوالي

ويحل‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭.‬

مطر‭ ‬على‭ ‬الغابة،

أرجواني‭ ‬اللون،

قمر‭ ‬مكتمل‭. ‬

على‭ ‬تلال‭ ‬الشرق،

الشرق‭ ‬وحده،

بين‭ ‬جذوع‭ ‬الأشجار‭ ‬السوداء،

يعود‭ ‬الضوء‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬الزرقاء‭.‬

وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬الجياد،

يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قمر‭!‬

جبال‭ ‬وخمس‭ ‬عشرة‭ ‬قمة

مغطاة‭ ‬بالغبار‭ ‬والفحم

والوحدة‭ ‬تعذبني

مياه‭ ‬أنهار‭ ‬حارة

وألف‭ ‬حصان‭ ‬ميت

يطفو‭ ‬على‭ ‬السطح

يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬منظر‭ ‬فظيع،

وألف‭ ‬غراب‭ ‬ينعق

على‭ ‬قوس‭ ‬قزح

يموت‭ ‬البشر‭. ‬

ويتلاشى‭ ‬ذكرهم‭. ‬

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فن‭ ‬الشعر‭(‬1‭)‬

كلمات‭ ‬من‭ ‬ورق

كلمات‭ ‬من‭ ‬ريح

تتلاشى،‭ ‬وتضيع،

تدخل‭ ‬نفق‭ ‬النسيان،

لا‭ ‬تصلح‭ ‬لشيء‭. ‬

ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تُطعمك

فن‭ ‬الشعر‭(‬3‭)‬

الاحتقار‭ ‬الكامل‭ ‬للكلمات

مهما‭ ‬كان‭ ‬أسلوبك

لأن‭ ‬قلب‭ ‬القصيدة‭ ‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الأيسر‭ ‬من‭ ‬الصمت،

كقلب‭ ‬الإنسان‭.‬

والقصيدة‭ ‬أحياناً‭ ‬صمت‭ ‬طويل‭.‬

كصمت‭ ‬الإنسان‭.‬

‭ ‬

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلود

ملائكة‭ ‬الخال،

تخلت‭ ‬عنه‭ ‬ومضت‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم،

إنه‭ ‬يحتضر‭ ‬مريضاً‭ ‬بالنوستالجيا،

جرمه‭ ‬أنه‭ ‬حلم،

بالعزف‭ ‬على‭ ‬الهارب،

في‭ ‬السماء‭. ‬

يقول‭ ‬إنه‭ ‬يشرب‭ ‬لأنه‭ ‬حزين،

جليّ‭ ‬أنه‭ ‬حزين

لأنه‭ ‬يشرب

يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬حيوان‭ ‬بائس

تجرأ‭ ‬أن‭ ‬يحلم

لكن‭ ‬من‭ ‬عداه‭ ‬يحلم‭. ‬

تزداد‭ ‬خطاياه‭ ‬سريعاً،‭ ‬

وحينما‭ ‬يجثو‭ ‬على‭ ‬ركبتيه

تنمو‭ ‬على‭ ‬جسده‭ ‬أجنحة

وعندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر

يمضي‭ ‬للنوم‭ ‬محدقاً‭ ‬بالنجوم،

يُزجى‭ ‬وقته‭ ‬منكراً‭ ‬ذاته،

يقول‭ ‬إن‭ ‬سوء‭ ‬الطالع‭ ‬لازمه،

ومزق‭ ‬أحشاءه‭.‬

إنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬تستطيع‭ ‬تحمله

وإن‭ ‬النقود‭ ‬تنفد‭ ‬من‭ ‬جيبه‭. ‬

ملائكة‭ ‬الخال

سقطت‭ ‬بعيداً‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الجحيم

إنه‭ ‬يحتضر‭ ‬مريضاً‭ ‬بالحمى

من‭ ‬تراكم‭ ‬الحمق

ويقول‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تم

سيكون‭ ‬مملاً‭ ‬أن‭ ‬يعزف‭ ‬الهارب

حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الزمن‭ ‬

آمين‭.‬

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فتاة‭ ‬المانجو

اليوم‭ ‬أوراق‭ ‬الشجر‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬محض‭ ‬صورة،

اعذروني،‭ ‬محض‭ ‬صوت،

قيلولة‭ ‬وخرير‭ ‬ماء

على‭ ‬ضفاف‭ ‬الظل

تسقط‭ ‬ثمار‭ ‬المانجو

نعم‭ ‬تسقط‭. ‬

والفتاة،‭ ‬مجهولة‭ ‬الاسم،‭ ‬تدنو،

تنظر‭. ‬

ترى‭ ‬حبات‭ ‬المانجو،

عارية،‭ ‬غافية،‭ ‬متحيرة،

تمضي‭ ‬وراء‭ ‬حبات‭ ‬المانجو

تستدير‭. ‬

نعم‭ ‬تستدير‭ ‬وتسقط

تستسلم‭ ‬للقيلولة

كيف‭ ‬أعرف‭ ‬ذلك؟

أتذكر

على‭ ‬ضفاف‭ ‬الظل،

وقيلولة‭ ‬المانجو،

طفولة‭ ‬تغفو‭ ‬كالفاكهة

وكالشجرة،‭ ‬ترتجف،‭ ‬ثم‭ ‬تصحو‭.‬

‭ ‬

أداجيو

ذات‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الرمادية،

عائداً‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬من‭ ‬أين،

مررت‭ ‬بشوارع‭ ‬حزينة‭. ‬

أبواب‭ ‬لم‭ ‬يفتحها‭ ‬أحد،

ونوافذ‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬لا‭ ‬سماء،

وزهور‭ ‬عتيقة‭ ‬على‭ ‬أسوار‭ ‬الحانة‭. ‬

لا‭ ‬جدوى‭ ‬أن‭ ‬أمنح‭ ‬نفسي

لآلهة‭ ‬النحيب‭. ‬

لا‭ ‬جدوى‭ ‬حتى‭ ‬في

الشكوى‭.‬

الحب،‭ ‬الهوى،‭ ‬الأغنية،

كل‭ ‬شيء‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬قيثارة‭ ‬لا‭ ‬مرئية،

قيثارة‭ ‬بعيدة‭ ‬بعيدة‭. ‬

مني‭ ‬لا‭ ‬يصدر‭ ‬سوى‭ ‬الصمت

مني‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الأمل

في‭ ‬يوم‭ ‬جديد‭.‬

معاً

يبوح‭ ‬الريح‭ ‬بسره‭ ‬للمطر

لا‭ ‬نعرف‭ ‬فحواه،‭ ‬

لا‭ ‬نعرف‭ ‬الكثير

عن‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬يعبران‭ ‬الطريق

تحت‭ ‬مظلة‭ ‬مطر‭ ‬واحدة‭. ‬

يحبان‭ ‬بعضهما،‭ ‬يودان‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬معاً‭. ‬

يشبهان‭ ‬المطر‭:‬

يذوبان‭ ‬في‭ ‬لحظة‭.‬

 

 

 

 

 

 

 

 

ناي‭ ‬وعصفور

من‭ ‬أراض‭ ‬مستترة،

يصدح‭ ‬صوت‭ ‬الناي،

من‭ ‬حقول‭ ‬الجوافة،‭ ‬

من‭ ‬الشمس‭ ‬الغاربة،

من‭ ‬أنات‭ ‬الناي،

من‭ ‬الهواء‭ ‬الجريح،‭ ‬

قُبَّرة‭ ‬تعبر‭ ‬السماء،

في‭ ‬رحلة‭ ‬حب،

من‭ ‬هناك‭ ‬يعود‭ ‬صدى‭ ‬صوتها،‭ ‬

نغمة‭ ‬حزن‭ ‬وزفرة‭ ‬ألم

رجل‭ ‬أعمى‭ ‬وناي،

لحن‭ ‬حزين‭ ‬لرجل‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الأجداد،‭ ‬

رجل‭ ‬مجهول‭ ‬في‭ ‬الوادي،

وهناك،‭ ‬في‭ ‬الظهيرة،

نعثر‭ ‬على‭ ‬عصفور‭ ‬ميت،‭ ‬

في‭ ‬الصيف‭ ‬الحارق،

تسقط‭ ‬الألوان‭ ‬على‭ ‬الأعشاب‭ ‬

وجسد‭ ‬حار‭ ‬يتلوى،‭ ‬

الطير‭ ‬أسير

الموسيقى‭ ‬الجامحة

لحن‭ ‬جنائزي

العصفور‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬حب

رجع‭ ‬صدى‭ ‬حزين،

صوت‭ ‬الناي‭ ‬الحزين

يذوي‭ ‬في‭ ‬الصيف‭.‬

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ذلك‭ ‬المنفى

أود‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬هناك،

حيث‭ ‬يغزلون‭ ‬الصباح

بأيادي‭ ‬الأمهات،‭ ‬

حيث‭ ‬يملأون‭ ‬جراحنا‭ ‬بالملح‭.‬

عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أعود

إلى‭ ‬بلادي،‭ ‬

حيث‭ ‬يسرقون‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬السهول‭ ‬الجرداء،

حيث‭ ‬يحيطون‭ ‬الجوع

بأسلاك‭ ‬شائكة‭. ‬

عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أعود

إلى‭ ‬بلادي،

حيث‭ ‬تتحكم‭ ‬حفنة‭ ‬في‭ ‬الجميع،‭ ‬

حيث‭ ‬تتلألأ‭ ‬أسلحتهم‭ ‬في‭ ‬عيونهم،

وحيث‭ ‬ينزف‭ ‬الدم‭ ‬من‭ ‬البقية،

ويموتون‭ ‬غضباً‭. ‬

أود‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬هناك،

لأننا‭ ‬نعرف‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬الظل‭ ‬الأسود

يقربنا‭ ‬إلى‭ ‬الفجر‭ ‬الوضاء،‭ ‬

إلى‭ ‬يوم‭ ‬جديد‭ ‬سعيد‭.‬