هل يشيخ الكون؟

هل يشيخ الكون؟

تقدر‭ ‬حياة‭ ‬النجوم‭ ‬بمئات‭ ‬وآلاف‭ ‬السنين،‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست‭ ‬خالدة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬البارزين‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬لتعرف‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬البديهية،‭ ‬والنجوم‭ ‬سواء‭ ‬كبر‭ ‬عمرها‭ ‬أو‭ ‬صغر‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بمراحل‭ ‬تطور‭ ‬كخلايا‭ ‬تمايزية‭ ‬عملاقة‭... ‬فهل‭ ‬يموت‭ ‬الفضاء؟‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬يذهب‭ ‬إذن‭ ‬لو‭ ‬فني؟‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬الغياب؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬للكون‭ ‬بداية‭ ‬يعلم‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬متى‭ ‬كانت،‭ ‬ونهاية‭ ‬يعلم‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬متى‭ ‬تكون؛‭ ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬يتعرَّض‭ ‬لعلامات‭ ‬الشيخوخة‭ ‬وتقدم‭ ‬العمر؟

دعنا‭ ‬نستخدم‭ ‬النجوم‭ ‬كنقاط‭ ‬ارتكاز‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭. ‬تضم‭ ‬مجموعات‭ ‬النجوم‭ ‬طوائف‭ ‬عمرية؛‭ ‬فهناك‭ ‬النجوم‭ ‬الشابة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬يتراوح‭ ‬عمرها‭ ‬بين‭ ‬10و25‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬وهناك‭ ‬المجموعة‭ ‬المعمرة،‭ ‬وبينهما‭ ‬مجموعات‭ ‬ذات‭ ‬أعمار‭ ‬متوسطة،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬متوسطة‭ ‬الحجم‭ ‬والإضاءة‭. ‬وعندما‭ ‬ظهر‭ ‬نجم‭ ‬واحد‭ ‬مثل‭ ‬الجوزاء،‭ ‬كانت‭ ‬كتلته‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬مرة‭ ‬قدر‭ ‬كتلة‭ ‬شمس‭ ‬مجموعتنا،‭ ‬ويوجد‭ ‬مع‭ ‬الجوزاء‭ ‬وحده‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬مائتي‭ ‬ألف‭ ‬شمس‭ ‬مثل‭ ‬شمسنا،‭ ‬تصاحبها‭ ‬ملايين‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬أقل‭ ‬حجماً،‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬ضوئية‭ ‬عدة،‭ ‬ماتت‭ ‬أربع‭ ‬شموس‭ ‬وتحولت‭ ‬مادتها‭ ‬إلى‭ ‬نجوم‭ ‬قزمية‭. ‬بعض‭ ‬النجوم‭ ‬توجد‭ ‬معها‭ ‬شموس‭ ‬شديدة‭ ‬الحماس،‭ ‬تستهلك‭ ‬مادتها‭ ‬بإسراف‭ ‬شديد،‭ ‬لذلك‭ ‬هي‭ ‬تدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬الشيخوخة‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬غيرها؛‭ ‬وينطبق‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬على‭ ‬‮«‬الشمس‭ ‬الزرقاء‮»‬‭ ‬شديدة‭ ‬الضياء،‭ ‬التي‭ ‬تموت‭ ‬بسرعة‭ ‬ولا‭ ‬تعمِّر‭ ‬طويلاً‭. ‬أما‭ ‬شمسنا،‭ ‬فتنتمي‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬النجوم‭ ‬الحُمر‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تموت‭ ‬بسرعة‭.‬

 

الغبار‭ ‬الكوني‭... ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه

لقد‭ ‬اتضح‭ ‬خطأ‭ ‬نظرية‭ ‬أن‭ ‬الغبار‭ ‬الكوني‭ ‬يتكوّن‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬انفجارات‭ ‬نجمية‭ ‬هائلة،‭ ‬إذ‭ ‬يوحي‭ ‬دليل‭ ‬حديث‭ ‬بأن‭ ‬مقادير‭ ‬كبيرة‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬الغبار‭ ‬قد‭ ‬تكونت‭ ‬بسبب‭ ‬شيخوخة‭ ‬نجوم‭ ‬كربونية،‭ ‬ولأن‭ ‬الغبار‭ ‬الكوني‭ ‬هو‭ ‬لبنات‭ ‬البناء‭ ‬لتكوين‭ ‬الكواكب،‭ ‬تكون‭ ‬شيخوخة‭ ‬النجوم‭ ‬أول‭ ‬مصدر‭ ‬لحياة‭ ‬الكوكب،‭ ‬وتبعاً‭ ‬لهذه‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬الوسط‭ ‬العلمي‭ ‬الآن،‭ ‬فالغبار‭ ‬الكوني‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬صيحات‭ ‬الموت‭ ‬الدرامي‭ ‬المثير‭ ‬للنجوم‭ ‬هائلة‭ ‬الحجم‭ ‬عندما‭ ‬تشيخ،‭ ‬ويتكاثر‭ ‬بشدة‭ ‬عند‭ ‬انفجارها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬يشكّون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬قد‭ ‬تُدمّر‭ ‬غباراً‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬غبار‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬النجوم‭ ‬الكربونية‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬تكوّن‭ ‬النجوم‭ ‬الأولى،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تشكّلت‭ ‬بعد‭ ‬خمسمائة‭ ‬مليون‭ ‬عام‭ ‬تقريباً‭ ‬بعد‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭. ‬لقد‭ ‬قاد‭ ‬البروفيسور‭ ‬ألبيرت‭ ‬زيجلسترا‭ ‬Albert Zijlstra‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬بنك‭ ‬جودريل‭ ‬للعلوم‭ ‬الفلكية‭ ‬التابع‭ ‬لجامعة‭ ‬مانشستر،‭ ‬فريقاً‭ ‬دوليّا‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬تليسكوبي‭ ‬ضخم‭ ‬ليستخدم‭ ‬مقراب‭ ‬الأجرام‭ ‬الفضائية‭ ‬‮«‬سبتزر‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬لوكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمريكية‭ (‬ناسا‭) ‬لملاحظة‭ ‬تكوّن‭ ‬الغبار‭ ‬حول‭ ‬نجم‭ ‬يشيخ‭ ‬أو‭ ‬يحتضر‭ ‬في‭ ‬مجرة‭ ‬قريبة،‭ ‬والنجم‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬عليه‭ ‬الاختيار‭ ‬هو‭ ‬نجم‭ ‬كربوني‭ ‬اسمه‭ ‬ماج‭ ‬2q‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬280‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬ضوئية‭ ‬في‭ ‬مجرة‭ ‬صغيرة‭ ‬قريبة‭ ‬هي‭ ‬القزم‭ ‬النّحات،‭ ‬وهي‭ ‬حافلة‭ ‬بالكربون‭ ‬والعناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬تكونت‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬الهيليوم‭ ‬بعد‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مجرات‭ ‬قريبة‭ ‬للمقارنة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منظر‭ ‬قريب‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬حياة‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬أعوامها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬كأنك‭ ‬تتأمل‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬يلهون‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬دار‭ ‬للمسنّين‭. ‬ويتضح‭ ‬لفريق‭ ‬زيجلسترا‭ ‬أن‭ ‬الغبار‭ ‬قد‭ ‬ملأ‭ ‬الكون‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬للغاية،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬أنه‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الغبار‭ ‬الموجود‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مجرتنا،‭ ‬فنجوم‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭ ‬الكربونية‭ ‬ليست‭ ‬غنية‭ ‬بالمعادن‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭!‬

 

خريف‭ ‬العمر‭ ‬وعواصف‭ ‬داخلية

عندما‭ ‬يقترب‭ ‬مخزون‭ ‬الهيليوم‭ ‬في‭ ‬الجوف‭ ‬النجمي‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬كتلته‭ (‬النسبة‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الربع‭ ‬بالنسبة‭ ‬لشمسنا‭)‬،‭ ‬تزداد‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬جوف‭ ‬النجم‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬المائة‭ ‬وعشرة‭ ‬ملايين‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬مراحل‭ ‬الشيخوخة‭ ‬على‭ ‬مستواها‭ ‬النجمي،‭ ‬فيتعرض‭ ‬النجم‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬جديدة‭ ‬عليه؛‭ ‬فتنشأ‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬كمفاعل‭ ‬أصابه‭ ‬الخبال‭. ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬النجم‭ ‬على‭ ‬التهام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬هيليوم‭ ‬خامل‭ ‬في‭ ‬مركزه،‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الحرارة‭ ‬شديدة‭ ‬الارتفاع‭ ‬الآن،‭ ‬يبدأ‭ ‬هذا‭ ‬الهيليوم‭ ‬في‭ ‬طرد‭ ‬الكسل‭ ‬والخمول‭ ‬وينتقل‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وهنا‭ ‬يبدأ‭ ‬مركز‭ ‬النجم‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أكوام‭ ‬الهيليوم‭ ‬المخزونة‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬لآلاف‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭ ‬واضحة،‭ ‬وكأننا‭ ‬حيال‭ ‬رجل‭ ‬مفرط‭ ‬البدانة‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬فجأة،‭ ‬فبدأ‭ ‬يحرق‭ ‬أكوام‭ ‬الشحم‭ ‬والدهن‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬ليناسب‭ ‬الظرف‭ ‬الطارئ‭ ‬بحيوية‭ ‬جديدة‭ ‬عليه‭! ‬

وتتحول‭ ‬نواتج‭ ‬الحرق‭ ‬هذه‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬جديد‭ ‬للطاقة‭ ‬بفعل‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬والضغط‭ ‬الشديد،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬ذرات‭ ‬النجم‭ ‬في‭ ‬الاقتراب‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تلاحم‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬تكوين‭ ‬نووي‭ ‬مثير‭ ‬أعقد‭ ‬في‭ ‬التركيب‭ ‬وأكثر‭ ‬ثقلاً‭ ‬مثل‭ ‬الكربون‭ ‬والنيون،‭ ‬بروابط‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬وأربع‭ ‬وخمس‭ ‬أنوية‭ ‬من‭ ‬الهيليوم،‭ ‬وتنطلق‭ ‬طاقة‭ ‬حرارية‭ ‬إشعاعية‭ ‬مهولة‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬المحتوى‭ ‬الجوفي‭ ‬أكثر‭ ‬كمرجل‭ ‬يغلي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬فيحدث‭ ‬الانفجار‭ ‬الحتمي،‭ ‬لكن‭ ‬العناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬والنفايات‭ ‬تندفع‭ ‬إلى‭ ‬الطبقات‭ ‬الخارجية‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المركز،‭ ‬وتمتص‭ ‬صدمة‭ ‬الانفجار‭ ‬الداخلي‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬النجم‭ ‬من‭ ‬التفكك،‭ ‬الأمر‭ ‬يُشبه‭ ‬محاولة‭ ‬إسعاف‭ ‬مُسن‭ ‬شارف‭ ‬على‭ ‬الموت،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تلفت‭ ‬أجهزة‭ ‬حيوية‭ ‬عدة‭ ‬داخل‭ ‬جسمه،‭ ‬لكنه‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.  ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬عمليات‭ ‬إصلاح‭ ‬داخلية‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬النقاهة‭, ‬ويتحوّل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬إلى‭ ‬هيليوم‭ ‬أثقل‭ ‬ويهبط‭ ‬إلى‭ ‬جوف‭ ‬النجم‭ ‬ويستقر‭ ‬الباطن‭ ‬لتبدأ‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬للشيخوخة‭ ‬بعد‭ ‬استقرار‭ ‬العناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬في‭ ‬المركز،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬فوقها‭. ‬وتعاود‭ ‬الكرة‭ ‬عندما‭ ‬ترتفع‭ ‬درجة‭ ‬حرارتها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬حتى‭ ‬يتولّد‭ ‬تفاعل‭ ‬آخر‭ ‬لتكوين‭ ‬عناصر‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً،‭ ‬ويظهر‭ ‬عنصر‭ ‬ثقيل‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬الماغنسيوم،‭ ‬الذي‭ ‬يتكدّس‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬المركز،‭ ‬وهذا‭ ‬يفوق‭ ‬طاقة‭ ‬النجم‭ ‬العجوز‭ ‬على‭ ‬الاحتمال؛‭ ‬فتنطلق‭ ‬العناصر‭ ‬الأثقل‭ ‬من‭ ‬الجوف‭ ‬لتختلط‭ ‬بالعناصر‭ ‬الخفيفة‭ ‬في‭ ‬الطبقات‭ ‬الخارجية‭ ‬بعملية‭ ‬شبيهة‭ ‬بما‭ ‬سبق‭.‬

 

انتحار‭ ‬العملاق‭ ‬الأحمر‭ ‬

عندما‭ ‬تصل‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬من‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬إلى‭ ‬1500‭ ‬مليون‭ ‬درجة،‭ ‬ندخل‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬للشيخوخة،‭ ‬حيث‭ ‬تعود‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬إلى‭ ‬القلب،‭ ‬وتظهر‭ ‬عناصر‭ ‬أثقل‭ ‬مثل‭ ‬النيكل‭ ‬والزنك‭ ‬والحديد‭ ‬والكروم‭ ‬والنحاس‭ ‬والكوبالت‭ ‬عندما‭ ‬ترتفع‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬جوف‭ ‬النجم‭ ‬إلى‭ ‬2500‭ ‬مليون‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬وعند‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬يكون‭ ‬النجم‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬الكبر‭ ‬عتيّا،‭ ‬فيبدأ‭ ‬العد‭ ‬التنازلي‭ ‬والاستعداد‭ ‬لحسن‭ ‬الختام؛‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الأغلال‭ ‬النووية‭ ‬ونفاد‭ ‬محتواه‭ ‬الهيدروجيني‭ ‬بالتدريج‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬أشبه‭ ‬بسحب‭ ‬الرصيد‭ ‬البنكي‭ ‬على‭ ‬المكشوف؛‭ ‬حتى‭ ‬تأتي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها‭ ‬عندما‭ ‬ينفجر‭ ‬من‭ ‬جوفه‭ ‬ويتفتق‭ ‬ويتمدد‭ ‬ويتضخم‭ ‬ويتعملق‭ ‬بشكل‭ ‬مخيف‭ ‬وهنا‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬العملاق‭ ‬الأحمر‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬على‭ ‬مسماه‭ ‬فعلاً،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أشبه‭ ‬بعملاق‭ ‬هائج‭ ‬أحمر‭ ‬اللون‭ ‬كأنه‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬غضب‭ ‬بسبب‭ ‬النهاية‭ ‬المفجعة‭ ‬كبطل‭ ‬خارق‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬مصورة؛‭ ‬ويحدث‭ ‬أن‭ ‬يصب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬إشعاعية‭ ‬وحرارية‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬المحيط‭ ‬به‭ ‬لتحيط‭ ‬به‭ ‬كمدار‭ ‬مشع‭ ‬أخير‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬الوداع،‭ ‬وتبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬البرودة‭ ‬الأبدية‭ ‬وانكماش‭ ‬حجمه‭ ‬واكفهرار‭ ‬وجهه‭ ‬وتضاؤل‭ ‬بنيانه‭ ‬كجثة‭ ‬تضمحل‭ ‬إلى‭ ‬رفات‭ ‬حتى‭ ‬تختفي‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬الحي‭ ‬وتتوارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭. ‬حالات‭ ‬الانتحار‭ ‬واردة‭ ‬كذلك،‭ ‬فكما‭ ‬ييأس‭ ‬المُسن‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ويقدم‭ ‬على‭ ‬مأساة‭ ‬إنهاء‭ ‬حياته‭ ‬بنفسه‭ ‬تخلصاً‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬الشيخوخة‭ ‬وملل‭ ‬الأيام،‭ ‬تُقدم‭ ‬بعض‭ ‬النجوم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفعلة‭ ‬الشنيعة‭ ‬لتموت‭ ‬فجأة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬العملاق‭ ‬الأحمر‮»‬،‭ ‬خصوصاً‭ ‬تلك‭ ‬النجوم‭ ‬التي‭ ‬تختزن‭ ‬في‭ ‬‮«‬قلبها‮»‬‭ ‬كميات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬نفايات‭ ‬حياتها‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬أثقل‭ ‬وأثقل‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬الطبيعية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬يولّد‭ ‬الانفجار‭. ‬هذا‭ ‬الموت‭ ‬السريع‭ ‬يجعل‭ ‬الرفات‭ ‬تتطاير‭ ‬وتنتشر‭ ‬شظاياها‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬الكوني‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية‭ (‬سوبر‭ ‬نوفا‭)‬،‭ ‬لتغدق‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬الكونية‭ ‬الحاوية‭ ‬لمليارات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬نوى‭ ‬الذرات‭ ‬الأخف‭ ‬كالهيليوم،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يحمينا‭ ‬من‭ ‬بطشها‭ ‬سوى‭ ‬الغلاف‭ ‬الهوائي‭ ‬الرقيق‭ ‬الذي‭ ‬ظللنا‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ .!