د.عبدالله يوسف الغنيم و«كتاب اللؤلؤ»

 د.عبدالله يوسف الغنيم و«كتاب اللؤلؤ»

د‭.‬عبدالله‭ ‬يوسف‭ ‬الغنيم،‭ ‬رجل‭ ‬الفكر‭ ‬المستنير‭ ‬والثقافة‭ ‬العميقة،‭ ‬وأستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬قام‭ ‬بالتدريس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬وشغل‭ ‬مناصب‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬منها‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬مختلفة،‭ ‬ورئيس‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الكويتية،‭ ‬وعميد‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬والمجالس‭ ‬العلمية،‭ ‬وصدرت‭ ‬له‭ ‬مجموعة

كثيرة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬العلمية‭ ‬والتراثية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬نتناوله‭ ‬بالقراءة‭ ‬والتحليل‭.‬

بحث‭ ‬مبتكر

‮«‬كتاب‭ ‬اللؤلؤ‮»‬‭ ‬بحث‭ ‬علمي‭ ‬مبتكر،‭ ‬ومرجع‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية،‭ ‬ولذلك‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬د‭.‬الغنيم‭ ‬بذل‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والمؤلفات‭ ‬المبتكرة،‭ ‬وبحثًا‭ ‬فريدًا‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬موضوعه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المؤلفين‭ ‬أو‭ ‬الباحثين‭.‬

وتكمن‭ ‬صعوبة‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المراجع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬نادرة‭ ‬إلا‭ ‬شذرات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬القديمة‭ ‬عن‭ ‬مغاصات‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬واليابان‭ ‬واللؤلؤ‭ ‬الصناعي،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مرجع‭ ‬شامل‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭.‬

أما‭ ‬المراجع‭ ‬الأجنبية‭ ‬فقد‭ ‬تتوافر‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬الكتب،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تتناول‭ ‬الموضوع‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬عن‭ ‬هواة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وكتب‭ ‬أخرى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬ومراجع‭ ‬أخرى‭ ‬تشرح‭ ‬صفات‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬كتب‭ ‬تتصل‭ ‬مباشرة‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭  ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬ومدى‭ ‬أهميته‭ ‬قبل‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭.‬

 

توثيق‭ ‬عصر

ولذلك‭ ‬اشتد‭ ‬إعجابي‭ ‬بمدى‭ ‬مثابرة‭ ‬د‭.‬الغنيم‭ ‬على‭ ‬المتابعة‭ ‬والبحث‭ ‬والقراءة‭ ‬والتحليل،‭ ‬وكذلك‭ ‬توظيفه‭ ‬للمنهجين‭ ‬العلمي‭ ‬والتاريخي‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬عصر‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬اطلع‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الوثائق‭ ‬والمراجع‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬العربية‭ ‬ومكتبة‭ ‬جامعة‭ ‬كمبردج‭ ‬البريطانية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ومخطوطات‭ ‬قديمة‭ ‬عن‭ ‬نواخذة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والغواصين،‭ ‬ولاشك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬استمع‭ ‬وقرأ‭ ‬قصصًا‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حافلة‭ ‬بالمخاطرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صيد‭ ‬لؤلؤة‭ ‬تحوِّل‭ ‬حياة‭ ‬الصيادين‭ ‬إلى‭ ‬رخاء‭ ‬بعد‭ ‬صبر‭ ‬وعذاب‭.‬

إن‭ ‬قصة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬سرد‭ ‬تاريخي‭ ‬أو‭ ‬تفسير‭ ‬علمي‭ ‬لصفات‭ ‬ومزايا‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي‭ ‬أو‭ ‬الصناعي،‭ ‬ولكنها‭ ‬قصة‭ ‬أرض‭ ‬وكفاح‭ ‬أجداد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬والصراع‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬والحياة‭.‬

 

أفكار‭ ‬الكتاب

لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصوّر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬كتاب‭ ‬شامل‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬يبدأ‭ ‬فيه‭ ‬الغنيم‭ ‬بفصل‭ ‬خاص‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬القديم،‭ ‬وقد‭ ‬استشهد‭ ‬بقصائد‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي‭ ‬وصدر‭  ‬الإسلام‭ ‬والعصر‭ ‬الأموي‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬يتحدث‭ ‬الكاتب‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الأحجار‭ ‬وكتب‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬عن‭ ‬نشأة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بين‭ ‬القدماء‭ ‬والمحدثين،‭ ‬ويشرح‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الغوص‭ ‬وطرقه‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬مغاصات‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وخليج‭ ‬عمان‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وجزيرة‭ ‬سرنديب‭.‬

ثم‭ ‬يخصص‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬لأسماء‭ ‬اللآلئ‭ ‬وأصنافها‭ ‬عند‭ ‬اللغويين،‭ ‬ثم‭ ‬يصف‭ ‬لنا‭ ‬المعايير‭ ‬العامة‭ ‬لتقييم‭ ‬اللآلئ‭ ‬وتسعيرها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السابع،‭ ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثامن‭ ‬والأخير‭ ‬يتطرق‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الصناعي‭ ‬وتجربته‭ ‬باليابان‭ ‬وطرق‭ ‬التعرّف‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬المقلد‭.‬

 

أهمية‭ ‬الكتاب

تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬د‭.‬الغنيم‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يقدم‭ ‬تحليلاً‭ ‬شاملاً‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية،‭ ‬حيث‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬عصرين‭ ‬هما‭ ‬عصر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بامتداده‭ ‬الزمني‭ ‬البعيد،‭ ‬وعصر‭ ‬البترول‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬المنطقة‭.‬

ويرى‭ ‬المؤلف‭ ‬أن‭ ‬الثروة‭ ‬البترولية‭ ‬جاءت‭ ‬لتسبب‭ ‬الاضمحلال‭ ‬لثروة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬نتيجة‭ ‬اكتشاف‭ ‬طريقة‭ ‬استثارة‭ ‬حيوان‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وزراعته‭ ‬والتمكّن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬اللآلئ‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬كبيرة‭ ‬وبمجهودات‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المشاق‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يبذلها‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭. ‬ويحدّثنا‭ ‬الغنيم‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعته‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬عصر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬فيقول‭: ‬وقد‭ ‬حفزني‭ ‬لتوثيق‭ ‬عصر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬كثيرة‭ ‬رواها‭ ‬لي‭ ‬والدي،‭ ‬وهو‭ ‬ممن‭ ‬عاشوا‭ ‬الحقبة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لذلك‭ ‬العصر،‭ ‬فقد‭ ‬امتهن‭ ‬حرفة‭ ‬الغوص‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيله،‭ ‬وعرفت‭ ‬منه‭ ‬مقدار‭ ‬المعاناة‭ ‬والأخطار‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يواجهونها‭ ‬مدة‭ ‬أشهر‭ ‬الصيف‭ ‬الطويلة‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ - ‬من‭ ‬بين‭ ‬آلاف‭ ‬المحار‭ - ‬على‭ ‬لؤلؤة‭ ‬يسد‭ ‬ثمنها‭ ‬بعض‭ ‬مطالب‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬بلدهم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬إمكانهم‭ ‬أن‭ ‬يتركوا‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬المتعبة‭ ‬ويلجأوا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬البلاد‭ ‬المجاورة،‭ ‬حيث‭ ‬الأنهار‭ ‬والمزارع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬رحابها‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المعاناة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬جعلهم‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬ويتشبثون‭ ‬بها‭ ‬ويقبلون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬صعب‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬ثراها‭.‬

 

شعراء‭ ‬اللؤلؤ

في‭ ‬البداية‭ ‬يقدم‭ ‬د‭.‬الغنيم‭ ‬فصلاً‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سرد‭ ‬درامي‭ ‬شائق‭ ‬حين‭ ‬يمر‭ ‬الشاعر‭ ‬الأعشى‭ ‬الكبير‭ ‬ميمون‭ ‬بن‭ ‬قيس‭ ‬بالبحرين‭ ‬وشاهد‭ ‬الغاصة‭ ‬وما‭ ‬يلقونه‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ويتأثر‭ ‬حتى‭ ‬يصف‭ ‬حبيبته‭ ‬بالدرة‭ ‬الزهراء‭ ‬التي‭ ‬كابد‭ ‬الغواص‭ ‬مشقة‭ ‬كبيرة‭ ‬للحصول‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬شبابه،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬شيخًا‭ ‬هرمًا‭ ‬ومازال‭ ‬لديه‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدرة‭.‬

كأنها‭ ‬دُرةً‭ ‬زَهْراءُ‭ ‬أَخْرجها

غَوَّاصُ‭ ‬دَارين‭ ‬يَخْشَى‭ ‬دُونها‭ ‬الغَرقَا

قد‭ ‬رَامها‭ ‬حججًا‭ ‬مُذْ‭ ‬طرَّ‭ ‬شاربه

حتى‭ ‬تسعسع‭ ‬يرجوها‭ ‬وقد‭ ‬حفقا

أما‭ ‬الشاعر‭ ‬بشار‭  ‬بن‭ ‬برد‭ ‬فيصف‭ ‬بشرة‭ ‬المحبوبة‭ ‬فيقول‭:‬

كأنما‭ ‬صُوّرت‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬لؤلؤة

فكلُ‭ ‬أكنافها‭ ‬وجهٌ‭ ‬بمرصادِ

ويقول‭ ‬عنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭:‬

بَسمتْ‭ ‬فلاح‭ ‬ضياء‭ ‬لؤلؤِ‭ ‬فكها

فيه‭ ‬لداء‭ ‬العاشقين‭ ‬سفاء

ويقول‭ ‬البحتري‭:‬

  ‬فمن‭ ‬لؤلؤ‭ ‬تبديه‭ ‬عند‭ ‬ابتسامها

                ‬ومن‭ ‬لؤلؤ‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬تساقطه

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬بحث‭ ‬شامل‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ذكر‭ ‬فيها‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬حيث‭ ‬اهتم‭ ‬العلماء‭ ‬العرب‭ ‬بالكتابة‭ ‬عن‭ ‬موضوع‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬المعادن‭ ‬والأحجار‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية،‭ ‬منها‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الجواهر‭ ‬وصفاتها‮»‬‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬يحيى‭ ‬بن‭ ‬ماسويه‭. ‬وكتب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬يعقوب‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬الكندي‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أنواع‭ ‬الجواهر‭ ‬الثمينة‮»‬‭ ‬وكتب‭ ‬البيروني‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الجماهر‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬الجوهر‮»‬،‭ ‬وذكر‭ ‬فيه‭ ‬أسماء‭ ‬اللآلئ‭ ‬وصفاتها‭ ‬عند‭ ‬اللغويين‭ ‬والأشعار‭ ‬المتعلقة‭ ‬بها‭. ‬ومن‭ ‬علماء‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الهجري‭ ‬أبوالعباس‭ ‬التيفاشي،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وسمّاه‭ ‬الجواهر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أزهار‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬جواهر‭ ‬الأحجار‮»‬‭.‬

وأشار‭ ‬الغنيم‭ ‬إلى‭ ‬الجغرافيين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ومنهم‭ ‬أبوالحسن‭ ‬المسعودي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬مروج‭ ‬الذهب‭ ‬ومعادن‭ ‬الجوهر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬وقت‭ ‬الغوص‭ ‬عن‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬أبوعبيد‭ ‬البكري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬المسالك‭ ‬والممالك‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭.‬

ويخصص‭ ‬الغنيم‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬ليحدّثنا‭ ‬عن‭ ‬نشأة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بين‭ ‬القدماء‭ ‬والمحدثين،‭ ‬فقد‭ ‬اهتم‭ ‬قدماء‭ ‬اليونان‭ ‬والمصريين‭ ‬والهنود‭ ‬والفرس‭ ‬باللآلئ‭ ‬وتقديرهم‭ ‬لها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الثروة‭ ‬والجاه،‭ ‬ونرى‭ ‬أرسطو‭ ‬يصف‭ ‬سبعمائة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأحجار‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الأحجار‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الغوص‭ ‬وطرقه‭ ‬وكيف‭ ‬وصف‭ ‬العلماء‭ ‬مهنة‭ ‬الغوص‭ ‬وطرق‭ ‬تعلّمها،‭ ‬ويقول‭ ‬البيروني‭: ‬إن‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬تعلم‭ ‬مهنة‭ ‬الغوص‭ ‬يقوم‭ ‬بحشو‭ ‬أذنيه‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬الإحكام‭ ‬حتى‭ ‬تتعفن‭ ‬وتتدود‭ ‬وينفتح‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬الحلق‭ ‬طريق‭ ‬يتنفس‭ ‬منه‭ ‬تنفسًا‭ ‬ضعيفًا‭ ‬داخل‭ ‬الماء‭.‬

وقد‭ ‬أضاف‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬بعض‭ ‬الصور‭ ‬التراثية‭ ‬عن‭ ‬الغوص‭ ‬وأنواع‭ ‬الأسماك‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬الخليج،‭ ‬وكذلك‭ ‬صور‭ ‬توضح‭ ‬بعض‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الغوص‭ ‬مثل‭ ‬الفطام‭ ‬والمفلقة‭ ‬والخيط‭ ‬والحجر،‭ ‬وشرح‭ ‬شامل‭ ‬لأهمية‭ ‬تلك‭ ‬الأدوات‭ ‬وطرق‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الغوص‭.‬

وأشار‭ ‬الغنيم‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬مغاصات‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس،‭ ‬وذكر‭ ‬اسم‭ ‬تلك‭ ‬المغاصات‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وقدم‭ ‬وصفًا‭ ‬دقيقًا‭ ‬للمكان،‭ ‬كما‭ ‬أورد‭ ‬ذكر‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬العلماء‭ ‬القدامى‭ ‬مثل‭ ‬الإدريسي‭ ‬وابن‭ ‬ماجد‭ ‬وابن‭ ‬ماسويه‭ ‬وابن‭ ‬الأثير،‭ ‬وكذلك‭ ‬تكلم‭ ‬عن‭ ‬مغاصات‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬المعاصرين‭ ‬أقدمهم‭ ‬‮«‬لوريمر‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬دليل‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬بتكليف‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬الهند‭.‬

ويحتوي‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬اللآلئ‭ ‬وأصنافها‭ ‬عند‭ ‬اللغويين‭ ‬والجوهريين،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬السختيتة‮»‬‭ ‬و«السفانة‮»‬‭ ‬و«الجمان‮»‬‭ ‬و‮«‬الحص‮»‬‭ ‬و«الخريدة‮»‬‭ ‬و«الخضل‮»‬‭ ‬و«الخوضة‮»‬‭ ‬و«المرجان‮»‬‭ ‬و«الفريدة‮»‬‭ ‬و«الدرة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬أمية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬عائذ‭:‬

ليلى‭ ‬وما‭ ‬ليلى‭ ‬ولم‭ ‬أر‭ ‬مثلها

بين‭ ‬السما‭ ‬والأرض‭ ‬ذات‭ ‬عقاص

بيضاء‭ ‬صافية‭ ‬المدامع‭ ‬هولةٌ

للناظرين‭ ‬كدُرّة‭ ‬الغواص‭..‬

أما‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬العامة‭ ‬لتقييم‭ ‬اللآلئ‭ - ‬جاء‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ - ‬فهي‭ ‬الإشراق‭ ‬والبريق‭ ‬والصنف‭ ‬واللون‭ ‬ودرجة‭ ‬الجودة‭ ‬والحجم‭ ‬ثم‭ ‬الوزن،‭ ‬وكتب‭ ‬الجاحظ‭ ‬عن‭ ‬قواعد‭ ‬متبعة‭ ‬في‭ ‬تسعير‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬فيقول‭:‬

‮«‬وخير‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الصافي‭ ‬العماني‭ ‬المستوي‭ ‬الجسد،‭ ‬الشديد‭ ‬التدحرج‭ ‬والاستواء،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬حبتان‭ ‬متساويتان‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والصورة‭ ‬واللون‭ ‬والوزن‭ ‬كان‭ ‬أرفع‭ ‬لثمنهما،‭ ‬والعماني‭ ‬أنفس‭ ‬وأرفع‭ ‬من‭ ‬القلزمي،‭ ‬لأن‭ ‬العماني‭ ‬عذب‭ ‬نقي‭ ‬صاف‭ ‬والقلزمي‭ ‬فيه‭ ‬ملوحة‭ ‬مع‭ ‬عيب‭ ‬كثير‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثامن‭ ‬والأخير‭ ‬يشرح‭ ‬لنا‭ ‬د‭.‬الغنيم‭ ‬طرق‭ ‬زراعة‭ ‬اللؤلؤ‭  ‬وصناعته،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬المحاولات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬ولكن‭ ‬العالم‭ ‬ميكيموتو‭ ‬استطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الزراعي‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬إنتاجه‭ ‬كامل‭ ‬الاستدارة‭ ‬يشابه‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي‭.‬

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬اللؤلؤ‮»‬‭ ‬جدير‭ ‬بالقراءة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬وبحثًا‭ ‬محكمًا‭ ‬موثقًا‭ ‬بالصور‭ ‬والأحداث‭ ‬والوقائع،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الكتاب‭ ‬سباقًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لم‭ ‬تتطرق‭ ‬إلى‭ ‬أفكاره‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬تحية‭ ‬تقدير‭ ‬للكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬والمفكر‭ ‬د‭.‬عبدالله‭ ‬يوسف‭ ‬الغنيم‭ ‬‭.