«التنجيم»... اللاعقلانية في عصر العقل والعلم

«التنجيم»... اللاعقلانية  في عصر العقل والعلم

  التنجيم ظاهرة اجتماعية قديمة قِدَم المجتمعات الإنسانية، نشأت بناءً على اعتقاد فحواه أن هناك علاقة وثيقة بين حياة الإنسان على الأرض، وأوضاع النجوم وحركاتها في السماء. وكان السبب الرئيس لانتشارها هو خوف الإنسان من حاضره وقلقه على مستقبله. ورغم أن التنجيم كان قد عُرفَ قبل ظهور الجغرافي الإغريقي بطليموس بمئات السنين، فإن كتابه في التنجيم شكَّل، منذ القرن الثاني الميلادي، مصدراً للمنجمين الذين استغلوا صيتَ مؤلفه العلمي من أجل تسويق مهنتهم، وادعوا أنه زوَّدهم بمفاتيح لكشف مستقبل الأفراد والجماعات. و قد تُرجم الكتاب من اليونانية إلى العربية مرتين في مستهل العصر العباسي، ثم تُرجم من العربية إلى اللاتينية، ومنها إلى اللغات الأوربية الحديثة. واللافت أن نشاط المنجمين قد ازداد في أيامنا هذه، لتعدد وسائل الإعلام وتنوعها، ولهذا نشاهدهم في التلفاز ونسمعهم في المذياع ونقرأ أعمدة خاصة بهم في الصحف. لا يظنن أحدٌ أن هذه الظاهرة منتشرة في الشرق فحسب، وإنما في الغرب أيضاً، بل إن عدد المنجمين في الولايات المتحدة أكثر من عدد علماء الفلك. وليس سراً إذا قلنا إن رؤساء دول في زماننا هذا كانوا يستشيرون منجميهم في الشؤون الشخصية والسياسية. فمن المعروف ما كانت تحظى به المنجمة الفرنسية إليزابيث تيسييه من مكانة عند الرئيس الفرنسي فرنسوا متيران، و ما حظي به المنجم جان كيغلي عند الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، والمنجمة الرومانية عند الرئيس ميخائيل غورباتشوف. 
قد نلتمس العذر للتنجيم في مجتمعات العصور القديمة والوسطى، التي كانت تعصف بها الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية. ولكن اليوم الأمر لا يُغتفر، حتى لو نُظر إليه على أنه حقٌ من حقوق حرية التعبير، أو وسيلة من وسائل التسلية. في التنجيم فروض لا يقبلها العقل والعلم دون أدنى شك، فضلاً عن أنه غدا تجارة مربحة، فكتب التنجيم الأكثر مبيعاً، بل إن دخل المنجمين المالي أضعاف دخل علماء الفلك. وقد حَرَّم الإسلام التنجيم حماية لروح المجتمع وعقله وثقافته. ونحن لا ننسى موقف الخليفة العباسي المعتصم بالله، الذي ضرب بتخرصات المنجمين عرض الحائط، وزحف على بلاد الروم وانتصر عليهم في موقعة «عمورية» (838م) انتصاراً مازلنا نفخر به كلما قرأنا «بائية» أبي تمام المشهورة:
السيفُ أصدقُ إنباءً من الكُتُبِ
في حَدّه الحدُ بين الجِدِّ واللََعبِ
والعلمُ في شُهُب الأرماح لامعةً
 بين الخَميسيْن لا في السبعةِ الشُّهُبِ
أَينَ الرواية، بل أينَ النجومُ، وما 
صاغوه من زُخرُف فيها ومن كَذبِ؟