الأليكسيثيميا قصور التعبير عن المشاعر

الأليكسيثيميا قصور التعبير  عن المشاعر

يساعد التعبير عن المشاعر في الحفاظ على الصحة النفسية، وعلى التفاعل الاجتماعي، وتوطيد أواصر الألفة والصداقة بين الأفراد، وتحقيق التوافق الانفعالي. كما ينمو الإحساس بالمودة بين الأفراد إذا كان أحدهما مستجيباً للتعبير والإفصاح الذاتيين للآخر بطريقة مسؤولة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم صاحبه أو أخاه فليُعلمه فإنه أبقى وأثبت في المودة».

من الطبيعي أن يشعر المرء بالتشجيع من تمنيات الآخرين له بالنجاح، وأن تدمع عيناه عندما يفارق من يحب، إلا أن بعض الأشخاص يشعرون بعواطفهم كأحاسيس أو استجابات جسدية أو تكون كنوع من الإثارة لا يستطيعون إدراكها أو التعبير عنها بوعي.
ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم الأليكسيثيميا Alexithymia أو فقدان التعبير عن العواطف، والبعض اعتبرها سمة شخصية وليست مرضاً.
يعد بيتر سيفنيوس Sifneos أول من اهتم بدراسة الأليكسيثيميا من خلال ملاحظاته السريرية (الإكلينيكية) للمرضى النفسيين، واشتق سيفنيوس لفظ الأليكسيثيميا للإشارة إلى هذه الكوكبة من العوامل من الكلمات، اللاتينية A بمعنى نقص أو غياب وlexis بمعنى كلمة، وThymos بمعنى مشاعر، وتعني الترجمة الحرفية لها «من دون كلمات للمشاعر»، وتتميز الأليكسيثيميا بمجموعة من الخصائص، أكثرها بروزاً:
1 - صعوبة التعرف على المشاعر.
2 - صعوبة التعبير عن المشاعر للآخرين أو وصفها.
3 - صعوبة التمييز بين المشاعر النفسية والإحساسات الجسدية.
4 - التوجه الخارجي في التفكير، ويقصد به الانشغال بالتفاصيل الدقيقة للأحداث الخارجية وإغفال الخبرات السيكولوجية المصاحبة لها.
5 - خلل في الترميز أو الخيال.
6 - يتسمون بالمنطقية الشديدة في التفكير ويتخذون القرارات بناء على المبادئ لا المشاعر.
7 - تنقصهم مرونة الأنا، فهم متصلبون ومسيطرون. وهم غير خفيفي الظل ولا يميلون إلى الدعابة.
8 - وفي علاقاتهم الاجتماعية إما أن يكونوا اعتماديين أو أنهم يفضلون الوحدة ويتجنبون الناس كلية.

معدل انتشار الأليكسيثيميا
تتراوح نسب انتشار الأليكسيثيميا في مختلف الثقافات بين 9.3 و18.8 في المائة لدى الأشخاص العاديين وبين 48 في المائة و60 في المائة لدى مضطربي الغذاء، و50 في المائة لدى المتعاطين، و60 في المائة من ذوي ضغط اضطراب ما بعد الصدمة، و46.7 في المائة من ذوى اضطراب الهلع، و12.5 في المائة لدى ذوي المخاوف المرضية البسيطة وحوالي 47 في المائة من المرضى السيكوسوماتيين الذين يعانون أعراضاً نفس/ جسمانية.

الملامح الشخصية للأليكسيثيميين
يعجز الأليكسيثيميون عن التعرف على مشاعرهم ويعانون عدم قدرتهم على فهم تعبيرات وجوه الآخرين، وارتباكهم من ردود الأفعال العاطفية، خاصة في ما يتعلق بالمسائل الشخصية، والأليكسيثيميا كسمة شخصية تفسد التواصل، فعدم قدرة الأليكسيثيميين على التعبير عن مشاعرهم مع ميلهم للتركيز على التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، يجعلان حديثهم مليئاً بالتفاصيل المتكررة بدرجة تجعله مملاً ومزعجاً. وعدم قدرة الأليكسيثيميين على التعبير يجعلهم يتواصلون بشأن شقائهم بطريقة سيئة للغاية تحرمهم من نيل المساندة والمساعدة عند الحاجة، فيشعرون بغياب المساندة الاجتماعية.
وعلى الرغم من أن الأليكسيثيميين لا يعبرون، فإنهم يشعرون، وتبدو مشاعرهم في صورة استجابات فسيولوجية وأحياناً في نوبات انفجارية مبالغ فيها. 
ولا يقتصر الأمر على مرورهم بالمشاعر السلبية، وإنما يمتد لعدم مرورهم بالمشاعر الإيجابية أيضاً، فيعجزون عن الشعور بالفرح والحب والسعادة، وكتب سيفنيوس عن الأليكسيثيميا 
قائلاً: «لا يمكن استخدام اللغة لوصف مشاعر غائبة»، وذلك لأن الوعي بالمشاعر غائب لدى الذين يعانون الأليكسيثيميا، سواء كانت المشاعر سارة أو غير سارة. ويؤدي ضعف القدرة على الوعي بالمشاعر، والتعايش معها إلى تعرضهم لضغط مستمر وقابلية للإصابة بالأمراض الجسدية، بسبب تأثر الجهاز العصبي الذاتي والجهاز العصبي الغدي والتعرض للاستثارة الوجدانية لفترات طويلة. ومن الأمراض التي ارتبطت بالأليكسيثيميا السكر والقرحة الهضمية ومتلازمة الألم المزمن والسرطان والربو والتهاب المفاصل والأعراض الجسدية غير المفسرة طبياً.
وقد تكون المزية الوحيدة التي يتمتع بها الأليكسيثيميون هي القدرة على إكمال المهام دون ملل أو تشتت بفعل مثيرات وجدانية.

أسباب الأليكسيثيميا وعومل تطورها
أ- أسباب عضوية أو عصبية
1 - وجود خلل في التوصيل بين النصفين الكرويين للدماغ، ينتج عنه تركيز النصف الكروي الأيسر في محاولة ترجمة تمثيلات الأشياء للغة، في حين يركز النصف الأيمن بطريقة زائدة على الإحساسات الجسدية عاجزاً عن التعبير اللغوي.
2 - خلل في التوصيل بين المناطق التي تنتمي إلى قرن آمون الدماغي (الحصين) Hippocampal المولدة للعاطفة ومناطق القشرة الدماغية الجديدة   Neocortex المسؤولة عن التقويم العقلي.
3 - الإصابة ببعض الأمراض العصبية أو العضوية.
4 - عدم التناسق المخي Cerebral Asymmetry
ب - الأسباب النفسية أو الاجتماعية
1 - أسباب تتعلق بالعلاقة بين الوالدين، فالعلاقة المضطربة بين الوالدين في الطفولة والصراع الأسري وقلة التواصل أو التعبير الوجداني بين الوالدين، أحد أهم أسباب الإصابة بالأليكسيثيميا.
2 - أسباب تتعلق بطريقة تعامل الوالدين مع الطفل، مثل أسلوب الحماية الزائدة في التربية والإساءة الجسدية والنفسية والجنسية، والإهمال، واهتمام القائم برعاية الطفل باحتياجات الطفل الجسدية لا النفسية.
ج - أسباب خارجية: مثل الصدمات واضطراب ضغط ما بعد الصدمة أو الإصابة بالقلق أو الاكتئاب.
د-  أسباب داخلية خاصة بالطفل: مثل قلة شعور الطفل بالأمن في الطفولة، وشعور الطفل بتذبذب القائم بالرعاية أو عدم وجوده نفسياً.

الأليكسيثيميا والعلاج
لقد تبنى كل مـــن الطـــب النفســــي وعلــم النفس مصطلح الأليكسيثيميا مع فرق طفيف بينهما في المعنى، حيث إن الأليكسيثيميا في الطب النفسي هي مجموعة من الخصائص الملاحظة لدى مجموعات فرعية من المرضى السيكوسوماتيين، وليست اضطراباً مستقلاً في حد ذاته، في حين أنها في علم النفس سمة شخصية قد تكون مصاحبة لاضطرابات أخرى، ولكن لا توحي بالضرورة بوجود خلل مرضي يتطلب علاجاً عيادياً.
وحيث إن الأليكسيثيميا في الطب النفسي تظهر لدى عينات مريضة تتطلب علاجاً، فقد أشار Sifneos سنة 2000 إلى فشل العلاج النفسي الدينامي مع الأليكسيثيميين، في مقابل نجاح العلاج الفردي التدعيمي والعلاج النفسي التعليمي والعلاج بالاسترخاء، والتنويم الإيحائي، والعلاج بالتغذية الراجعة الحيوية Biofeedback. 
ومن منطلق علم النفس باعتبار الأليكسيثيميا لا تتطلب علاجاً عيادياً لكنها تسبب الكثير من المشكلات، توجد طرق لتدريب الأليكسيثيميين على التعبير عن المشاعر، منها:
- العلاج بالفن Art Therapy والكتابة عن المشاعر، حيث إن الكتابة عن المشاعر التي تعتريهم لها تأثير إيجابي على العلاج، استناداً إلى الفكرة التي مفادها أن ترجمة الخبرات بما تحتويه من صور ومشاعر إلى لغة تساعد على إعادة ترميزها أو تشفيرها في صورة نسق منظم ومتماسك، حيث التأثير الجيد للكتابة عن الأحداث الصادمة أو الضاغطة أو المشاعر السلبية على الصحة النفسية والجسدية للأفراد المرضى والعاديين .