الشعر الجاهلي بين طه حسين ومارغليوث

الشعر الجاهلي بين طه حسين ومارغليوث

صادف‭ ‬الكتاب‭ ‬الأشهر‭ ‬لعميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬والمعنون‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‮»‬،‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعاً‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬على‭ ‬فحواه‭ ‬ومعناه،‭ ‬وإنما‭ ‬امتد‭ ‬ليسائل‭ ‬عن‭ ‬أصوله‭ ‬ومصادره،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬مؤلفه‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬إنه‭ ‬منحول‭ ‬كتبه‭ ‬اللاحقون،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬من‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ - ‬كذلك‭ -‬‭ ‬منحولاً‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬للمستشرق‭ ‬الإنجليزي‭ ‬ديفيد‭ ‬صموئيل‭ ‬مارغليوث‭.‬

هذه‭ ‬القضية‭ ‬الشائكة‭ ‬كرست‭ ‬لها‭ ‬حياتها‭ ‬الباحثة‭ ‬التونسية‭ ‬بسمة‭ ‬حجام‭ ‬بن‭ ‬عثمان،‭ ‬وقد‭ ‬جعلتها‭ ‬مادة‭ ‬كتابها‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬أيدينا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬رحلت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬منشوراً،‭ ‬فقد‭ ‬صدر‭ ‬مؤلفها‭ ‬برعاية‭ ‬زوجها‭ ‬وشقيقها،‭ ‬اللذين‭ ‬أهديا‭ ‬نسخته‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وهم‭ - ‬ثلاثتهم‭ -‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬المرفقة‭ ‬بالكتاب‭: ‬امن‭ ‬القراء‭ ‬الأوفياء‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وندرك‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬جيدة‭ ‬ومقالات‭ ‬ممتازة‭ ‬ودراسات‭ ‬ثرية‭ ‬للتراث‭ ‬الفكري‭ ‬العربي‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الفكري‭ ‬والأدبي‭ ‬العالميب‭.‬

‭ ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬زوجها‭ ‬الدكتور‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬عثمان‭ ‬وشقيقها‭ ‬طاهر‭ ‬الحجام،‭ ‬فقد‭ ‬شرعت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الباب‭ ‬واسعاً‭ ‬لدراسة‭ ‬مقارنة،‭ ‬ومتعمقة،‭ ‬أدبية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬فلم‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬أثيرت،‭ ‬وإنـما‭ ‬وضعت‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ - ‬بحياد‭ ‬أكاديمي‭ - ‬الأمر‭ ‬برمته،‭ ‬مستقصية‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتصل‭ ‬بتاريخ‭ ‬العلَمين‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي؛‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ومارغليوث،‭ ‬في‭ ‬بابين،‭ ‬تناول‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬فصليْه‭ ‬قضية‭ ‬الانتحال‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي،‭ ‬وتعرض‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬فصلين‭ ‬آخرين‭ ‬إلى‭ ‬مظاهر‭ ‬الاختلاف‭ ‬والائتلاف‭ ‬بين‭ ‬المدونتين،‭ ‬مدونة‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬ومدونة‭ ‬مارغليوث‭ ‬في‭ ‬مؤلفه‭.‬

أثار‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بكتابه،‭ ‬منذ‭ ‬صدوره‭ ‬سنة‭ ‬1926،‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬متباينة‭ ‬جعلت‭ ‬النقاد‭ ‬يسمونه‭ ‬الكتاب‭ ‬االضجةب‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬أطروحة‭ ‬صاحبه‭ ‬الجريئة،‭ ‬وهي‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬واعتباره‭ ‬شعراً‭ ‬نُظم‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام‭.‬

وما‭ ‬لفت‭ ‬انتباه‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬اقتران‭ ‬مضمون‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بمقال‭ ‬كتبه‭ ‬المستشرق‭ ‬الإنجليزي‭ ‬دافيد‭ ‬صموئيل‭ ‬مارغليوث‭ ‬بعنوان‭: ‬اأصول‭ ‬الشعر‭ ‬العربيب‭ (‬The Origins‭ ‬of‭ ‬Arabic Poetry‭)‬،‭ ‬نُشر‭ ‬سنة‭ ‬1925‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الجمعية‭ ‬الملكية‭ ‬الآسيوية‭ (‬The Journal of the Royal Asiatic Society‭). ‬

فبعض‭ ‬النقاد‭ ‬يؤكدون‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬سطا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وقدمه‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬محاضرات،‭ ‬ويدفع‭ ‬آخرون‭ ‬هذه‭ ‬التهمة‭ ‬عنه،‭ ‬مبرزين‭ ‬أوجه‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬مارغليوث‭ ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭.‬

مؤلفة‭ ‬الكتاب‭ ‬هي‭ ‬بسمة‭ ‬حجّام‭ ‬بن‭ ‬عثمان‭ ‬
‭(‬1968‭ / ‬2014‭) ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬شهادة‭ ‬الأستاذية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والآداب‭ ‬والحضارة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بتونس‭ ‬سنة‭ ‬1992‭ ‬وشهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الاختصاص‭ ‬نفسه‭ ‬سنة‭ ‬2009،‭ ‬وقد‭ ‬نشرت‭ ‬كتابها‭ ‬االأطلسية‭ ‬للنشرب،‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ديسمبر‭ ‬2014‭.‬‭ ‬

وقد‭ ‬تواتر‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الانتحال‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬ومواقف‭ ‬المحدثين‭ ‬من‭ ‬الرواة‭ ‬والقصاصين‭ ‬الذين‭ ‬يرجع‭ ‬إليهم‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬والإسهام‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬جمعه‭ ‬وتدوينه‭ ‬بما‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬عقدية‭ ‬وسياسية‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬ظهر‭ ‬صداها‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬مؤلفات‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬فقد‭ ‬أولى‭ ‬الدارسون‭ ‬عرباً‭ ‬ومستشرقين‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬لمصادر‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬وجذوره،‭ ‬ولكيفية‭ ‬انتشاره‭ ‬وتدوينه،‭ ‬فلم‭ ‬يتعرضوا‭ - ‬في‭ ‬ما‭ ‬كتبوا‭ - ‬لأغراضه‭ ‬ومضامينه‭ ‬إلا‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تصويره‭ ‬للفترة‭ ‬التي‭ ‬ظهر‭ ‬فيها،‭ ‬ولم‭ ‬يتناولوا‭ ‬أشكاله‭ ‬إلا‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يشي‭ ‬بطرائق‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬وتشكيل‭ ‬المعاني‭.‬

ولا‭ ‬شـيء‭ ‬يصل‭ ‬العصور‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالعصر‭ ‬الجاهلي‭ ‬سوى‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬المنسوب‭ ‬إلى‭ ‬الجاهليين،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬للعرب‭ ‬تاريخ‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتضمنه‭ ‬لفظ‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع،‭ ‬ومساجلات‭ ‬ومنافرات،‭ ‬وانتصارات‭ ‬وانكشافات‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬خير‭ ‬حافظ‭ ‬لها،‭ ‬وخير‭ ‬معين‭ ‬على‭ ‬تحسس‭ ‬حياة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬طرائق‭ ‬عيشهم‭ ‬وأنواع‭ ‬المعاملات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم،‭ ‬ووسائل‭ ‬التعبير‭ ‬عندهم،‭ ‬لذا‭ ‬يعتبر‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬أقدم‭ ‬أثر‭ ‬عن‭ ‬الفترة‭ ‬الجاهلية،‭ ‬وهو‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬مهد‭ ‬لظهور‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬عموماً‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬عصوره،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬المرجع‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬لمعرفة‭ ‬جيد‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬رديئه،‭ ‬فقد‭ ‬اكتملت‭ ‬به‭ ‬الأغراض‭ ‬والمواضيع‭ ‬وتدعمت‭ ‬به‭ ‬البنى‭ ‬والأوزان‭. ‬

وأسئلة‭ ‬الباحثة‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭: ‬كيف‭ ‬وصل‭ ‬إلينا‭ ‬هذا‭ ‬الشعر؟‭ ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه‭ ‬الرواية‭ ‬أم‭ ‬الكتابة؟‭ ‬وهل‭ ‬عرف‭ ‬العرب‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الجاهلية؟‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك،‭ ‬فلم‭ ‬دوّن‭ ‬الشعر‭ ‬وأهمل‭ ‬النثر؟‭ ‬وهل‭ ‬دوّن‭ ‬كل‭ ‬الشعر‭ ‬حقاً؟‭ ‬أم‭ ‬دوّن‭ ‬بعضه‭ ‬وأسقط‭ ‬كثيره؟‭ ‬وما‭ ‬الاعتبارات‭ ‬في‭ ‬تدوين‭ ‬البعض‭ ‬وإسقاط‭ ‬قسم‭ ‬كبير‭ ‬منه؟

‭ ‬وإذا‭ ‬أقررنا‭ ‬بتعذر‭ ‬وجود‭ ‬كتابة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي‭ ‬تسمح‭ ‬بتقييد‭ ‬الشعر‭ ‬كله،‭ ‬وبأن‭ ‬التدوين‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬للهجرة،‭ ‬كما‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أغلب‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع،‭ ‬فإن‭ ‬وسيلة‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬الوحيدة‭ ‬كانت‭ ‬الرواية‭ ‬الشفوية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬تسلسل‭ ‬وانقطاع،‭ ‬وإسناد‭ ‬وغير‭ ‬إسناد،‭ ‬وحفظ‭ ‬ونسيان،‭ ‬وصدق‭ ‬وكذب‭.‬

فهل‭ ‬استطاع‭ ‬الرواة‭ ‬حفظ‭ ‬آلاف‭ ‬الأبيات‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬ومئات‭ ‬القصائد‭ ‬والمقطوعات‭ ‬لينقلوها‭ ‬سماعاً‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬لتدون‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬مثلما‭ ‬سمعت‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬ومثلما‭ ‬قالها‭ ‬أصحابها‭ ‬في‭ ‬الجاهلية؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬الرواة‭ - ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬حماد‭ ‬الراوية‭ ‬وخلف‭ ‬الأحمر‭ - ‬على‭ ‬قدر‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الحفظ‭ ‬والعلم‭ ‬والثقة؟‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير‭ ‬تناولها‭ ‬لماماً‭ ‬المستشرق‭ ‬مارغليوث‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬مؤلفاته،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬آخرها‭ ‬كتابه‭ ‬الموسوم‭ ‬
بـ‭ ‬اأصول‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ (‬The origine of arabic‭ ‬poetry‭) (‬1925‭).‬

وبعد‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬كتاب‭ ‬مارغليوث‭ ‬أخرج‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬افي‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهليب‭ (‬1926‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬تردد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬شعراً‭ ‬جاهلياً‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬شعر‭ ‬منتحل‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرواة‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬الهجرة،‭ ‬وأكد‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬رأي‭ ‬سابقه‭ ‬فقال‭: ‬اإن‭ ‬الكثرة‭ ‬المطلقة‭ ‬مما‭ ‬نسميه‭ ‬أدباً‭ ‬جاهلياً‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الجاهلية‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬منحولة‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام،‭ ‬فهي‭ ‬إسلامية‭ ‬تمثل‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬وميولهم‭ ‬وأهواءهم‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تمثل‭ ‬حياة‭ ‬الجاهليينب‭.‬

ودافيد‭ ‬صمويل‭ ‬مارغليوث‭ (‬1858‭ - ‬1940‭)‬،‭ ‬هو‭ ‬مستشرق‭ ‬بريطاني‭ ‬متخرج‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد،‭ ‬اعتنى‭ ‬بالتراث‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتقن‭ ‬العربية‭ ‬وأصبح‭ ‬مدرساً‭ ‬لها،‭ ‬ثم‭ ‬رأس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬الجمعية‭ ‬الملكية‭ ‬الآسيوية‭ ‬ونشر‭ ‬فيها‭ ‬بحوثه،‭ ‬تردد‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬الشرقية،‭ ‬وانتخب‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬المجمع‭ ‬العلمي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬والمجمع‭ ‬اللغوي‭ ‬البريطاني،‭ ‬والجمعية‭ ‬الشرقية‭ ‬البريطانية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬وله‭ ‬آراء‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬القديم،‭ ‬حيث‭ ‬انشغل‭ ‬بقضية‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬الأدبي‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭.‬

كتب‭ ‬مارغليوث‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬سنة‭ ‬1925،‭ ‬ونشر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬نفسها،‭ ‬وترجم‭ ‬أربع‭ ‬مرات،‭ ‬وقد‭ ‬آثرت‭ ‬المؤلفة‭ ‬اعتماد‭ ‬الترجمة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬انظراً‭ ‬إلى‭ ‬جدتها‭ ‬وإلى‭ ‬استفادة‭ ‬المترجم‭ ‬إبراهيم‭ ‬عوض‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬الثلاث‭ ‬السابقةب‭.‬

انطلق‭ ‬مارغليوث‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ينبذ‭ ‬الشعراء‭ ‬لصفاتهم‭ ‬التي‭ ‬تتنافى‭ ‬والإسلام‭ ‬مثل‭ ‬المبالغة‭ ‬والكذب‭ ‬والكهانة،‭ ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬دعامة‭ ‬أسّس‭ ‬عليها‭ ‬فكرته‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬أنكروا‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬ولم‭ ‬يعتنوا‭ ‬بتدوينه‭ ‬وحفظه،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يُتناقل‭ ‬شفوياً،‭ ‬لذلك‭ ‬ضاع‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬وما‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الأدب‭ ‬القديم‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬أصوات‭ ‬الرواة‭ ‬المنتحلين‭ ‬الذين‭ ‬ينظمون‭ ‬القصائد‭ ‬الطوال‭ ‬وينسبونها‭ ‬إلى‭ ‬فحول‭ ‬الشعراء،‭ ‬واستند‭ ‬مارغليوث‭ ‬إلى‭ ‬حجج‭ ‬كثيرة‭ ‬لإثبات‭ ‬الانتحال‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي،‭ ‬سمّاها‭ ‬البراهين‭ ‬الداخلية‭ ‬والبراهين‭ ‬الخارجية‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مارغليوث‭ ‬كان‭ ‬متأثراً‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬الشك‭ ‬هذه‭ ‬بآراء‭ ‬ياقوت‭ ‬الحموي‭ ‬في‭ ‬الانتحال،‭ ‬المبثوثة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬اإرشاد‭ ‬الأريبب‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬اعتنى‭ ‬بتحقيقه‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬1907‭ ‬و1926،‭ ‬أي‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كتب‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬إذ‭ ‬استغلّ‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬أشعار‭ ‬الجاهليين‭ ‬والطّعن‭ ‬في‭ ‬مصداقية‭ ‬بعض‭ ‬الرّواة‭ ‬ليُنكر‭ ‬صحّتها‭ ‬كلّها،‭ ‬وذهب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كلّ‭ ‬مذهب‭.‬‭ ‬

وقد‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬مارغليوث‭ ‬كثيرون،‭ ‬وأبرز‭ ‬الذين‭ ‬تكفّلوا‭ ‬بذلك‭ ‬تشارلز‭ ‬جيمس‭ ‬ليال‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬معارف‭ ‬الدّين‭ ‬والأخلاق‭ ‬الصادرة‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬مقدّمة‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬المفضّليات،‭ ‬المكتوب‭ ‬أيضاً‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬وجاء‭ ‬الرّد‭ ‬ملخّصاً‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬موقف‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬من‭ ‬الشّعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬لمحمّد‭ ‬رجب‭ ‬البيّومي‭.‬

وأهمّ‭ ‬مواطن‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬مارغليوث،‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬جيمس‭ ‬ليال،‭ ‬الأطروحة‭ ‬نفسها‭ ‬المتمثّلة‭ ‬في‭ ‬إنكاره‭ ‬صحّة‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬ليال‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬قوله‭: ‬اومن‭ ‬إفراط‭ ‬الخيال‭ ‬أن‭ ‬تظنّ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬القصائد‭ ‬المنسوبة‭ ‬إليهم‭ ‬منحولة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬متأخر،‭ ‬ومن‭ ‬تأليف‭ ‬أدباء‭ ‬عاشوا‭ ‬تحت‭ ‬ظروف‭ ‬مغايرة‭ ‬تمام‭ ‬المغايرة،‭ ‬وفي‭ ‬عالم‭ ‬شديد‭ ‬الاختلاف‭ ‬عن‭ ‬أيّام‭ ‬الحياة‭ ‬البدويّة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬العربيةب‭.‬

أما‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬التحق‭ ‬بالأزهر‭ ‬سنة‭ ‬1902‭ ‬ثم‭ ‬درس‭ ‬بالجامعة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1908‭ ‬وتخرّج‭ ‬فيها‭ ‬حاصلاً‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعرّي‭ ‬
سنة‭ ‬1914،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬ويتخصّص‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والدراسات‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬في‭ ‬مونبيلييه‭ (‬Montpellier‭) ‬ثم‭ ‬يواصل‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬السّوربون‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬1915و1919‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬برسالة‭ ‬علمية‭ ‬عنوانها‭ ‬ادراسة‭ ‬تحليلية‭ ‬نقدية‭ ‬لفلسفة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬الاجتماعيةب،‭ ‬ويشتغل‭ ‬إثر‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬بالتّدريس،‭ ‬ولكنه‭ ‬يفصل‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬المصريّة‭ ‬بسبب‭ ‬نشره‭ ‬كتاب‭ ‬افي‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهليب،‭ ‬ويحال‭ ‬إلى‭ ‬النيابة‭ ‬بسببه،‭ ‬ويبدأ‭ ‬التحقيق‭ ‬معه‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬1926،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬برّأته‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬1927،‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬التدريس‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1942‭ ‬أصبح‭ ‬مستشاراً‭ ‬لوزير‭ ‬المعارف‭ ‬ثم‭ ‬مديراً‭ ‬لجامعة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬أصبح‭ ‬وزيراً‭ ‬للمعارف‭.‬

وطه‭ ‬حسين‭ ‬كاتب‭ ‬غزير‭ ‬الإنتاج‭ ‬جمعت‭ ‬مؤلفاته‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مجلداً،‭ ‬وبأفكاره‭ ‬النيّرة‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬36‭ ‬جائزة‭ ‬أهمها‭ ‬وسام‭ ‬قلادة‭ ‬النيل‭ ‬سنة‭ ‬1965‭ ‬وجائزة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬سنة‭ ‬1973،‭ ‬وتم‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيساً‭ ‬لمجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬وظلّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬حتّى‭ ‬وفاته‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬1973‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬القضايا‭ ‬الملتبسة‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬الكتاب،‭ ‬فإن‭ ‬أحد‭ ‬المنشغلين‭ ‬بالقضية‭ - ‬سلطان‭ ‬منير‭ ‬الذي‭ ‬أعدّ‭ ‬بحثه‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬سلام‭ ‬وكتابه‭ ‬طبقات‭ ‬فحول‭ ‬الشعراء‭ - ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬أحيا‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬ولفت‭ ‬إليه‭ ‬الأنظار‭ ‬قائلاً‭: ‬ولا‭ ‬نبعد‭ ‬حين‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬بالشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬كانت‭ ‬خيراً‭ ‬عميماً‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬سلام‭ ‬وكتابه،‭ ‬إذ‭ ‬جعلت‭ ‬أنظار‭ ‬الباحثين‭ ‬المؤرخين‭ ‬للنقد‭ ‬العربي‭ ‬تتجه‭ ‬إليه‭ ‬وتخلّي‭ ‬له‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬أبحاثها،‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تعطيه‭ ‬ما‭ ‬سلبه‭ ‬منه‭ ‬الزمان‭.‬

ويرى‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬تليمة‭ ‬في‭ ‬مقدّمته‭ ‬للنسخة‭ ‬الجديدة‭ ‬لكتاب‭ ‬في‭ ‬االشعر‭ ‬الجاهليب‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬تأثّر‭ ‬بمناهج‭ ‬المستشرقين‭ ‬في‭ ‬دراساتهم‭ ‬لآدابهم،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يطبّق‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭. ‬

يقول‭ ‬عبدالرّحمن‭ ‬تليمة‭: ‬اوبديهي‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬قد‭ ‬قرأ‭ ‬عمل‭ ‬المستشرقين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬اطّلع‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬أوربية‭ ‬تشكّك‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬التاريخي‭ ‬لسقراط‭ ‬وهوميروس‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬أئمّة‭ ‬الثقافة‭ ‬القديمة،‭ ‬فأغراه‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬إغراء‭ ‬بالتوسّع‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬بانتحال‭ ‬كثرة‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهليب‭.‬

ويقارن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المقالح‭ ‬بين‭ ‬منهج‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬الشك‭ ‬ومنهج‭ ‬ديكارت،‭ ‬ويبرز‭ ‬الفرق‭ ‬بينهما‭ ‬بقوله‭: ‬اويستطيع‭ ‬القارئ‭ ‬غير‭ ‬المتخصص،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬القارئ‭ ‬المتخصص،‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬بين‭ ‬منهج‭ ‬ديكارت‭ ‬ومنهج‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بوناً‭ ‬شاسعاً،‭ ‬منهج‭ ‬الأول‭ ‬فلسفي،‭ ‬ومنهج‭ ‬الآخر‭ ‬أدبي‭ ‬صرف،‭ ‬شك‭ ‬الأول‭ ‬وسيلة‭ ‬لليقين،‭ ‬وشكّ‭ ‬الآخر‭ ‬وسيلة‭ ‬للإنكار‭... ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إن‭ ‬شك‭ ‬ديكارت‭ ‬كان‭ ‬منصباً‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬العقلية،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬شك‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬منصبّاً‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬النقلية،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالشعر‭ ‬والأدبب‭.‬

ومثلما‭ ‬سجّلت‭ ‬الباحثة‭ ‬تشابهاً‭ ‬في‭ ‬الأسلوب،‭ ‬سجّلت‭ ‬أيضاً‭ ‬تشابهاً‭ ‬في‭ ‬المصادر‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬المؤلفين،‭ ‬ومنها‭ ‬االأغانيب،‭ ‬لاشتماله‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬الشّعراء‭ ‬والرّواة،‭ ‬وكتاب‭ ‬العمدة‭ ‬في‭ ‬محاسن‭ ‬الشعر‭ ‬لابن‭ ‬رشيق،‭ ‬وعاد‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬الطبري‭ ‬وتاريخه،‭ ‬بينما‭ ‬اكتفى‭ ‬مارغليوث‭ ‬بذكر‭ ‬الطبري‭ ‬والجزء‭ ‬والصفحة‭ ‬دون‭ ‬تدوين‭ ‬اسم‭ ‬الكتاب،‭ ‬والأرجح‭ ‬أنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الطبري،‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬تفسيره‭.‬

وقد‭ ‬أحال‭ ‬كلا‭ ‬المؤلفين‭ ‬إلى‭ ‬البيان‭ ‬والتبيين‭ ‬للجاحظ،‭ ‬والمزهر‭ ‬للسيوطي‭ ‬وطبقات‭ ‬ابن‭ ‬سعد‭. ‬والملاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬لم‭ ‬يذر‭ ‬مصادره‭ ‬في‭ ‬هوامش‭ ‬كتاب‭ ‬افي‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهليب،‭ ‬لذلك‭ ‬عادت‭ ‬الباحثة‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬افي‭ ‬الأدب‭ ‬الجاهليب‭ ‬لتدوين‭ ‬قائمة‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬طه‭ ‬حسين‭. ‬

ولم‭ ‬يفت‭ ‬الباحثة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬وثقته‭ ‬من‭ ‬فهارس‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬بعض‭ ‬الملاحق؛‭ ‬ومنها‭ ‬تصريح‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬نفسه‭ ‬بعدم‭ ‬اطلاعه‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬مارغليوث،‭ ‬وتصريح‭ ‬مارغليوث‭ ‬بتبرئة‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬افكرة‭ ‬الكتاب‭ ‬مماثلة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬للفكرة‭ ‬التي‭ ‬أدرت‭ ‬حولها‭ ‬بحثي‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجلة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تقريبا،‭ ‬الذي‭ ‬ظهرت‭ ‬فيه‭ ‬طبعة‭ ‬الكتاب‭ ‬الأولى،‭ ‬وبذلك‭ ‬توصل‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬مستقلاً‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬تماماً‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬متشابهةب‭ .