الخاتــم... زينة النساء وسلطة الرؤساء

الخاتــم...  زينة النساء وسلطة الرؤساء

هو في المنام أمان وسلطان وزوجة وولد وعمل على قدر جوهره، ويدل على الجارية والمال، من نال خاتماً نال امرأة حسناء، وخيراً كثيراً.
 وفي الواقع يطلق الخاتم على الآلة التي تجعل في الإصبع، ومنه تختم إذا لبسه. ويطلق على النهاية والتمام، ومنه ختمت الأمر إذا بلغت آخره، وختمت القرآن الكريم كذلك، ومنه خاتم النبيين وخاتم الأمر... هكذا فسّره عبدالغني النابلسي في كتاب «تعطير الأنام في تفسير الأحلام»، وهكذا أرَّخ له ابن خلدون في المقدمة، إنه الخاتم وسمَّته العرب أيضاً بالفتخ أي الخواتيم الضخام, يكون في اليد والرجل، بفصٍّ وبغير فص. وقيل: الخاتم أيًّا كان، أو حلقة من فضة، هكذا يكون الخاتم حلم كل فتاة، لحظة التتويج والارتقاء والهوى والعشق، لحظة ارتياح القلوب إلى القلوب، رمز الارتباط الأبدي حين ينام خاتم الزواج في اليد اليسرى قريباً من القلب. 

يكاد المهتمون من الباحثين يجمعون على سبق المصريين القدماء إلى ارتداء الخاتم، منذ عصور مبكرة سبقت عهود ما قبل التاريخ، لكن «معجم الحضارة المصرية القديمة» الذي أعده جورج بوزنر وآخرون يؤكد أن عصر الدولة الوسيطة كان عصر تألق صناعة الحلي بشكل عام، وقد وجدت الخواتم ضمن كنوز أميرات دهشور واللاهون، ووجدوا «الكردان» للمرة الأولى في تاريخ الشعوب وقتها، أما الدولة الحديثة، فقد تركت مجموعة وفيرة بدرجة لا يمكن تصورها – كما يصفها المعجم – ربما أهمها كنوز الملكة إعح حتب والأميرات الثلاث، وتوت عنخ آمون... إلخ.
وتذكر السيدة هند عمون في دراسة بديعة عن «الخواتم» منشورة بمجلة الزهور (مارس - 1912) أنها قديمة جداً، وكانت خواتم الأمراء والملوك من الذهب الخالص، وعليها في الغالب اسم صاحبها، أما خواتم العامة فكانت تُصنع من مواد أقل قيمة من الذهب، كالفضة والشبة (البرونز) والزجاج المطلي، وتشير الباحثة إلى وجود ما يقارب أربعمائة خاتم في قاعة الحلي والخواتم بالمتحف المصري، وقد كان الخاتم مقدساً عند المصريين، حيث كانت الخواتم رمزاً للسلطان، ويبدو ذلك واضحاً في قصة يوسف (عليه السلام)، حيث ألبسه فرعون خاتمه حين قلَّده الوزارة، كما في سفر التكوين (ثم قال فرعون ليوسف انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر (42). وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص ووضع طوق ذهب في عنقه (43). وقد أشار الكتاب المقدس في سفر الأناشيد للخاتم بشكل مجازي، لكنه يوضح تغلغل صورته في حياتهم، وذلك بقوله «اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ذراعك»). 

مسيرة حافلة
وتمتد الرحلة عبر أهل بابل، وآشور والعبرانيين واليونان والرومان، وظل الذهب سيد الموقف في ما يصنع منه الخواتم، وتحلّى به العظماء والعامة من الناس، مع اختلاف المادة التي يصنع منها، حتى نصل برحلتنا إلى الجزيرة العربية، ويخص د. جواد علي الحلي العربية القديمة بدراسة وافية عميقة، في كتابه «المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام» الصادر في عشرين جزءاً عن دار الساقي، حيث يذكر أن الخاتم يُحلّى بالحجارة الكريمة في الغالب، مثل الياقوت والماس والشذر وغير ذلك. ويستعمل الخاتم للختم كذلك, أي للطبع بدلًا من التوقيع، وذلك بحفر رمز أو كلمة أو عبارة أو اسم صاحب الخاتم عليه، فإذا أريد كتابة كتاب أو تصديق قرار أو وثيقة ختم به على الشيء المراد ختمه. أما مواد صنعه فلا تختلف كثيراً عما شهدناه في مصر القديمة، غير أن العرب كانوا أمة فقيرة، فاعتمدوا في صناعة الحلي على مواد بيئية كالحجارة أو العظام أو من خرز يضم بعضها إلى بعض، وقد يصنع الخاتم من الشَبَتها أو الصفر أو الحديد، ويعمل على صور وأشكال متعددة متنوعة. وقد كان خاتم رسول الله  من حديد ملوي، عليه فضة. وقد عُثر على عدد كبير من الخواتم في مواضع متعددة من جزيرة العرب. ومازال الناس يعثرون على خواتم جاهلية في اليمن وفي بقية الدول العربية الجنوبية، فيستعملونها لتزيين أصابعهم بها. وهي تكون عند علماء الآثار دراسة خاصة؛ لما كان لها من أهمية عند الشعوب القديمة, ولما في بعضها من دقة في الصنعة ومن تفنن وإبداع. وبعض هذه الأختام مستورد من الخارج وبعضها متأثر بالأختام الأجنبية، مثل الأختام العراقية أو اليونانية أو الفارسية.

خواتم النبوة
شغلت الخواتم والحلي عامة جزءاً كبيراً من اهتمام الفقهاء ومؤرخي السير، فتتبعوا خاتم النبي ، وقد أفرد النويري في «نهاية الأرب في فنون الأدب» باباً عنوانه «ذكر ما لبسه رسول الله  من الخواتم»، حيث «اتخذ الخاتم في سنة سبع من الهجرة، عندما بعث رسله إلى الملوك، وختم به الكتب التي سيَّرها إليهم، فلنذكر هنا ما لبسه من الخواتم، وقد روي أنه تختَّم بالذهب والفضة والحديد الملوي عليه الفضة، على ما نذكر ذلك من أقوالهم، وقد ذكر عبدالله بن عمر «رضي الله عنهما» أن النبي  اتخذ خاتماً من فضة، فتبعه الناس، فجلس النبي على منبره فنزعه وقال «إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من باطن كفي» فرمى به، وقال: «والله لا ألبسه أبداً»، ثم اتخذ خاتماً من فضة، عليه نقش مكون من ثلاثة سطور «محمد – رسول – الله» وقيل إن نقش الخاتم الذي اتخذه كان «آمنت بالذي خلق فسوَّى»، وقيل كان نقشه «لتصبرن أو لتندمن»، وظل النبي يرتدي الخاتم حتى وفاته، ثم صار في يد خليفته أبي بكر، فعمر، فعثمان نحو ست سنين، وفي السابعة وقع في بئر أريس. قال أنس بن مالك: فطلبناه من عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه.
وقد ازداد قدر الخاتم كمظهر للملك، وتفننوا في نقشه والاعتناء به، حتى قال إبراهيم بن العباس الصولي: الكتب موات ما لم يوقع فيها توقيع الختم وتختم، فإذا فعل ذلك بها عاشت. وقال عمر بن مسعدة: الخط صور الكتب ترد إليها أرواحها. كما ذكر الصولي في «أدب الكاتب». ويذكر الصولي سبب اتخاذ الفاطميين ديواناً للخاتم، وكان أنه كتب لعمرو بن الزبير إلى بعض عماله بمائة ألف درهم، ففرق عمرو الهاء وجعلها ياء وأخذ مائتي ألف درهم، فلما مرت بمعاوية ذكر أنه لم يصله إلا بمائة ألف درهم، فأحضر العامل الكتاب فوقف معاوية على الأمر، فاتخذ ديوان الخاتم. ويضيف الدكتور على محمد الصّلابي «ثم أصبح الديوان بمنزلة سجل للكتب الصادرة، وصارت الدولة تعتمد عليه في تدقيق الأوامر، والمراسلات التي تتعلق بالصرف والحسابات، بين مقر الخلافة والأقاليم الإسلامية الأخرى». أما النقش على الخاتم بعده، فمختلف وممتع ذكره، وقد أجهدت الباحثة عمون نفسها منذ أكثر من قرن من الزمان، فجمعت ما كتب على خواتم الخلفاء، وهو ما فصله القلقشندي في «صبح الأعشى»، فكتب الوليد ابن عبدالملك على خاتمه «يا وليد إنك ميت ومحاسَب»، وكتب يزيد «فني الشباب يا يزيد»، وكتب مروان على خاتمه «اذكر الموت يا غافل»، وكتب عدد كبير من الخلفاء لقبه التي لقب به، كالمكتفي بالله، والمقتدر بالله، والراضي بالله ... إلخ.
 ولنتوقف عند المستنجد بالله الذي كتب «من أحب نفسه عمل لها». وهناك اختلاف كبير بين ما ذكرته الباحثة، وما ذكره القلقشندي. 

الخاتم وعطر الأنوثة
لا سعادة تعادل لحظة ارتداء النساء للخواتم، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بارتباط قلبي طهور، يريح الأفئدة، ويسكن العواصف، وإن كان الأمر قد خرج من إطاره إلى المبالغة والزيف، فارتبطت الخواتم بأغلى أنواع الجواهر، وبأسعار لا يمكن تصديقها، تجعلنا نتذكر عمر ابن عبدالعزيز حين علم أن ولده اشترى فص خاتم بألف دينار فكتب إليه «عزمت عليك إلا ما بعت خاتمك بألف دينار وجعلتها في بطن جائع، واستعمل خاتماً من ورق وانقش عليه رحم الله امرأً عرف قدر نفسه». والورق أي الفضة، والقصة مذكورة في «المستطرف» وفي «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وغير ذلك. 
ويبدو اهتمام الملوك بالخواتم مرتبطاً بتقديرهم للمرأة، وهو ما نجده في ما ترويه بعض الكتب عن سليمان  بعد زواجه من بلقيس، فيذكر ابن منظور في «مختصر تاريخ دمشق» أن عرش بلقيس كان عليه صفائح من ذهبٍ وفضة، قد ركبت فيه فصوص الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والدر واللؤلؤ، وكان للعرش قائمتان من زبرجد وقائمتان من ياقوتٍ أحمر، فلما تزوجها سليمان دفع إليها خاتمه، وكان سليمان قبل أن يتزوج بلقيس لا يدفع خاتمه إلى أحدٍ ولا يأمن عليه أحداً، وكان إذا دخل لحاجته جاءت بلقيس فدفع الخاتم إليها، فإذا قضى حاجته خرج فقال لها: هاتي ماءً فتوضأ، ثم يتحدث في حديث طويل حول اقتناص الجن للخاتم... وهكذا ظل ولع المرأة بالخاتم يزداد إلى درجة الجنون في عصرنا الحاضر، فوجدنا قوائم لأغلى الأنواع منها، ومن الطبيعي أن نجدها في أصابع الفنانات، وزوجات الأثرياء، مثل  Garrard Blue Sapphire Ring الخاتم الشهير لليدي ديانا سبنسر، الذي ورَّثته لابنها الأمير وليام ليخطب زوجته الحالية كايت ميدلتون به، من 18 قيراطاً من الياقوت الأزرق و18 ماسة بيضاء من حوله، وتكلف وقت شرائه 45 ألف جنيه إسترليني، وهناك الخاتم المذهل الذي خطبت به جاكلين كينيدي بعدما خطبها به زوجها الثاني أرسطو أوناسيس، بسعر 2.6 مليون دولار، مكوّن من 40.42 قيراطاً من الماس النقي الجنوب إفريقي والزمرّد الأخضر.  وفي عام 2004 خطب مارك أنتوني جينيفر لوبيز بخاتم ثمين من 8.5 قراريط من الماس الأزرق بقيمة
 4 ملايين دولار. أما أغلى خاتم زواج، فهو خاتم خطبة إليزابيث تايلور الذي أهداه إليها ريتشارد بيرتون بقيمة 8.8 ملايين دولار، ويزن 33.19 قيراطاً من الماس الأنقى في العالم لدرجة شفافيته الواضحة، ارتدته إليزابيث طوال حياتها حتى بيع في مزاد علني عام 2011. وهكذا تعيش النساء العالميات فرحهن بالملايين التي تقبع فوق إصبعها الأوسط، بينما تعيش الفقيرات فرحة في القلب تدوم أكثر وأكثر وأكثر .