اللغة البصرية التشكيلية وروح الثورة

اللغة البصرية التشكيلية  وروح الثورة

هل‭ ‬يمكن‭ ‬للفن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬قضية‭ ‬التفاهم‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والبشر‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬أجناسهم‭ ‬وألوانهم‭ ‬وأديانهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام؟‭ ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬الوسيط‭ ‬العالمي‭ ‬للتعارف‭ ‬والتقارب‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام،‭ ‬لأنه‭ ‬اللغة‭ ‬القابلة‭ ‬للتذوق‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعطيه‭ ‬رسالة‭ ‬كونية،‭ ‬فقد‭ ‬استخدموا‭ ‬الفن‭ ‬والموسيقى‭ ‬في‭ ‬الرسائل‭ ‬الموجهة‭ ‬للتفاهم‭ ‬مع‭ ‬العوالم‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الفن‭ ‬لغة‭ ‬كونية‭.‬

الفن‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬تغير‭ ‬دائمة،‭ ‬والتغيير‭ ‬فعل‭ ‬ثوري‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬التطلع‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬الفن‭ ‬حالة‭ ‬تفكيكية‭ ‬للرؤى‭ ‬والظواهر‭ ‬من‭ ‬حوله‭. ‬الفن‭ ‬لا‭ ‬يستكين‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬ذلك،‭ ‬والفن‭ ‬يحاكي‭ ‬الجمال‭ ‬والحب‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ويركز‭ ‬على‭ ‬محاكاة‭ ‬الضمير‭ ‬والوجدان‭ ‬الإنساني‭ ‬تجاه‭ ‬الآلام‭ ‬والمشكلات‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يكتسب‭ ‬صفته‭ ‬الوجدانية‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭.‬

والإنسان‭ ‬الثوري‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬الفكر،‭ ‬ويرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬طموحاته‭ ‬التغيرية،‭ ‬ولهذا‭ ‬نراه‭ ‬استكان‭ ‬لوضعه‭ ‬الراهن‭. ‬أما‭ ‬الفنان‭ ‬فهو‭ ‬ثوري‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬نحو‭ ‬العالم‭ ‬والطبيعة‭ ‬والإنسان‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الفن‭ ‬حالة‭ ‬مضاعفة‭ ‬للوعي‭ ‬بالوجود‭ ‬بطريقة‭ ‬منسجمة‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الوجود‭ ‬يفقد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ماهيته‭ ‬إن‭ ‬غاب‭ ‬الفن‭. ‬ليس‭ ‬هدف‭ ‬الفنان‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬للمشكلات‭ ‬التي‭ ‬يعايشها‭ ‬وإنما‭ ‬المهمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للفنان‭ ‬هي‭ ‬تعرية‭ ‬الأشياء‭ ‬وكشفها،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يظل‭ ‬الفنان‭ ‬عاملاً‭ ‬مساعداً‭ ‬للحراك‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لعمل‭ ‬فني‭ ‬أحدث‭ ‬ثورة،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬الثورية،‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬التغيرات‭ ‬الثورية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬عهد‭ ‬الفراعنة‭ ‬وآل‭ ‬روكفلر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬ذ‭ ‬وهم‭ ‬عائلة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الرأسماليين‭ ‬هناك‭ ‬ذ‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مسيطرا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الطبقات‭ ‬الحاكمة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تمنعه‭ ‬تلك‭ ‬السيطرة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعكس‭ ‬كل‭ ‬تناقضات‭ ‬المجتمع‭.‬

الفنان‭ ‬‮«‬رمبرانت‮»‬‭ ‬مثلاً‭ ‬كأحد‭ ‬أعظم‭ ‬الفنانين‭ ‬الأوربيين‭ ‬كان‭ ‬إفرازاً‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الألمانية‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬الإسباني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الرؤية‭ ‬النقدية‭ ‬للمجتمع‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الألماني‭ ‬الوليد‭ ‬ذ‭ ‬آنذاك‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬يتبدى‭ ‬من‭ ‬رسومه‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬تعاطفاً‭ ‬عميقاً‭ ‬مع‭ ‬الشحاذين‭.‬

في‭ ‬فرنسا‭ ‬وإبان‭ ‬الثورة،‭ ‬أنجز‭ ‬الفنان‭ ‬‮«‬دافيد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬الثورية،‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬اغتيال‭ ‬مارات‮»‬،‭ ‬مارات‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬صحفياً‭ ‬ثورياً‭ ‬متدفقاً‭ ‬بالحماس،‭ ‬ولقي‭ ‬حتفه‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الثورة‭ ‬المضادة‭.‬

لوحة‭ ‬‮«‬اغتيال‭ ‬مارات‮»‬‭ ‬

أنتجها‭ ‬الفنان‭ ‬دافيد‭ ‬عام‭ ‬1793

قبل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬المطروح‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نعرج‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ارتباط‭ ‬بالعمل‭. ‬فقد‭ ‬عاصر‭ ‬الفنان‭ ‬الفرنسي‭ ‬حقبة‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬الملكية،‭ ‬حيث‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬عام‭ ‬1748،‭ ‬وكان‭ ‬مشاركاً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة،‭ ‬وما‭ ‬أغلب‭ ‬أعماله‭ ‬إلا‭ ‬نقل‭ ‬لنبض‭ ‬الشارع‭ ‬الفرنسي‭ ‬لتلك‭ ‬الأحداث‭. ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬أحد‭ ‬المصوتين‭ ‬على‭ ‬إعدام‭ ‬آخر‭ ‬الملوك‭ ‬الفرنسيين‭ ‬لويس‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قربه‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬وتعدي‭ ‬دوره‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬كما‭ ‬يروق‭ ‬لبعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬وصفه‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬أتت‭ ‬تسميته‭ ‬بـ‮«‬رسام‭ ‬الثورة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬بعض‭ ‬أشهر‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬والمنتمية‭ ‬إلى‭ ‬مذهب‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬المحدثة‭ ‬Neoclassicism‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬إنتاجاته‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كانت‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬كان‭ ‬لايزال‭ ‬يحمل‭ ‬الوفاء‭ ‬للأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬للنظام‭ ‬الملكي‭ ‬كنظام‭ ‬سياسي،‭ ‬وقد‭ ‬يعود‭ ‬السبب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الملكية‭ ‬هي‭ ‬الأمان‭ ‬الوحيد‭ ‬لاستمرار‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬وأحد‭ ‬أولئك‭ ‬المؤيدين‭ ‬للأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬كانت‭ ‬زوجة‭ ‬الفنان،‭ ‬ولذلك‭ ‬تم‭ ‬الطلاق‭ ‬بينهما‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭! ‬التأييد‭ ‬للأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬الطابع‭ ‬الفكري‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تعداه‭ ‬إلى‭ ‬المحاولات‭ ‬المسلحة‭ ‬لاغتيال‭ ‬بعض‭ ‬المؤيدين‭ ‬للثورة،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬الفنان‭ ‬عبء‭ (‬أو‭ ‬شرف‭) ‬تنظيم‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬مراسم‭ ‬التشييع‭ ‬لمن‭ ‬اغتيل‭ ‬بسبب‭ ‬الثورة‭. ‬وهذا‭ ‬ينقلنا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬المطروح،‭ ‬حيث‭ ‬هو‭ ‬تصوير‭ ‬لاغتيال‭ ‬صديق‭ ‬الفنان‭ ‬‮«‬جان‭ ‬بول‭ ‬مارات‮»‬‭ ‬Jean‭-‬Paul‭ ‬Marat‭ ‬وهو‭ ‬طبيب‭ ‬وفيزيائي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬محرراً‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬ثورية‭ ‬كانت‭ ‬تؤيد‭ ‬الثورة،‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬المصوتين‭ ‬كذلك‭ ‬لإعدام‭ ‬لويس‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭. ‬وكردة‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬السيدات‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬البورجوازية‭ ‬المؤيدات‭ ‬للملكية‭ ‬واسمها‭ ‬‮«‬شارلوت‭ ‬كوردي‮»‬‭ ‬Charlotte‭ ‬Corday‭ ‬على‭ ‬تصويت‭ ‬‮«‬مارات‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬اغتياله‭ ‬وهو‭ ‬يغتسل‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المطروح،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المغتسل‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬مرضًا‭ ‬جلديًا‭ ‬يحتم‭ ‬عليه‭ ‬دائماً‭ ‬العمل‭ ‬وهو‭ ‬مغمور‭ ‬بالماء،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يخفف‭ ‬مما‭ ‬يعانيه‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭ ‬المرض‭!‬

بالتركيز‭ ‬على‭ ‬الورقة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬‮«‬مارات‮»‬‭ ‬نجد‭ ‬اسم‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬اغتالته،‭ ‬حيث‭ ‬أراد‭ ‬الفنان‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تخليد‭ ‬مارات‭ ‬كرمز‭ ‬للثورة‭ ‬أن‭ ‬يخلد‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بالاغتيال‭ ‬كرمز‭ ‬للأرستقراطية‭ ‬البغيضة‭!‬

في‭ ‬العام‭ ‬1830،‭ ‬عبر‭ ‬الفنان‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬ديلاكروا‮»‬‭ ‬رمزاً‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬لوحته‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬تقود‭ ‬الشعب‮»‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬وخلال‭ ‬ثورة‭ ‬1848،‭ ‬أحدث‭ ‬الفنان‭ ‬‮«‬كوربيه‮»‬‭ ‬عاصفة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بلوحته‭ ‬العظيمة‭ ‬‮«‬عمال‭ ‬المحاجر‮»‬‭.‬

إن‭ ‬مفهوم‭ ‬الثورة‭ ‬أشمل‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الإصلاح،‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب،‭ ‬وغاية‭ ‬كل‭ ‬ثورة‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬أقرب‭ ‬رمز‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬وسيلة‭ ‬الثورة‭ ‬هو‭ ‬الرصاصة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬أحد‭ ‬مميزاتها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الرصاصة‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬أداة‭ ‬الثورة،‭ ‬فالفنون‭ ‬بأنواعها‭ ‬المختلفة‭ ‬لها‭ ‬إسهاماتها‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الثورة،‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها‭ ‬ونشرها،‭ ‬وتحقيق‭ ‬هدفها،‭ ‬وهو‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬الشمولي‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬والثورة‭ ‬يلتقيان‭ ‬في‭ ‬الهدف‭ ‬المنشود‭ ‬وهو‭ ‬التغيير،‭ ‬ولكنهما‭ ‬يختلفان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوسيلة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬وسيلة‭ ‬الفن‭ ‬هي‭ ‬التعبير،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬وسيلة‭ ‬الثورة‭ ‬هي‭ ‬الرصاصة‭. ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬وجوه‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والثورة‭ ‬تتعدد‭ ‬وتتداخل،‭ ‬فالفن‭ ‬يصنع‭ ‬الثورة‭ ‬إذ‭ ‬تصنعه،‭ ‬والثورة‭ ‬تصنع‭ ‬الفن‭ ‬إذ‭ ‬يصنعها،‭ ‬فما‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬السياسة‭ ‬آخر‭ ‬الأمر‭ ‬إلا‭ ‬استجابة‭ ‬لثورة‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب‭.. ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬ثورة‭ ‬سياسية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحديث‭ ‬أو‭ ‬القديم‭ ‬للفظ‭ ‬الثورة‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬سبقتها‭ ‬ثورة‭ ‬أدبية‭ ‬عقلية‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أغرت‭ ‬الناس‭ ‬بها،‭ ‬ودفعتهم‭ ‬إليها‮»‬‭.‬

ولعلنا‭ ‬قد‭ ‬شاهدنا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القريبة‭ ‬معرضا‭ ‬أقيم‭ ‬بقصر‭ ‬الفنون‭ ‬التابع‭ ‬لقطاع‭ ‬الفنون‭ ‬التشكيلية‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬احتفالاً‭ ‬بالعيد‭ ‬الخمسين‭ ‬لقيام‭ ‬ثورة‭ ‬1952،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الفن‭ ‬والثورة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عرفنا‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬المصري‭ ‬المعاصر‭ ‬لتلك‭ ‬الثورة‭ ‬وتقبله‭ ‬لها‭ ‬وكيف‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬واحتضنها‭ ‬وتفاعل‭ ‬معها‭. ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مُقدم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭.‬

كما‭ ‬أننا‭ ‬تابعنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬كيف‭ ‬أسهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬بمختلف‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬ومجالاتهم‭ ‬الفنية‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬شباب‭ ‬25‭ ‬يناير،‭ ‬وكيف‭ ‬يسعى‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬مواكبة‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬والتفاعل‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬الأنشطة‭ (‬التفاعلات‭ ‬الثقافية‭) ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الأمل‭ ‬الوليد‭ ‬في‭ ‬غد‭ ‬أفضل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭.‬

ولقد‭ ‬حركت‭ ‬ثورة‭ ‬الغضب‭ ‬من‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلهام‭ ‬الفنون،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالفنان‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬ريشته‭ ‬ويواجه‭ ‬بها‭ ‬الظلم‭ ‬والطغيان‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬الجندي‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬سلاحه‭ ‬ولا‭ ‬المتظاهر‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬حجارته‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬قضيته‭.‬

المصريون‭ ‬لم‭ ‬يختلفوا‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬فهم‭ ‬يحملون‭ ‬ثقافة‭ ‬عالية‭ ‬تراكمت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تاريخ‭ ‬حضارات‭ ‬مصر‭ ‬وحملتهم‭ ‬وعياً‭ ‬ثقافياً‭ ‬وفنياً‭ ‬استخدم‭ ‬كأداة‭ ‬تعبير‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬مما‭ ‬أوجد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬الإيجابي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليقات‭ ‬المشجعة،‭ ‬التي‭ ‬نبعت‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬الذي‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬بطريقة‭ ‬كوميدية،‭ ‬ساخرة،‭ ‬وأبدع‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عما‭ ‬يحدث‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬بطريقة‭ ‬أدهشت‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭.‬

وكذلك‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬نفذت‭ ‬بميدان‭ ‬التحرير‭ ‬والتساؤلات‭ ‬التشكيلية‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬عما‭ ‬تعبر‭ ‬عنه‭ ‬رسوماتهم‭ ‬الملونة‭. ‬فعلى‭ ‬أحد‭ ‬أرصفة‭ ‬الميدان،‭ ‬توجد‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬المعلقة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬أحاسيس‭ ‬ومشاعر‭ ‬الشعب‭ ‬تجاه‭ ‬الثورة‭ ‬والنظام،‭ ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بهذه‭ ‬اللوحات،‭ ‬يجمعهم‭ ‬فنهم‭ ‬وحبهم‭ ‬لمصر،‭ ‬فعبروا‭ ‬خطاً‭ ‬ورسماً‭ ‬وكاريكاتيراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬بتقنيات‭ ‬فنية‭ ‬عالية‭.‬

 

الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬بين‭ ‬نقل‭ ‬الثورة‭ ‬وروح‭ ‬التغيير

تنافست‭ ‬القاعات‭ ‬الفنية‭ ‬لتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬أو‭ ‬تحية‭ ‬لشهداء‭ ‬الثورة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬جولة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬نطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الحركة‭ ‬الفنية‭ ‬وتأرجحها‭ ‬بين‭ ‬التوثيق‭ ‬التسجيلي‭ ‬والتعبير‭ ‬الفني‭ ‬المجازي‭.‬

على‭ ‬الطريقة‭ ‬البهجورية،‭ ‬رسم‭ ‬الفنان‭ ‬المصري‭ ‬جورج‭ ‬بهجوري‭ ‬السيدة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بالحجم‭ ‬الكبير،‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬لوحاته‭ ‬المواكبة‭ ‬للخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يناير،‭ ‬وقد‭ ‬أمسكت‭ ‬‮«‬الست‮»‬‭ ‬بمنديلها،‭ ‬بينما‭ ‬خطوط‭ ‬بهجوري‭ ‬تبرز‭ ‬حركة‭ ‬الوجه‭ ‬وتقاسيمه،‭ ‬لتعكس‭ ‬للمشاهد‭ ‬لوعة‭ ‬الصوت‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يسمعها‭ ‬وهي‭ ‬تشدو‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬للصبر‭ ‬حدود‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صبر‭ ‬المصريون‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬أو‭ ‬لعلها‭ ‬في‭ ‬وقفتها‭ ‬الشامخة،‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وقد‭ ‬اصطف‭ ‬خلفها‭ ‬جموع‭ ‬البشر‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬ميادين‭ ‬مصر،‭ ‬لعلها‭ ‬كانت‭ ‬تهمس‭ ‬في‭ ‬خيال‭ ‬الفنان‭: ‬‮«‬وقف‭ ‬الخلق‭ ‬ينظرون‭ ‬جميعاً‭ ‬كيف‭ ‬أبني‭ ‬قواعد‭ ‬المجد‭ ‬وحدي‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير،‭ ‬والتي‭ ‬ألهمت‭ ‬وألهبت‭ ‬خيال‭ ‬بهجوري،‭ ‬فقدم‭ ‬بقاعة‭ ‬‮«‬بيكاسو‮»‬‭ ‬بالزمالك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أعمال‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالثورة‭ ‬البيضاء‭.‬

ويُعبر‭ ‬بهجوري‭ ‬خلال‭ ‬لوحاته‭ ‬عن‭ ‬مشاعره‭ ‬وتأملاته‭ ‬حول‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬والشعب‭ ‬المصري،‭ ‬ويُسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬المؤسفة‭ ‬الماضية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دفء‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المصرية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإلهامات‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬فنه،‭ ‬مثل‭ ‬سحر‭ ‬الموسيقى‭ ‬المصرية‭ ‬وأسطورة‭ ‬الموسيقى‭ ‬‮«‬أم‭ ‬كلثوم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬غنت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية،‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭.‬

وآخر‭ ‬أعمال‭ ‬البهجوري‭ ‬وأهمها‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬جدارية‭ ‬ضخمة‭ ‬رسمها‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬تشبه‭ ‬أو‭ ‬تنافس‭ ‬اللوحات‭ ‬المهمة،‭ ‬مثل‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬ديلاكروا‮»‬‭ ‬‮«‬الحرية‭ ‬تقود‭ ‬الشعب‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬تقريباً‭ ‬البراعة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬لحظة‭ ‬مهمة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب،‭ ‬وفي‭ ‬الجدارية‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬احتشاد‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬رفضاً‭ ‬للظلم‭ ‬والاستبداد،‭ ‬ويظهر‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬الحصان‭ ‬والجمل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬شبه‭ ‬مقلوب‭.‬

ويقول‭ ‬بهجوري‭ ‬‮«‬رسمت‭ ‬الحصان‭ ‬بشكل‭ ‬مقلوب‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬شيم‭ ‬الحصان‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬نبل‭ ‬الفارس،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬يأبى‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬ضد‭ ‬الثوار‮»‬‭. ‬وجاءت‭ ‬جدارية‭ ‬بهجوري‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الثورة،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬ترك‭ ‬الفكرة‭ ‬تتخمر‭ ‬في‭ ‬وجدانه،‭ ‬لأن‭ ‬جدارية‭ ‬ضخمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬نتيجة‭ ‬دفقة‭ ‬انفعال‭ ‬مباشر‭ ‬عكس‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬طلقات‭ ‬الرصاص،‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬عمل‭ ‬جداريات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬الأعمال‭ ‬الدعائية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الفاشية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬وقتها‭ ‬‮«‬الواقعية‭ ‬الاشتراكية‮»‬‭.‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬جورج‭ ‬بهجوري‭ ‬فنان‭ ‬مصري‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الثالث‭ ‬وُلد‭ ‬عام‭ ‬1932‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ويعيش‭ ‬حالياً‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وتخرج‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بالزمالك،‭ ‬عام‭ ‬1955،‭ ‬كما‭ ‬أضيف‭ ‬اسمه‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬‮«‬أساتذة‭ ‬الفن‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬بباريس‭.‬

 

أعمال‭ ‬ثورية‭ ‬بالقاعات‭ ‬الفنية

الثورات‭ ‬تصنع‭ ‬فنانيها،‭ ‬لهذا‭ ‬كرست‭ ‬معظم‭ ‬القاعات‭ ‬الفنية‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬ساحات‭ ‬معارضها‭ ‬لموضوع‭ ‬الثورة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أعمالاً‭ ‬مرتبطة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالثورة‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الحدث‭ ‬وحوله،‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬أعمالاً‭ ‬مصرية‭ ‬مقدمة‭ ‬تحية‭ ‬للثورة‭. ‬إذ‭ ‬قدمت‭ ‬قاعة‭ ‬الأوبرا‭ ‬مجموعات‭ ‬منتقاة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬لشعبة‭ ‬المصورين‭ ‬الصحفيين‭ ‬التابعة‭ ‬لنقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬الاحتفالية‭ ‬الفنية‭ ‬‮«‬سجل‭ ‬يا‭ ‬زمان‮»‬‭. ‬كما‭ ‬عرض‭ ‬أتيليه‭ ‬القاهرة‭ ‬‮«‬كاريكاتير‭ ‬الثورة‮»‬‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬المصريين‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬رابطة‭ ‬اتحاد‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬الذين‭ ‬تابعوا‭ ‬نبض‭ ‬الثورة‭ ‬يوماً‭ ‬بيوم‭.‬

لم‭ ‬يفت‭ ‬القاعات‭ ‬الخاصة‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬فقاعة‭ ‬‮«‬سفر‭ ‬خان‮»‬‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬شباب‭ ‬الفنانين‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير،‭ ‬وقدمت‭ ‬معرضاً‭ ‬لثلاثي‭ ‬من‭ ‬المصورين‭ ‬الفوتوغرافيين،‭ ‬هم‭ ‬باسم‭ ‬سمير‭ ‬وحسام‭ ‬حسن‭ ‬وعلاء‭ ‬طاهر‭. ‬وقاعة‭ ‬‮«‬خان‭ ‬مغربي‮»‬‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬عن‭ ‬تلقيها‭ ‬للأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬الثورة،‭ ‬وأعمال‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين،‭ ‬ليذهب‭ ‬عائدها‭ ‬إلى‭ ‬أسر‭ ‬الشهداء‭.‬

أما‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬الزمالك‭ ‬للفن‮»‬،‭ ‬فعرضت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬اعتادت‭ ‬أن‭ ‬تنظم‭ ‬معارضهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬مثل‭ ‬فرغلي‭ ‬عبدالحفيظ‭ ‬وفاروق‭ ‬وهبة‭ ‬ورباب‭ ‬نمر‭ ‬وزينب‭ ‬السجيني‭ ‬ومصطفى‭ ‬الرزاز‭ ‬وغيرهم‭. ‬وأعلنت‭ ‬أن‭ ‬عائد‭ ‬معرضها‭ ‬‮«‬مصر‭ ‬الأم‮»‬‭ ‬سيذهب‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬اقتصاد‭ ‬مصر‭ ‬عبر‭ ‬رقم‭ ‬إيداع‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭.‬

تقودنا‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬بين‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬إلحاح‭ ‬الحدث‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬وبين‭ ‬الترويج‭ ‬والاستثمار‭ ‬باسم‭ ‬الثورة‭. ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬مولد‭ ‬الروح‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬التحرير‭ ‬ومدن‭ ‬مصر‭ ‬المختلفة،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكناً‭ ‬إقامة‭ ‬معرض‭ ‬فني‭ ‬عادي‭ ‬يكرس‭ ‬لأحد‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬أو‭ ‬يكتشف‭ ‬إحدى‭ ‬المواهب‭ ‬الجديدة،‭ ‬بينما‭ ‬الثورة‭ ‬مازالت‭ ‬تثمر‭ ‬فناً‭ ‬جديداً،‭ ‬أما‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬فينبغي‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الحكم‭ ‬والتقييم‭ ‬الفنيين‭.‬

 

الثورة‭ ‬بين‭ ‬التوثيق‭ ‬التاريخي‭ ‬والإلهام‭ ‬الفني

وماذا‭ ‬إذن‭ ‬سيكون‭ ‬مستقبل‭ ‬المعارض‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬هل‭ ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬أعمال‭ ‬عن‭ ‬الثورة؟‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬ستتوسع‭ ‬وتخرج‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬المباشرة‭ ‬للثورة‭ ‬لتطرح‭ ‬رؤى‭ ‬مغايرة‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬ملامح‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة؟‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬الفن‭ ‬دائماً‭ ‬حاملاً‭ ‬لرؤى‭ ‬المستقبل؟

شيرويت‭ ‬شافعي‭ ‬مديرة‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬سفر‭ ‬خان‮»‬،‭ ‬ترى‭ ‬المشهد‭ ‬الفني‭ ‬بشكل‭ ‬شديد‭ ‬التفاؤل،‭ ‬حيث‭ ‬تنوي‭ ‬أن‭ ‬تقيم‭ ‬معارض‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭: ‬‮«‬سوف‭ ‬أتمسك‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬بشباب‭ ‬الفنانين‭ ‬وأعيد‭ ‬اكتشافهم‮»‬،‭ ‬مضيفة‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬ستسير‭ ‬في‭ ‬مجراها‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬وستكون‭ ‬الناس‭ ‬شغوفة‭ ‬بالفن‭ ‬الجديد‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬سيطرح‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬هو‭ ‬تحديد‭ ‬الفارق‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬التوثيق‭ ‬التاريخي‭ ‬للحدث‭ ‬وبين‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬المجاز‭ ‬والخيال‭ ‬والفنية،‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬قد‭ ‬تنال‭ ‬روح‭ ‬التوثيق‭ ‬من‭ ‬فنية‭ ‬العمل؟‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يصبح‭ ‬المنتج‭ ‬الفني‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة‭ ‬أشبه‭ ‬بالأعلام‭ ‬والشارات‭.‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬التسجيلي‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬الصور‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬واكبت‭ ‬لحظات‭ ‬الثورة‭ ‬ونشرت‭ ‬الصحف‭ ‬بعضاً‭ ‬منها‭. ‬بينما‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نقلاً‭ ‬أميناً‭ ‬للواقع،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مجمل‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬تشكل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬توثيقاً‭ ‬فنياً‭ ‬لأحداث‭ ‬الثورة‭. ‬ونرى‭ ‬مثالاً‭ ‬واضحاً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الجدارية‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬التي‭ ‬عرف‭ ‬بها‭ ‬الفنان‭ ‬طه‭ ‬قرني،‭ ‬التي‭ ‬عُرض‭ ‬جانب‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬بيكاسو‮»‬‭. ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬تنال‭ ‬إعجاب‭ ‬الجماهير،‭ ‬فإنها‭ ‬رصد‭ ‬توثيقي‭ ‬للتظاهرات‭ ‬بها‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬وتصبح‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬تصور‭ ‬اللافتات‭ ‬وما‭ ‬كتب‭ ‬عليها،‭ ‬مثل‭ ‬لافتة‭ ‬‮«‬احذروا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يحذر‭ ‬فيها‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬المضادة‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬تمثل‭ ‬أعمال‭ ‬شباب‭ ‬المصورين‭ ‬المعروضة‭ ‬أعمالهم‭ ‬بقاعة‭ ‬‮«‬سفر‭ ‬خان‮»‬‭ ‬تسجيلاً‭ ‬وثائقياً‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬فنية‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬للصورة‭ ‬الفوتوغرافية،‭ ‬بحيث‭ ‬حمل‭ ‬رؤية‭ ‬فنية‭ ‬خاصة،‭ ‬مثل‭ ‬أعمال‭ ‬حسام‭ ‬حسن‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬مجموعة‭ ‬أعمال‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬تمت‭ ‬معالجتها‭ ‬بالمونتاج‭ ‬والفوتوشوب‭ ‬وإبراز‭ ‬النيجاتيف‭ ‬وإضافة‭ ‬الألوان،‭ ‬لتقدم‭ ‬لوحات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬البوب‭ ‬آرت‭.‬

أما‭ ‬أعمال‭ ‬علاء‭ ‬طاهر‭ ‬وباسم‭ ‬سمير‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التدخل‭ ‬فيها‭ ‬فنياً،‭ ‬فاعتمدت‭ ‬على‭ ‬براعة‭ ‬اللقطات‭ ‬وطزاجة‭ ‬رؤية‭ ‬الفنانين‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬عايشوا‭ ‬الحدث‭ ‬وأبرزوا‭ ‬جوانبه‭ ‬المسكوت‭ ‬عنها،‭ ‬مثل‭ ‬صورة‭ ‬علاء‭ ‬طاهر‭ ‬التي‭ ‬التقطها‭ ‬من‭ ‬أسفل‭ ‬العلم‭ ‬المصري‭ ‬المحمول‭ ‬بأيدي‭ ‬مئات‭ ‬الشباب،‭ ‬بينما‭ ‬الصورة‭ ‬التقليدية‭ ‬المعروفة‭ ‬كانت‭ ‬الصورة‭ ‬البانورامية‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬أعلى‭.‬

أما‭ ‬باسم‭ ‬سمير‭ ‬فقد‭ ‬التقط‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬الأسوار‭ ‬وصارت‭ ‬مثل‭ ‬لوحات‭ ‬الجرافيتي‭ ‬المعروفة،‭ ‬التي‭ ‬تخط‭ ‬كتابات‭ ‬ورسوم‭ ‬التمرد‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭. ‬إنها‭ ‬اللغة‭ ‬العصرية‭ ‬وروح‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬يتحتم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننصت‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬‭.