الفيتوري شاعر إفريقيا... جبلٌ شعريٌّ من طراز فريد
عن خمسة وثمانين عاماً رحل الشاعر السوداني الليبي المصري محمد مفتاح الفيتوري، كانت جدته لأمه سودانية وأمه مصرية، وأبوه ليبياً، وصباه ونشأته في الإسكندرية. ومنحته هذه الأعراق الثلاثة موهبة شعرية استثنائية، تماماً كما كان الحال بالنسبة لأمير شعراء العصر الحديث أحمد شوقي حين تحدث عن نفسه في تقديمه لديوانه الشوقيات فقال: «أنا إذن عربي، تركي، يوناني، جركسي. أصول أربعة في فرع مجتمعة». وكانت عبقرية شوقي الشعرية حصيلة التزاوج والتفاعل بين كل هذه الأصول والأعراق.
وكأنما كان الفيتوري على موعد مع قدره الشعري الذي سيجعل منه شاعر إفريقيا، وشاعر كل السود المضطهدين فيها، الحالمين بالحرية، وبالتحرر من الاستعمار، في مطالع خمسينيات القرن الماضي. فأتيحت له الشهرة الشعرية المبكرة، والصوت الشعري البالغ التأثير، مقترنيْن بالدور الذي نذر نفسه للقيام به، منذ بواكير وعيه بقضايا الوطن والإنسان، والتفاته إلى مواكب النضال والكفاح في العديد من البلدان الإفريقية، وإصغائه الشعري إلى طبول القارة التي تستيقظ، ليصنع لها طبولاً شعرية موازية، في نبرة إفريقية عالية، وجيشان شعري صاخب، متدفق كنهر إفريقي عارم يخرج من بين الأحراش محملاً برواسب الغابات وأعشاب الماء وأنين المعذبين والمضطهدين.
في ديوانه الأول «أغاني إفريقيا» (1955) حقَّق الفيتوري انطلاقته الشعرية الأولى، وسرعان ما تلقفت شعره الأسماع، وهو ينشده في المحافل والملتقيات على الألوف المؤمنة - مثله - بقضيته، والتفت إليه النقد المهتم بالظواهر الجديدة. وكان الفيتوري بكل ما يمثله شعراً ونبرةً وقضية، ظاهرة تحتشد لها الحياة الأدبية والشعرية، وهو يقول:
إفريقيا، إفريقيا، استيقظي
استيقظي من حلمك الأسودِ
قد طالما نِمْتِ ألم تسأمي؟
ألم تملّي قدم السيدِ؟
قد طالما استلقيت تحت الدجى
مجهدة في كوخكِ المجهدِ
مصفرّةَ الأشواق، معتوهةً
تبني بكفّيها ظلام الغدِ
جوعانة تمضغ أيامها
كحارس المقبرة المُقْعدِ
عريانة الماضي، بلا عزة
تتوّج الآتي ولا سؤدد!
* * *
إفريقيا، إفريقيا، استيقظي
استيقظي من ذاتك المظلمة
كم دارت الأرض حواليكِ، كم
دارت شموس الفَلك المُضْرَمَة
وشيّد الناقم ما هدّمه
وحقّر العابد ما عظمه
وأنت لا زلت كما أنتِ كالـ
جمجمة الملقاة، كالجمجمة
واعجبا، ألم تفجّر شَرَا
يينُكِ سخرياتهم يا أَمَةْ
وصولاً إلى قوله:
إفريقيا، إفريقيا النائية
يا وطني، يا أرض أجداديه
إني أناديكِ ألم تسمعي؟
صراخ آلامي وأحقاديهَ
إني أناديكِ، أُنادي دمى
فيكِ، أنادي الأوجه البالية
والأعين الراكدة الكابية
فويْك إن لم تحضني صرختي
زاحفة من ظلمة الهاوية
عاصفةً بالأبيض المعتدي
عليكِ، يا إفريقيا الغالية
* * *
الطلقة الأولى للشاعر محمد الفيتوري كما تمثلت في ديوانه الأول «أغاني إفريقيا» صنعت منه شاعر إفريقيا، وأصبح إنشاد شعره مدوِّياً في كل مكان دعوة إلى التحرر والتخلص من الاستعمار. وبدأ النقاد في تشخيص هذه الحالة الشعرية إنسانيًّا وقوميًّا، وتحليل مكونات شخصيته المأزومة التي تفجرت بهذا البركان الشعري الثوري وهذه اللغة الزاعقة المدوية. كتب الناقد محمود أمين العالم يقول عنه: «من لون بشرته، ومن إحساسه العميق بالمرارة والحقد، ومن طبول الذكر، صاغ له وطناً بعيداً نائياً هو إفريقيا. كان يدرك أنه بعيد ناءٍ، ولكن هذا كله يتفق مع بقاء إحساسه بالغربة والفقد، وكانت علاقته بهذا الوطن البعيد في البداية علاقة انفعالية خالصة، فلقد انتقل إليه بكافة أدواته. مشاعره إلى جانب استعانته بعناصر محلية من الريف المصري كالمحاريث والسواقي والمناجل. كانت إفريقيا وطناً بعيداً نائياً، كانت طريقاً وهدفاً، فأخذ يلوّنها بلون مشاعره، ويوحّد تاريخه وتاريخها، ويخلع عليها مأساته الخاصة، ويُبشر من خلالها بخلاصه المنشود».
ولم يصدر الفيتوري ديوانه الثاني «عاشق من إفريقيا» إلا بعد تسع سنوات من ديوانه الأول (1964)، انشغل فيها بالشهرة والمجد وذيوع الصيت والعمل في الصحافة بعد أن انقطع عن دراسته الجامعية. وعندما عاد إلى الشعر كانت نفسه قد هدأت، ولم تعد إفريقيا - في وجدانه - «طبولاً زاعقة أو تماثيل حاقدة، أو أغنيات متوفزة». وامتلأ شعره بفيض من المشاعر الإنسانية، والرؤى التي تكاد تشرق من ثناياها ومضات التفاؤل، لقد تغير المشهد الشعري وتغيرت صورة «قارع الطبول» وهو يقول:
عاريةٌ روحي، وعارٍ جسدي
كما تريْن
ساذجٌ منبسط اليدين
لا أخجلُ أن أقول:
يا زمني حتى الأسى شهوة
وقدمايَ تتلويان في الهوّة
لا أرهب أن أقول:
يا زمني تآكلت حوافر الخيول
والحوت في النهر يُعرِّي ظهره للشمس
والزراف يستريح في السهول
رائع هذا الدجى الأخضر
رائع صفاء الظلمة الجميل
رائعة رائحة الضباب والشجر
رائحةُ الجبال والمطر
رائحة السماء والنجوم
رائحة الأرض إذا تنفّست
وهي تعانق الغيوم
رائعة عيناكِ يا حبيبتي
أجنحةٌ مُحلّقاتٌ أبدا
يبرق فيهن الشعاع والنّدى
قوافل مسافرات أبدا
يبعدن، لا يتركن من ورائهنّ
إلا ظلالاً وصدى
رائعة هموم عينيك الصغيرتين
حين تسألان من يكون؟
ذلك الشاعر من يكون
ذلك المغني الهمجيْ
ذلك المهرج الحزين
ذلك الذي يصبغه الجلال والذهول
كلما انحنى على جراحه
وراح يقرع الطبول
هأنذا أقولُ
لو ركضتُ عاريا فهذا قدري
ولو مشيت فوق جسرٍ من خطايايَ
فهذا قدري
صوتيَ صوتُ زمني
وجهتي وجهُ قدري
فلا عجبْ
وُلدتُ فوق عتبات الصمت والغضب
أنا تمرُّدُ التعب
أنا تجسُّدُ الذهول
هأنذا أقول!
ثم جاء ديوانه الثالث «اذكريني يا إفريقيا» (1966) مسجلاً فيه استمرار انشغاله بالهم الإفريقي، لكنه في الوقت نفسه كان كمن يهيئ نفسه لتحول شعري جذري، فكريًّا وفنيًّا وإيقاعيًّا، ولتطوير كبير في أدواته التعبيرية التي أصبحت «أكثر نضجاً وأصالة». وبدأت إيقاعاته الشعرية تمزج بين قصائد الشعر العمودي ومغامراته في شعر التفعيلة الذي كان قد بدأ يبسط ظلاله بشدة على المشهد الشعري، وبدأ الفيتوري يبدو في عيون النقاد والشعراء واحداً من شعراء الطليعة في هذا اللون الجديد من الكتابة الشعرية، التي ستصل به إلى المزاوجة بين قالبيْ الشعر الغنائي والشعر المسرحي، عندما نشر مسرحيته الشعرية الأولى: «أحزان إفريقيا - سولارا» لكنه لا يسير طويلاً في هذا الدرب، إذ سرعان ما تسيطر عليه المرحلة النقدية السياسية التي تتخذ قوالب أسطورية ورمزية ممتلئة بدلالات شعبية وروح قومية عربية، تتمثل في دواوينه: «سقوط دبشليم»، و«الثورة والبطل والمشنقة»، و«شاهد إثبات»، و«شرق الشمس غرب القمر»، و«يأتي العاشقون إليك»، و«نار في رماد الأشياء»، و«ابتسمي حتى تمرّ الخيل». قبل أن تتسع خواتيم رحلته الشعرية لمسرحيات شعرية ونثرية، من بينها «عمر المختار»، و«يوسف بن تاشفين»، و«الشاعر واللعبة».
وعلى مدار الوقت، والإبحار في زمان الشعر طيلة أكثر من ستين عاماً، كانت رحلات الشاعر من بلد إلى بلد، وإقامته في العديد من العواصم العربية، تنعكس على شعره وفي مرايا وجدانه ألواناً وظلالاً ومواقف وأفراحاً وبكائيات، وهواجس مستمرة يطلقها شاعر أتاح له العمل في السلك الدبلوماسي في بيروت والسودان وليبيا والقاهرة - منتهياً بالمغرب- تجارب هائلة ومزلزلة، كانت وراءها مواقفه السياسية حيناً ونزعاته القلقة المتمردة حيناً آخر، وانشغالاته بطموحات الوظيفة التي أخذت تسيطر عليه وتوجّه خطاه. وفي ديوانه الشعري الفريد «معزوفة لدرويش متجول» تصوير شعري بارع للحالة التي عاشها وتقلب فيها وتمرد عليها طيلة أوقات ابتلعت كثيراً من سنوات عمره، شاعراً لا يعرف معنى للاستقرار أو الإقامة، وإنساناً تتزاحم فيه أصداء الحياة العاصفة التي اكتوى بنيرانها وتقلباتها، وذاق من خلالها مرارة انهيار الحلم القومي العربي الذي صاحب نكسة 1967 ومرارة الأيام والليالي التي عاشها يجرجر قدميه المثقلتين ويدفع بكيانه الضئيل في مواجهة العواصف الهوجاء، تقتلعه وتقذف به من مكان إلى آخر.
لقد صدقت فيه نبوءة أبيه الشيخ الورع والصوفي الطيب حين قال له وهو في الحادية عشرة من عمره بعد أن قرأ طالعه في كفه: إنك ستعيش متغرباً عن وطنك وأنت سعيد الحظ، وسيكون لك أعداء كثر، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينالوا منك. إن نجمك ينتشر ولست أدري ما ستكون في المستقبل، حاكماً أم رجل دين أم شيئاً آخر؟
ويقول د. منيف موسى في تقديمه للمجلد الثاني من أعماله الشعرية معلقاً على هذه النبوءة المبكرة: «ومحمد الفيتوري عرف الهجرة والغربة منذ طفولته، وصار شاعراً كبيراً وشريداً طريداً، لا يهدأ ولا يقرّ. شاعراً يعيش متجولاً على أرصفة الوطن العربي، تستقبله عاصمة عربية وتحتضنه، وتجلده عاصمة عربية أخرى وتطارده، فكأن نبوءة والده قد تحققت !»
هذا الشاعر المطارد يشبّه حاله بالدرويش المتجول أروع تصوير حين يقول في القصيدة التي حمل اسمها ديوانه «معزوفة لدرويش متجول»:
شحبت روحي، صارت شفقا
شعَّت غيما وسنا
كالدرويش المتعلق في قدميْ مولاه أنا
أتمرّغ في شجني
أتوهَّج في بدني
غيري أعمى، مهما أصغى لن يُبصرني
فأنا جسدٌ حجرٌ
شيء عبر الشارع
جُزُرٌ غرقى في قاع البحرِ
حريقٌ في الزمن الضائع
قنديلٌ زيتيٌّ مبهوت
في أقصى بيت في بيروتْ
أتألق حينا، ثم أُرنّق، ثم أموتْ
* * *
ويحي، وأنا أتلعثم نحوك يا مولايَ
أُجسّدُ أحزاني
أتجردُ فيك
هل أنت أنا؟
يدك الممدودة أم يديَ الممدودة؟
صوتك أم صوتي؟
تبكيني أم أبكيك؟
* * *
في حضرة من أهوى
عبثتْ بي الأشواق
حدّقتُ بلا وجهٍ
ورقصتُ بلا ساق
وزحمتُ براياتي
وطُبولي الآفاق
عشقي يُفني عشقي
وفَنائي استغراق
مملوكك لكني
سلطان العشاق!
هذه اللغة الشعرية السابحة في فضاء الوجه الصوفي والنزعة الروحية، أصيلة في التكوين البعيد الغور للشاعر محمد الفيتوري «ابن الشيخ مفتاح رجب الشيخي الفيتوري، خليفة خلفاء الطريقة العروسية الشاذلية الأسمرية، الذي ينتسب إلى قبائل البدو الليبية المعروفة بالتقوى والصلاح، من الدراويش المشهورين بالكرامات والمعجزات». هذا ما يورده د. منيف موسى في تقديمه لديوان الفيتوري، كاشفاً عن الينابيع الروحية الصوفية في وجدانه وفي شعره، عندما نشأ في بيت يمتلئ بالصلوات والأذكار والأوراد والإنشاد الديني، ويزدحم فيه الناس طمعاً في المشاركة أو التبرك. إذن فهو عندما تلامس روحه هذا الأفق الشفيف، ويزدحم وجدانه بأصداء هذا الحفل الصوفي الصاخب وهذه الإيقاعات التي تجسّدها أجساد مرتطمة تهتز وتتصاعد اهتزازاتها كلما ارتقت في مقام الوجد والتجلي، عندما يحدث هذا كله، يصبح متجاوزاً وعي الصبي وحدود إدراكه، مستشرفاً بفطرته المتدينة حالات أخرى ستعتريه عندما يكبر، هو ينتظرها ويهيئ نفسه لاستقبالها، واستلهامها بعض أسرار فنه الشعري الأثير. ها هو ذا ينفّسُ عن نفسه مصوراً غربته وانكساره وتضاؤله بين الآخرين، ويقول:
فقير! أجل، ودميم! دميمْ
بلون الشتاء، بلون الغيوم
يسير فتسخرُ منه الوجوهُ
وتسخر حتى وجوه الهموم
فيحمل أحفاده في جمودٍ
ويحضن أحزانه في وجوم
ولكنه أبداً حالمٌ
وفي قلبه يقظاتُ النجوم
ثم ينحت لنفسه تمثالاً من الصخر، يصور به وجهه وقامته، ويقول:
فقير، فوجهٌ كأني به
دخانٌ تكثف ثم التحمْ
وعينان فيه كأرجوحتيْنِ
مُثقَّلتيْن بريح الألمْ
وأنف تحدّرَ ثم ارتمى
فبان كمقبرةٍ لم تتمّ
ومن تحتها شفةٌ ضخمة
بدائية قلّما تبتسم
وقامته لصقت بالتراب
وإن هزئت روحهُ بالقمم!
وسوف يتوقف من قرأوا شعر الفيتوري أو يعيدون قراءته الآن- بقصد إعادة اكتشافه- أنهم أمام جبل شعري من طراز فريد، صخوره منحوتة بإزميل من كبرياء، وصوره الشعرية المدببة شبيهة بنتوءات الجبل وحوافه الحادّة، وقممه العارية تتدثر بأقنعة مختلفة، بعضها بقية شطْحٍ صوفي، وبعضٌ آخرُ ما تزال تسري فيه روافد من عنف الغابة وعطش وحوشها المفترسة. وثمة أبخرة وعطورٌ تتصاعد، وأصداء من صيحات مخيفة تتردد، وطقس استوائي يغلّف هذا كُلّه ويكسو هذا الجبل الشعري بما يليق به من جلال ومهابة، ولغة تنطلق طلقاتها كالقذائف البعيدة المدى.
ولقد أحبّ الفيتوري - على مدى حِلّه وترحاله وأسفاره وتنقلاته - مدناً وعواصم عربية عديدة آوته من صعلكة وتمرد، واتسعت لنزقه الإنساني وجنونه الشعري معاً. في طليعة هذه المدن: القاهرة وبيروت والخرطوم وطرابلس غرّد في ساحاتها وأطلّ على جماهيره الحاشدة من شرفاتها. لكن ما يصله بدمشق، ويربطه بها من أواصر العشق والائتناس والدهشة الملازمة، يجعل لها مساحة ذات مذاق خاص في غور وجدانه وهو يقول بعنوان «دمشق وعاشق الأميرة الجبلية»:
ودمشق خيمة عاشق متغرب مثلي
تعيش الشمسُ تحت جفونه
وتضيء في فمهِ
وراية قاسيون، وسيفه العربي يبرق في السماء
كأنه قمر اللهيب
كأنه سيف السماءِ
دمشق يا حزني
وأنتِ مدينة الفرح التي أغفو على أسوارها
وأغوص في أحشائها أرضاً وأزمنة
وتصلبني طوابير الطغاة على مداخلها
وينبت في خرائب عصرهم وجهي وأيامي
* * *
دمشق أنتِ
لم تكن السماء عباءة منقوشة بالعاج والياقوت
كانت ثمة السحب القديمةُ
والطلاسم في تعاريج المرافئ
والرجال السود يحتضرون حول الكعبة السوداء
والصور التي تنهار فوق قواعد الصلبان
ثم أضاء برقك في الصخورِ
ففجّرت ألوانها، وامتدت الرؤيا على زمني
وعينيَّ المهاجرتينِ
إني كلْمة وحدي
وتلك حجارة التاريخ
والطير المحنط في المعاطفِ
والبغايا العاقرات، وغابة الشعراء
* * *
هذي ليلة القمر الذي صلبوه
(كانوا يعبدون ضياءه
حتى إذا اصطف الرماة جميعهم
وانهلّ نبع جراحه صلبوه)
ساعتها استحال الموج أعمدة من الكبريت
- يا قمري يموت الضوء في شجر النهارِ
ويصبح البستان مزدهرا
وتُزهر فيه ثانية، وأولد فيكِ
* * *
هذي ليلة الطفل المقدس
(من سيذكره ويبكي) كلُّ مرضعة سقته دماءها
خلعت مخالبها الأنيقة فجأةً
ورمت بها في مقلتيه
- أقول يا طفلي المقدس:
فوق تاج الحب، تاجُ الشعر
اخلعْهُ على دنياك مبتهلا
واحلم أنني أرضيك
واشتاقتك أيامي
ومازالت دمشق تمدّ خيمتها
ووجه العاشق المأخوذ يسألها وتسأله!
* * *
وعبر توهج الرؤيا
وعبر تدفق النظرات
قصر أميرة جبلية
تختار تحت الشمس مقعدها
وتسكب عطرها في روح عاشقها
وتشعل شمعة في القلب
ثم تعود حيث تنام في عينيه كلَّ مساء
* * *
ولسوف يبقى شعر الفيتوري ما بقي زمان للشعر والشعراء، فهل ستبقى لنا الأميرة الجبلية: دمشق؟ .