الــــثـــور

الــــثـــور

تحولت‭ ‬نظرة‭ ‬توم‭ ‬يوركفيلد‭ ‬نحو‭ ‬أخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭ ‬لورنس‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬كسول‭ ‬بالفطرة‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬متسامح‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اللامبالاة‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬توم‭ ‬سبب‭ ‬ملموس‭ ‬لكي‭ ‬يكرهه،‭ ‬فـ‭ ‬‮«‬لورنس‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬شخص‭ ‬تربطه‭ ‬به‭ ‬صلة‭ ‬قرابة‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تجمع‭ ‬بينهما‭ ‬أي‭ ‬ميول‭ ‬أو‭ ‬اهتمامات‭ ‬مشتركة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هنالك‭ ‬مناسبة‭ ‬لكي‭ ‬يفتعل‭ ‬توم‭ ‬شجارا‭ ‬معه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتوق‭ ‬له‭ ‬بشدة‭. ‬وكان‭ ‬لورنس‭ ‬قد‭ ‬غادر‭ ‬المزرعة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬معتمدا‭ ‬لفترة‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تركته‭ ‬له‭ ‬أمه،‭ ‬ممتهنا‭ ‬الرسم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُدر‭ ‬عليه‭ ‬الشيء‭ ‬الكافي‭ ‬لكي‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬عيشة‭ ‬كريمة‭.‬

كان‭ ‬لورنس‭ ‬متخصصا‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وناجحا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مشترين‭ ‬لأعماله‭. ‬كان‭ ‬توم‭ ‬يشعر‭ ‬ببعض‭ ‬التفوق‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬أخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق،‭ ‬إذ‭ ‬كان‮ ‬‭ ‬لورنس‭ ‬مجرد‭ ‬صبي‭ ‬يلهو‭ ‬بالرسم‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭. ‬وقد‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬سوءا‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬توم‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬رسام‭ ‬الحيوانات‮»‬‭. ‬توم‭ ‬كان‭ ‬مزارعا،‭ ‬وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مزرعته‭ ‬المسماة‭ ‬هيلسري‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حوزة‭ ‬العائلة‭ ‬لأجيال‭ ‬عدة،‭ ‬ولها‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬المواشي‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬فيها‭.‬‮ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬المصادر،‭ ‬فإن‭ ‬توم‭ ‬عمل‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حدود‭ ‬طاقته‭ ‬لكي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬أصالة‭ ‬المواشي‭ ‬التي‭ ‬يربيها‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬منطقته‭ ‬أخيرًا،‭ ‬كان‭ ‬توم‭ ‬قد‭ ‬اعتنى‭ ‬بثور‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬غدا‭ ‬أعجوبة‭ ‬للناظر‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحوز‭ ‬هذا‭ ‬الثور‭ ‬إعجاب‭ ‬لجنة‭ ‬تحكيم‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬معتبرة‭ ‬للمواشي‭,‬‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ثورًا‭ ‬قوي‭ ‬البنية‭,‬‭ ‬جميل‭ ‬الهيئة‭ ‬ذا‭ ‬صحة‭ ‬جيدة‭ ‬كأي‮ ‬حيوان‭ ‬يتمناه‭ ‬مربي‭ ‬مواشي‭. ‬كان‭ ‬تعلق‭ ‬توم‭ ‬بثوره‭ ‬شديدا،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أعلن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يبيعه‭ ‬بمائة‭ ‬جنيه،‭ ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوسط‭ ‬الزراعي،‭ ‬وغالبا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يفوق‭ ‬الثمانين‭ ‬جنيها‭ ‬كان‭ ‬يغري‭ ‬توم‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬الزيارات‭ ‬النادرة‭ ‬للورنس،‭ ‬استغل‭ ‬توم‭ ‬بمتعة‭ ‬بالغة‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬لكي‭ ‬يريه‭ ‬مصدر‭ ‬فخره‭,‬‭ ‬ثوره‭ ‬الأشم‭. ‬قد‭ ‬بدا‭ ‬لتوم‭ ‬أن‭ ‬حقده‭ ‬القديم‭ ‬لأخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭ ‬انتعش‭ ‬بهذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬ذلك‭ ‬إن‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬لورنس‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تراخيا‭ ‬وكسلا‭ ‬في‭ ‬تصرفاته‭,‬‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬اللبس‭ ‬غير‭ ‬لائقة،‭ ‬ويشوب‭ ‬لهجته‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬العلو‭.‬‮ ‬‭ ‬لم‭ ‬يبد‭ ‬لورنس‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬لغلة‭ ‬البطاطا‭ ‬التي‭ ‬يزرعها‭ ‬توم،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬متحمسا‭ ‬لرؤية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأجمة‭ ‬ذات‭ ‬أزهار‭ ‬صفر‭ ‬احتلت‭ ‬زاوية‭ ‬أحد‭ ‬الممرات‭. ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مشينا‭ ‬لتوم،‭ ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءا‭ ‬أن‭ ‬لورنس‭ ‬أدلى‭ ‬بثناء‭ ‬بارد‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحملان‭ ‬ذات‭ ‬الوجه‭ ‬الأسود،‭ ‬بينما‭ ‬صب‭ ‬جام‭ ‬إعجابه‭ ‬على‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬السنديان‭ ‬المتربعة‭ ‬على‭ ‬التلة‭ ‬المقابلة‭ ‬للمزرعة‭. ‬وقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬لورنس‭ ‬الثور‭ ‬الأعجوبة،‭ ‬ومهما‭ ‬أبدى‭ ‬لورنس‭ ‬إعجابا‭ ‬ملؤه‭ ‬الحقد‭ ‬ومهما‭ ‬بدت‭ ‬تهنئته‭ ‬متواضعة‭ ‬وبائسة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬باعترافه‭ ‬بمحاسن‭ ‬هذا‭ ‬الحيوان‭ ‬العجيب‭. ‬‮ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬توم‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬تانتون‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع،‮ ‬تلقى‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬أخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭ ‬لزيارة‭ ‬معرضه‭ ‬المقام‭ ‬هناك،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬اللوحات‭ ‬المعروضة‭ ‬لوحة‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تمثل‭ ‬ثورًا‭ ‬غارقا‭ ‬حتى‭ ‬ركبتيه‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬موحلة‭. ‬كان‭ ‬الثور‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬ذا‭ ‬أصل‭ ‬نبيل‭ ‬كما‭ ‬أوحت‭ ‬بذلك‭ ‬اللوحة‭,‬‭ ‬وكان‭ ‬لورنس‭ ‬شديد‭ ‬الاعتزاز‭ ‬باللوحة‭. ‬‮«‬إنها‭ ‬أفضل‭ ‬لوحة‭ ‬رسمتها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬وأبدى‭ ‬توم‭ ‬موافقته‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬بالخيالية‭. ‬والآن‭ ‬فإن‭ ‬رجل‭ ‬الألوان‭ ‬والفن‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬ليرى‭ ‬نموذجًا‭ ‬حيًا‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬والجمال‭,‬‭ ‬شيء‭ ‬بديع‭ ‬المنظر‭ ‬ولوحة‭ ‬تتغير‭ ‬فيها‭ ‬الوضعيات‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬تتبدل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دقيقة‭ ‬تمضي‭,‬‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬لوحة‭ ‬ساكنة‭ ‬عبدة‭ ‬لإطار‭ ‬مربع‭ ‬ومعلقة‭ ‬على‭ ‬جدار‭. ‬فتح‭ ‬توم‮ ‬‭ ‬بابًا‭ ‬خشبيًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬كان‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حظيرة‭ ‬مكسوة‭ ‬بالقش‭.‬

‮«‬هل‭ ‬هو‭ ‬هادئ؟‮»‬‭.. ‬تساءل‭ ‬الفنان‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يقترب‭ ‬منهما‭ ‬بفضول‭ ‬ثور‭ ‬فتي‭ ‬بمعطف‭ ‬مجعد‭ ‬بني‭ ‬اللون‭. ‬‮«‬يحب‭ ‬اللهو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‮»‬‭.. ‬أجاب‭ ‬توم‭ ‬تاركا‭ ‬أخاه‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬اللهو‭. ‬‮ ‬قام‭ ‬لورنس‭ ‬بالتعليق‭ ‬على‭ ‬الثور‭ ‬بصورة‭ ‬آلية‭ ‬ثم‭ ‬سأل‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشخصية‭ ‬كعمره‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ثم‭ ‬بكل‭ ‬سلاسة‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭. ‬

‮«‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬أريتك‭ ‬إياها‭ ‬في‭ ‬تانتون؟‮»‬‭ ‬سأل‭ ‬لورنس‭. ‬‮«‬نعم‮»‬‭ ‬أجاب‭ ‬توم‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭ ‬‮«‬ثور‭ ‬أبيض‭ ‬الوجه‭ ‬واقف‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬وعرة‭. ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أحبّذ‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الهجين‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭,‬‭ ‬ذا‭ ‬النظرة‭ ‬البهيمية‭ ‬العجفاء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬فيها‭. ‬وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬رسمها‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭ ‬الميتة،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الثور‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬مستمرة‭ ‬وحيوية‭ ‬أليس‭ ‬كذلك‭ ‬يا‭ ‬ملاكي؟‮»‬‭.‬

‮«‬لقد‭ ‬قمت‭ ‬ببيع‭ ‬تلك‭ ‬اللوحة‮»‬‭.. ‬أعلن‭ ‬لورنس‭ ‬بلهجة‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬رضا‭ ‬تام‭. ‬‮«‬أحقا‭ ‬فعلت؟‮»‬‭ ‬قال‭ ‬توم‭ ‬‮«‬من‭ ‬الجيد‭ ‬سماع‭ ‬ذلك‭. ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬مرض‭ ‬لها؟‮»‬‭.‬

‮«‬لقد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬جنيه‮»‬،‭ ‬قال‭ ‬لورنس‭.‬

التفت‭ ‬حينها‭ ‬توم‭ ‬بينما‭ ‬تصاعدت‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬موجة‭ ‬غضب‭. ‬ثلاثمائة‭ ‬جنيه‭ ‬للوحة‭ ‬على‭ ‬قماش‭ ‬رسمها‭ ‬أخوه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭! ‬بينما‭ ‬ثوره‭ ‬المصون‭ ‬بالكاد‭ ‬سيباع‭ ‬بمائة‭ ‬جنيه‭,‬‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬اللوحة‭ ‬تساوي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬الثور‭ ‬الحقيقي‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬إهانة‭ ‬قاسية‭ ‬لتوم‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أنها‭ ‬تؤكد‭ ‬تفوق‭ ‬لورنس‭. ‬كان‭ ‬في‭ ‬نية‭ ‬المزارع‭ ‬الشاب‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬لورنس‭ ‬من‭ ‬عليائه‭ ‬حين‭ ‬يريه‭ ‬جوهرة‭ ‬مقتنياته،‭ ‬لكن‭ ‬الآية‭ ‬انقلبت‭ ‬عليه‭,‬‭ ‬وبدا‭ ‬لتوم‭ ‬أن‭ ‬ثوره‭ ‬فقد‭ ‬قيمته‭ ‬وصار‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬ثور‭ ‬مرسوم‭ ‬على‮ ‬‭ ‬لوحة‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ظلمًا‭ ‬مجحفًا‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬اللوحة‭ ‬ليست‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محاكاة‭ ‬مزيفة‭ ‬للحياة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬ثوره‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬الحقيقي‭,‬‭ ‬ملك‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬وسيد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنحاء‭ ‬من‭ ‬الريف‭. ‬ولسوف‭ ‬تجوب‭ ‬سلالته‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬هذه‭ ‬البقاع‭ ‬وتتغذى‭ ‬من‭ ‬مراعيها‭ ‬وتلالها،‭ ‬ولسوف‭ ‬تملأ‭ ‬الحضائر‭ ‬وستتلون‭ ‬الأراضي‭ ‬بلون‭ ‬جلدها‭ ‬الأحمر‭,‬‭ ‬وسيعجب‭ ‬الرجال‭ ‬بعين‭ ‬بصيرة‭ ‬وفاحصة‭ ‬وسيقولون‭ ‬إن‭ ‬أصل‭ ‬هذه‭ ‬السلالة‭ ‬نبيل‭. ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬ستكون‭ ‬اللوحة‭ ‬معلقة‭ ‬بلا‭ ‬حياة‭ ‬يعلوها‭ ‬الغبار‭ ‬وتكون‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬عندما‭ ‬تغطيها‭ ‬بغطاء‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬تتلاحق‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬توم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقدر‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬بكلمات‭,‬‭ ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬أعطى‭ ‬صوتًا‭ ‬لكلماته،‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬صريحة‭ ‬وقاسية‭.‬

‮ «‬قد‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬المغفلين‭ ‬الحمقى‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬هدر‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬جنيه‭ ‬على‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬‮ ‬الألوان‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬إنني‭ ‬أحسدهم‭ ‬على‭ ‬ذوقهم‭. ‬لكني‭ ‬أفضل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أصل‭ ‬الشيء‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬له‮»‬‭.‬

قال‭ ‬ذلك‭ ‬توم‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬نحو‭ ‬الثور‭ ‬برأسه،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬بدوره‭ ‬ناحيتهم‭ ‬برأس‭ ‬شامخ‭ ‬خافضا‭ ‬قرنيه‭ ‬كأنه‭ ‬يلهو‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬كان‭ ‬يهز‭ ‬رأسه‭ ‬بصبر‭ ‬نافد‭. ‬وضحك‭ ‬لورنس‭ ‬بصورة‭ ‬مستفزة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬استمتاعه‭ ‬التام‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬أمامه‭.‬

‮«‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬المشتري‭ ‬لقطعتي‭ ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬كما‭ ‬تدعوها‭ ‬قلق‭ ‬بشأن‭ ‬هدر‭ ‬ماله‭. ‬وكلما‭ ‬علا‭ ‬صيتي‭ ‬وتوسعت‭ ‬شهرتي،‭ ‬فإن‭ ‬أعمالي‭ ‬الفنية‭ ‬سترتفع‭ ‬قيمتها‭. ‬وتلك‭ ‬اللوحة‭ ‬بالذات‭ ‬ستباع‭ ‬بأربعمائة‭ ‬جنيه‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬أو‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭. ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬يدر‭ ‬ربحا‭ ‬جيدا‭ ‬مادمت‭ ‬تعلم‭ ‬كيف‭ ‬تنتقي‭ ‬الفنانين‭ ‬المناسبين‭ ‬ذوي‭ ‬المستقبل‭ ‬الواعد‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فلا‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ثورك‭ ‬العزيز‭ ‬سيدر‭ ‬مبلغًا‭ ‬أكثر‭ ‬كلما‭ ‬احتفظت‭ ‬به‭ ‬لوقت‭ ‬أكبر‭,‬‭ ‬لأنه‭ ‬سيأتي‭ ‬عليه‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬فيه‭ ‬غير‭ ‬بضعة‭ ‬شيلنجهات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يغدو‭ ‬مجرد‭ ‬حوافر‭ ‬وعظام‭ ‬على‭ ‬جلد،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬ثوري‭ ‬أنا‭ ‬سيباع‭ ‬بمبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬لمعرض‭ ‬فني‭ ‬ما‮»‬‭.‬

وبذلك‭ ‬بلغ‭ ‬السيل‭ ‬الزبى‭. ‬وتكاتفت‭ ‬قوى‭ ‬الحقيقة‭ ‬مع‭ ‬البهتان‭ ‬والإهانة‭ ‬لتكسر‭ ‬آخر‭ ‬شعرة‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬لدى‭ ‬توم‭ ‬يوركفيلد‭. ‬وكان‭ ‬في‭ ‬اليد‭ ‬اليمنى‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير‭ ‬عصا‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬السنديان‭ ‬وبيده‭ ‬اليسرى‭ ‬أمسك‭ ‬لورنس‭ ‬من‭ ‬ياقة‭ ‬قميصه‭ ‬الحريري‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لورنس‭ ‬بالرجل‭ ‬المقاتل،‭ ‬وخوفه‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الجسدي‭ ‬أفقده‭ ‬توازنه‭ ‬بالدرجة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬أفقد‭ ‬الغضب‭ ‬اتزان‭ ‬توم‭. ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬عن‭ ‬ثور‭ ‬توم‭ ‬ذكاؤه‭ ‬الفطري‭ ‬الذي‭ ‬بفضله‭ ‬يستطيع‭ ‬الإحساس‭ ‬بحركة‭ ‬البشر‭ ‬وضجيجهم‭ ‬من‭ ‬حوله‭. ‬وهكذا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬قتال‭ ‬توم‭ ‬مع‭ ‬لورنس،‭ ‬ارتأى‭ ‬الثور‭ ‬بكل‭ ‬سرور‭ ‬أن‭ ‬ينطح‭ ‬لورنس‭ ‬في‭ ‬كتفه‭ ‬اليسرى،‭ ‬وهو‭ ‬لايزال‭ ‬طائرا‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬النطحة‭ ‬الأولى،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬نيته‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يحطم‭ ‬أضلاع‭ ‬لورنس‭ ‬بركبته‭ ‬الهائلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬أرضا،‭ ‬وحده‭ ‬تدخل‭ ‬توم‭ ‬ما‭ ‬منع‭ ‬الثور‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بالحركة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لكن‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فلقد‭ ‬لقن‭ ‬الثور‭ ‬لورنس‭ ‬درسا‭ ‬لن‭ ‬ينساه‭.‬

وبكل‭ ‬إخلاص‭ ‬ونقاء‭ ‬سريرة،‭ ‬اعتنى‭ ‬توم‭ ‬بأخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭ ‬المصاب‭ ‬حتى‭ ‬يشفى‭ ‬من‭ ‬جروحه‭ ‬التي‭ ‬تكونت‭ ‬من‭ ‬انخلاع‭ ‬كتف‭ ‬وكسر‭ ‬ضلع‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬وانهيار‭ ‬في‭ ‬الأعصاب‭. ‬حننت‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬قلب‭ ‬توم،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬يحمل‭ ‬ضغينة‭ ‬ضد‭ ‬أخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭. ‬قد‭ ‬يباع‭ ‬ثور‭ ‬لورنس‭ ‬بثلاثمائة‭ ‬جنيه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بستمائة،‭ ‬وقد‭ ‬يعجب‭ ‬به‭ ‬ألف‭ ‬حين‭ ‬يعرض‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬فني‭ ‬مهم،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مقدوره‭ ‬أن‭ ‬يرمي‭ ‬برجل‭ ‬من‭ ‬كتفه‭ ‬ويطعنه‭ ‬في‭ ‬أضلاعه‭ ‬وهو‭ ‬طائر‭ ‬في‭ ‬الهواء‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أنجزه‭ ‬ثور‭ ‬توم‭ ‬بفخر‭ ‬واعتزاز‭ ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يسلبه‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭.‬

استمر‭ ‬لورنس‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الحيوانات‭ ‬وتوالت‭ ‬نجاحاته‭ ‬كذلك‭. ‬لكن‭ ‬مواضيع‭ ‬رسوماته‭ ‬أصبحت‭ ‬حيوانات‭ ‬محددة،‭ ‬مثل‭ ‬الهررة أو‭ ‬صغار‭ ‬الظباء‭ ‬وما‭ ‬شابهها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لرسم‭ ‬الثيران‭ ‬أبدا‭>‬