33 عامًا سفيرًا للكويت في القارة السمراء عبدالرحمن السميط .. خادم الفقراء والمـحتاجين في إفريقيا
عبدالرحمن السميط، طبيب كويتي، هجر حياة الرفاهية والترف واتجه إلى القارة الإفريقية متطوعًا في خدمة الفقراء والمحتاجين، أمضى أكثر من نصف عمره في العمل الخيري والدعوي، وكان بحق أحد أبرز الرجالات على المستويين الإفريقي والعالمي في هذا المجال، وهو ما ترجم عمليًا في شهر أكتوبر 2013 أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي – الإفريقي على أرض دولة الكويت، عندما أعلن حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إطلاق جائزة سنوية بقيمة مليون دولار تحمل اسمه تخصص للأبحاث التنموية في إفريقيا وتشرف عليه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
يوم انتقل إلى جوار ربه في أغسطس عام 2013 نعته دولة الكويت والعالم الإسلامي والإفريقي، وكتب عنه كثير من الصفحات والمقالات وتحول رحيله إلى ما يشبه الجسر الذي بناه طيلة 33 عامًا بين بلدان إفريقيا والكويت من خلال برقيات التعازي التي انهالت على بلده وقيادتها، من رؤساء دول ومسئولين أفارقة.
اشتهر بكونه خادم فقراء إفريقيا، فقد أعطى للكويت قيمة إنسانية من خلال عمله ونشاطه والمساعدات التي قدمها للمحتاجين في القارة السمراء، فكان أول من طرح موضوع التخصص الجغرافي بساحة العمل الإسلامي من خلال لجنة مسلمي إفريقيا، ثم بعد ذلك عن طريق جمعية «العون المباشر» التي باشرت أعمالها في تلك القارة منذ العام 1984، وكذلك كان أول من بادر بتقديم مشروع كفالة على المستوى الإسلامي.
عندما يسأل، لماذا إفريقيا بالذات؟ كان يجيب، بما معناه «نحن نعمل لوصل ما انقطع بين العرب والمسلمين من جـــهة وبـــيـــــن الأفارقة من جهــــة ثانــــية، فهــــذه القــــارة تعتـــبــر الأكثر فقرا والأقل خدمات بين قارات العالم الجغرافية، شاءت الأقدار أن أذهب إلى مالاوي لبناء مسجد تبرعت بـــه سـيدة كويتـــية اشترطت أن يكون في الخارج، ووقع الاختيار على مالاوي، ومن هناك كانت الانطلاقة والصحوة بعدما رأى بأم عينه مظاهر الفقر والحاجة.
وجد سعادته بعيدًا عن المال، في أن يكون خادمًا لهذا اليتيم أو ذلك الفقير، وأجمل لحظات حياته أن يرى اليتــيــم الذي جاءه حافي القدمين وجــائعًا وقد تحول إلى طبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي، فقد جسَّد معنى الإسلام الإنساني على أرض الواقــــع بعـيدًا عن الخطابات الدعوية، من خلال جمعية «العون المباشر» التي أسسها هناك وصارت من أكـــبر المنظمات الإنسانية، حيث تضم بمرافقها التعليميــــة حوالي نصف مليون طالب، ولديها أربع جامعات وعدد من الإذاعات، وحفرت حوالي 8600 بئر مياه، إضافة إلى تدريب ما يقرب من 4 آلاف داعية.
يعتقد من واقع خبرته الطويلة أن صانعي القرارات في العالم يتحملون جزءًا كبيرًا من سوء أحوال القارة الإفريقية، وأن هؤلاء يوجهون أنظارهم ودعمهم نحو السياسيين الذين تحوم حولهم رائحة الفساد في حين يهملون ما تعاني منه الشعوب من نقص في الخدمات وغياب للتنمية الاقتصادية وضعف كامل في التعليم.
دأب على الجهر بالنشاطات التي يقوم بها ووضعها تحت المجهر الدولي، في ظل تنامي الحركات المتطرفة والأصولية واتهامها بالإرهاب ولصقها بالإسلام السياسي، فقد نأى بنفسه وبالجمعية التي يرأسها عن هذه الدائرة، وليس عنده ما يخفيه - على حد قوله للزميل حسن عبدالله في صحيفة «الوطن» الكويتية التي نشرت على حلقات رحلته إلى إفريقيا - «فكل أسماء المتبرعين والمتبرعات منذ عام 1980 موجودة في السجلات، وكذلك الغرض من التبرع وأين ذهبت الأموال، فالشفافية عندنا أعلى من أي مؤسسة حكومية في العالم العربي، ولا أظن أن هناك مؤسسة لديها سبع درجات رقابة مالية»، والذي - كما يضيف - «يعمل في المؤسسات الخيرية متهم حتى يثبت العكس».
على مدى 33 عامًا، كان يقضي سنويًا عشرة أشهر تقريبًا داخل القرى والمناطق الريفية النائية في إفريقيا، والشهرين المتبقيين يمضيهما في الكويت لمتابعة بعض الأعمال ذات الصلة بأنشطته الخيرية، وفي بعض التنقلات يصطحب زوجته، فقد بنى بيتًا في مدغشقر وبقي فيه مدة عامين، اتبع في عمله فكرة عمل المشاريع بعيدًا عن دفع الأموال مباشرة، وكان يشتري المحاصيل الزراعية في موسمها بسبب رخصها، ثم يبيعها للمزارعين بسعر الكلفة عندما ترتفع أسعارها.
آمن بالعمل الجماعي وفي إطار «مؤسسات خيرية» لا تقوم على الشخص الواحد والرجل الأوحد، فأكثر من 33 عامًا من العطاء والتجارب والخبرات جعلت من «جمعية العون المباشر» واجهة حقيقية لـ«أبو صهيب» والفريق الذي عمل معه، وهو ما استوجب أن يكون في موقع التكريم من قبل رئيس جمهورية بنين الذي منحه عام 2004 وسام الجمهورية للاستحقاق بدرجة فارس، تكريمًا لدوره في الخدمات الاجتماعية وجهوده الخيرية التي أوصلها لشعب بنين.
عمل في منتصف الثمانينــيات كملحق صحفي في سفارة دولة الكويت في كينيا، وكانت فرصة لديه للتعرف على أحوال المسلمين والمواطنيـــن الأفارقــــة، فــقد تكونت لديــــه قــــناعة نتيجة قراءاته ودراساته أن الإسلام سبق غيره في العمل التطوعي الاجتماعي والإنساني، وغالبًا ما يستشهد بالرســول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي أخــــبر أن امرأة ساقطة دخلت الجنة لأنها سقـــت كلبًا عطــشانًا وأن امرأة ثانية دخلت النار لأنها حبست قطة حتى ماتت، فما بالك بالإنسان؟ (راجع صحيفة الوطن الكويتية ذ حسن عبدالله ذ 2013).
مارس مهنة الطب كطبيب اختصاصي في مستشفى الصباح بدولة الكويت وطبيب ممارس في مونتريال بكندا وطبيب متخصص بمستشفى الكلية الملكية بلندن (1980-1983) بعدما تخرج في جامعة بغداد عام 1972 وحدث أن تعرض أثناءها للاعتقال على يد المخابرات، وفي المرة الثانية أثناء الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، وحمل شهادة دبلوم بأمراض مناطق حارة من جامعة ليفربول البريطانية عام 1974، ثم تخصص بالأمراض الباطنية بجامعة ماكغيل بمستشفى مونتريال الكندي عام 1978.
أنتج عشرة مؤلفات حصيلة رحلته الخيرية في إفريقيا، وبذلك كان مثالًا على التزاوج بين الخبرة العملية والإنتاج الفكري الذي قدَّم فيه حصيلة علمية ذات أبعاد واقعية من خلال المواقع التي شغلها، ومن خلال البيئات التي اختبرها بنفسه وأكسبته معرفة جديدة أخرجها إلى العالم.
روايات تحدث عنها، عكست روحًا إيجابية كان يتحلى بها وتصميمًا منه على إكمال مشواره أيا كانت الصعوبات التي واجهته، لم يحاول ربط المساعدة التي يسديها بشخص أو بدين، وهذا ما يحسب له بأنه أبعد العمل التطوعي عن أي شبهات، ففي مالي - على سبيل المثال - أقام مخيمًا لعلاج أمراض العيون ومعه ستة من الاستشاريين ومجموعة من الأطباء والممرضين، وكانت النتــــائج مرضية جدًا مقارنة بالمستشفيات الموجودة هناك، وكان يجري والفريق الذي يعمل معه حوالي 500 عملية في العيون في كل مخـــيم يقومون ببنائه.
من المؤسسين الذين لهم باع طويل في بناء جمعيات وهيئات مدنية تطوعية، فقد شارك في تأسيس فرع لجمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة وكندا عام 1976 فرع شرق كندا، وتأسيس فروع الجمعية الطبية المسلمين في مونتريال وشيربروك وكويبك وغيرها 1974-1976، وتأسيس لجنة مسلمي مالاوي في الكويت 1980 وتأسيس لجنة مسلمي إفريقيا (أول مؤسسة إسلامية متخصصة) 1981، وتأسيس لجنة الإغاثة الكويتية التي ساهمت في إنقاذ أكثر من 320 ألف مسلم من الموت جوعا في السودان وموزمبيق وكينيا والصومال وجيبوتي خلال مجاعة 1984 وكان أمين عام لجنة مسلمي إفريقيا منذ تأسيسها، والتي أصبحت أكبر منظمة عربية إسلامية عاملة في إفريقيا.
كذلك عُرفت عضويته في مجموعة من الهيئات الإسلامية، مثل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، ومقرها الكويت والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغــاثة الذي يتخذ من مصر مقرًا له وجمعية النجاة الخيرية الكويتية، والهلال الأحمر الكويتي وعضو مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان ومجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في اليمن.
من الجوائز الرفيعة التي نالها في حياته تقديرًا لأعماله ومكافأة على جهوده الإنسانية، جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والتي تبرع بقيمتها (750 ألف ريال سعودي) لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء إفريقيا، والذي أسعده أن يكون قريبًا منهم ولذلك اختار جزيرة مدغشقر ليبني فيها مسكنًا له. واستحق أن يطلق عليه سفير دولة الكويت في إفريقيا، الذي أظهر وجها مشرقًا للعمل الخيري فيها ورسم بجهوده ومساعيه صورة مثلى للمواطن الكويتي المحب لعمل الخير والإنسانية من دون تفرقة أو تمييز.
كرّس عبدالرحمن السميط حياته لمساعدة المحتاجين والفقراء وكان بحق خادمهم، ترك وراءه إرثا حضاريا ونموذجا للعمل التطوعي ذي الصبغة الإسلامية التي أصابها كثير من التشوه في العقود الأخيرة.
عمله لم يتوقف عند حدود الدعوة إلى الإسلام، بل بنى المدارس واهتم بالتعليم وشيَّد الجامعات وحصل لها على الاعتراف الأكاديمي لتكون من الجامعات الخاصة في البلدان الإفريقية، والأهم من كل ذلك أنه أشاع ثقافتي الانفتاح والاعتدال التي يؤمن بها كمواطن كويتي مسلم ترك مهنة الطب ليصبح من أبرز رجالات العصر في القارة الإفريقية بشهادة الذين عايشوه وعملوا معه .