تلقِّي القَصص الشعبي في النقد الأدبي

تلقِّي القَصص الشعبي  في النقد الأدبي

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تساير‭ ‬حركية‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬قليلة،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬لملمة‭ ‬التشظي‭ ‬في‭ ‬مؤلف‭ ‬واحد‭ ‬غايته‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬ليطول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬عربي‭ ‬نادرة‭ ‬جداً،‭ ‬ومرد‭ ‬تلك‭ ‬القلة‭ ‬وهذه‭ ‬الندرة‭ ‬يعود‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬الإقليمية‭ ‬الذي‭ ‬يتشبع‭ ‬به‭ ‬مثقفو‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬الأسيجة‭ ‬التي‭ ‬يضعها‭ ‬أعداء‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬المهووسون‭ ‬بنظارة‭ ‬الأدب‭ ‬الرسمي‭ ‬لكونه‭ ‬أدب‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭.‬

‭ ‬وكتاب‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬يعلى‭ ‬الموسوم‭ ‬بميسم‭ ‬‮«‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬قضايا‭ ‬وإشكالات‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الكتب‭ ‬النقدية‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬لهذا‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬لتضاف‭ ‬بذلك‭ ‬لبنة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬أدبنا‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬وذلك‭ ‬بتواتر‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تتعالق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬لتشكل‭ ‬نسق‭ ‬الكتاب‭.‬

يُعتبر‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬يعلى‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬خاضوا‭ ‬غمار‭ ‬الكتابة‭ ‬النقدية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تجاربهم‭ ‬الإبداعية،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬في‭ ‬التوجه،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬التجربة‭ ‬النقدية‭ ‬عنده‭ ‬تحتفي‭ ‬بطاقات‭ ‬خلاقة،‭ ‬الرافد‭ ‬الرئيس‭ ‬فيها،‭ ‬الإصغاء‭ ‬العميق‭ ‬لنبض‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬مساءلتها،‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يمور‭ ‬بعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬وذلك‭ ‬قصد‭ ‬ضبط‭ ‬جهازه‭ ‬المفهومي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أساس‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬نقدي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعمل‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬تجاوزه‭ ‬بعد،‭ ‬إذ‭ ‬لاتزال‭ ‬الفوضى‭ ‬تعم‭ ‬هذا‭ ‬الحقل،‭ ‬وإشكاليات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الأدب‭ ‬الرسمي‭/ ‬الأدب‭ ‬الشعبي،‭ ‬والوحدة‭/ ‬التنوع،‭ ‬والتصنيف‭/ ‬التجنيس،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الإشكالات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الباحثين‭ ‬فيه‭.‬

‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور‭ ‬رئيسة،‭ ‬هي‭: ‬الأهداف،‭ ‬والمتن،‭ ‬ثم‭ ‬التقويم‭ ‬الجمالي‭.‬

غنى‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي

‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حصر‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬االقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬دراسة‭ ‬مورفولوجيةب‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬المغرب،‭ ‬فإنه‭ ‬هدف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابه‭ ‬االقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬قضايا‭ ‬وإشكالاتب‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام،‭ ‬بمعالجة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وإن‭ ‬شدّد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬إشكالية‭ ‬المصطلح‭ ‬أمر‭ ‬لابد‭ ‬منه‭ ‬قصد‭ ‬تجاوز‭ ‬مظاهر‭ ‬الاضطراب‭ ‬التي‭ ‬تسوده،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬ثانٍ‭ ‬نشده‭ ‬المؤلف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ ‬بقوله‭: ‬اإن‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المداخلات،‭ ‬يتحدد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نعتبره‭ ‬هدفاً‭ ‬متوخى‭ ‬هنا،‭ ‬ويتحدد‭ - ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإشباع‭ ‬العلمي‭ - ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الانتباه‭ ‬مجدداً‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬غنى‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬ومدى‭ ‬حاجته‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والدرس،‭ ‬استعادة‭ ‬لما‭ ‬يستحقه‭ ‬من‭ ‬اعتبار،‭ ‬ودفعاً‭ ‬لوضعه‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬جمود،‭ ‬وتحريضاً‭ ‬على‭ ‬الاستنارة‭ ‬به‭ ‬واستلهامه‭ ‬إبداعياً،‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بمهاراته‭ ‬التخييلية،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭. ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬صونه‭ ‬من‭ ‬الضياعب‭.‬

‭ ‬ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬منشغل‭ ‬بمحاولة‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬وحث‭ ‬الباحثين‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬جمعه‭ ‬وحفظه‭ ‬من‭ ‬الضياع،‭ ‬بل‭ ‬واستكناه‭ ‬ما‭ ‬يمور‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬وتنوع‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفني،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعززه‭ ‬قوله‭: ‬انرجو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬المناقشة‭ ‬قد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬ثراء‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬عامة‭ ‬وقصصه‭ ‬خاصة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحفز‭ ‬الدراسة‭ ‬الأدبية‭ ‬المغربية‭ ‬والعربية‭ ‬إلى‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬بكر‭ ‬ينتظر‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الجهود،‭ ‬ومضاعفة‭ ‬الاهتمام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بحث‭ ‬ما‭ ‬يزخر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬جمالية‭ ‬وتيماتية‭ ‬عالية،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تغيير‭ ‬النظرة‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬لايزال‭ ‬بعضهم‭ ‬يحملها‭ ‬تجاه‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬جهلاً‭ ‬أو‭ ‬تعالياًب‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬غاية‭ ‬المؤلف‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬المنهج‭ ‬المورفولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬للناقد‭ ‬أن‭ ‬تبناه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬السابق،‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬قراءات‭ ‬للقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬تبرز‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬المنهج‭ ‬المعتمد،‭ ‬وإنما‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬الأدب،‭ ‬لكونه‭ ‬النابض‭ ‬بما‭ ‬يخالج‭ ‬الوجدان‭ ‬الجمعي‭. ‬

وما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المنهجي‭ ‬جاء‭ ‬جامعا‭ ‬للمستويين‭ ‬النظري‭ ‬والتطبيقي،‭ ‬حيث‭ ‬الاستيعاب‭ ‬الرصين‭ ‬لكل‭ ‬الجوانب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجانب‭ ‬النظري،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تبرزه‭ ‬بعض‭ ‬قراءاته‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المتن‭ ‬المدروس،‭ ‬لاسيما‭ ‬أثناء‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الثاني‭.‬

 

إشكالية‭ ‬الأدبين‭ ‬الشعبي‭ ‬والرسمي

‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدده،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬مجالا‭ ‬للتساؤل‭ ‬حول‭ ‬نوعية‭ ‬الموضوعات‭ ‬المطروقة،‭ ‬فالنوع‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يتغيى‭ ‬المؤلف‭ ‬الوقوف‭ ‬عنده‭ ‬هو‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬تجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬ليقف‭ ‬عند‭ ‬إشكالية‭ ‬مهمة‭ ‬هي‭ ‬إشكالية‭ ‬الأدبين‭ ‬الشعبي‭ ‬والرسمي،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬هذه‭ ‬الالتفاتة‭ ‬فإن‭ ‬جل‭ ‬القضايا‭ ‬المتطرق‭ ‬إليها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬حرص‭ ‬الناقد‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬المنهجي‭ ‬الرصين‭ ‬الذي‭ ‬تتعالق‭ ‬مقدماته‭ ‬مع‭ ‬نتائجه،‭ ‬وهكذا‭ ‬يناقش‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬يعلى‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬نشير‭ ‬إليها‭ ‬باقتضاب‭.‬

‭ ‬أثناء‭ ‬تعرض‭ ‬المؤلف‭ ‬لإشكال‭ ‬مصطلح‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬عرّج‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬د‭. ‬عبدالعزيز‭ ‬حمودة‭ ‬الذي‭ ‬أبان‭ ‬عن‭ ‬الهشاشة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬المصطلح‭ ‬وهو‭ ‬يلج‭ ‬أبواب‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬وهو‭ ‬رأي‭ ‬يراه‭ ‬المؤلف‭ ‬صائباً‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأدب‭ ‬الشعبي،‭ ‬الذي‭ ‬امتدت‭ ‬إليه‭ ‬مظاهر‭ ‬الاضطراب،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحاول‭ ‬إبراز‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬بتقديم‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأمثلة،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الاختزال‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬معززاً‭ ‬هذا‭ ‬النزوع‭ ‬بشواهد‭ ‬لباحثين‭ ‬كبار‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬عبدالمالك‭ ‬مرتاض،‭ ‬ونمر‭ ‬سرحان،‭ ‬وغيرهما،‭ ‬مرجعاً‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬الاضطراب‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬العوامل،‭ ‬منها‭: ‬طبيعة‭ ‬الاختلاف‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬ضبط‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمصطلحات‭ ‬عصياً،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الجنينية،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬انضباط‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬للحرفية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُصعِّب‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬الباحث‭ ‬فيه،‭ ‬وإن‭ ‬ألمح‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬من‭ ‬تنبه‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تعم‭ ‬توظيف‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬الشعبية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬مع‭ ‬نبيلة‭ ‬إبراهيم‭ ‬وعبدالحميد‭ ‬يونس‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الوقوف‭ ‬لن‭ ‬يمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬بدائل‭ ‬قد‭ ‬تسعف‭ ‬في‭ ‬تطويق‭ ‬الأزمة‭ ‬المصطلحية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقدم‭ ‬خمسة‭ ‬مصطلحات‭ ‬يراها‭ ‬رامزة‭ ‬لتمييز‭ ‬أهم‭ ‬الأنواع‭ ‬السردية‭ ‬الشعبية،‭ ‬وهي‭ ‬االقصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬والحكاية‭ ‬العجيبة،‭ ‬والحكاية‭ ‬الشعبية،‭ ‬والحكاية‭ ‬الخرافية،‭ ‬والحكاية‭ ‬المرحةب‭. ‬

ويعود‭ ‬الرائز‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاقتراحات‭ - ‬حسب‭ ‬المؤلف‭ - ‬إلى‭ ‬إجراءين‭ ‬علميين‭ ‬يتمثلان‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬المفاهيم،‭ ‬والارتكان‭ ‬إلى‭ ‬السمات‭ ‬المهيمنة،‭ ‬والطبيعة‭ ‬النوعية‭ ‬كمصدر‭ ‬للاقتناع‭ ‬بالاختيار‭ ‬الاصطلاحي‭. ‬

ولتعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬يعمد‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة،‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬المكونات‭ ‬والخصائص‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬تتدثر‭ ‬بها،‭ ‬ومنها‭: ‬الزمن‭ ‬المطلق،‭ ‬والفضاء‭ ‬التخييلي‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭ ‬المبدعة،‭ ‬ولاواقعية‭ ‬الحدث‭ ‬وغرابته،‭ ‬ثم‭ ‬طبيعة‭ ‬الشخوص‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يورد‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬خصائص‭ ‬معينة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين،‭ ‬وفلاديمير‭ ‬بروب،‭ ‬ونبيلة‭ ‬إبراهيم،‭ ‬يخلص‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬انوع‭ ‬سردي‭ ‬شعبي‭ ‬مشروط‭ ‬بعناصر‭ ‬ثابتة‭ ‬محددة‭ ‬رائعة،‭ ‬تهيمن‭ ‬عليها‭ ‬الخوارق‭ ‬من‭ ‬سحر‭ ‬وجن‭ ‬وفعل‭ ‬غير‭ ‬معقول،‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬الصارم‭ ‬للزمكان،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتغيى‭ ‬أي‭ ‬مغزى‭ ‬وعظي‭ ‬أو‭ ‬أخلاقي‭ ‬مباشر‭...‬ب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الباحثين،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬

صعوبة‭ ‬الحصر

‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬يتفرع‭ ‬بتفرع‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬التي‭ ‬أنتجته،‭ ‬فإنه‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬المؤلف‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬مسح‭ ‬لجل‭ ‬الإصدارات‭ ‬التي‭ ‬عنّت‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬يتعرض‭ ‬لإشكال‭ ‬التصنيف‭ ‬والتجنيس‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬كما‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬يتسم‭ ‬بالغنى،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬حصر‭ ‬المادة‭ ‬أمراً‭ ‬صعباً‭ ‬للغاية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلغي‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬اتجهت‭ ‬نحو‭ ‬تصنيف‭ ‬هذا‭ ‬القصص‭ ‬ومحاولة‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬أنواعه،‭ ‬حيث‭ ‬وقف‭ ‬الناقد‭ ‬عند‭ ‬ضروب‭ ‬من‭ ‬التصنيف‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬التصنيف‭ ‬الثلاثي،‭ ‬والخماسي،‭ ‬والسباعي،‭ ‬وأحيانا‭ ‬التصنيف‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬المحاولات‭ ‬الفردية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬فيها‭ ‬المنهجية‭ ‬المتسقة‭ ‬غائبة،‭ ‬وإن‭ ‬وجدت‭ ‬فهي‭ ‬عائمة،‭ ‬وهكذا‭ ‬لمسنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التجميعات‭ - ‬كما‭ ‬يبرز‭ ‬المؤلف‭ - ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬لا‭ ‬تصنيف،‭ ‬والتصنيف‭ ‬الأحادي،‭ ‬أو‭ ‬الثنائي،‭ ‬أو‭ ‬الثلاثي،‭ ‬أو‭ ‬الخماسي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التصنيفات،‭ ‬ولتعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬يورد‭ ‬المؤلف‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬مصحوبة‭ ‬بهاجس‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬وتصنيف‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الإصدارات‭ ‬كانت‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬قصصي‭ ‬شعبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نلمحه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬محمد‭ ‬الفاسي‭ ‬وإميل‭ ‬دومنجهيم،‭ ‬وما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬جورج‭ ‬كولين،‭ ‬ودوستينك،‭ ‬وفرنسوا‭ ‬بونجان،‭ ‬وأركاديو‭ ‬دي‭ ‬لاريا‭ ‬بالاسين،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬الدراسات‭ ‬الشعبية،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لاحقة،‭ ‬فإنه‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬الخلط‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يسم‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الإصدارات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أصدره‭ ‬رودولفو‭ ‬خيل،‭ ‬ويسري‭ ‬شاكر،‭ ‬وطوني‭ ‬بارطون،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬التجزيئية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ستخبو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنبيه‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬التبويب‭ ‬والترتيب‭ ‬حسب‭ ‬الاختلاف‭ ‬الأجناسي،‭ ‬وإن‭ ‬غابت‭ ‬عنها‭ ‬مسوغات‭ ‬اختيار‭ ‬منهجية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬د‭. ‬يس‭ ‬ليجي،‭ ‬ولاوسط،‭ ‬ودومينيتش‭ ‬لافوينطي،‭ ‬وموسى‭ ‬أغربي،‭ ‬ومالكة‭ ‬العاصمي‭.‬

‭ ‬وللخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬الإشكالي،‭ ‬يقترح‭ ‬الباحث‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬المبدئية‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التجارب‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬الرائدة،‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬كفيلة‭ ‬للخروج‭ ‬بالقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه،‭ ‬ومنها‭ ‬أن‭ ‬االقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬يحتاج‭ ‬لدى‭ ‬جمعه،‭ ‬إلى‭ ‬تبويبه‭ ‬ضمن‭ ‬فئات‭ ‬نوعية،‭ ‬يمكن‭ ‬حصر‭ ‬مفرداتها‭ ‬المصطلحية‭ ‬ومفاهيمها‭ ‬التحديدية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استيعاب‭ ‬مكوناتها‭ ‬الأجناسيةب‭. ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمكونات‭ ‬الجمالية‭ ‬والأبعاد‭ ‬التدليلية‭ ‬التي‭ ‬ينضح‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬القصص،‭ ‬بحيث‭ ‬تعتبر‭ ‬حسب‭ ‬الباحث‭ ‬رائزاً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التصنيف‭. ‬

وتبعاً‭ ‬لذلك،‭ ‬يقترح‭ ‬المؤلف‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬بعناصرها‭ ‬الفنية،‭ ‬فالحكاية‭ ‬الشعبية،‭ ‬ثم‭ ‬الحكاية‭ ‬الخرافية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬الحكاية‭ ‬المرحة‭. ‬

‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬إشكالية‭ ‬الأدب‭ ‬الرسمي‭/‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬بارزة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬النقدي‭ ‬العربي،‭ ‬فإن‭ ‬المؤلف‭ ‬انبرى‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬مع‭ ‬الإلماع‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية،‭ ‬مشددا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعميق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الأدبين‭ ‬مرده‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المهووسين‭ ‬بنظارة‭ ‬الأدب‭ ‬الرسمي،‭ ‬باعتباره‭ ‬أدب‭ ‬نخبة،‭ ‬بينما‭ ‬يضعون‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬أدنى‭ ‬لكونه‭ ‬أدب‭ ‬العامة‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬السائد‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬يعلى‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أشكال‭ ‬التعالق‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬الأدبين،‭ ‬مشيرا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كلاهما‭ ‬ايتوافر‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬مشتركة،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يهز‭ ‬الناس‭ ‬بدراميته‭ ‬أو‭ ‬سخريته،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يخلد‭ ‬لجودته‭ ‬أو‭ ‬يتلاشى‭ ‬لرداءتهب‭. ‬أما‭ ‬الفروق‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬كلا‭ ‬منهما‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬فيعتبرها‭ ‬من‭ ‬خصوصيات‭ ‬كل‭ ‬أدب‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬ادونما‭ ‬مساس‭ ‬بجوهر‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تربطهما‭ ‬بالوظيفة‭ ‬الفنية‭ ‬والإنسانية‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬يضطلعان‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكانب‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬في‭ ‬التنوع،‭ ‬وتنوع‭ ‬في‭ ‬الوحدة،‭ ‬فإن‭ ‬المؤلف‭ ‬يشيد‭ ‬بالتنوع‭ ‬والغنى‭ ‬اللذين‭ ‬يعرفهما‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬تبعا‭ ‬لأقطاره،‭ ‬وهو‭ ‬تنوع‭ ‬يسهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تداوله‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬تلك‭ ‬الأقطار،‭ ‬والأمة‭ ‬العربية‭ ‬جمعاء،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬حقيقة‭ ‬قومية‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيها‭. ‬ولذلك‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬رغم‭ ‬الاختلافات‭ ‬التي‭ ‬تطول‭ ‬بعض‭ ‬مكوناته،‭ ‬وتفاصيله‭ ‬الجزئية‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬لآخر‭. ‬

ولتعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬يعمد‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬حكاية‭ ‬عجيبة‭ ‬هي‭ ‬حكاية‭ ‬االحطاب‭ ‬وعفريت‭ ‬الغابةب،‭ ‬وقد‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬بخلاصة‭ ‬مفادها،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬المغربية‭ ‬تأتلف‭ ‬مع‭ ‬الحكاية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬االباطيةب،‭ ‬والحكاية‭ ‬السودانية‭ ‬ادور‭ ‬يا‭ ‬مسعودب‭ ‬مبيناً‭ ‬بذلك‭ ‬مظاهر‭ ‬ذلك‭ ‬الائتلاف،‭ ‬وإن‭ ‬ألح‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬الاختلاف‭ ‬التي‭ ‬اتصلت‭ ‬ببعض‭ ‬العناصر‭ ‬البنيوية‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكاية‭ ‬ككل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المؤلف‭ ‬لتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مقارنات‭ ‬بين‭ ‬حكايات‭ ‬تتجاوز‭ ‬السياق‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬السياق‭ ‬العالمي،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬حكاية‭ ‬االكلب‭ ‬والذئبب،‭ ‬التي‭ ‬انتقاها‭ ‬من‭ ‬خرافات‭ ‬أيسوب،‭ ‬وقارنها‭ ‬بحكايتين‭ ‬خرافيتين‭ ‬هما‭ ‬الحكاية‭ ‬السورية‭ ‬االفارات‭ ‬الثلاثب،‭ ‬ثم‭ ‬الحكاية‭ ‬المصرية‭ ‬االفكرب،‭ ‬وقد‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مظاهر‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬اتحتوي‭ ‬ضمنياً‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬التنوع‭ ‬الكامنة‭ ‬فيهب‭.‬

‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬يلامس‭ ‬الباحث‭ ‬تنويعات‭ ‬استعمال‭ ‬الكيد‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬المرأة،‭ ‬حيث‭ ‬وقف‭ ‬عند‭ ‬أربع‭ ‬تنويعات‭ ‬وهي‭ ‬الكيد‭ ‬للكيد،‭ ‬ثم‭ ‬الكيد‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬فالكيد‭ ‬حصناً‭ ‬للقيم،‭ ‬وأخيراً‭ ‬الشر‭ ‬امرأة،‭ ‬والخير‭ ‬امرأة،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬تتبعه‭ ‬ذاك‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬المسوح‭ ‬المتعددة‭ ‬للمرأة،‭ ‬فهي‭ ‬تارة‭ ‬امرأة‭ ‬بريئة،‭ ‬وضحية،‭ ‬وذكية،‭ ‬ومحنكة،‭ ‬وخطيبة‭ ‬مخلصة،‭ ‬وامرأة‭ ‬مساعدة،‭ ‬وهي‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬شريرة،‭ ‬ومنتقمة،‭ ‬وقاتلة،‭ ‬وساحرة،‭ ‬ومستأثرة،‭ ‬وجنية،‭ ‬ليخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬في‭ ‬معالجتها‭ ‬تناقضات‭ ‬المرأة‭ ‬تختزل‭ ‬لنا‭ ‬القول‭ ‬المأثور‭ ‬االمرأة‭ ‬لغز‭ ‬محيرب‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬وقف‭ ‬الباحث‭ ‬أيضا‭ ‬عند‭ ‬تيمة‭ ‬الخيمة،‭ ‬منطلقاً‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬تكتسيها‭ ‬في‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬الخيمة‭ ‬ملازمة‭ ‬للعربي‭ ‬في‭ ‬حله‭ ‬وترحاله،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكسبها‭ ‬تلك‭ ‬القيمة‭ ‬الرمزية‭ ‬التي‭ ‬تتدثر‭ ‬بها،‭ ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬لاستجلاء‭ ‬الأبعاد‭ ‬الدلالية‭ ‬والرمزية‭ ‬للخيمة‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬يقف‭ ‬الباحث‭ ‬عند‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬الخيمة‭ ‬توظيفاً‭ ‬رمزياً‭ ‬متنوعاً،‭ ‬حيث‭ ‬تنتقل‭ ‬الخيمة‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬فضاء‭ ‬للإساءة‭ ‬والظلم‭ ‬وتبادل‭ ‬المكر‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬للكرم‭ ‬والإيثار،‭ ‬ومن‭ ‬كونها‭ ‬مبعثاً‭ ‬لليأس‭ ‬والقنوط،‭ ‬إلى‭ ‬اعتبارها‭ ‬فضاء‭ ‬مفتوحاً‭ ‬على‭ ‬الأمل‭ ‬والحياة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يخلص‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخيمة‭ ‬في‭ ‬الحكاية‭ ‬اليست‭ ‬مكاناً‭ ‬حيادياً،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬تأثيث‭ ‬زخرفي‭ ‬زائد،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬مكون‭ ‬عضوي‭ ‬ملتحم‭ ‬بحبكة‭ ‬الحكاية‭ ‬ووحداتها‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وذو‭ ‬امتداد‭ ‬وحضور‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬الحدثب‭. ‬إن‭ ‬الخيمة‭ - ‬حسب‭ ‬المؤلف‭ - ‬تتخذ‭ ‬شكلين‭ ‬بارزين‭ ‬هما‭ ‬االخيمة‭ ‬فضاء،‭ ‬والخيمة‭ ‬أداةب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تحتفي‭ ‬بعديد‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬التي‭ ‬تسم‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوي،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭.‬

 

التقويم‭ ‬الجمالي

‭ ‬لقد‭ ‬اتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يتمتع‭ ‬بدراية‭ ‬جيدة‭ ‬بالأدب‭ ‬الشعبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مادة‭ ‬دسمة،‭ ‬وغنية،‭ ‬تدفع‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الضرب‭ ‬من‭ ‬أدبنا‭ ‬العربي،‭ ‬كما‭ ‬تأتي‭ ‬أهميته‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬حاول‭ ‬الالتزام‭ ‬بما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬خلال‭ ‬مسار‭ ‬الدراسة،‭ ‬فهو‭ ‬عندما‭ ‬يحاول‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬الخصائص‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬يتدثر‭ ‬بها‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬بعض‭ ‬الحكايات،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬التي‭ ‬انتهى‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬نوع‭ ‬سردي‭ ‬شعبي‭ ‬رائع‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬التعميم‭ ‬التي‭ ‬اهتدى‭ ‬إليها‭ ‬المؤلف‭ ‬وهو‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬برمته‭ ‬يقول‭: ‬اإنه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬مردها‭ ‬الجهل‭ ‬بفنية‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي‭ ‬وأبعاده،‭ ‬متهمة‭ ‬هذا‭ ‬القصص‭ ‬بالسذاجة‭ ‬والاعتباطية،‭ ‬فإن‭ ‬شبكة‭ ‬النسيج‭ ‬التي‭ ‬حبكت‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الحكايات‭ ‬العجيبة‭ ‬عموما،‭ ‬وما‭ ‬احتوت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تقنية‭ ‬فنية‭ ‬مدهشة،‭ ‬يكذبان‭ ‬الاتهام‭ ‬المجاني‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬هلهلة،‭ ‬ولا‭ ‬تخبط،‭ ‬ولا‭ ‬فجاجة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحكايات‭ ‬العجيبةب‭.‬

السير‭ ‬الشعبية‭ ‬لها‭ ‬خصوصيات

‭ ‬إن‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬سردي‭ ‬شعبي‭ ‬واحد‭ ‬محدد‭ ‬له‭ ‬خصائصه‭ ‬وسماته،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تعميم‭ ‬فرادته‭ ‬لتطول‭ ‬بقية‭ ‬الأنواع‭ ‬الأخرى‭ ‬هما‭ ‬ما‭ ‬يجعلانا‭ ‬نطرح‭ ‬السؤال‭ ‬الملح‭ ‬حول‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعميم،‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬نوع‭ ‬قصصي‭ ‬شعبي‭ ‬يتميز‭ ‬بخصائص‭ ‬مغايرة‭ ‬عن‭ ‬الأنواع‭ ‬الأخرى،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬الاختلافات‭ ‬الموجودة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تجنيس‭ ‬هذا‭ ‬القصص‭. ‬ثم‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬الحسم‭ ‬في‭ ‬إشكال‭ ‬المصطلح،‭ ‬قدم‭ ‬مسوغات‭ ‬اختيار‭ ‬مصطلحات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬فلمَ‭ ‬العودة‭ ‬لشرح‭ ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬بالحكاية‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية؟،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬هامش‭ ‬الصفحة‭ ‬االمقصود‭ ‬الحكاية‭ ‬الشعبية‭ ‬الواقعيةب‭ ‬ليبقى‭ ‬السؤال‭: ‬أليس‭ ‬شرح‭ ‬مصطلح‭ ‬بمصطلح‭ ‬تم‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬المؤلف‭ ‬يدخلنا‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الفوضى؟‭ ‬وهي‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬وضوحا‭ ‬عندما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬الخرافية‭ ‬هي‭ ‬الحكاية‭ ‬االتي‭ ‬تساق‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الحيوانب،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬شخصياتها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬بالضرورة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفنده‭ ‬كلام‭ ‬المؤلف‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شخصيات‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬ابلا‭ ‬أسماء،‭ ‬وعددهم‭ ‬جد‭ ‬قليل،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثلاثة‭ ‬غالبا،‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بـ‭ (‬المعتدي،‭ ‬الضحية،‭ ‬الوسيط‭) ‬وهم‭ ‬إما‭ (‬وهنا‭ ‬الشاهد‭) ‬من‭ ‬الحيوان،‭ ‬أو‭ ‬النبات،‭ ‬أو‭ ‬الجماد،‭ ‬أو‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬كالشمس،‭ ‬والريح‭...‬إلخ‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبطال،‭ ‬كونهم‭ ‬يؤنسنون‭ ‬بإسقاط‭ ‬الخصائص‭ ‬البشرية‭ ‬عليهمب‭. ‬هذه‭ ‬الـاإماب‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬والمؤلف‭ ‬يشرح‭ ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬بالحكاية‭ ‬الخرافية‭ ‬تعود‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬إشكال‭ ‬منهجي‭ ‬يتعلق‭ ‬بمراجعة‭ ‬الكتاب‭ ‬ككل‭. ‬

‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تساؤل‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬كتابه،‭ ‬وهو‭ ‬يلمح‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتداء‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬مصطلحات‭ ‬محددة‭ ‬للقصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬يشكل‭ ‬من‭ ‬منظورنا‭ ‬ضرباً‭ ‬لما‭ ‬قدّمه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬اقتراحاته‭ - ‬كما‭ ‬يؤكد‭ - ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬إجراءات‭ ‬علمية‭. ‬يقول‭: ‬اويهمنا‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاقتراحات،‭ ‬تستند‭ ‬في‭ ‬صياغتها‭ ‬إلى‭ ‬إجراءين‭ ‬علميين،‭ ‬يرتكز‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬المفاهيم،‭ ‬بينما‭ ‬يستند‭ ‬الثاني‭ ‬إلى‭ ‬السمات‭ ‬المهيمنة،‭ ‬والطبيعة‭ ‬النوعية‭ ‬للحكاية‭ ‬كمصدر‭ ‬دلالي‭ ‬للاقتناع‭ ‬بالاختيار‭ ‬الاصطلاحيب‭. ‬فلمَ‭ ‬طرح‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬المؤلف‭ ‬مقتنعا‭ ‬بما‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬اختيارات؟

‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المؤلف‭ ‬يرفض‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الباحثين،‭ ‬محاولا‭ ‬تقديم‭ ‬بدائل‭ ‬يراها‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصواب،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬أغفل‭ ‬أن‭ ‬رائد‭ ‬الاتجاه‭ ‬فلاديمير‭ ‬بروب‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬انتقادات‭ ‬ليفي‭ ‬شتراوس‭ ‬بقوله‭ ‬الكن‭ ‬المؤلف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ينوي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬دراسة‭ ‬كل‭ ‬أنماط‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬المتنوع‭ ‬والمعقد‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الحكاية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬كذلك،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتفحص‭ ‬إلا‭ ‬نمطا‭ ‬واحدا‭ ‬منها‭ ‬كان‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬الأنماط‭ ‬الأخرى‭ ‬كلها،‭ ‬هو‭ ‬نمط‭ ‬الحكايات‭ ‬العجيبة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها،‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬وحدهاب‭.‬

‭ ‬إذ‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتفرع‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬نوع‭ ‬سردي‭ ‬شعبي‭ ‬واحد،‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬الحكاية‭ ‬الشعبية؟،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬يصير‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬أحمد‭ ‬زياد‭ ‬محبك‭ ‬صائبا،‭ ‬حيث‭ ‬يتعرض‭ ‬لوحدة‭ ‬الحكاية‭ ‬الشعبية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يحلل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬العجيبة،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يقلب‭ ‬البحث‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬ليطفو‭ ‬السؤال‭: ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬بعد‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬إشكال‭ ‬المصطلح‭ ‬بمرونة‭ ‬ابستيمولوجية،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التعصب‭ ‬والنظرة‭ ‬الإقليمية‭ ‬الضيقة؟

‭ ‬وفي‭ ‬مناقشته‭ ‬لمسألة‭ ‬تصنيف‭ ‬القصص‭ ‬الشعبي،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬الموضوعات‭ ‬والموتيفات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬كل‭ ‬حكاية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نبّه‭ ‬إليه‭ ‬فلاديمير‭ ‬بروب‭ ‬حين‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اكل‭ ‬تصنيف‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬المواضيع‭ ‬تصنيف‭ ‬فاسد،‭ ‬لأن‭ ‬الحكاية‭ ‬لا‭ ‬تنفرد‭ ‬بموضوعات‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ ‬لا‭ ‬تتقاطع‭ ‬ولا‭ ‬تتداخل‭ ‬مع‭ ‬أشكال‭ ‬أدبية‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يصدق‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬التصنيف‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الموتيفات،‭ ‬فالقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬حكايات‭ ‬للجن،‭ ‬وحكايات‭ ‬للحيوان،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬حكاية‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬إلا‭ ‬موتيفاً‭ ‬واحداً‭ ‬ووحيداً،‭ ‬وليست‭ ‬سوى‭ ‬تحقق‭ ‬خاص‭ ‬له،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الممارسة‭ ‬التحليلية‭ ‬تبرهن‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬تتعايش‭ ‬داخل‭ ‬الحكاية‭ ‬الواحدة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الموتيفاتب‭.‬

‭ ‬ويذهب‭ ‬المؤلف‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حينما‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬القصص‭ ‬وتصنيفها،‭ ‬وهو‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬منظورنا‭ ‬يفتقد‭ ‬الشرعية،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬يشملها‭ ‬وجدت‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬المهم‭ ‬لفلاديمير‭ ‬بروب‭ ‬اعلم‭ ‬تشكل‭ ‬الحكاية‭ ‬العجيبةب‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬الأصلية‭ ‬عام‭ ‬1928،‭ ‬ولم‭ ‬يترجم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أما‭ ‬الترجمة‭ ‬العربية،‭ ‬فلم‭ ‬تظهر‭ ‬إلا‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬ولكن‭ ‬محاولات‭ ‬الجمع‭ ‬تلك،‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬المؤلف،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬أصدر‭ ‬محمد‭ ‬الفاسي‭ ‬ودرمنجهيم‭ ‬مجموعتين‭ ‬عامي‭ ‬1926‭ ‬و1928،‭ ‬ثم‭ ‬أصدر‭ ‬دكتوريس‭ ‬مجموعة‭ ‬عام‭ ‬1926،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬المحاولات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلاته‭ ‬من‭ ‬راهنية‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬دونما‭ ‬اعتبار‭ ‬للمسار‭ ‬الكرونولوجي‭ ‬الذي‭ ‬أنجزت‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬البحث‭ ‬لتلك‭ ‬المحاولات‭ ‬عن‭ ‬العذر‭ ‬يصبح‭ ‬له‭ ‬مسوغه،‭ ‬لاسيما‭ ‬عندما‭ ‬تمتد‭ ‬الظاهرة‭ ‬إلى‭ ‬اأيامنا‭ ‬هذه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬عرفته‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬معرفي‭ ‬وتطور‭ ‬منهجيب‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬عندما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬المشافهة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬ديمومة‭ ‬ابتكارية‭ ‬حية‭ ‬تنتجها‭ ‬وتعيد‭ ‬إنتاجها،‭ ‬وفق‭ ‬طبيعة‭ ‬وفاعلية‭ ‬الثالوث‭ ‬المشارك‭ ‬في‭ ‬إبداعها‭ (‬الراوي،‭ ‬النص،‭ ‬المتلقي‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يقوض‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬بدعوته‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬جمع‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬وتوثيقه،‭ ‬ليطفو‭ ‬السؤال‭: ‬أليس‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬والتوثيق،‭ ‬دعوة‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬ديمومة‭ ‬الابتكار‭ ‬التي‭ ‬يتيحها‭ ‬هذا‭ ‬الأدب؟‭ ‬

‭ ‬وإجمالاً‭ ‬فالكتاب‭ ‬يزخر‭ ‬بعديد‭ ‬من‭ ‬الإضافات‭ ‬التي‭ ‬تلامس‭ ‬قضايا‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبي،‭ ‬خصوصا‭ ‬ما‭ ‬اتصل‭ ‬باقتراح‭ ‬البدائل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتسم‭ ‬بتراكم‭ ‬مهم‭ ‬وغني‭ ‬يواكب‭ ‬التطور‭ ‬المعرفي،‭ ‬والتمثل‭ ‬الجيد‭ ‬له،‭ ‬متسق‭ ‬والأفق‭ ‬المنهجي‭ ‬الذي‭ ‬سطره‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ >‬