الطائرات الورقية.. الـجمال الـمحلق
كل ما يتحرك في السماء يلفت النظر، كتل الغيوم الركامية، الضباب، خيوط الطباشير التي ترسمها الطائرات البعيدة جدًا على لوحة السماء الزرقاء، الشهب.. إلخ، وكلما دنت زاد المحملقون بها. الطائرات في مشهد نزولها التدريجي مازالت تقدم الدهشة والإعجاب للصنعة البشرية التي حققت حلم الإنسان بالطيران وتنكأ رغبات السفر نحو البلدان والمدن البعيدة، ورغم تكرار هذا المشهد الضوضائي فإنه لايحظى بالفضول والمتابعة.
في الطريق السريع المؤدي لمنطقة بنيدر جنوب الكويت، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، يبرز منظر من بعيد مليء بالحركة والألوان الصاخبة لأشكال ومجسمات تحلق بالسماء، وتصطف بطريقة نظامية فوق بعضها البعض، تزداد وضوحا وألقا مع اقترابنا منها، دببة، نمور، أسماك قرش، حبار، حوت، لخمة (رقيطة)، جميعها تحلق فوق موقع بات معروفا بأنه موقع هواة الطائرات الورقية، ويقع بين الشريط الساحلي الذي يضم سلسلة طويلة من الشاليهات الخاصة، وبين منطقة التخييم على اليمين التي تشهد إقبالا واسعا في موسمي الشتاء والربيع.
صداقة مع البيئة
لقد كنا على موعد متفق عليه مع فريق الفارسي للطائرات الورقية، للتعرف عن قرب على هذه الهواية والفريق الذي يمارسها وأهم الأنشطة التي يقوم بها، وتأتي شهرة هذا الفريق من كونه حقق لدولة الكويت إنجاز الدخول لموسوعة جينيس للأرقام القياسية في أكبر طائرة ورقية هـــي عبــارة عن علــــم دولة الكويت.
الشيء اللافت هو طبيعة موقع الفريـــق المفتوح، إذ لا يوجد هناك حد على الأرض أو سقف يفرض نفسه على من يمارسون هــذه الهواية ذ اللعبة ذ أو متابعيها، فكل من يريد الاقتراب مرحـــب به, والنـــاس كما رأيتــهم يتحركون تحت ظلال المجسمات الورقيـــة، والأطفال جهزت لهم طائرات ملاصقة للأرض على هيئة كهف يدخلون إليه ليشبعوا شغفهم بمشاهدة هذا النــــوع من الطائرات من الداخل.
رئيس فريق الفارسي السيد عبدالرحمن الفارسي أعلمني بأن الموقع الذي يعملون فيه، لم يكن قبل سنوات كما هو عليه الآن، فقد أعيد تأهيله بطريقة علمية غـــير مضرة بالبيئـــة بجهد تطوعي من الفريق، بعد أن كان مكانا لتجميع وردم مخلفات المخيمات البرية التي يتركها أصحابها خلفهم بعــد نهاية موسم الربيع. وعن أسباب اختيار هذا الموقع دون غيره أكد أنه يرجع لسببين، الأول علمــــي لأن أي فريــــق للطائرات الورقـــــية يحرص على الأماكــــن المفتوحة البعيدة عن العمارات الشاهقة، لأنها تحجب الهواء وتؤثر في حركة الطائـــرات الورقــــيـة، ولأن البحـــر يمدنا بالتـــــيارات الهوائية الكافية لرفــــع ما لدينا من طائرات، والسبب الثاني بيئي ارتبط برغبتنا في حماية البيئة، وهذا الموقع مكننا من تحقيق ذلك الهدف».
وبين الفارسي أن نشاط فريقه أسبوعي، قائلا: «كل يوم جمعة لدينا مهرجان للطائرات الورقية نرفع فيه أكثر من 30 طائرة ورقية بمختلف الأحجام، وهذا النشاط يغطي أكثر من أربعين أسبوعا في السنة»، وعن عدد أعضاء فريقه أجاب الفارسي: «العدد الثابت أسبوعيا يتراوح بين أربعين إلى خمسين عضوا، وفي المناسبات يزداد العدد وهم جميعهم متطوعون والفريق لا يمارس أي نشاط ربحي».
ســــؤال بديــــهي طــــرأ عــــى ذهـــني، فالطقــــس في الكويت خصـــــوصا في فصل الصيف لا يرحم، وهــــو فصـــل طـويل مرهق تتجاوز فيه درجات الحرارة الخمسين درجة مئوية.. فهل يتوقف نشاط فريــــق الفارسي خلال ذلـــك الفصل؟ أجاب الفارسي بــــأن فريقه يغير طريقة ممارسة نشاطاته باستبدال اليابســـة بالبحر، وذلك بالانتقال الى منطـــقة قريبة يتم فيها تطيير الطائرات فوق سطح البحر وتثبيت حبالها على طافيات بحريــة ثابتـــة فــــي مكانها وبذلك لا ينقطع نشاط الفريق خلال فصل الصيف، وفي بعض الأوقات نواصل عملنا في موقعنا المعتاد بعد الساعة الرابعة عصرا، عندما تنكسر قليلا حدة حرارة الشمس ونستمر حتى مغيبها.
نظرة ومعتقدات
نظرة الناس لهذه الهواية لاتزال محصورة بأنها لعبة أطفال، في حين أنها تعتبر رياضة في مناطق أخرى في العالم، مثل أوربا وفي بعض دول شرق آسيا، وتأخذ الطائرات الورقية أبعادا دينية ومعتقدات راسخة إلى هذا اليوم، ويعلق الفارسي على الشطر الأول بالقول: «بالفعل كنا في البداية قبل عشر سنوات نعاني من الأحكام المسبقة على الطائرات الورقية، فنحن نتعامل معها كهواية ومتعة ورياضة يبذل فيها جهد عضلي كبير، لأن تحريك بعض الطائرات يحتاج إلى مهارة ولياقة عالية وقوة جسمانية للتحكم فيها، وقبل ذلك الدقة والصبر الطويل في تركيب الطائرة وسحبها عكس اتجاه الريح، وأذكر أننا أمضينا في منطقة جنوب السرة ثمانية أشهر متتابعة ونحن نمارس هوايتنا حتى نجحنا باجتذاب الناس وبعض الراغبين في ممارسة هذه الهواية».
وأما عن نظرة بعض الشعوب الآسيوية للطائرات الورقية فأوضح الفارسي أنهم يأخذون الطائرات الورقية كطقس ديني له تقدير ووظيفة مهمة للشفاء من الأمراض، فمثلا «يصنع اليابانيون طائرة ورقية متعددة الزوايا عليها وجه إنسان له لسان كبير وطويل وتعلق الطائرة فوق فراش المريض ليلاً، ثم تطلق نهاراً إلى أبعد مسافة ويقطع خيطها وتكون بذلك قد أخذت المرض معها، وحسب اعتقادهم فإذا وجدت إحدى هذه الطائرات على الأرض فلا يلتقطونها لأنها ملوثة بالمرض»!
متنزه عمومي
تحول موقع فريق الفارسي للطائرات الورقية إلى متنزه عمومي، والناس منذ أن وصلت بدأت أعدادهم يتزايد من حوله، وأعضاء الفريق يتفاعلون مع ذلك بإطلاق المزيد من الطائرات والمجسمات وآخرها التنـــين الذي يتــــمايل بطريقة توحي بالمناورة والرغبة الواضحة بالانقضاض.
السؤال الذي يفرض نفســــه، ألم يحصــــل فريق الفارسي بعد إنجاز «جينيس» على أي شكل من أشكال الدعم حتى الآن؟ يرد الفارسي: «فريقنا كما ذكرت تطوعي لا يمــــارس أي نشاط ربحي، ولا يحصــــل علـــى أي دعــــم من الــــدولة، وعليه فكـــــل تكاليـــــف مــــشاركاتنا الخارجــــية والطـــــائـــرات الورقــية التــــي نمتلــــكها وما يتبـــع ذلــــك من تذاكر سفر وإقامة وشــــحن هي من حساب الفريق، ونحــن لا نهدف من وراء مشاركاتنا في المسابقات الدولـــــية ســــوى رفع اســم وطننا وتوطيد علاقــــاتنا الخارجيــة، وحتى هذا الموقع الذي نحن فيه نصبنا فيه خيمة كاستراحة لمن يأتون لزيــــارتنا، وجــــهزنا حماما عموميا كي لا يضــطر أحد لقطع لحظات استمتاعه لأي سبب من الأسباب، ولحــــسن الحظ فإن وجودنا المستمـــر وإقــبال الناس من حولنا جذب باعة المرطــبات والمأكولات الخفيفة،
وهذا الأمر خلــــق بيــــئة مناسبة للتنزه ولفترة كافية».
ورق يحمل سيارة
موضوع التكاليف والدعم اصطحب معه مجموعة من الأسئلة، مثل مصدر الطائرات الورقية وكيفية التحكم في أشكالها، وأهم الدول التي تستضيف مسابقات الطائرات الورقية، فأكد الفارسي أن الطائرات الورقية ومستلزماتها يتم جلبها من شركات عالمية ويتم تكييفها لتأخذ الهوية الوطنية أو المجسمات التي تعكس البيئة البحرية التي اشتهرت فيها الكويت، أما أهم الدول التي تستضيف هذه المسابقات فمن أوربا: بريطانيا (بريستول وبورتموث)، وفرنسا وهولندا وإيطاليا، ومن آسيا الهند وماليزيا وتايلند، وعن تكلفة الطائرة الورقية الواحدة، بين الفارسي أنها تتراوح بين 200 دينار و1000 دينار كويتي (ما يوازي ثلاثة آلاف دولار)، وهذا المبلغ قــــابل للــزيادة بالنسبة للطائرات الكبيرة الحجم، خصوصا تلك الطائرات القادرة على حمل سيارة صغيرة أو أكثر.
السؤال الأخير للســــيد عبدالرحمـن الفارسي كان متعلـــــقا بهواية الطائرات الورقيـــة في الوطن العــــربي، وهل توجد فــــرق عربية تشارك في المحـــافل الدولــــية؟ وأوضــــح الفارسي أنه من خــلال المشاركات الخارجية «كنا دوما الفريق العربي الوحيد المشارك هناك ما عدا مرة واحدة تلاقينا فيها مع فريق من لبنان الشقيق» .
طائرات ورقية على شكل علم الكويت القديم (منتصف) والجديد
طائرة ورقية مصممة لتجول الأطفال ولعبهم داخلها وهي تطير بالقرب من الأرض
لقطة مليئة بالحركة والألوان الصاخبة لأشكال ومجسمات تحلق بالسماء وتصطف بطريقة نظامية فوق بعضها البعض