قضية الحرية في شعر بدوي الجَبل

قضية الحرية في شعر  بدوي الجَبل

هذا‭ ‬نص‭ ‬كامن‭ ‬في‭ ‬لاشعوري،‭ ‬يزداد‭ ‬رسوخاً‭ ‬كلما‭ ‬تأملت‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬الراحل،‭ ‬ولطالما‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬ألتقط‭ ‬من‭ ‬بيدره‭ ‬حبات‭ ‬ذهبية‭ ‬من‭ ‬قمح‭ ‬تصوره‭ ‬للحرية،‭ ‬أصنع‭ ‬منها‭ ‬رغيفاً‭ ‬يغذي‭ ‬توقي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الواحة‭ ‬الأسطورية،‭ ‬أقتات‭ ‬عليه‭ ‬طوال‭ ‬ليالي‭ ‬الحلم‭ ‬بها،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭. ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬‮«‬البدوي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬إنشاد‭ ‬الحرية‭ ‬ونشدانها،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أطل‭ ‬على‭ ‬دنيا‭ ‬الشعر،‭ ‬جاعلاً‭ ‬منها‭ ‬قضيته‭ ‬الدائمة‭ ‬يتناولها‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬متنوعة‭ ‬شكلاً‭ ‬منسجمة‭ ‬جوهراً‭. ‬ولما‭ ‬كانت‭ (‬حتى‭) ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬تعتمل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أغريت‭ ‬نفسي‭ ‬بمراودتها،‭ ‬مستعيناً‭ ‬عليها‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬رحيقها‭ ‬المعتق‭ ‬في‭ ‬دنان‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭.‬

لابد‭ ‬لمدمن‭ ‬تذوق‭ ‬رحيق‭ ‬الحرية‭ ‬من‭ ‬دنان‭ ‬االبدويب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬اتحوّلب‭ ‬مذاق‭ ‬الرحيق،‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الدنان‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬شاعرنا‭ ‬أطل‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬علمي،‭ ‬حيث‭ ‬أهدى‭ ‬االبواكيرب‭ ‬إلى‭ ‬اروح‭ ‬شهيد‭ ‬ميسلون‭ ‬التي‭ ‬تمردت‭ ‬على‭ ‬العبودية‭ ‬وعلى‭ ‬الحياةب،‭ ‬ففي‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬1920،‭ ‬تصدى‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬سورية‭ ‬المستقلة‭ ‬حديثاً‭ ‬يوسف‭ ‬العظمة‭ ‬للقوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬زحفت‭ ‬لاحتلال‭ ‬دمشق‭ ‬واستشهد‭ ‬في‭ ‬ميسلون‭.‬

نقرأ‭ ‬في‭ ‬البواكير‭ ‬إصرار‭ ‬البدوي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حراً‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يكتب،‭ ‬صاغ‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬اإليهاب‭: ‬أعلمت‭ ‬أني‭ ‬شاعر‭ ‬حرّ‭ ‬البيان‭ ‬طليقه؟‭ (‬1921‭).‬

وفي‭ ‬مقطوعة‭ ‬ثانية‭:‬

وعاطفتي‭ ‬زفرة‭ ‬حر‭ ‬كريم‭ ‬على‭ ‬الدهر‭ ‬ثار‭ ‬ولم‭ ‬يحفل‭ (‬1923‭) ‬والحر‭ ‬يعجب‭ ‬بالأحرار‭ ‬أنى‭ ‬وجدوا‭. ‬فلما‭ ‬اعتقلت‭ ‬حكومة‭ ‬بريطانيا‭ ‬اماك‭ ‬سوينيب‭ ‬المناضل‭ ‬الوطني‭ ‬الإيرلندي،‭ ‬أضرب‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬وقضى‭ ‬نحبه‭ ‬في‭ ‬1921،‭ ‬فأبنه‭ ‬البدوي‭ ‬بقصيدة‭ ‬منها‭:‬

عصيت‭ ‬العاطفات‭ ‬فمتّ‭ ‬جوعاً‭ ‬

ومن‭ ‬بعض‭ ‬القيود‭ ‬العاطفات

لقد‭ ‬حررتها‭ ‬فسمَتْ‭ ‬صعوداً‭ ‬

كما‭ ‬سَمَتِ‭ ‬النجوم‭ ‬النيّرات

علوتَ‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬الأغراض‭ ‬حتى

‭ ‬تساوى‭ ‬الموت‭ ‬عندك‭ ‬والحياة

ولو‭ ‬استزدنا‭ ‬البواكير‭ ‬لما‭ ‬بخلت‭ ‬علينا‭ ‬بالمزيد‭:‬

أنا‭ ‬روح‭ ‬حرة‭ ‬ثائرة‭ ‬

رضيت‭ ‬بين‭ ‬الدراري‭ ‬مقيلاً

وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬ثانية‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬النافذة‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬نفوس‭ ‬البشر‭:‬

فلا‭ ‬تكبروا‭ ‬نعمى‭ ‬الهوان‭ ‬فإنما‭ ‬

حياة‭ ‬أسير‭ ‬القيد‭ ‬لفظ‭ ‬بلا‭ ‬معنى

فليست‭ ‬تزين‭ ‬المرء‭ ‬حلة‭ ‬سيد

إذا‭ ‬كان‭ ‬عبداً‭ ‬في‭ ‬طبائعه‭ ‬قنَّا

 

فردية‭ ‬‮«‬البدوي‮»‬‭ ‬وفرادته

لابد‭ ‬للشاعر‭ ‬الأصيل‭ ‬من‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬االجماعةب‭ ‬ليتمرد‭ ‬على‭ ‬االعبودية‭ ‬والحياةب،‭  ‬تجعل‭ ‬الفردية‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬أساس‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬أساس‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬أو‭ ‬الاثنين‭ ‬معاً،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الشاعر‭ ‬أكثر‭ ‬ميلاً‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬إلى‭ ‬تفضيل‭ ‬قيم‭ ‬الفرد‭ ‬وحقوقه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬قيم‭ ‬الكتل‭ ‬الاجتماعية‭.‬

يُنسب‭ ‬إلى‭ ‬فرويد‭ ‬قول‭ ‬مؤداه‭ ‬االإنسان‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬متواضعاً‭ ‬وبسيطاً،‭ ‬وتهيمن‭ ‬عليه‭ ‬ظروف‭ ‬حياته‭ ‬الخارجية،‭ ‬يشعر‭ ‬غالباً‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬روحه‭ ‬أنه‭ ‬سيدب‭. ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬أنشد‭:‬

أحلام‭ ‬جبار‭ ‬السماوات‭ ‬العلى‭ ‬

نزلت‭ ‬عليَّ‭ ‬وضمّها‭ ‬جلبابي

فإذا‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬جلالة‭ ‬قدرها‭ ‬

داري‭ ‬وهذا‭ ‬الأفق‭ ‬بعض‭ ‬رحابي

وهذه‭ ‬نظرة‭ ‬شاعرنا‭ ‬إلى‭ ‬الفرد‭:‬

بورك‭ ‬الفرد‭ ‬حين‭ ‬يدمى‭ ‬فؤادٌ‭ ‬

عبقريٌ‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬تدمى‭ ‬بنان

ولابد‭ ‬لفردية‭ ‬الشاعر‭ ‬الأصيل‭ ‬من‭ ‬شعور‭ ‬متين‭ ‬بالحرية‭:‬

ما‭ ‬لسلطانهم‭ ‬على‭ ‬الحر‭ ‬حكم‭ ‬

كل‭ ‬نفس‭ ‬إباؤها‭ ‬سلطان

ومع‭ ‬اجتماع‭ ‬الشعر‭ ‬والشباب‭ ‬يشتد‭ ‬الإحساس‭ ‬بالكرامة‭:‬

وكيف‭ ‬أعنو‭ ‬لجبار‭ ‬وقد‭ ‬ملكت‭ ‬

يميني‭  ‬القمرين‭.. ‬الشعر‭    ‬والصَّيدا‭?‬

إن‭ ‬الكرامة‭ ‬والحرية‭ ‬احتلفا

ولن‭ ‬يفارق‭ ‬حلف‭ ‬حلفه‭ ‬أبدا

آمنت‭ ‬بالفرد‭ ‬حراً‭ ‬في‭ ‬عقيدته

‭ ‬وكل‭ ‬فرد‭ ‬وما‭ ‬والى‭ ‬وما‭ ‬اعتقدا

ولكم‭ ‬ألحَّ‭ ‬البدوي‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬كرامته‭ ‬وكبريائه‭:‬

ظمئت‭ ‬والشمس‭ ‬من‭ ‬كبر‭ ‬ومن‭ ‬أَنَفٍ‭ ‬

ورحت‭ ‬والشمس‭ ‬لا‭ ‬نعنو‭ ‬ولا‭ ‬نرد

 

منفى‭ ‬الحرية

لا‭ ‬يجوز‭ ‬لمن‭ ‬يقدس‭ ‬الحرية‭ ‬التهاون‭ ‬مع‭ ‬عدويها‭ ‬الألدين‭ ‬الظلم‭ ‬والطغيان،‭ ‬هذان‭ ‬الشران‭ ‬نالهما‭ ‬من‭ ‬سهام‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحصى،‭ ‬وأغمد‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الطغاة‭ ‬نصل‭ ‬بيانه‭ ‬الساطع‭:‬

أنا‭ ‬أبكي‭ ‬لكل‭ ‬طاغٍ‭ ‬فما

يستر‭ ‬إلا‭ ‬الضراعة‭ ‬الطغيان

أما‭ ‬إذا‭ ‬أقام‭ ‬الظلم‭ ‬في‭ ‬أرض‭:‬

وانْسَ‭ ‬عطر‭ ‬الشآم‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬

الظلم‭ ‬تنأى‭ ‬ولا‭ ‬تقيم‭ ‬العطور

ويكتشف‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭ ‬في‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬مقدرة‭ ‬الطغيان‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تضاهى‭ ‬على‭ ‬إنجاب‭ ‬الكوارث‭:‬

نحن‭ ‬موتى‭ ‬وشر‭ ‬ما‭ ‬ابتدع‭ ‬الطغيان

موتى‭ ‬على‭ ‬الدروب‭ ‬تسير

نحن‭ ‬موتى‭ ‬وإن‭ ‬غدونا‭ ‬ورحنا

‭ ‬والبيوت‭ ‬المزوقات‭ ‬قبور

نحن‭ ‬موتى‭ ‬يسر‭ ‬جار‭ ‬لجار‭ ‬

مستريباً‭: ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬النشور؟

نكتشف‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الشاعر‭ ‬من‭ ‬الظلم،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭, ‬عداء‭ ‬شخصياً،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬أجبره‭ ‬على‭ ‬مغادرة‭ ‬الوطن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬تبعاً‭ ‬لمزاج‭ ‬المتسلطين‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬البلاد،‭ ‬وأبعده‭ ‬راغماً‭ ‬عن‭ ‬أهله‭ ‬وأحبائه‭:‬

جلاني‭ ‬الظلم‭ ‬أشلاء‭ ‬ممزقة‭ ‬

واحتز‭ ‬أكرمهن‭... ‬القلب‭ ‬والولدا

يرفض‭ ‬البدوي‭ ‬ظلم‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬يخترم‭ ‬فلذات‭ ‬الأكباد‭ ‬من‭ ‬زغب‭ ‬القطا،‭ ‬هؤلاء‭ ‬وحدهم‭ ‬لا‭ ‬يضيق‭ ‬بظلمهم‭:‬

يجور‭ ‬وبعض‭ ‬الجور‭ ‬حلو‭ ‬محبب‭ ‬

ولم‭ ‬أر‭ ‬قبل‭ ‬الطفل‭ ‬ظلماً‭ ‬محببا

وحمّلني‭ ‬أن‭ ‬أقبل‭ ‬الضيم‭ ‬صاغراً‭ ‬

وأرغب‭ ‬تحناناً‭ ‬عليه‭ ‬وأرهبا

لكنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتدارك‭ ‬لحظة‭ ‬الضعف‭ ‬هذه‭ ‬قائلاً‭:‬

يمزق‭ ‬قلبي‭ ‬البعد‭ ‬عمن‭ ‬أحبهم‭ ‬

ولكن‭ ‬رأيت‭ ‬الظلم‭ ‬أخشن‭ ‬مركبا

كما‭ ‬يجدد‭ ‬هذا‭ ‬التدارك‭:‬

لا‭ ‬أبالي‭ ‬وقد‭ ‬قسوت‭ ‬على‭ ‬الظالم‭ ‬

عسف‭ ‬الدجى‭ ‬وعض‭ ‬الحديد

يعود‭ ‬البدوي‭ ‬إلى‭ ‬التساهل‭ ‬مع‭ ‬الطغيان‭, ‬لكن‭ ‬طغيان‭ ‬من؟‭:‬

الشعر‭ ‬والحسن‭ ‬المدل‭ ‬كلاهما‭ ‬طاغ‭ ‬عنيد‭.‬

وكيف‭ ‬لا‭ ‬يتساهل‭ ‬وهو‭ ‬الشاعر‭ ‬المفتون‭ ‬بالجمال،‭ ‬الذي‭ ‬يبكي‭ ‬لعين‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬الحسن؟

كدت‭ ‬أنسى‭ ‬هذه‭ ‬الإدانة‭ ‬الحاسمة‭ ‬للظالمين‭ ‬الذين‭ ‬هانوا‭ ‬حتى‭ ‬سمت‭ ‬عنهم‭ ‬ضغينتنا‭:‬

لا‭ ‬يخدعنك‭ ‬زهو‭ ‬الظالمين‭ ‬

وإن‭ ‬تاهت‭ ‬على‭ ‬الفلك‭ ‬الأبراج‭ ‬والعمد

ثلاثة‭ ‬لهوان‭ ‬الدهر‭ ‬قد‭ ‬خلقوا‭ ‬

الظالمون‭ ‬وعيرُ‭ ‬الحَيِّ‭ ‬والوتدُ

تكبر‭ ‬الحق‭ ‬أن‭ ‬تلقاه‭ ‬مضطهداً‭ ‬

الظلم‭ ‬في‭ ‬عنفوان‭ ‬الظلم‭ ‬مضطهد

 

في‭ ‬الحرية‭ ‬الافتراضية

أقاوم‭ ‬إغراء‭ ‬الإسهاب‭ ‬في‭ ‬اوحدةب‭ ‬شاعرنا‭ ‬الراحل‭ ‬أو‭ ‬اتوحدهب،‭ ‬بمعنى‭ ‬شعوره‭ ‬بأنه‭ ‬اوحيدب‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬لكل‭ ‬شاعر‭ ‬أصيل،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬االوحدةب‭ ‬هي‭ ‬المرتع‭ ‬المفضل‭ ‬لممارسة‭ ‬االبدويب‭ ‬حريته،‭ ‬فمن‭ ‬لديه‭ ‬فكرة‭ ‬بسيطة‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬االواقعب،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد،‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬والوطن‭ ‬لم‭ ‬ينعما‭ ‬بالحرية،‭ ‬على‭ ‬نسبيتها،‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬متقطعة‭ ‬وقصيرة‭ ‬زمنيّاً‭. ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬انغمس‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬مدة‭ ‬وأصبح‭ ‬وزيراً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬بعض‭ ‬القيود‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬وحدة‭ ‬شاعرنا‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬ممارسة‭ ‬حريته‭ ‬في‭ ‬خيالاته‭ ‬التي‭ ‬يقطّرها‭ ‬شعراً،‭ ‬مازال‭ ‬يأخذنا‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬وهم‭ ‬الحرية‭ ‬حتى‭ ‬نكاد‭ ‬نلمسه‭:‬

وبوركت‭ ‬نعمة‭ ‬الخيال‭ ‬ويرضيني

خداع‭ ‬الخيال‭ ‬والتعليل

مارس‭ ‬االبدويب‭ ‬الحرية‭ ‬االافتراضيةب‭ ‬قبل‭ ‬عصر‭ ‬وجود‭ ‬أدواتها‭ ‬فعلاً‭ ‬في‭ ‬متناولنا‭.‬

وكان‭ ‬حرّاً‭ ‬في‭ ‬قصائده،‭ ‬يسجن‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬يطلقها‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬الكون،‭ ‬ينادي‭ ‬تارة‭:‬

كل‭ ‬أفق‭ ‬تضيق‭ ‬فيه‭ ‬أسيراً‭ ‬

سعة‭ ‬الأفق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬طليقاً‭.‬

ويهتف‭ ‬مرة‭:‬

وما‭ ‬ضرّني‭ ‬أسر‭ ‬ونفسي‭ ‬طليقة‭ ‬

مجنحة‭ ‬ما‭ ‬كف‭ ‬من‭ ‬شأوها‭ ‬أسر‭.‬

أطل‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬عزيزاً‭ ‬أضمّني

إليه‭ ‬ظلام‭ ‬السجن‭ ‬أم‭ ‬ضمّني‭ ‬القصر

وما‭ ‬حاجتي‭ ‬للنور‭ ‬والنور‭ ‬كامن‭ ‬

بنفسي‭ ‬لا‭ ‬ظل‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬ستر

إذا‭ ‬ملكوا‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬الحر‭ ‬عنوة‭ ‬

ففي‭ ‬نفسه‭ ‬دنيا‭ ‬هي‭ ‬العز‭ ‬والكبر

تبدو‭ ‬لي‭ ‬مقاومة‭ ‬الإسهاب‭ ‬اوهميةب‭ ‬لا‭ ‬افتراضية‭ ‬فحسب،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬أتوقف‭ ‬عند‭ ‬تصوير‭ ‬االبدويب‭ ‬وحدته‭ ‬بريشته‭ ‬وهي‭ ‬خير‭ ‬االمسهبينب‭:‬

وحدتي‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬السحر‭ ‬والفتنة‭ ‬

حلو‭ ‬القطاف‭ ‬خمراً‭ ‬وريقاً

طف‭ ‬بقلبي‭ ‬تجد‭ ‬به‭ ‬ألف‭ ‬دنيا‭ ‬

لا‭ ‬يلاقي‭ ‬الشقيق‭ ‬فيها‭ ‬الشقيقا

سكنته‭ ‬الشموس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أفق‭ ‬

وتحدى‭ ‬أشتاتها‭ ‬أن‭ ‬يضيقا

حفي‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬عوالمها‭ ‬الفيح‭ ‬

ولم‭ ‬يبلغ‭ ‬المكان‭ ‬السحيقا

لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬من‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬غير‭ ‬املموسةب‭ ‬كهذه‭ ‬فلأنتقل‭ ‬إلى‭ ‬دنيا‭ ‬ثانية‭ ‬أواكب‭ ‬فيها‭ ‬شاعرنا‭ ‬الراحل‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انفك‭ ‬يهتف‭ ‬للحرية‭ ‬هتافاً‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬استثارة‭ ‬حماسة‭ ‬ملايين‭ ‬الناس‭ ‬المناضلين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حرياتهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭.‬

 

خزين‭ ‬الحرية‭ ‬عند‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل

لم‭ ‬أتساءل‭ ‬يوماً‭ ‬وأنا‭ ‬أَرِد‭ ‬حوض‭ ‬الشاعر،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يمتح‭ ‬نسغ‭ ‬الحرية،‭ ‬كنت‭ ‬واثقاً‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينضب،‭ ‬طالما‭ ‬بقي‭ ‬قلبه‭ ‬خافقاً‭, ‬ولئن‭ ‬أنشد‭ ‬شوقي‭: ‬االحياة‭ ‬الحب‭ ‬والحب‭ ‬الحياةب،‭ ‬فإن‭ ‬هتاف‭ ‬االبدويب‭: ‬االحياة‭ ‬الحرية‭ ‬والحرية‭ ‬الحياةب‭.‬

شهدت‭ ‬ســـورية‭ ‬ثــــلاثة‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ (‬1949‭)‬،‭ ‬واستثمر‭ ‬البدوي‭ ‬مناسبة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬المناضل‭ ‬إبراهيم‭ ‬هنانو‭ (‬1950‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬قاتل‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬بعد‭ ‬غزو‭ ‬سورية،‭ ‬وألقى‭ ‬ابدعة‭ ‬الذلب‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬بيت‭ ‬منها‭:‬

بدعة‭ ‬الذل‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬الإنسـ

ان‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬أنه‭ ‬إنسان

بدعة‭ ‬الذل‭ ‬أن‭ ‬يصاغ‭ ‬من‭ ‬الفـ

رد‭ ‬إله‭ ‬مهيمن‭ ‬ديّان

يا‭ ‬لها‭ ‬دولة‭ ‬تعاقب‭ ‬فيها‭ ‬

كالجناة‭ ‬العقول‭ ‬والأذهان

أين‭ ‬حريتي‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬حراً‭ ‬

من‭ ‬جهير‭ ‬النداء‭ ‬إلا‭ ‬الأذان

سُبّة‭ ‬الدهر‭ ‬أن‭ ‬يحاسبَ‭ ‬فكرٌ‭ ‬

في‭ ‬هواه‭ ‬وأن‭ ‬يغلّ‭ ‬لسان

أجتاز‭ ‬الآن‭ ‬السنوات‭ ‬المعدودة‭ ‬المنصرمة‭ ‬بين‭ ‬ابدعة‭ ‬الذلب‭ ‬وبين‭ ‬امن‭ ‬وحي‭ ‬الهزيمةب،‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬1967،‭ ‬لأكتشف‭ ‬أين‭ ‬يختزن‭ ‬شاعرنا‭ ‬الراحل‭ ‬مياه‭ ‬نهر‭ ‬الحرية‭ ‬المتدفق‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭:‬

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬السماوات‭ ‬والأنجم‭ ‬

والشمس‭ ‬والضحى‭ ‬والبدور

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬الملائك‭ ‬والجنة

والراح‭ ‬والشذا‭ ‬والحبور

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬الجمال‭ ‬الإلهي

ومنه‭ ‬المكشوف‭ ‬والمستور

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬ويكتحل‭ ‬العقل

بنور‭ ‬الإلهام‭ ‬والتفكير

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬ونحن‭ ‬القرابين

لمحرابها‭ ‬ونحن‭ ‬النذور

بعض‭ ‬حريتي‭ ‬من‭ ‬الصبح‭ ‬أطياب

ومن‭ ‬رقة‭ ‬النسيم‭ ‬حرير

حاول‭ ‬وسواس‭ ‬االبلاغةب‭ ‬التي‭ ‬يؤذيها‭ ‬التطويل،‭ ‬إقناعي‭ ‬بالاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬قصيدتين‭ ‬اثنتين‭ ‬فحسب‭ ‬من‭ ‬تراتيل‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬الحرية‭: ‬ابدعة‭ ‬الذلب‭ ‬وامن‭ ‬وحي‭ ‬الهزيمةب،‭ ‬فلم‭ ‬أرعوِ،‭ ‬برغم‭ ‬أنه‭ ‬همس‭ ‬لي‭: ‬أما‭ ‬كاد‭ ‬الشاعر‭ ‬يفقد‭ ‬حياته‭ ‬لأنه‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬الهزيمة؟‭ ‬أتنسى‭ ‬أنها‭ ‬منجم‭ ‬عميق‭ ‬يستخرج‭ ‬منه‭ ‬لآلئ‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الحرية؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أنساه‭ ‬أن‭ ‬القصيدة‭ ‬وئدت‭ ‬في‭ ‬مهدها،‭ ‬ومرت‭ ‬عليها‭ ‬الأعوام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬وخمسة‭ ‬وخمسين‭ ‬بيتاً‭ ‬ومازالت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬ينقصها‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬بيتاً‭.‬

ومنع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬قراءتها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬شعراً‭ ‬ونشر‭ ‬عن‭ ‬الهزيمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬للعرب‭ ‬بين‭ ‬المحيط‭ ‬والخليج‭ ‬حفظ‭ ‬أبياتها‭ ‬غيباً‭... ‬فمن‭ ‬نحن‭ ‬وعلى‭ ‬أي‭ ‬حرية‭ ‬نتطاول؟

أعترف‭ ‬آسفاً‭ ‬بخروجي‭ ‬على‭ ‬نصيحة‭ ‬شاعرنا‭ ‬العظيم‭: ‬اويؤذي‭ ‬البلاغة‭ ‬التطويلب‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬الإلمام‭ ‬بهذا‭ ‬اليقين‭ ‬بمقدرة‭ ‬الحرية‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالكائن‭ ‬البشري‭ ‬إلى‭ ‬سوية‭ ‬إنسانية‭ ‬أسمى،‭ ‬كما‭ ‬اعتمل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الشاعر‭ ‬وانبثق‭ ‬في‭ ‬قصائده‭.‬

ينبغي‭ ‬لي‭ ‬الاعتراف‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬بظلمي‭ ‬غير‭ ‬المسوغ‭ ‬لقصيدة‭ ‬امن‭ ‬وحي‭ ‬الهزيمةب،‭ ‬عندما‭ ‬أغفلت‭ ‬التنويه‭ ‬بالأبيات‭ ‬الكثيرة‭ ‬المدهشة‭ ‬التي‭ ‬عالج‭ ‬فيها‭ ‬البدوي‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬والفكري‭ ‬الذي‭ ‬أنجب‭ ‬الهزيمة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الواقع،‭ ‬الرافض‭ ‬لا‭ ‬للنقد‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬للنصيحة‭ ‬الصادقة‭ ‬لوجه‭ ‬الوطن،‭ ‬تفاقم‭ ‬منذ‭ ‬يونيو‭ ‬1967،‭ ‬ووصل‭ ‬قمع‭ ‬الرأي‭ ‬الناقد‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬سويات‭ ‬تسير‭ ‬بالأمة‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬الانحطاط‭. ‬

وتفاعل‭ ‬الاستبداد‭ ‬السياسي‭ ‬بالاستبداد‭ ‬الديني‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬االجهل‭ ‬المقدسب،‭ ‬فأنجبا‭ ‬من‭ ‬صراعهما‭ ‬الظاهر‭ ‬جوّاً‭ ‬مرعباً‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفكري‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬إلا‭ ‬مشروعيهما‭ ‬الاســتبداديين‭.‬

قرأت‭ ‬مرة‭ ‬بقلم‭ ‬الشاعر‭ ‬الألماني‭ ‬هاينريش‭ ‬هاينه‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭: ‬احرية‭ ‬الرأي‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬لديك‭ ‬رأياًب‭.‬

لا‭ ‬ريب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭ ‬كان‭ ‬يمتلك‭ ‬رأياً‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬إيمان‭ ‬راسخ‭ ‬بالحرية‭ ‬يجعلنا‭ ‬نطيل‭ ‬الوقوف‭ ‬خاشعين‭ ‬في‭ ‬محرابه‭.‬

تفاديت‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬نظريات‭ ‬الحرية‭ ‬وفلسفاتها،‭ ‬وتصورت‭ ‬أن‭ ‬البدوي‭ ‬يرسم‭ ‬في‭ ‬قصائده‭ ‬امنمنماتب‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬مجتمعة‭ ‬لاكتشفنا‭ ‬انظريةب‭ ‬متكاملة‭ ‬ومترابطة‭ ‬عن‭ ‬تصوره‭ ‬لقضية‭ ‬الحرية،‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬سورية‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

وجدت‭ ‬نفسي،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬اليوم،‭ ‬ألتجئ‭ ‬إلى‭ ‬حصن‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل،‭ ‬محاولاً‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مدد‭ ‬من‭ ‬خزين‭ ‬الحرية‭ ‬والأمل‭ ‬الكامن‭ ‬بين‭ ‬أسواره،‭  ‬متمنياً‭ ‬تشجيع‭ ‬آخرين‭ ‬على‭ ‬ولوج‭ ‬الحصن‭ ‬فيه‭.‬

أعرف‭ ‬أن‭ ‬البدوي‭ ‬يستحق‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬بوسعي‭ ‬الوفاء‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬ينبغي‭ ‬لي‭ ‬الآن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬انخطافي‭ ‬إلى‭ ‬السحر‭ ‬المسفر‭ ‬عن‭ ‬امفاتنهب‭ ‬في‭ ‬تراتيل‭ ‬الحرية‭ ‬االبدويةب‭ ‬فوجدت‭ ‬سبيل‭ ‬النجاة‭ ‬لما‭ ‬استنجدت‭ ‬به‭ ‬كي‭ ‬ما‭ ‬اأحسن‭ ‬الخروجب‭ ‬من‭ ‬مغامرتي،‭ ‬فأنجدني‭ ‬بما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تهذيب‭ ‬جم،‭ ‬وأومأ‭ ‬إلى‭ ‬قصيدته‭ ‬المدهشة‭ ‬احنين‭ ‬الغريبب‭ ‬فسارعت‭ ‬إليها‭ ‬لأكتشف‭ ‬مغزى‭ ‬إيماءته،‭ ‬فالتقاني‭ ‬اخفاء‭ ‬يلف‭ ‬الحسن‭ ‬وسحرهب‭.‬

وفهمت‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬لومه‭ ‬إذا‭ ‬قصّر‭ ‬قارئه‭ ‬عن‭ ‬التقاط‭ ‬الأخفى‭ ‬والأجمل‭:‬

فَدَع‭ ‬لومهُ‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يَلُحْ‭ ‬لك‭ ‬سحرُه

خيالك‭ ‬لا‭ ‬سحر‭ ‬الخفاء‭ ‬ملوم‭ .