ترام دمشق ... البداية والنهاية

قبل استخدام السيارات والترام لم يكن في مدينة دمشق أي واسطة نقل جماعي، وكان النقل الداخلي فيها بواسطة حيوانات الركوب (الخيول والحمير)، وفي نطاق محدود العربات التي تجرها الخيول لقلة الطرق التي تصلح لسيرها. وكان لبعض العائلات الدمشقية الغنية عرباتهم الخاصة التي يستخدمونها في الأعياد والمناسبات.
ولتأمين وسائط نقل عامة للتنقل داخل المدينة وضواحيها أُحدثت خدمة مركزها في سوق الخيل وسط مدينة دمشق، وفيه أُعدت الحمير البيض للركوب والنقل، ومن علاماتها المميزة تلوين ذيولها باللون الأحمر لتعرف بأنها من الحمير المُعدة للإيجار، كما كانت لها برادع بشكل موحد معروف. فإذا أُريد استئجار واحد منها أو أكثر، يعمد شخص أو أكثر إلى دكان صغير هو بمنزلة مركز شركة للنقل، فيستأجرون ما يحتاجونه لركوبها، ويذهب وراءهم ساعٍ تابع للشركة وبيده عصا أو سوط ليضربها حتى تصل بالزبائن إلى المكان المقصود، ثم يعود بها إلى مقر الشركة. وفي بعض الحالات إذا كان المستأجر معروفاً، تؤجر له من دون ساع. وبوجه عام، كان الناس يتنقلون ضمن المدينة مشياً، سواء داخل المدينة أو إلى ضواحيها.
لم يبدأ العمل لتأمين النقل الداخلي في دمشق إلا في مطلع القرن العشرين، عندما تقرر إنشاء خطوط الترام، فيذكر عبدالعزيز محمد عوض في كتابه «الإدارة العثمانية في ولاية سورية» (1864- 1914م، ص 278) عن بداية مشروع الترام في دمشق، أن وزير الأشغال العامة في الدولة العثمانية اتفق مع يوسف مطران عام 1889م، على إنشاء خطوط للترام في دمشق، تتفرع من مركز المدينة وتتجه إلى:
• باب مصر (بوابة الله) في نهاية حي الميدان.
• جامع الشيخ محيي الدين بن عربي في حي الصالحية.
• من باب شرقي إلى دوما.
أما محمد كرد علي، فيذكر في كتابه «خطط الشام» (الجزء الخامس – ص 197) عن الاتفاق بين وزير الأشغال العامة في الدولة العثمانية ويوسف مطران، أنه كان على إنشاء خمسة خطوط للترام في دمشق تتفرع من مركزها إلى:
• باب مصر (بوابة الله) في منتهى حي الميدان.
• جامع الشيخ محيي الدين بن عربي في حي الصالحية.
• الباب الشرقي إلى دوما.
• من باب مصر إلى مزيريب.
على أن تُجر حافلاتها بالخيل إلا خط مزيريب حيث تجرها حافلات بخارية.
لم يستطع يوسف مطران تنفيذ الاتفاق، فاتفقت وزارة الأشغال العامة مع محمد أرسلان عام 1904م على مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية لإنارة مدينة دمشق وضواحيها لمسافة 10 كيلومترات.
ويتم بموجب ملحق للعقد، التعهد بتزويد وسائط النقل العامة بالطاقة، وأن يتم تأسيس شركة لتنفيذ المشروع، على أن تنتقل ملكية الشركة إلى الدولة بعد انتهاء مدة الامتياز، كما يجري الآن في بعض العقود وفق مبدأ «B.O.T» (بناء. تشغيل. نقل Build.Operate.Transfer).
وخلال عام 1904م أُسست شركة بلجيكية مساهمة باسم «الشركة العثمانية السلطانية للتنوير والجر الكهربائي» في دمشق لإنشاء خطوط الترام فيها، رأسمالها ستة ملايين فرنك، قسمت إلى اثني عشر ألف سهم، كل سهم بـ 500 فرنك، تدير أعمال الشركة لجنة منتخبة من الهيئة العامة، وكان من أعضائها في السنوات الأولى من أهالي دمشق عزت العابد.
باشرت الشركة العمل في عام 1904م بإقامة المنشآت والورشات، وكانت خطوط الترام الثلاثة تبدأ من وسط دمشق في ساحة الشهداء (المرجة) إلى:
• باب مصر (بوابة الله) في منتهى حي الميدان، وطوله 3.5 كيلومترات، وهو خط مزدوج.
• منتهى حي المهاجرين ماراً بطريق الصالحية والجسر الأبيض وطوله 3.2 كيلومترات، وهو خط مزدوج حتى الجسر الأبيض، والباقي خط مفرد استكمل لاحقاً بخطٍ ثانٍ.
• الخط الثالث: يبتدئ من الجسر الأبيض متفرعاً من خط المهاجرين إلى حي الصالحية وينتهي عند جامع الشيخ محيي الدين بن عربي وطوله كيلومتر واحد وهو خط مزدوج.
كان عرض هذه الخطوط 1.05 متر. وقد أنهت الشركة أعمالها في مد الخطوط الثلاثة في 12 فبراير عام 1907م، وبدأت حافلات الترام تسير في شوارع دمشق مع بدء إنارتها بالكهرباء في أبريل 1907م من محطة توليد الكهرباء على نهر بردى قرب بلدة الهامة.
في سنين لاحقة وبموجب عقد مع الشركة، تم تمديد خطوط الترام من ساحة الشهداء (المرجة) إلى حي القصاع ماراً بحي العمارة ومسجد الأقصاب وساحة برج الروس، ومنها إلى مدينة حرستا، عبر مزارع وقرى الغوطة الشرقية منتهياً في مدينة دوما التي تبعد عن وسط مدينة دمشق حوالي 16 كيلومتراً. كان ترام دوما يتكون من حافلتين (قاطرة ومقطورة).
وإضافة لكونه واسطة نقل جماعي اقتصادية آمنة وبيئية، استخدم ترام دوما من قِبل أهالي دمشق في فصل الربيع كترام نزهة للتمتع بأزهار الغوطة، وبأجرة10 قروش سورية ذهاباً ومثلها إياباً (الليرة السورية = 100 قرش سوري).
كانت كل حافلة من حافلات ترام دمشق تتكون من كبين أمامي وآخر خلفي للسائق وللركاب وقوفاً ومن ثلاث مقصورات، واحدة درجة أولى (بريمو) مقاعدها جلدية بأجرة 10 قروش سورية، ومقصورتان مقاعدهما خشبية واحدة للرجال والثانية للنساء بأجرة 7,5 قروش سورية، وللطلاب مخفضة بـ 5 قروش سورية. في عام 1953م وبموجب المادة الـ16 من المرسوم التشريعي رقم 112 بتاريخ 5/10/1953، تمتع الموظفون الحكوميون أصحاب الرواتب المنخفضة بالتعرفة المخفضة نفسها وبموجب بيان من محاسب الإدارة مدون خلف بطاقاتهم الوظيفية.
في أواخر خمسينيات القرن الماضي، تقرر البدء بإلغاء الترام بدمشق، وتم ذلك تدريجياً ونزعت سككه لتحل محلها الحافلات التي تعمل على البنزين والمازوت، وليصبح ترام دمشق من ذكريات أهاليها الجميلة ومنها عزف سائق الترام بجرس حافلته.
في هذه الأوقات توسعت مدينة دمشق وازداد عدد سكانها وانتشرت التجمعات السكانية حولها، وكان لابد من استراتيجية وحلول لمعالجة مشكلة النقل الداخلي الجماعي باستخدام وسائط نقل اقتصادية وبيئية تحقق ربحية اقتصادية واجتماعية.
وفي هذا المجال تمت دراسة مسار دمشق –
دوما القديم، وإعادة استخدام سكة حديد دمشق – قطنا التي مازالت جاهزة للاستخدام لتخديم الغوطة الغربية، والاستفادة من حرم سكة الحديد للقطار المنطلق من محطة القدم جنوب دمشق باتجاه جنوب سورية والمحافظات الشمالية لتخديم التجمعات السكانية والضواحي التي في مساره .