فَنُّ المُنَمْنَمَات... الأدب والتاريخ والأسطورة

فَنُّ المُنَمْنَمَات... الأدب والتاريخ والأسطورة

في مدرسة للفن أقيمت ملحقة بسوق للعاديات، بمدينة سمرقند، أتجول عبر البصر آيات الفن المعلقة والموزعة على الأركان، حتى أتوقف أمام دكان مفتوح، يجلس في قلبه رجل غاب عما حوله وهو ينحني بريشته الدقيقة فوق ورقة متوسطة المساحة، يسكبُ فيها عصارة الفن، وخلاصة الأدب، وروح التاريخ، وسحائب الأسطورة. لم ينتبه الفنان الحِرفي لحضوري إلا حين انتهى من لون، واتجه ليغسل الريشة فيختار آخر. نظر إليَّ بصمت، وأشار إلى كرسي أمامه، لأجلس، وكأنه في خلوة لا يريد أن يفسدها بكلام، وكأنه ينسج قصيدة روحانية لا يصح أن تدخلها مفردة مادية. هو الأمر نفسه كلما تـأملت هؤلاء الفنانين الذين يحيون فن المنمنمات حول العالم. إنهم يفتحون لك بوابات التأمل في دقائق الخطوط التي تتسع لعظائم الحكايات، التاريخي منها والأسطوري. 
تصف اليومَ كلمة «منمنمة»، في اللغة العربية، كلَّ ما هو مُصغَّر، ويقابلها في اللغة الإنجليزية miniature التي استمدت مفردتها من كلمة minium اللاتينية، وهي «الصورة الدقيقة المزخرفة في المخطوطات». ويمكن وصف المنمنمات بأنها «لوحات مصورة مُصَغَّرة، تضم رسوما وزخرفة ونصوصا، ذات تفاصيل دقيقة». 

هكذا تُعبِّر المنمنمات، في تقاليد الفن، عن لوحات صغيرة خاصة، ظهرت بقوة في المخطوطات البيزنطية الدينية، غير أن إنتاج المنمنمات أسلوب اعتمدته فنون رسم أخرى ازدهرت في ثقافات مغايرة، وخاصة في آسيا، كما ظهر بالفنون، الفارسية والعثمانية والهندية، وصممت لتجمع لوحاتها في ألبوم، يكون مرجعا، أو كتابا، أو موسوعة، أو ملحمة، أو ديوانا.

الإلياذة أولاً
أما أقدم صور المنمنمات التي تشبه الموجودة حاليا، فهي ما ظهر ضمن سلسلة من الرسومات الملونة، كأجزاء من المنمنمات، لمشاهد من ملحمة الإلياذة، وتعود للقرن الثالث الميلادي. وتتشابه هذه اللوحات في الأسلوب والمعالجة مع الفن التصويري خلال الفترة الكلاسيكية الرومانية اللاحقة، حيث تغلب المشاهد الطبيعية على تلك الرسوم، كما في جداريات العصر الروماني، وكما في مخطوطة فيرجيل المحفوظة بالفاتيكان، ذات القيمة الفنية العالية، والمعروفة باسم Vaticanus Vergilius التي تعود لأوائل القرن الخامس الميلادي، وتبلغ أبعادها 11.8 × 15.7 سم (شكل رقم 1).
وتوفر تلك المنمنمة، وشقيقاتها في المجموعة نفسها، فرصة لدراسة الطريقة والأسلوب المنتميين للرسم الكلاسيكي، حيث يتضح لنا أن المنمنمات هي نسخ مباشر من سلسلة قديمة، بألوان غير شفافة. كما أن المُراجع لأسلوب هذه المنمنمات المبكرة يمكنه أن يرى بوضوح توظيف الجسد البشري، بجانب المشاهد الطبيعية، والكائنات الحية (شكل رقم 2) والطبيعة الصامتة، بالطريقة ذاتها التي رسمت بها اللوحات الجدارية الجبسية. 
بدراسة اللوحات في هذه المجموعة، نرى أن الخلفيات تم تلوينها بالكامل، لتغطي جميع أجزاء سطح الصفحة، ومن ثم، وعلى الخلفية المصبوغة، تم رسم الأشكال المرغوبة وتلوينها. وبعد ذلك، وكمرحلة ثالثة، أضيفت تفاصيل أصغر وأكثر دقة، وبطريقة بارزة. وللمحافظة على المنظور في الرسم، كانت الأشكال المرسومة أعلى اللوحة تبدو أصغر من تلك الموجودة بأسفل الرسم.
في القرن السادس الميلادي، تظهر مجموعة أخرى من المنمنمات المميزة، وتعرف باسم  Dioscurides Vienna ومنها اللوحة التي تصور سبعة أطباء (شكل رقم 3)، المحفوظة بالمدرسة البيزنطية، والمنسوخة من أعمال سابقة، وهي اللوحات التي مهدت لظهور تيار الرسوم الشارحة بمنمنمات المخطوطات البيزنطية الدينية. 
شيء ما يجب أن يلحظه ناقدُ الفن، حين يطالع اللوحات التي ظهرت في تلك المخطوطات البيزنطية الدينية، التي نفذت برعاية وهيمنة كنسية؛ هو أن الهواء الطلق في سابقاتها قد غاب، وباتت المخطوطات البيزنطية تتنفس هواء الدير المغلق برتاج التقاليد المحافظة، ولعل هذا ما جعل تلك المنمنمات أسيرة للمزيد من النمطية والتقليدية. 
تتسرب الألوان التي تصور البشرة بلونها الفاتح، وتطغى الصبغات البنية والزرقاء الرمادية والمحايدة، وتنضج معالجة تقنية الرسم. وفي حين يخضع ذلك كله للحس البيزنطي، تظهر على نحو لافت استعارة شرقية، تتمثل في استخدام الصبغات الذهبية في التزيين والزخرفة والعناوين. 
وقد انتقل تأثير هذا الفن البيزنطي إلى روح المخطوطات واللوحات والجداريات الإيطالية في القرون الوسطى. وكان ذلك على أوضح ما يكون في فسيفساء كنائس رافينا وفينيسيا، كما في فسيفساء «معجزات الخبز والسمك»، بكنيسة القديس أبولينير الجديدة، في رافينا بإيطاليا (شكل رقم 4). وقد لازم هذا التأثير الفنون الأوربية حتى القرن الثاني عشر الميلادي. 
في مدارس الزخرفة المحلية بأوربا الغربية، كان التزيين هو الدافع الأساسي لظهور المنمنمات. هكذا بدا الأمر في مخطوطات عهد الميروفنيجان Merovingian التي ظهرت في منتصف القرن الخامس الميلادي، حول جغرافيا فرنسا المعاصرة. وقد ظهر مثيل لتلك المنمنمات شمال إيطاليا، كما برزت الاتجاهات نفسها في فنون شبه الجزيرة الأيبيرية، وفنون الجزر البريطانية؛ حيث ندر استخدام أي تمثيل للكائن البشري، كما خرجت المنمنمة من إطار الرسم إلى التشكيل، كما يتضح في حليات ثلاث محفوظة بالمتحف الوطني الفرنسي (شكل رقم 5). أما التطور الكبير، في جذور المنمنمات الأوربية، فقد جاء مع المدرسة الأنجلوسكسونية، ولاسيما في كانتربري، ووينشستر.
وقد استمدت تلك المنمنمات ما تتميز به من رسم حر، من النماذج الكلاسيكية الرومانية، كما غاب عنها، إلى حد كبير، التأثر بالعناصر البيزنطية، بينما ظل الفن الأنجلوسكسوني الجنوبي بمعزل عن الخط العام لتطور المنمنمات الغربية في القرون الوسطى.   

النموذج البيزنطي 
تحت إمرة ملوك كارولنجي ظهرت مدرسة فنية متقدمة مستمدة من النماذج الكلاسيكية، وخاصة النموذج البيزنطي، وتدين بأصولها للملك شارلمان، وقد ظهرت منمنماتها في شكلين؛ ينسخ الأول التقاليد البيزنطية، حيث تستلهم موضوعاته بشكل عام من صور الأناجيل الأربعة، أو صور الأباطرة أنفسهم، حيث الصبغة الرسمية، والتلوين الباذخ للصفحات، والتذهيب البارز للرسم المؤسس ضمن عمارة ما ثابتة، وتخلو من المناظر الطبيعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ترافق بزخرفة إطارية وافرة، وهو الشكل المؤسس للمدرسة الغربية القارية بشكل عام، كما في لوحة التعميد (24 × 19 سم)، التي تعود للقرن العاشر الميلادي، والمحفوظة بالمكتبة البريطانية (شكل رقم 6).
أما الشكل الثاني، فقد ابتدعت منمنمات حاولت أن تكون ذات رسوم شارحة، بأن تنقل، مثالا، صورا من وقائع الإنجيل. وقد أصبحت تلك المنمنمات الجديدة أكثر تحررا، وتتصل، إذا أردنا العودة للجذور، بالأصول الكلاسيكية اليونانية، تمييزا لها عن النماذج البيزنطية.
في آسيا، ازدهرت مدرسة رسوم المنمنمات للسلاجقة في القرن الحادي عشر، وكان من المعتاد أن يقال إنه في العصور الوسطى لم يكن هناك من فنون المنمنمات غير منمنمات الكتب المرسومة والرسم الشرقي، ولكن الفنان الأوزبكي، رائد فن المنمنمات جنكيز أحمروف، اعتقد وأتباعه بوجود هذا الجنس الفني في الأزمان القديمة. بيد أن الأحداث التاريخية الكارثية، من معارك محلية دموية، التي قضت على واحات آسيا الوسطى الخصيبة بعد سقوط أسرة التيموريين في القرن السادس عشر، كــانت السبب وراء غياب عينات من رسوم المنمنمات المطلية بالورنيش مـــع رسوم المنمنمات التي تمثل أشخــاصًا. وبـالعودة إلى إمكانات تقاليد المنمنمات الشرقية، وباتباع مبادئ لغة الفن الحديث، فإن الفنانين تمكنوا من تقديم تفسيراتهم الخاصة، ورؤاهم بالكامل في ما يتعلق بالكلاسيكيات، وأن يعيدوا تفسير الواقع الحــاضر بأسلوبـــهم الخاص.
ومن المهم أن نشير إلى أن المنمنمات كانت مرآة العصر في توثيق الحياة والعمارة، وهو ما نلحظه مثالا في عمارة الحديقة بالمنمنمات الفارسية. فالفنون الزخرفية الفارسية، وصناعة السجاد الإيراني، تمثل في جوهرها إعادة إنشاء للحديقة التي يتم تصويرها كخلفية مساندة للحدث. 
تبدو الحدائق الفارسية متأنقة بما فيها من زخارف نباتية وتلميحات تقدم على نحو خاص إشارة إلى الجنة والنعيم في الآخرة. وفي المنمنمات الفارسية تبدو الحديقة باعتبارها حلية تلهم سواها من أشكال الفن والشعر، والرسم خصوصا. الحديقة التي تضم شخوصا يتحاورون حول موضوع القصيدة (على سبيل المثال)، تقدم حينا وصفا للحديقة الملكية، كما اكتشفها العرب لدى فتح المدائن، عاصمة الساسانيين، مع قنوات المياه وأنواع النباتات وفصائل الحيوانات، مرصعة بالجواهر ومعقودة بالذهب والفضة.
وقد رسم السجاد الفارسي كذلك ليجسد بأشكاله تصوير الحدائق التي قدمتها المنمنمات. ومع هذا، فليس هناك أي دليل لاستمرار هذا التقليد في العصر الإسلامي حتى وقت الشاه عباس الأول. واستنسخت عناصر الحديقة الكائنات ثلاثية الأبعاد، وكان الخلفاء العباسيون يضعون أشجارا ذهبية في بــــاحات قصور مدينتهم، ورسمت حدائق الأجنحة مثمنة الأضلاع لها شرفات علوية.
تصور المنمنمات بعض الأحداث الأكثر أهــمــــية في حـــياة الشخــصـــيـــات داخل الحديقة، وتظهر حديقة في لوحة منمنمات فارسية من القرن الرابع عشر الميلادي، ولها فناء مسور من كل الجهات، بينما يجلس الأمير على منصة مرتفعة مفروشة بالسجاد في فناء الحديقة، وغالبا تحت مظلة، فيما تطل بغصونها الأشجار المزهرة والنباتات من وراء السياج. ولا يفوت المنمنمات أيضا تصوير العمال في الحديقة ممن يقومون على شؤون البستنة. 
وقد استوحيت الحدائق المغولية من الحدائق التيمورية في خراسان وما وراء النهر، وربما يعود ذلك إلى عمليات الترحيل من حدائق المغول لرسامين كثيرين، جاءوا مع أساليبهم إلى جغرافيا جديدة، فكتبوا وطنهم في حدائق المنمنمات. ولظاهر الدين محمد بابور نفسه رسوم توضيحية كثيرة تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، تصور نباتاتها خصب الأرض، وثراء الزخرفة المعمارية.
وهكذا ستظل المنمنمات؛ التاريخية والمعاصرة، صورة للتاريخ والحياة، ومرادفا للأساطير والوقائع، ومعادلا موضوعيا لحياة المجتمعات وتطورها، وشاهدا على أعلامها وأبطالها، وطغاتها أيضا، وهو ما تحاول الفصول التالية إضاءته. 

حَكْيٌ وشَرْحٌ وتوثيقٌ وتشكيل
يختزلُ هذا العنوان؛ حَكْيٌ وشَرْحٌ وتوثيقٌ وتشكيل، دور المنمنمة المرسومة على مرِّ العصور. فالمنمنمة المصورة والمخطوطة تحكي وتشرح بينما هي توثق وتتشكل. 
يبدأ الحكي بكون المنمنمات سجلاً زاخراً بالملاحم، سواء تلك التي ألفها شعراء مجهولون، ورواة منسيون، أو الملاحم التي أعاد صياغتها شعراء عظام على مر العصور. وترتبط الملاحم بميلاد ثقافة، أو نشأة أمة، أو خلق العالم برمته، ويقيم أبطالها في برزخ من الحقيقة والخيال، وفضاء من الأساطير والوقائع.
اليوم، ونحن نتذكر أبطال الملاحم الكُبرى في التاريخ الإنساني، نتذاكر دورهم المُلهِم، وإنجازهم المُلهَم. لقد عاشوا، سواء كانوا أبطالا من لحم ودم، أو كائنات أسطورية، ليجسدوا مشاعر الحب والحقد، وأحاسيس الفوز والانكسار، ومراحل ألم المعاناة وأمل الارتقاء.
خففت الملاحم المروية على البشر معاناتهم، لذلك انتشرت المرويات بين الجماعات الإنسانية برمتها، وإذ تعاني الملاحم اليوم ردة قد تقضي عليها، بسبب تنامي تأثير المادة الإعلامية المتدفقة، التي أزاحت الرواة الشعبيين والشفاهيين، فلانزال نعقد الأمل على أمرين لإحياء الملاحم؛ الأول، هو أن تتصدى مؤسسات لدعم هذا الفن الشفاهي، وإدخاله في المنظومة الإعلامية الرقمية بكل وسائطها، والثاني، هو أن نعيد قراءة المنمنمات الحافظة لفن الملاحم، في كل العصور، وبمختلف اللغات، وفي كل أنحاء العالم.
نختار في السطور التالية نماذج من ملاحم، نقلتها يدُ الفن إلى صفحات المنمنمات، ولم يقتصر ذلك على عصور نشأتها، بل تواصل توثيقها حتى عصرنا الحالي، على أيدي فنانين استلهموا روح المنمنمة، وطوروا شكلها، وأعادوا إحياء أدواتها. 

الشاهنامة... ملحمة الملوك
يصف الجزء الأول من ملحمة الشاعر الفارسي الفردوسي (كتاب الملوك)، كيف علّم جمشيد (ملك إيران)، البشر صناعة الأسلحة للحرب، وغزل النسيج، وبناء المنازل، وتشييد السفن. هكذا سيتردد اسم جمشيد في الشعر، وصورته في المنمنمات، وهو يلقي الدروس، ويدرب أبناء المجتمع.
بعد أكثر من ألف عام على تدوين ملحمة الفردوسي، لايزال الإيرانيون يقرأون قصيدة الفردوسي المطولة، التي عدوها ملحمتهم القومية، الساردة لتاريخهم الوطني. تسجل «الشاهنامة» تاريخ إيران القديم، منذ أول ملك أسطوري حكم تلك البلاد، إلى آخر ملوك الإمبراطورية الساسانية في القرن السابع الميلادي. وعلى الرغم من أن الفردوسي اعترف بأن «ما سأقوله قد رواه الجميع من قبلي»، بقيت رواية الشاعر التي أخذها مما تناقلته الأخبار على لسان سابقيه أسلوبا فذا جديدا وخالدًا.
بل إن هذه الملحمة توثقها المكتبة العربية، طبعة بعد أخرى، حيث صدرت أحدثها عن دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع في دولة الكويت. ويبلغ طول الملحمة 50 ألف بيت من الشعر، وقد ظهرت في القرن العاشر الميلادي. كانت تلك لحظة فاصلة في التاريخ الإيراني، فقد سادت اللغة العربية، بعد أن زالت دولة الساسانيين، وأصبح اللسان العربي لغة الأدب في إيران، أما اللغة الفارسية الوسطى؛ التي كانت أداة الحضارة الساسانية الآفلة، فقد كانت هي الأخرى ستلحق بحضارتها وتزول. في تلك اللحظة الفاصلة ظهر الفردوسي في خضم أدب ناشئ مكتوب باللغة الفارسية، لتصبح ملحمته رائعة ذلك الأدب الجديد، والقديم بلغته ومضمونه.
لا تروي «الشاهنامة» سيرة بطل وحيد، ولا تقدم صورة لحياة ملك واحد، كما أنها ليست مغامرة طويلة ذات قصة مرتبطة، ولكنها تروي سيرة 50 ملكا، تقدمها معالجة عبقرية بثلاثة مستويات مختلفة، الصوفي، والملحمي، والتاريخي، كما تقول الباحثة الإيرانية المتخصصة في الدراسات الصينية الدكتورة نهال تجدد، المسؤولة في «اليونسكو» عن مشروع طريق الحرير: 
«يركز الفردوسي بقصيدته على قوة القدر الذي لا يُرد، وهو موضوع ملحمي نموذجي، يتفق تماما مع القدرية المتأصلة في النفس الإيرانية. وعلى الرغم من هذا، فإن أبطال الفردوسي بشر يتعذبون يمضُّهم الشك وتنال منهم نكبات الزمن، وهم أخلق بالرثاء منهم بالإدانة». ويتغنى الجزء الأول من الشاهنامة بالأساطير، ففي البداية هناك بشداديان، أي أول المخلوقات، الذين علموا البشر كيف يلبسون ويشكلون المعادن ويسخرون النار ويروضون الحيوانات، وينظمون أنفسهم في مجتمعات.
بعد حكم 700 سنة، اضطر الملك جمشيد - بدافع الكبرياء - إلى التنازل عن تاجه لكائن شيطاني مستبد هو «زهاق» الذي حكم البلاد ألف سنة، ثم جاء حاكم عادل اسمه «فريدون» فقضى على حكم «زهاق» الفاسد، وهكذا يتبدى الصراع بين قوى الظلام والنور، موفرا مادة خصبة لفناني المنمنمات.
وفي الملحمة، التي تناقلتها الروايات، مثلما تبادل رسمها المنمنمون، مواقف عصيبة تحيا بقوة أشعار الفردوسي الخالدة، التي قال هو نفسه عنها: «أضنيت نفسي في هذه السنين الثلاثين، وبعثت إيران من الموت بفضل اللغة، لا، لن أموت أبدًا، فإني أعيش، بعد أن غرست بذرة الكلام».

درة الملاحم الروسية
نحن أمام ثلاثة رجال يرتدون الدروع والخوذات ويحملون السلاح ويمتطون صهوات جيادهم القوية، يقفون حارسين للأرض الروسية ضد أعداء البلاد، إنهم إيليا المورومي، ودوبرينا نيكيتيتش وإليوشا بوبوفتش، أبطال «البيليني»، أو الملاحم الروسية، الذين ذاع صيتهم، وغنى الناس في أرياف البلاد الروسية على أنغام السيتار، قصصهم. 
وقد ظل هؤلاء الشعراء المغنون حتى أوائل القرن العشرين، في شمال روسيا، بإقليم أرخانجلسك وحول بحيرة أونيجا. كانت الأحداث تروى بإيقاع بطيء من ثلاثة أو أربعة أزمنة، بما يضفي على قصص الفرسان هيبة وجلالا. 
ويعود فضل جمع هذه القصص الغنائية في القرن الثامن عشر، والتي تمثل كنزا تراثيا شعبيا للباحث الإنجليزي ريتشارد جيمس. وفي القرن التالي ظهر تأثير هذه المجموعات الملحمية الشعبية في أدب ألكسندر بوشكين وجوجول وموسيقى رمسكي كورساكوف ومسورجسكي، وفنون فاسنتسوف وفروبل، وسينما أيزنشتين (فيلم ألكسندر نفسكي).
احتفظ الفرسان بقواهم الخارقة، وانتقلت شعبيتهم حتى إلى مفردات اللغة الدارجة، وفي كييف تظل شخصية إيليا المورومي الأكثر شعبية، وهو الذي ولد لأبوين من الفلاحين، وظل مشلولا ثلاثين عاما (33 سنة في رواية أخرى)، حتى زاره ثلاثة حجاج، طلبوا منه أن ينهض ليقدم شرابا أو طعاما لهم، فلما عبَّر لهم عن عجزه، وأفصح عن عدم قدرته على تحريك قدميه أو ذراعيه، سألوه للمرة الثالثة فنهض بمعجزة، وأحس بقوة «هرقلية» في جسده، وأنبأه الحجاج بأنه سيكون مقاتلا عظيما، وأنه لن يموت في ساحة المعركة، وهكذا حولت الملحمة الشعبية إيليا من شخص مقعد إلى بطل لا يقهر.
استخدم إيليا المورومي قوته في استصلاح الغابة، كما يفعل الفلاحون والحطابون في قريته، ثم رحل إلى كييف ليدافع عن روسيا المقدسة. ويشتري حيوانا يركبه، هو جواد قصير أشعث الشعر، لكنه يقفز به في كل خطوة فرسخا (1006 أمتار)، ويتصدى لقاطع الطريق سولوفاي (عندليب باللغة الروسية)، الذي يبني عشه فوق سبع من أشجار البلوط بمفترق طريق في قلب الغابة. برغم صوت العندليب القاهر فلا يخشى إيليا المورومي، ويصوب سهمه ليفقأ عين سولوفاي، ويأسر الطائر ويأخذه إلى قصر أمير كييف. 
هناك يصبح إيليا المورومي «آتامان»، أي رئيسا للفرسان، أو قائداً للبوجاتير الأقوياء باللهجة الدارجة. ويتحدى أعداء الوطن، ويتصدى للخصوم، وهم التتار الذين يصورهم الشعر والرسم بهيئات كاريكاتورية. 
وتبدو إحدى السمات المميزة للمقاتل الملحمي إيليا المورومي أنه خادم أرض روسيا، ولكنه لا يضع نفسه أبدا في خدمة ملك طاغ. وهو فلاح شجاع، براء من الخيلاء، بعيد عن الأنانية، يصارح الأمير برأيه حين يسيء الأخير سلطانه، وهو مليء بالطيبة، ومحب للمزاح، وهما من الصفات التي جعلته بطلا قوميا، وجعلت ملحمته يعاد تصويرها منمنمة ومنحوتة وزيتية، وسينمائية أيضا. 

التاريخ السري للمغول... ملحمة جنكيز خان
تعرف الملحمة القومية للشعب المغولي بأنها المصدر الأساسي للتعريف بجنكيز خان وإمبراطوريته، وهي أيضا تمزج بين الفولكلور والأساطير، وتنبض بسيرة مجتمع السهوب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. 
التاريخ السري للمغول (مونجيول أون نيوقا طوبقان)، هو الاسم المرادف لتلك الملحمة، وهي مجهولة المؤلف، ولكن العلماء يتفقون على أنها كتبت في العام 1240 ميلادية. وقد قسم التاريخ السري إلى أجزاء ثلاثة؛ تتناول في الجزء الأول أسلاف جنكيز خان وأنسابهم، وفي الثاني القصص التي ارتبطت بحروب جنكيز خان وحياته، أما الجزء الأخير، وهو الأقصر، فقد خصص لابنه ووريثه أوجوداي (1228 / 1241 ميلادية).
البداية الخرافية بأن الأب الأول للمغول كان ذئبا، وأن زوجته كانت غزالة، هي مفتتح تلك الملحمة، التي تمزج الخيال بالواقع. وتتردد صورة الذئب في الأساطير لدى الشعوب الأوروآسيوية، ولكن الخيالي والخرافي الأول، يتحول إلى توثيق جدي حين يتعلق الأمر بالقبيلة الذهبية، التي تعد قاعدة أنساب الشعب المغولي. أما القسم الثاني فهو لب الملحمة، وهو الذي يستغرق 12 سنة، ويؤرخ للقبائل المغولية، التي توحدت على يد جنكيز خان.
قدمت الملحمة جنكيز خان بطلا أسطوريا، ومحاربا كبيراً، ومعادلا موضوعيا لأساطير البراري، ورجلا داهية في إدارة أمور الدولة، وخاصة حين قرر وضع حد للخلاف والشقاق بين القبائل المغولية: 
«وكانت السماء بنجومها تدور على غير هدى، وكان كثير من الناس في نزاع وشقاق، لا يأوون إلى مضاجعهم، بل يوقعون الخراب بعضهم بالبعض الآخر. وكانت الأرض ذات الأديم، تدور إلى الأمام وإلى الخلف، وكان الشعب بأجمعه في شقاق».
وأثبت العلماء أن بعض الروايات التي جاءت في التاريخ السري تعود بأصولها إلى أساطير آسيا الوسطى، مثل حكاية السهام الخمسة المربوطة في حزمة، والتي تذكرنا بقصص فارسية قديمة، وكذلك بحكاية عن قبائل الصقالبة، وهي القصة الشهيرة عن السهام التي تنكسر متفرقة، وتستعصي على الكسر مجتمعة، ولهذا توصي بها الأم التي تقول لأبنائها الخمسة في الملحمة:
«أنتم يا أبنائي الخمسة ولدتم من بطن واحدة، فإذا كنتم متفرقين، مثل السهام الخمية التي رأيتموها قبل قليل فرادى، أصبح من السهل لأي أحد أن يكسركم واحدا واحدا. أما إذا كنتم على هدف واحد، مثل هذه السهام الخمسة المحزومة في حزمة واحدة، فكيف لأحد أن يكسركم؟!»
وقد بقيت الملحمة مصدر تأريخ للشعوب المجاورة لفترة 750 سنة، وكانت مرجعا في كتاب جامع التواريخ للمؤلف الفارسي رشيد الدين (1247 /1318 ميلادية)، وكانت كذلك مرجعا لكتاب يوان شيه «تاريخ أسرة يوان»، الذي يضم الحوليات الصينية الشهيرة لإمبراطورية المغول في الصين، من القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر. كما تتضمن «أكبر نامة»، وهي حوليات الإمبراطور أكبر وأسلافه للمؤرخ المغولي أبي الفضل (1551/ 1602 ميلادية)، نصوصا من ذلك التاريخ السري. والأهم أن المنمنمات الصينية والمغولية والفارسية والهندية كان لها نصيب في أن تنهل من التاريخ السري، تاريخا وشعراً وفنا بالمثل. 
 وإلى جانب الملاحم، علينا أن نشير إلى موضوعات تاريخية أخرى، بعضها مستلهم من القرآن الكريم، مثل قصة نبينا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز في مصر، فضلا عن أشعار أدباء عاصروا مرحلة ازدهار فن المنمنمات. 

رَسَّامُو المُنَمْنَمَات الفارسية
نتعرف في العهد الصفوي على رسام المنمنمات علي نقي، الذي اتبع نهج أبيه الشيخ عباسي، المشهور بلوحاته السبع المؤرخة بين عامي 1684و1685 ميلادية، ومثل أبيه، وشقيقه محمد نقي، عمل الفنان علي نقي بشكل انتقائي خضع فيه للتأثيرات الأسلوبية التي تجمع بين الأوربية والهندية، ولم تكن أعماله تقل جودة عن لوحات أبيه، إلا أنها كانت أكثر جرأة.
كما يعد عباسي أحد رسامي المنمنمات الصفوية، وترك سبع عشرة لوحة رسمت بين عامي 1650 و1683 ميلادية. كان عباسي يرسم على ورقة صغيرة لها شكل المستطيل غير ملونة الخلفية وضعت داخل إطار مزين بالنباتات. إن مجموعة الأعمال المنسوبة لعباسي، ومساعديه وتلاميذه، يمكن أن توصف بأسلوبها المنمق بأنها تقدم شخصياتها بنعومة وسلاسة، مثل عمل عباسي المبكر عن لاعب الكروبات والدف، والأعمال التي تحمل وجوها ناعمة ومرقطة، ومثلثة الشكل، وهناك عيون حزينة، على الأغلب، بينما هناك خلفيات لمشاهد طبيعية (تبدو كأنها مستنسخة من مثيلات إيطالية) وبلدات في الأفق نائية. وينظر أيضا أسلوبه في حوالي عشرين من اللوحات الأخرى التي تعزى له أو مساعديه وأتباعه. 
وخلافا لمعاصريه زمان محمد وعلي، لم يكن عباسي ينسخ مباشرة الموضوعات الأوربية، وربما كان انتقال التأثير الأوربي إليه تدريجيا عبر النماذج التركية، وهو ما ظهر بالمثل في محاولاته تصوير الموضوعات الهندية قرب نهاية حياته المهنية، والتي تظهر ألفة مع تفاصيل أزياء الهنود وأنماط التصوير الهندي، وتعد محاولته الأكثر نجاحا في الطريقة الهندية رسمه الملون للأمير يركب الفيل مع الموكب، ويعود تاريخها إلى عام 1675 ميلادية.
وباستثناء مجموعة من الرسوم التوضيحية في مخطوطة مجهولة، كان عباسي يشتغل على تقديم لوحات ألبومات صور الحكام (مثل الشاه عباس الثاني والشاه سليمان)، بينما ظهرت هناك أيضا أعمال موضوعها الفروسية والعذراء والطفولة والشباب والنساء في المناظر الطبيعية أو التنزه والاستماع إلى الموسيقى، وهو ما برع فيه ولداه الفنانان محمد نقي وعلي نقي.
كما  يُعد فنان الحقبة المغولية الرسام أبوالحسن نادر الزمان، المولود في العام 1589 ميلادية، ببلاط الأمير سالم (الذي أصبح لاحقا الإمبراطور جهانجير)، خير خلف لوالده الفنان آغا رضا، ابن هرات، فقد عاش وعمل كفنان طيلة حياته. درب الوالدُ ابنه ليكون فنان بلاط مثله، وأعطاه لقبه وهو «نادر الزمان» وعنى به كما ندرك أعجوبة العصر. كان الفنان الوالد قد أظهر مهارة كبرى في البلاط المغولي، لدى مريد بادشاه، وتشهد بذلك مجموعته في لوحات ألبوم قصر كلستان.
عزز الفنانان، الأب والابن، عبر استخدامهما للون والخط، وبشكل ملحوظ، العناصر الفارسية في اللوحة المغولية في تلك الفترة، وأصبح أبوالحسن أفضل رسام بورتريه في عصره، بفضل دراسته لتقنيات الصور والنقوش الأوربية ونسخه لكثير منها. وتشمل موضوعات أبي الحسن صورا رمزية للحكام ومشاهد لجموع الجمهور العام صورت حاشية الحاكم وكذلك الدراويش، فضلا عن لوحات الأقرباء والمسؤولين رفيعي المستوى من المغول، واشتهرت لديه صورة يحتفظ بها متحف جيميه في باريس للإمبراطور جهانجير وصورة والده أكبر في يديه.
ويمكن أن نشير في الحقبة نفسها للفنان رضا آغا الهروي (1599-1605 ميلادية)، الذي ارتبط بالأمير سليم (الإمبراطور جهانجير)، وقد وقع باسم آغا زاد، وكان مثل أبي الحسن رسامًا للبلاط، 
كما يعد حبيب الله الصفجي (1587-1628 ميلادية) أحد الفنانين الأكثر تحفظا، ونشاطا، في عهد الشاه عباس الأول (حكم 1587-1628 ميلادية). وللفنان حبيب الله العديد من اللوحات الموقعة، بما في ذلك نموذج منمنمات لسرب من الطيور، إضافة إلى نسخة من منطق الطير لفريد الدين العطار (1483 ميلادية)، يحتفظ بها متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، وهناك بالمتحف نفسه عمل آخر للفنان يمثل مزارعا يحرث بصحبة اثنين من أبنائه، وله ألبوم «ظفرنامه»، وبه تصوير للجمال مع رجل ملتح يحمل المغزل ولوحة لشاب يحمل بندقية (متحف ستاتليتش الإسلامي في برلين)، ورسم لامرأة شابة تجلس في حقل للكمثرى (مجموعة جورج باسيل روبنسون، لندن)، ولوحة لصياد شاب ومنمنمة لسيدة جالسة في رداء برتقالي (وكلتاهما في مكتبة سراي توبكابي بمدينة اسطنبول)، ومنمنمة لقافلة جمال عربية (متحف ميدلهافموزيت في ستوكهولم).
هذه اللوحات تقدم نموذجا لفن الرسام الذي تميز بتقديم تفاصيل معقدة للأزياء والحلي من الذهب والفضة وصورة للعصر، وخاصة حين نقرأ ما بين الألوان، فنرى كيف كان الصياد يتودد إلى صقره، بألفة، وكيف تنقش خيوط الذهب متوازية على الملابس، وكيف كانت القفازات ثرية، تبدو بهرجتها حين يضربها الضوء، وكيف كانت تبدو خناجر الزي الرسمي والقلنسوات في ذلك العصر.
أما علي بن سلطان ميرزا فهو سيد رسامي العصر الصفوي المبكر، وقد ولد، على الأرجح، بين عامي 1500و1510 ميلادية، وتوفي حوالي العام 1575 ميلادية. نال علي بن سلطان تدريبه الأساسي كرسام من والده، لكنه تتلمذ أيضا على أيدي فنانين آخرين.
أنتج بن سلطان لوحاته تحت رعاية الشاه طهماسب، وتكشف أعماله عن تمكنه من التقاليد التفصيلية والتركيبية، ووضوح الجمع بين المراقبة المضنية للمشهد المرسوم مع ميل للنظام الكلاسيكي، فضلا عن انتباه إلى الفروق الدقيقة في الملابس، والإيماءات، بما يجعلها مصدرا مهما للحياة الاجتماعية في العهد الصفوي، جنبا إلى جنب مع أعمال العديد من معاصريه مثل مظفر علي والشيخ محمد المدعومين من قبل الشاه ميرزا ​​ابن شقيق إبراهيم الذي كان متذوقاً للرسم والخط ومحتفيا بهما.
وقد أنتج علي ميرزا في الفترة الأخيرة من حياته عددا كبيرا من اللوحات ذات الصفحة الواحدة، والمصممة لإدراجها في ألبومات، تقدم في معظمها «بورتريهات» لشباب ونساء ومشاهد من البلاط. 
كما يجب ألا نغفل الرسَّام والمزخرف عبدالله شيرازي، الذي يعد أحد فنارات رسم المنمنمات في القرن السادس عشر، وكان أحد أعضاء محترف رسم المخطوطات لدى أبي الفتح إبراهيم بهرام لمدة عشرين عاما، باعتباره حاكم مشهد حتى اغتياله في قزوين سنة 1577 ميلادية. واحدة من أروع المخطوطات التي أنتجتها ورشة إبراهيم ميرزا ​​هي نسخة من لهفت جامي، بعنوان زليخا ويوسف، ومؤرخة في 1565 ميلادية، وتضمنت الرسوم المعمارية نقشات مذهبة مؤطرة. 

مَدْرَسةُ بُخَارَى لفنِّ المُنَمْنَمَاتِ
يمكن أن نقسم الحديث عن فَنِّ المُنَمْنَمَاتِ في بخارى، بجمهورية أوزبكستان المعاصرة، إلى حقبتيـــن، تـــاريـخــية قـــديـــمة، وتأصــيلية معاصرة. وقد اشتهرت قديما مدارس بخارى وسمرقــند وطــشقند، ولا تزال المخطوطات المحفوظة في أرشيف هذه المدن، أو المنقولة منها إلى متاحف العالم تحكي الكثير. 
ونموذجا للمدارس التاريخية في رسم المنمنمات، سنجد أن مدرسة بُخارى تعود بنا إلى بلاد فارس، فقد نهضت هذه المدرسة على أكتاف الفنانين والخطاطين والنساخين الذين هربوا من هرات، بسبب الــغزوات المتكررة على المدينة من قبل عُبيدالله خان (1512 1539 ميلادية). ولذلك من الجلي أن يتضح في منمنمات مدرسة بُخارى ذلك التأثير الفارسي، برغم أن هذه الفترة لم تخلف لنا منمنمات تخص نخبتها الحاكمة. 
ومع أن المنمنمات التي ظهرت أوائل القرن السادس عشر كانت تقلد سابقاتها التي ظهرت في منتصف القرن السابق عليها في بلاط التيموريين، كما توثقها منمنمات سمرقند وطشقند، فإنها لم تبق على منمنمات مماثلة. بالمقابل لنا أن نعثر على موجتي تأثير لحقتا بمدرسة بخارى في رسم المنمنمات، وكلتاهما جاءت من هرات، كانت الأولى على النسق التيموري تقدم بلاط السلطان حسين (140/ 1506 ميلادية)، ويحتفظ متحف الفن الحر في واشنطن بإحدى هذه المنمنمات، التي تبين العمارة، والمشاهد الطبيعية، والأزياء، وأغطية الرأس بشكل مميز عن رسوم هرات. وقد استمر هذا الأسلوب قويا في بخارى حتى منتصف القرن السادس عشر. ولعل أهم مخطوطة تعود لهذه الفترة هي نسخة من مؤلف سعدي (جلستان)، وتحتفظ بها مؤسسة M. Bodmer في جنيف، وقد أمر بنسخها السلطان علي في هرات (1500 ميلادية)، ولكن رسومها أضيفت لمن خلف عبيدالله خان، وهو عبدالعزيز سلطان (1539/ 1550 ميلادية). 
إن البناء التركيبي للمنمنمات، والأسلوب الخاص برسومها، يعودان بشكل واضح إلى الأصول الخاصة بمخطوطة (جلستان) التي رسمت للسلطان حسين. ومخطوطات بعض هذه السنوات نسخها خطاطون أمثال سلطان علي مشهد، الذي لم يعش أبدا في بخارى. 
مجموعة أخرى من مخطوطات بُخارى يمكن أن تعزى إلى رعاية عبدالعزيز سلطان، وهو أحد أعظم المكتبيين في عهد ما بعد التيموريين، في آسيا الوسطى. ويقول مؤرخو الفن إن لوحات تلك الفترة تعود بأسلوبها وتركيبها إلى تأثير مدرسة الفن في عهد الصفويين، وخاصة العام 1525 ميلادية، حيث نقلها إلى بخارى شيخ زاده، الذي كان تلميذا لبهزاد. وهكذا كان أسلوب بهزاد في هرات، وتأثيره هو وتلاميذه، قد أصبحا عتيقين في بلاط الصفويين، وقد بزه حينئذ الأسلوب التبريزي، للرسام سلطان محمد، وأتباعه. 
ثم سعى شيخ زاده باحثا عن مصدر جديد للرعاية لدى الشهبانيين، فقام بتسطيح الفضاء المعماري وزاد من زيناته الزخرفية، وهو ما يتضح في المشهد الجامع الذي بديوان حافظ، الذي قدمه للشاه طهماسب شقيق ميرزا ​​في حوالي 1527 ميلادية.
ومثَّل ربع الأخير من القرن السادس عشر فترة انتقالية في مدرسة بخارى لرسوم المنمنمات، حيث تفكك بشكل نهائي النمط الأساسي للتصميم البخاري، وأضيفت الرسوم التوضيحية للمخطوطات، ولم تبق سوى علاقة ضئيلة تكاد أحيانا تكون معدومة مع النص المرافق لها، ومثالا على ذلك هناك أكثر من 300 منمنمة تنسخ شخصيات واحدة.
ونتيجة لغزو صفويي خراسان لأوزبك بخارى (1586 ميلادية)، كانت هناك موجة جديدة من التأثيرات الفنية من مشهد وهرات، وظهرت المنمنمات التي رسمها في شبان يرتدون العمائم في خراسان الأوزبكية، ما يجعلنا نفترض أن الفنانين المحليين كانوا يعملون لمصلحة رعاة أوزبكيين جدد. 
ومن المهم أن نشير إلى أن وليام موركروفت، وكان ممثلا للحكومة البريطانية في الهند، وقام بدراسة الفنون والحرف اليدوية في كشمير بين عامي 1819و1823 ميلادية، قد أكد أن تجارة المخطوطات المصدَّرة منشرة بشكل هائل، وكانت المنمنمات الكشمير تنقل إلى آسيا الوسطى خلال فترة السلطنة الدورانية بين عامي 1752 و1819 ميلادية، وتشهد مجموعات كشميرية لدى خزائن الاتحاد السوفييتي السابق على دقة تقارير موركروفت، وقد أكد هو نفسه ترحيل بعض فناني كشمير إلى مدن آسيا الوسطى خلال أوائل القرن التاسع عشر، وأن هؤلاء ظلوا يحافظون على أسلوب العمل الوطني الخاص بهم، ولا يوجد أي دليل على إنتاج الكتب المصورة في بخارى نفسها بعد نهاية القرن السابع عشر.
وخلال العقود الماضية جرى إحياء لتلك المدرسة البخارية، واليوم يتبوأ فن المنمنمات في أوزبكستان، التي تضم مدن بخارى وسمرقند وطشقند (العاصمة)، مكانة كبيرة. 
لقد أخذ فن المنمنمات وقتًا طويلًا في تطوره، حتى حجز لنفسه مكانًا شرَفيًا في تاريخ فنون العالم. وقدم فنانو وأساتذة الفنون الشعبية الأوزبكيون الكثير من الأعمال الفنية العظيمة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، والتي لا تعتبر مجرد مثار للإعجاب لثراء تشكيلها وخيالها الخصب فحسب، بل تُعد أيضًا دليلًا على التاريخ القديم، وتجسد الشخصية المتنوعة والمتفردة لثقافة الفن لدى الشعب الأوزبكي، وهي بحق كنوزٌ فنية عالمية. بيد أن الإسهام الأهم والأكبر للفن الشعبي الأوزبكي للثقافة العالمية على مر العصور ولكل الأمم، هو فن المنمنمات.
ومن المهم التأكيد على أن قضية الفن الشعبي في زمن السوفييت كانت تمثل عبئًا ثقيلًا وظاهرة آخذة في الانقراض. ولهذا فإن أساتذة الصنوف الأساسية للفنون الشعبية صائغي الحلي والمجوهرات، وصانعي الفخار والخزف، والرسامين على القماش، والنقاشين على الجلود، ونساجي الأبسطة، وحفاري الخشب، ومركبي الجص، تم الزج بهم إلى المنفى، وشمل الحظر تداول أعمالهم الإبداعية. تلك الأعمال التي لم تدعمها الدولة، ولم يكن ثمة طلب عليها؛ بسبب تدني مستوى معيشة الشعب في ذلك الوقت. والموقف الموصوف في مُجمله يكاد يتمثل في رسم تصويري صغير، وهو منمنمةٌ من أعمالِ عبقري الشعر الأوزبكي علي شير نواعي، حيث ترى الأسد مكبلا بأصفاد من النقوش الغامضة كُتب عليها «الأسد المكبل يسعى للتحرر». ولهذه الشخصية معان مختلفة، ولا تعني فقط حرية الفن الإبداعي ككل، بل أيضًا فردية كل فنان على حدة. 
ومن الوثائق المهمة لعهد التيموريين، الذي رعت بموجبه الدولة أساتذة الفن الشعبي، نتعرف على موضوع مؤرخي الفن، إذ نجد أستاذ المنمنمات، ومدير الكتابخانة (المكتبة) كمال الدين جعفري تبريزي من حِرات، يخبر الأمير غياث الدين بايسونكور (1397 / 1434) في تقريره بالوفاء بـ «أوامر الدولة» المُصممة لمصلحة الرسوم الفنية للمباني، وتصميم المنمنمات للكتب، والتصميم الفني والجرافيكي لدواوين الشعر. وكذلك فإن الأمير بايسونكور (ابن شاه روح) نفسه كان من فناني الخط الموهوبين. وفي متحف القرآن في مشهد نرى نماذج كثيرة من أعمال بايسونكور معروضة في مكان بارز. 
وفي تلك الظروف المواتية للفن الإبداعي نشأ أستاذ المنمنمات العبقري كمال الدين بهزاد (1455 – 1536 ميلادية). ومن الجدير بالذكر أن الشاعر علي شير نواعي (الأمير الكبير في بلاط التيموريين في خراسان) كان معلم وراعي بهزاد. أما الآن، وفي ما يتعلق بالفن الشعبي (الفولكلور) في أوزبكستان، فأود الإشارة إلى بعض النقاط الفارقة في عملية ترميم وتأهيل وتنمية الفن الشعبي التقليدي.
وأحد الأنواع المنسية من الفن الفولكلوري هو الرسم على المينا والذي استعاده ن. حولماتوف بالرسم على صناديق صغيرة مصنوعة بالطريقة القديمة باستخدام تقنية الصائغين. وقدم مجموعة من الصناديق برسوم مينا بإطار من الفضة والنيكل بزخرفة شرقية، وأحيانًا بإضافة قطع من الفيروز والأحجار النفيسة وقلادات العنق. وفي العادة فإن شكل الصندوق وطريقة رسمه تمتزج بأسلوب متجانس. ويراعي في أعماله كل التفاصيل، والتركيب الكلي لدى إدخاله لعناصر تصويرية ورسم لشخصيات. ودائمًا ما يبقي في ذهنه مجمل التصميم واللوحة ويحافظ على اتساق الأسلوب في العمل ككل.
وتقدم سلسلة من صناديقه/أعماله الفنية التي يستخدم فيها ألوانا باهتة بسخاء، لسيناريو يدور في محيط من المناظر الطبيعية. وهي عامرة بالشعرية وبها نوع من التأمل الفلسفي، ومن هذه الأعمال «موسيقى» و«تأمل» و«الطائر»، و«عالم الطبيعة» و«الباقة»، وغيرها.
وقد استخدم التقنية الفنية في رسم الجداريات في زخرفة قصر «تركستان» وهو مبنى السفارة التركية في طشقند، ومسرح الدراما الموسيقية في بلدة جوليستان، وترميم مطعم «أوزبكستان» في موسكو.
والنهج الزخرفي، والأسلوب الشعري، والألق البالغ، والانسجام في الفن، صارت جميعًا سماتٍ أصيلة في أعماله الفنية. وبغضِّ النظر عن مسألة الإبقاء على تقاليد الرسم القديمة والحفاظ على بناء الصورة وتماسك الأسلوب، وهي من الصفات اللصيقة بالنهضة الفنية المشرقية، فإن إدراك الفنان لتمثيل الصورة في ما يتصل بالفنانين المعاصرين في أوزبكستان يستوجب تفسير الحياة اليومية وعلاقات البشر، وهي قديمة في المنطقة منذ قرون، ولها صلة وثيقة بالحاضر.
إن تناولنا لهذه المنمنمات الشرقية في الحضارة الإسلامية لا يعني إغفالنا لمدارس فنون المنمنمات الصينية والهندية والعثمانية والتأثيرات المتبادلة بينها، لكن لذلك حديثا يطول، لا تتسع له مقالة منمنمة تضيء تاريخ ذلك الفن المغموس في حبر نوستالجيا الحكايات والتاريخ والأدب .