اللغة العربية في المجتمع التركي بين القديم والحديث الصعوبات والتحديات

اللغة العربية في المجتمع التركي بين القديم والحديث الصعوبات والتحديات

تُعَدُّ‭ ‬اللغة‭ ‬الْعَرَبِيَّةُ‭ ‬في‭ ‬الجمهورية‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬اللغاتِ‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬جمهورُها‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬تلقيها،‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬معتنقي‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬قرابة‭ ‬الـ‭ ‬98‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬تعتنق‭ ‬الغالبية‭ ‬منهم‭ ‬المذهب‭ ‬السني‭ ‬الذين‭ ‬يسكنون‭ ‬الأناضول،‭ ‬أما‭ ‬بعض‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬جنوبي‭ ‬شرق‭ ‬تركيا‭ ‬فيعتنقون‭ ‬المذهب‭ ‬الشيعي،‭ ‬وهم‭ ‬قلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬التركية،‭ ‬ولا‭ ‬ينص‭ ‬الدستور‭ ‬التركي‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬رسمي‭ ‬للدولة‭ ‬التركية،‭ ‬بل‭ ‬يكفل‭ ‬حرية‭ ‬المعتقد‭ ‬والدين‭ ‬للمواطنين‭ ‬الأتراك

وغيرهم‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭  ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يرغبونه‭ ‬دون‭ ‬إكراه‭ ‬أو‭ ‬إلزام‭.‬

تركيا‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬قارتي‭ ‬أوربا‭ ‬وآسيا،‭ ‬والجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬منها‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ (‬القسم‭ ‬الأناضولي‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬القسم‭ ‬الأوربي‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬إسطنبول‭ ‬القديمة‭ ‬وأدرنة،‭ ‬فهو‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬بين‭ ‬قارتي‭ ‬آسيا‭ ‬وأوربا،‭ ‬وتنقسم‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬مناطق‭: ‬وسط‭ ‬الأناضول،‭ ‬الشرق،‭ ‬غرب‭ ‬الأناضول،‭ ‬الجنوب،‭ ‬حيث‭ ‬انتشر‭ ‬تعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الأناضول‭ ‬ومنطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬والشرق‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الجنوب‭.  

منذ‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬وتحول‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬المسيحية‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬بدأ‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬نشر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬نشر‭ ‬الإسلام‭ ‬وتعليم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ودراسة‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬والفقه‭ ‬والتفسير‭ ‬والعقيدة،‭ ‬فارتبطت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالمقدس‭ ‬دائما،‭ ‬وأصبحت‭ ‬لغة‭ ‬مقدسة‭ ‬لارتباطها‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فهي‭ ‬لسانه‭ ‬ومنطقه‭. ‬وبذل‭ ‬الأتراك‭ ‬العثمانيون‭ ‬جهودا‭ ‬كبيرة‭ ‬لنشر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬المناطق‭ ‬التركية،‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬ووسط‭ ‬الأناضول‭ ‬وعلى‭ ‬بحر‭ ‬مرمرة‭ ‬وإيجه‭. ‬

‭ ‬كان‭ ‬المسجد‭ ‬قديما‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬التعليم‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬حكم‭ ‬العثمانيين،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وتعليم‭ ‬النحو‭ ‬والصرف‭ ‬والبلاغة‭ ‬والقراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والمحادثة‭. ‬وتم‭ ‬إنشاء‭ ‬مدارس‭ ‬شرعية‭ ‬أهلية‭ ‬تابعة‭ ‬للجماعات‭ ‬الدينية،‭ ‬كجماعة‭ ‬محمود‭ ‬أفندي،‭ ‬وسعيد‭ ‬النورسي،‭ ‬وفتح‭ ‬الله‭ ‬كولن،‭ ‬وسليمان‭ ‬تنوهان‭.. ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬ازداد‭ ‬عدد‭ ‬المعاهد‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭. ‬افتتحت‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬المعاهد‭ ‬الإسلامية‭ ‬العالية‭ ‬Yüksek‭ ‬İslam‭ ‬Enstitüleri‮ ‬‭ ‬وكليات‭ ‬الإلهيات‭ ‬İlahiyat‭ ‬Fakülteleri  ‬التي‭ ‬تستغرق‭ ‬مدة‭ ‬الدراسة‭ ‬فيها‭ ‬حاليا‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬والمدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬التي‭ ‬تٌعْرَفُ‭ ‬باسم‭ ‬ثانويات‭ ‬الأئمة‭ ‬والخطباء‭ ‬İmam‭- ‬Hatip‭ ‬Liseleri‮ ‬التي‭ ‬تستغرق‭ ‬مدة‭ ‬الدراسة‭ ‬فيها‭ ‬حاليا‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السنة‭ ‬التحضيرية‭. ‬وتدرَّس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والعلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬كلها‭ ‬كمادة‭ ‬أساسية‭.‬

 

كليات‭ ‬الإلهيات‭ (‬العلوم‭ ‬الإسلامية‭)‬

  ‬بدأت‭ ‬كليات‭ ‬الإلهيات‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬عام‭ ‬1933،‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬إسطنبول،‭ ‬وكان‭ ‬لهذه‭ ‬الكليات‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المسلمين‭ ‬الأتراك،‭ ‬لأنها‭ ‬تقدم‭ ‬المواد‭ ‬الشرعية‭ ‬مثل‭: ‬التفسير،‭ ‬الحديث،‭ ‬الفقه،‭ ‬الكلام،‭ ‬الفسلفة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭  ‬الموسيقى‭ ‬الدينية،‭ ‬بجانب‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وعلومها‭. ‬

طبقا‭ ‬لإحصائيات‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬التركية،‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لتنظيم‭ ‬الجامعات‭ ‬التركية،‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬كليات‭ ‬الإلهيات‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬اثنتين‭ ‬وثمانين‭ ‬كلية،‭ ‬يَدْرسُ‭ ‬فيها‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬البلاد‭ ‬التركية،‭ ‬والدول‭ ‬المجاورة‭ ‬مثل‭ ‬جورجيا،‭ ‬وتتارستان،‭ ‬وقرغيزستان،‭ ‬وأوزبكستان،‭ ‬وتركمانستان،‭ ‬واليونان،‭ ‬وبعض‭ ‬البلاد‭ ‬الإفريقية‭ ‬مثل‭ ‬نيجيريا‭ ‬وإثيوبيا،‭ ‬ومالاوي،‭ ‬والصومال‭. ‬وقد‭ ‬رأيتُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلاب،‭ ‬ودرَّسْتُ‭ ‬لهم‭ ‬برامج‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كالنصوص‭ ‬الأدبية،‭ ‬والنحو،‭ ‬والصرف،‭ ‬والمحادثة‭ ‬والتعبير‭ ‬والإملاء،‭ ‬ولغة‭ ‬الخطاب‭ ‬اليومي،‭ ‬والصحافة‭ ‬العربية،‭ ‬وبعض‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭.   ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الكليات‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬الأناضول‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬المجتمع‭ ‬التركي،‭ ‬فقد‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الطلاب،‭ ‬وتم‭ ‬قبول‭ ‬الكثيرين‭ ‬منهم‭ ‬الذين‭ ‬تخرجوا‭ ‬في‭ ‬ثانويات‭ ‬الأئمة‭ ‬والخطباء‭ ‬أو‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬وانتشر‭ ‬التعليم‭ ‬المفتوح‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحاصلين‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬تخصصات‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الهندسة‭ ‬والطب‭ ‬والتربية‭ ‬وغيرها‭. ‬

 

صعوبات‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬يجدها‭ ‬الطلاب‭ ‬

  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬للأتراك‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬الإلهيات،‭ ‬رصدتُ‭ ‬بعض‭ ‬الصعوبات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬حاجزا‭ ‬أمام‭ ‬الطلاب‭ ‬الذين‭ ‬يدرسون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬مما‭ ‬يجعلهم‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬فترة‭ ‬على‭ ‬الدراسة‭ ‬يشعرون‭ ‬بالملل‭ ‬والضيق‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الجدوى‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والحفظ‭ ‬والاجتهاد‭. ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬فك‭ ‬شفرات‭ ‬هذه‭ ‬المعيقات‭ ‬والصعوبات،‭ ‬وأصبح‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬للطلاب‭ ‬هو‭ ‬الحديث‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬داخل‭ ‬قاعات‭ ‬المحاضرات،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الصعوبات‭:‬

 

اللغة‭ ‬الثالثة‭: ‬

‭ ‬لمَّا‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأتراك،‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬ثالثة‭ ‬بعد‭ ‬الإنجليزية‭ ‬أو‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬يدرسها‭ ‬الطلاب،‭ ‬ورأيتُ‭ ‬أنهم‭ ‬يعانون‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬بسبب‭ ‬التركيب‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬التركية،‭ ‬لأن‭ ‬المنطق‭ ‬اللغوي‭ ‬الكتابي‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬اليسار،‭ ‬وطريقة‭ ‬تركيب‭ ‬الجملة‭ ‬الاسمية‭ ‬والفعلية،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬العربية‭ ‬بالفعل،‭ ‬أما‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬فتبدأ‭ ‬بالفاعل‭ ‬ويأتي‭ ‬الفعل‭ ‬متأخرا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الجملة،‭ ‬مثلا‭ ‬العربية‭ ‬تقول‭: ‬ذهب‭ ‬أحمد‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة،‭ ‬أما‭ ‬التركية‭ ‬فتقول‭: ‬ahmed‭ ‬okla‭ ‬giti‭... ‬إلى‭ ‬آخره‭. ‬

 

صعوبة‭ ‬النطق‭:‬

كثير‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬الأتراك‭ ‬يخطئون‭ ‬في‭ ‬حروف‭ ‬بعينها‭ ‬في‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭: ‬الحاء‭ ‬تقلب‭ ‬إلى‭ ‬خاء،‭ ‬والعين‭ ‬تقلب‭ ‬إلى‭ ‬ألف،‭ ‬والضاد‭ ‬تقلب‭ ‬إلى‭ ‬ظاء،‭ ‬والطاء‭ ‬إلى‭ ‬تاء‭... ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المعلمين‭ ‬لا‭ ‬ينطقون‭ ‬الأصوات‭ ‬نطقا‭ ‬صحيحا‭ ‬كما‭ ‬ينطقها‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وعليه‭ ‬فقد‭ ‬يتأثر‭ ‬الطلاب‭ ‬بهم‭. ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬الطالب‭ ‬التركي‭ ‬أن‭ ‬يقوَّم‭ ‬لسانه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭. ‬

 

الحاجز‭ ‬النفسي‭: ‬

نظرا‭ ‬لحياتي‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬التركي‭ ‬وأثناء‭ ‬عملي‭ ‬بتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬الإلهيات،‭ ‬لاحظتُ‭ ‬أن‭ ‬الشخصية‭ ‬التركية‭ ‬تتميز‭ ‬بالخجل‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬ولذلك‭ ‬يتكبر‭ ‬الطلاب‭ ‬على‭ ‬الخطأ‭ ‬ويخجلون‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الخطأ،‭ ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬ليست‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأساتذة‭ ‬الأتراك‭ ‬أنفسهم‭ ‬وجدتهم‭ ‬يقرأون‭ ‬ويترجمون‭ ‬ويفهمون‭ ‬قليلا،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يتكلمون‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬صحيحة‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬القول،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الأساتذة‭ ‬هكذا،‭ ‬فمنهم‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬انتصر‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وكسر‭ ‬هذا‭ ‬الحاجز‭ ‬النفسي،‭ ‬وبدأ‭ ‬الكلام‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بسيط‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬وقد‭ ‬تأثر‭ ‬الطلاب‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭. ‬

 

اختلاط‭ ‬المناهج‭: ‬

  ‬المناهج‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬الكليات‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬مناهج‭ ‬مختلطة‭ ‬لا‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الطالب‭ ‬قراءة‭ ‬وكتابة،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الحشو‭ ‬المعرفي‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الطلاب،‭ ‬وهذا‭ ‬يزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة،‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬الطالب‭ ‬التركي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬إتقان‭ ‬اللغة‭ ‬ومهاراتها‭ ‬الكتابية‭ ‬والتعبيرية‭ ‬وغيرها،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجانب‭ ‬الثقافي‭ ‬المعرفي‭ ‬الصرف‭ ‬فسيأتي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬لاحقة‭ ‬لذلك‭. ‬يعني‭ ‬مثلا،‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬الطالب‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬بوصفها‭ ‬ثقافة‭ ‬إسلامية‭ ‬صرفة،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬صحيحا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬العربية‭ ‬بين‭ ‬يديك‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬طبعته‭ ‬الجامعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وحاولت‭ ‬تقديم‭ ‬برنامج‭ ‬مختلف‭ ‬لطلابي‭ ‬يطرح‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الجديد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬تعليمية‭ ‬مبتكرة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭. ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬الطلاب‭ ‬فيه‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضوحه‭ ‬وبساطته‭ ‬وارتباطه‭ ‬بالواقع‭ ‬العالمي‭. ‬

 

التداخل‭ ‬اللغوي‭: ‬

يشير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدارسين‭ ‬للغتين‭ ‬العربية‭ ‬والتركية‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬‮«‬التركية‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬نلاحظ‭ ‬وجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬أصلها‭ ‬من‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬مثل‭: ‬جامع،‭ ‬مدرسة،‭ ‬أستاذ،‭ ‬معلم،‭ ‬جادة،‭ ‬مهندس،‭ ‬شاي،‭ ‬قهوة،‭ ‬انتقال،‭ ‬دعاء،‭ ‬حج،‭ ‬عمرة،‭ ‬طواف،‭ ‬عربة،‭ ‬مصاريف،‭ ‬هواء،‭ ‬شركة،‭ ‬كتاب،‭ ‬قلم،‭ ‬دفتر،‭ ‬زيتون،‭ ‬برتقال،‭ ‬استثمار،‭ ‬أدب،‭ ‬تربية،‭ ‬شرف‭.. ‬إلى‭ ‬آخره‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭. ‬ونلاحظ‭ ‬أيضا‭ ‬تأثر‭ ‬العربية‭ ‬بالتركية‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬قليلة،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬‮«‬أبله،‭ ‬فابريكا،‭ ‬فايظ،‭ ‬آبي،‭ ‬قهوجي،‭ ‬عربجي،‭ ‬مكوجي،‭ ‬عرضحلجي،‭ ‬طز،‭ ‬بقشيش‮»‬‭. ‬

  ‬في‭ ‬ظني‭ ‬أن‭ ‬التداخل‭ ‬اللغوي‭ ‬بين‭ ‬العربية‭ ‬والتركية‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬السهولة‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأتراك‭ ‬وتعلم‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعرب،‭ ‬ولكن‭ ‬تكمن‭ ‬المعيقات‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬تستخدم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬السياقات‭ ‬المتعارضة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والمتناقضة‭ ‬مع‭ ‬المنطق‭ ‬اللغوي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬

 

معلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭:‬

ينقسم‭ ‬معلمو‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬قسمين،‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الأتراك‭ ‬ويمثلون‭ ‬حوالي‭ ‬75‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬ويمثلون‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬أما‭ ‬المعلمون‭ ‬العرب‭ ‬فقد‭ ‬توكل‭ ‬إليهم‭ ‬برامج‭ ‬المحادثة،‭ ‬وتحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬اللغوي،‭ ‬والقراءة‭ ‬وقواعد‭ ‬الإملاء،‭ ‬أما‭ ‬الأتراك‭ ‬فيدرسون‭ ‬النحو‭ ‬والصرف‭ ‬والبلاغة‭ ‬أحيانا‭. ‬

تكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المعلمين‭ ‬الأتراك‭ ‬يشرحون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬باللغة‭ ‬التركية‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬الدراسة،‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬جسيم،‭ ‬لأن‭ ‬المعلمين‭ ‬العرب‭ ‬يشرحون‭ ‬دروسهم‭ ‬بالعربية‭ ‬فقط،‭ ‬فيميل‭ ‬الطالب‭ ‬إلى‭ ‬الأساتذة‭ ‬الأتراك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬ويحدث‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاختلاط‭ ‬العقلي‭ ‬لدى‭ ‬الطلاب‭. ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬لهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أتقن‭ ‬المعلمون‭ ‬الدراسة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬تخففوا‭ ‬منها‭ ‬أثناء‭ ‬الشرح‭. ‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬أقول‭: ‬إنَّ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تنتعش‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وفي‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية‭ ‬المختلفة،‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬الدارسين‭ ‬والراغبين‭ ‬في‭ ‬تعلمها،‭ ‬وإتقانها،‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬اليومي‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وفهم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والعلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬المختلفة‭ ‬‭>‬