الرموز الزُّخْرُفُية على الملابس الشعبية

تمتاز معظم البلاد بالطابع الزخرفي، فمهما اختلفت الأجناس والأقطار، هناك ظاهرة تجمع بين مظاهر ذوق الشعوب كلها، فالوحدات المستخدمة في التطريز والنقوش أو الحُليات والدلايات تتشابه في كل البلاد إلى حد بعيد. إن الذوق الشعبي شغوف بالزخارف الزاهية البراقة، وكأن هناك لغة موحدة يتحدث بها جميع البشر هي لغة الزخارف المشحونة التي تتداخل تارة في تزاحم شديد وتفترق تارة أخرى. ومن بين ما تنقله إلينا الأزياء الشعبية معان رمزية مختبئة وراء الزخارف والتطريز والنقوش والحُليات، فلكل واحدة من هذه الوحدات والنقوش رسالة، فهي شارات يتعرف أهل كل بلدة على أنفسهم بواسطتها.
أما الأزياء الشعبية فهي أزياء خاصة بالعامة من القرويين أو سكان الريف بصفة عامة وأيضاً الطبقات الشعبية في المدن، وهي أزياء لا تنصاع لضوابط الفن المثقف وتتصف بمجاراة العرف والتقاليد والنظم الاجتماعية وتنسب إلى الجماعة الشعبية، فهي التي تبدعها بذوقها الفكري الخاص. كما أنها تعبير فني مباشر عن البيئة المحلية وتمثيل للثقافة والمادية والروحية لهذه البيئة في إطارها من العادات والتقاليد والمعتقدات المتوارثة، كما تعرف الأزياء الشعبية بأنها فن يبدعه العامة من الناس وتتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل وتطوعه بما يلائم خصائصها وظروف بيئتها، ما يؤكد أن الأزياء الشعبية تعكس في كثير من سماتها آثاراً من تاريخ البلد الذي تنشأ فيه.
تتضمن الملابس الشعبية أشكالاً تعبيرية تتفاعل مع حاجة المجتمع وتعبر عن خواصه النفسية، فهي إنتاج متميز بشعبية وأصالة وخبرة حرفية وأنماط جمالية إلى جانب دلالاتها الثقافية. وتعتبر الملابس الشعبية في الريف المصري من أجمل الملابس الشعبية المتفردة في العالم والجامعة لكل مميزات الفن الشعبي، التي تخفي في زخارفها وتفاصيلها معاني مرتبطة بشعائر قديمة، فالملابس الشعبية تحمل رموزاً وإشارات تشبه المخطوطات وتنقل رسالة من جهة إلى أخرى بأسلوب مقنع. الرموز ومعانيها تساعدنا على فهم فلسفة حياة القروي أو الريفي، التي تنتمي إلى أيديولوجيته الخاصة بأسلوب ثقافته، والتي عبر عنها برموز مجردة مختزلة تعيش في ضمير الأفراد وتتجاوب معهم.
زخارف طبيعية
الطبيعة هي كل ما يحيط بالإنسان من مؤثرات يفكر فيها ويتأملها. وقد تأثر الفلاحون بالطبيعة وحملوا منها معتقدات مازالت مترسخة داخلهم لا يغيرها الزمان، وعبروا عنها بأسلوب نابع من حسهم ووجدانهم، وتعتبر أهم مصدر إلهام لهم، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن أمثلة ذلك: النخيل، وهو من أكثر الرموز النباتية انتشاراً ويرسم بجذع بسيط وبعض الوريقات، فهو اختصار لمعانٍ قديمة ومعتقدات شعبية تدل على الخير والنمو والوفرة والازدهار، والسخاء والكرم، كما يستخدم بغرض جلب الرزق والخصوبة. وبتحليل الوحدات الزخرفية، نجد أن المرأة الريفية استخدمت رمز النخيل بأشكال مختلفة وفي أماكن مختلفة في المشغولات الملبسية. أما الجريد، فيستخدم كمدلول للنماء وجلب الخير المادي والمعنوي، ويستخدم بأشكال مختلفة وفي أماكن متعددة على الثياب، وأحياناً في الوشم.
زخارف حيوانية
تعد هذه الزخارف استلهاماً مباشراً من البيئة المحيطة بالحياة الريفية ومن الحكايات الشعبية، ولكل حيوان مدلول معين وغرض عقائدي مختلف. ونذكر منها: السمك، وهو رمز من العصر الحجري القديم يستخدم كتميمة شعبية من شرق آسيا إلى أوربا، للحماية من العين وجلب الحظ السعيد، كما يستخدم لجلب الرزق ولطلب الإخصاب والتكاثر. أما العنكبوت، فيستخدم الشكل التجريدي لحشرة العنكبوت على شكل خطوط مشعة تبعث من نقطة في المنتصف، وتعتقد الريفيات أن هذه الخطوط تقوم ببعثرة القوة الشريرة والطاقة المشؤومة التي تنبثق من العين الحاسدة.
الزخارف الهندسية
للخطوط دلالاتها وأثرها على شخصية الفرد، ونراها في التركيب البنائي للثياب الريفية الشعبية، كما نراها في الزخارف التي تزين بها، فالخطوط الرأسية تدل على الروح العالية والشعور بالعزة والكرامة وجلب الرزق لليد أو في خطى الإنسان وإدرار الصدر للبن للمرأة المرضعة، في حين أن الخطوط الأفقية تعبر عن الراحة والهدوء، وهي مأخوذة من استواء وتقسيم الزرع في الأراضي الزراعية. أما الخطوط المشعة، فهي تستخدم في التركيب البنائي للزي الشعبي، كأن يكون الإشعاع من السفرة. وتعطي الإحساس بالقوة والشدة والنشاط وتشعر بالأهمية. وتستخدم الخطوط المنكسرة ضد العين الحاسدة بأوضاع مختلفة ومتداخلة في زخرفة أشكال الجلباب بالكرانيش، التي تأخذ أشكالاً أفقية في نهاية الجلباب، للتأكيد على المعتقد الذي يكمن في نفوس مستخدميها.
أما المربع، فهو من الأشكال التي توحي بالحركة والحيوية تبعاً لأضلاعه، ونراه في فتحات العنق، وقصات الصدر (السفرة)، كما يستخدم بكثرة في شكل أحجام متنوعة وأوضاع مختلفة، وقد يقسم إلى أربعة أقسام يتخذ من كل جزء لوناً مخالفاً، وقد يقسم إلى مثلثات للحصول على أكثر من غرض أو لجلب رزق ومنع أذى في آن واحد. وهو يستخدم لمنع الحسد. ويستخدم المعين بكثرة في الزخرفة، ويتخذ تكوينات عديدة بشكل منفرد مع التنوع في أحجامه أو متداخل مع بعض الرموز الأخرى، ويستخدم شكل المعين بهدف تشتيت العين الحاسدة.
المثلث، اتخذ من الطبيعة كرمز للجبال، حيث قمم الجبال التي تماثل رؤوس المثلثات، وهو أيضاً من الأشكال التي توحي بالحيوية والحركة تبعاً لوضع القاعدة والقمة. وقد استخدم المثلث بداية في عصر ما قبل الأسرات واستخدم بكثرة في الأواني الفخارية، كما أن له مدلولاته المختلفة في الحقب التاريخية المتغيرة، ويعتبر المثلث أكثر العناصر انتشاراً في الحلي الشعبية والزخارف الجدارية والمنتجات الأخرى بخاماتها المختلفة. كما ارتبط استخدام المثلث بمعانٍ عدة رمزية مختلفة حول العالم، ولكن المعنى الأساسي والاعتقاد الرئيس من ورائه هو الحماية، حيث يعتقد أن الزوايا الحادة للمثلث قادرة على عمى العين الشريرة، لذا يستخدم بشكل متكرر في الملابس كحجاب لمنع الحسد والسحر أو الوقاية من شر معين أو لجلب غرض، ويعتقد أيضاً أنه مرتبط بالخصوبة والإنجاب، نظراً للشبه بين المثلث ومنطقة التناسل لدى السيدات. لذا استعان الشعبيون بوجه عام، والريفيون بوجه خاص، باستخدام شكل المثلث بكثرة وخاصةً في ملابس العروس والمولود.
ويعمد الشعبيون إلى وضع شكل المثلث في الثياب لحماية أجزاء معينة من جسم المرأة، اعتقاداً منهم بأنه لديه القدرة على صد الأذى، سواء في شكل سفرة على الصدر أو فتحة عنق حول الرقبة أو عن طريق بعض القصات أو الشرائط الزخرفية أو الزخارف بوجه عام. ويحفظ المثلث مكانه إلى الآن في ثياب النساء كعنصر أساسي. ومن المعتقدات التي تأثر بها الشعبيون في مصر والعالم العربي والأوربي؛ استخدام الحبوب الوقائية والثمار العطرية في أكياس صغيرة بأشكال مثلثة تخاط في الثياب، للاعتقاد بأنها تكسب الجسم مناعة ضد الأمراض أو لإكساب الثوب رائحة عطرية أو لأغراض انتقامية، كدس السموم في ثنايا الثياب ومن ثَمَّ الجسد. ويغلب أن هذه الوقائع الفردية الانتقامية علقت بأذهان الناس وأصبحوا لا يستخدمون هذه الأكياس المثلثة بكثرة. ولكن ظلت مواضعها في الملبس تنفذ بلون مخالف لتحمل شكلاً زخرفياً يرمز للأحجبة التي كانت توضع بها. وفي باكستان وأجزاء من آسيا، كانت توضع جيوب مثلثة صغيرة حول فتحة الرقبة مليئة بالبهارات قوية الرائحة، لحماية العروس من المحيطين بها.
أما الدائرة، فهي رمز عن المصري القديم، يعتبر محصلة الدوافع المسببة للظواهر الطبيعية، وهي رمز يستمد قوته من حركة القوة الكونية للشمس والقمر، ويستخدم هذا الرمز في مختلف أنحاء العالم للحماية من العين.
أساليب الزخرفة
تتنوع أساليب وطرق تنفيذ الزخارف الشعبية من زي لآخر ومن منطقة إلى أخرى، منها المنسوج على الخامة وسط ضفائر وتلاحم التركيب النسيجي والتي تنتج عن اختلاف ألوان الخيوط المستخدمة أو اختلاف التركيب النسجي أو اختلاف الاثنين معاً في شكل لامع أو مطفي. وينقلنا هذا إلى الأسلوب الثاني، وهو زخرفة تضاف لسطح الخامة بعد نسجها باستخدام القماش؛ سواء كانت من نوع القماش المستخدم في الأرضية نفسه أو مختلفة عنه، لعمل أشكال زخرفية وحليات مزركشة ذات ألوان متعددة، ما يذكرنا برقع الثياب التي تكثر في الأزياء الشعبية منذ القرون الماضية، التي اتخذها الفقراء والأولياء شعاراً لهم دلالة على التصوف ووسيلة إلى الزهد، وتستخدم أيضاً في العادات الشعبية كوسيلة لمنع الحسد.
وهناك أسلوب آخر وهو الزخرفة باستخدام إبر الخياطة التي يختلف طولها وحجمها وسمكها تبعاً لنوع القماش والخيوط والغرز المستخدمة، ويعرف باسم التطريز، الذي يُعَدّ من أهم أساليب الزخرفة لدى النساء في كل أنحاء العالم. وتعددت أنواع غرز التطريز التي استخدمتها النساء في زخرفة الثياب الشعبية، فنجد منها غرزة الفرع، غرزة السلسلة، غرزة البطانية، العجمية، السراجة، النباتة، الصليب، الحشو، وغيرها، ويمكن التطريز أيضاً باستخدام خامات أخرى كالخرز أو الردع أو الأزرار، أو بإضافة شرائط الجالون.
وتسمى الحليات المطرزة اأحجبةب، فالشعار أو الرسم على الثياب بمعناه الرمزي يفسر في الأسلوب الشعبي بأنه حجاب، فالثياب الشعبية تخفي - غالباً - في قدمها وخشونتها وفي رقعها وأحجبتها وفي زخارفها وتفاصيلها معاني مرتبطة بشعائر قديمة، وهذا ما يميز طابعها الفني.
وأخيراً؛ فإن الأثر النفسي لاستخدام الزخارف هو اتحاد للتأثيرات النفسية للخطوط والأشكال والرموز والألوان والفراغات التي تحدثها هذه العناصر عند اتحادها مع بعضها في الزخارف، وتمكن ملاحظة أن الوحدات المتقاربة تعطي ازدحاماً وإحساساً بالضغط النفسي، أما الوحدات المتباعدة, فتعطي انطباعاً أكثر ارتباطاً. الوحدات الزخرفية المسطحة توحي بالبساطة والراحة، أما ذات العمق فتبدو أكثر تعقيداً. الوحدات الزخرفية الكبيرة ذات الفراغات تعطي قوة، والوحدات الدقيقة تعطي أناقة وجمالاً. الوحدات الزخرفية توحي بشخصية المرتدي، فالزهور والنباتات توحي بشخصية أنثوية رقيقة، أما الزخارف الهندسية والحيوانية فتوحي بشخصية قوية, لذا تستخدم المرأة الريفية الزخارف الحيوانية والهندسية في تزيين الملابس، حيث تعطي طاقة إيجابية خفية توحي بالثقة والسعادة والفخر .