الشاعر الكويتي عبداللطيف إبراهيم النصف

 الشاعر الكويتي عبداللطيف إبراهيم النصف

الحركة الشعرية في الكويت تمتد بجذورها عبر سنوات بعيدة، منذ أن بدأ شعراء العامية أو الشعر النبطي في تصوير مشــاعـــر القبائــــل ورجال الباديـــة في مواجهة قحــط الطبيعــة الصحراويـــة القـاسيـــة وتمجـــيــد الشجاعة والفروسـيــة وإعـــــلاء القيــــم الإنســـانـــيـــة.
ومنذ أن بدأت شموس شعر الفصحى تشرق في آفاق الكويت، بزغت أسماء شعراء ساهموا في التعبير عن وجدان قومهم وهموم وطنهم في عصور مختلفة صورت قصائدهم سماتها ومظاهرها في صدق بالغ.

من أهم هؤلاء الشعراء عبداللطيف إبراهيم النصف، الذي ولد في الكويت العام 1904م وساهم في تطور الحركة الشعرية من خلال تأثره بالواقع وإنجازاته ورحلاته خارج الكويت، ومن ثم معاصرته للشيخ عبدالله السالم الصباح، الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لنهضة الكويت العلمية والثقافية.
طفولته ونبوغه الشعري
في طفولته التحق بالكُتاب وحفظ ودرس القرآن الكريم وبعضا من النحو والحساب، ثم التحق بالمدرسة المباركية ليدرس العلوم واللغة ويطلع على المعارف ويشعر بنهم شديد للقراءة وشغف بحفظ الشعر العربي وقراءة كتب الأدب من قصص العرب وحكاياتهم ونوادرهم وأشعارهم.
ولذلك تميز بذاكرة قوية تجيد الحفظ وموهبة في التعبير عن مشاعر ذاته، من خلال بعض النصوص الشعرية البسيطة. وكان مغرمًا أيضًا بالشعر النبطي الذي تأثر به من قبل جده لأمه الشاعر الكبير حمود بن ناصر آل بدر.
ومن أهم قصائده التي عبر فيها عن مشاعره بين الفراق والعودة حين يودع أهله وقلبه يتمزق حزنا وأسى، فيقول:
أرى ساعة التفريق والبين قد دنت
فصبري وأنسي آذنا ببعاد
قفوا قبل توديعي لكم لأبثكم
لواعج شوقٍ حُكمت بفؤادي
فإني إذا ودعتكم لمودع
بتوديعكم عيشي وطيب رقادي
سلام على وقت بقربك قد زها
ويفديه مني طارقي ورقادي
وما عن هوى مني أراك مفارقي
وما وأبيك الدهر طوع مرادي

العودة إلى الكويت
عاد الشاعر النصف إلى الكويت، ليشغل وظيفة سكرتير لأمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، في فترة تعد من أخصب فترات النضج الثقافي والنهضة الاجتماعية والاقتصادية، حيث حصلت الكويت على استقلالها وأسست وزارة الخارجية وعيّن فيها مديرًا للإدارة الصحفية.
ويقول الأستاذ سامي النصف, وهو نجل الشاعر عبداللطيف النصف, في كلمة افتتح بها احتفالية مهرجان القرين بذكرى والده: إن «منارة الشاعر المرحوم عبداللطيف النصف تبدد إشعاعات مقولة إن الكويت والخليج عامة هما ثروة ونفط لا وعي وثقافة».
وتطرق في كلمته إلى تجربته الخاصة مع والده بقوله: «إنه لم يكن يكتفي بتعليمنا فقد كان يملأ  البيت لنا بالكتب والمجلات ويقيم المسابقات لنا، كما كان محبًا للعمل وكارها للظهور الإعلامي».

النزعة الوطنية في شعره
عاش الشاعر النصف مع  بدايات نهضة الكويت الأدبية والثقافية، وهو يعد من أوائل الدارسين في المدارس النظامية بالكويت، إذ التحق بالمدرسة المباركية بعد إنشائها بفترة قصيرة.
وظهرت ملكة الشعر عنده منذ فترة مبكرة، وعاصر في شبابه جيل المثقفين والأدباء الكويتيين الأوائل، أمثال عبدالعزيز الرشيد الذي أورد صفحات عن شاعرية النصف في كتابه الشهير «تاريخ الكويت»، وبذلك يعتبر الرشيد أول من كتب وأشار إلى أهمية شاعرنا، وكذلك الشاعر خالد الفرج، كانت له صداقة طويلة مع النصف، وكتب الفرج بعض المساجلات الشعرية مع النصف في كتابه «رجال الخليج».
ونبغ الشاعر النصف في الشعر العربي الفصيح، كما كانت له العديد من القصائد ذات الحس الوطني والقومي والتي عكست مجموعة من الأحداث التي عاصرها خلال سنوات حياته حتى وافته المنية عام 1971.
ومن قصائده التي يعبر فيها عن نزعة وطنية صادقة يقول:
فيا أمة قد ناء بالعصر حملها
ولم تستعض عن غيها برشاد
لك الويل هل من يقظة بعد نومة؟
ألم يؤلم الأقوام طول سهاد
فيا ويح قومي والمصائب جمة
لقد لبست ثوب الهوان بلادي
بلاد بها سوق الخرافات رائج
فلم يمن يوما واحدا بكساد
وحسبك أن العلم فيها مضيع
فليس بها من معهد بمشاد
وقد كتب الشاعر قصائده ونشرها في الصحف والمجلات ولم يجمعها في ديوان واحد، واتجه في أشعاره إلى النقد الاجتماعي الذي يتخذ السخرية والهجاء أهم وسائل البناء الفني في القصيدة، فيدعو أبناء وطنه إلى نبذ الوهن والكسل والانطلاق نحو الأمجاد والعلا لتحقيق الغايات النبيلة والقيم العليا للإنسان:
ويح الكويت وويح الساكنين بها
إن لم يثيروا وينضوا منهم الهمما
راح الأديب بها حيران مضطهدا
ويل أمها وغدا ذو الجهل محترما
أطلقتم يدكم في هدم مجدكم
لله مجد بلا حام له هدما
ومن قصائده في المدح يتخذ هذا الغرض للاحتفاء برجال البر والإحسان، الذين يساهمون في خدمة الوطن، سواء بإنشاء مدارس العلم أو إقامة المشروعات التي تثري العمل والإنتاج، وليس المدح هنا يقصد صفات الممدوح لشخصه أو لما يشغله من مركز مرموق أو مكانة عالية، بل إن الشاعر يمدح في الأساس القيم الأخلاقية والإنسانية، فيقول عن أحد هؤلاء وهو شملان بن علي، الذي شيد مدرسة للأيتام:
بنيت مدرسة أم شدت مفخرة
أم نلت مكرمة أم فزت منقلبا?
لله مدرسة الأيتام مدرسة
قد أبهجت ببناها العلم والأدبا

النزعة القومية في شعره
في عام 1977 صدرت الطبعة الأولى من كتاب د.خليفة الوقيان «القضية العربية في الشعر الكويتي». وقد كشفت هذه الدراسة عن عمق موقف شعراء الكويت تجاه القضايا القومية، حيث عبروا جميعا عن تضامنهم مع قضايا الشعوب التي تناضل ضد المستعمر الأجنبي، وكذلك عبر الشعراء عن موقف الإدانة ضد القهر والظلم والعدوان على الشعوب الآمنة.
فانشغل الشعراء بقضية فلسطين والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وهزيمة 1967م وفرحة النصر عام 1973 واسترداد الأرض المصرية المغتصبة من العدو الإسرائيلي, وقد استشهد المؤلف د.خليفة الوقيان بنماذج شعرية لشعراء الكويت، ومنهم شاعرنا عبداللطيف النصف.
ويكتب الشاعر النصف عن الزعيم عبدالكريم الخطابي الذي تحدى المستعمر الفرنسي في الريف المغربي وظل يكافح من أجل قضية بلاده، ويتأثر الشاعر الكويتي بدور هذا الزعيم فيقول في قصيدته:
أرى الشرق بالأغلال يرسف باكيا
على حين بات الغرب جذلان يبسم
حنانيكم يا ساسة الغرب حسبكم
ولا فخر قد جربتم وخبرتم
«ألا» لا تسومونا الصغار فإننا
فهلا فعلتم مثل ذا إذ ملكتم
ملكنا فواسيناكم بنفوسنا
وعودوا إلى أوطانكم فهو أسلم
تخلوا عن الريف العزيز لأهله
وأسد جياع في الجبال تهمهم
وفي قصيدة أخرى يشيد الشاعر بموقف عبدالكريم الخطابي في بطولته ودوره الوطني من أجل مبادئ الحرية والعدل فيقول:
تقدمت لا يثنيك عما ترومه
مدافع يرتاع الردى حين تهزم
إذا سددت فهي القضاء مسددا
وإن أطلقت فهي البلاء المحتم
وأتمنى أن يقوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالتعاون مع رابطة الأدباء بإصدار ديوان شعري يحمل كل إبداعات هذا الشاعر الكبير عبداللطيف إبراهيم النصف ليذكره الجيل الجديد ويُسجل بعضاً من قصائده في الكتب المدرسية ليدرسها الطلاب ويتعلموا منها معاني القيم الوطنية والإنسانية .