الأشكالُ اللُّغَوية للرسائلِ الإلكترونية

إذا كان من الإعجاز الإيجاز، حيث تؤدي مفردات أقل المعنى المقصود على نحو أشمل وأكمل، نجد أن الرسائل الإلكترونية تنحاز إلى هذا الإيجاز، الذي قد يكون مُلغزًا حينًا، أو معجزًا في حين آخر، لكنه في الأحيان كلها منجز وموجز.
وقد أفردنا في حديثنا الشهري، بالعدد السابق، لتناول موضوعات الرسائل الإلكتــرونـية المــــتــداولـــة عـــبر وســــائط التخاطب العصرية، المستقاة جذورها من فن الرسائل العربي القديم، لتأتي صورتها في العصر الحديث على نحو الرسائل الإلكترونية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو كاريكاتيرية أو رسائل الطرائف والنوادر.
وأعتقد أن الشكل المؤسس لهذه الرسائل يمكن أن يرجع إلى الأشكال الموجزة لفنون النثر والشعر، ومنها الحكمة، والمثل، بل وقصيدة البيت الواحد، وصولا إلى الرباعية.
فقد كان في الرسائل قديمًا ما يمكن أن يظل شاهدًا على تلك القدرة الفائقة في الإيجاز، كما اعتاد مرسلو البرقيات العادية والمشفرة أن يلخصوا لكي لا يكون الإسهاب مضيعة للوقت، أو النقد.
ففي رسالة تحذير أرسلها من مكة المكرمة العباس بن عبدالمطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة، وكانت قريش قد بدأت زحفها لقتاله في أُحد: «اصنع ما كنت صانعا إذا وردوا عليك، وتقدم في استعداد التأهب». وكأنه يورد خطة المعركة، بكامل استراتيجيتها، في سطر وحيد.
ومثلما جمعت القصائد قديما فنون الموسيقى وقيم التشكيل وآثار البلاغة، نكاد نقول إنها ورَّثْت ذلك كله إلى الرسائل الإلكترونية الحديثة، حتى يمكن، بيسير من القول والإحالة، التأكيد على أنها رسائل الوسائط المتعددة.
وقــد تــنــــــوعــــت أشكـــــــال الـــــرسـائل الإلكترونية لغويا، ما بين فصيحة وعامية فكان منها:
أ- رسائل عربية فصيحة
وما يميز هذه الرسائل أنها مرسلة من مثقفين، أو تعرضت للتنقيح والتصحيح لكونها توزع على أكبر عدد من المتلقين، أو غير ذلك، ومن أمثلة هذه الرسائل:
«عيد سعيد.... صحة حديد.... عمر مديد.... فلوس تبديد..... قسط تسديد... يهود تشريد.. مراتب تنجيد.. زوجات تجديد».
ويظهر في الرسالة من السجع والجناس الواضح والجمل القصيرة المكونة من كلمتين، وكل جملة في سطر لكي يتضح السجع، وتشمل نواحي الحياة وهي تهنئة بالعيد فيها من روح فكاهية لكونها تهنئة بالعيد، فتدخل السرور، ودعوات بها نوع من الجدية ونوع من الهزل، شيء مصيري وشيء كمالي.
ب - رسائل مكونة من كلمات عربية بسيطة
فيستخدم المرسل إمكانات الجهاز ومتابعة الأسطر والشكل في المعاني والألفاظ، ومنها ما يكون به ألغاز : مثل:
«أنا.... حياتي.... بدونك... كلها... ملل.... وحشه... تعب... أكتب الحرف الأول من كل كلمه؟ فيخرج لنا (أحبك موت)».
ج - رسائل باللغة العربية والعامية
وهي كثيرة جدا، فلغة الرسائل لغة العامة وليست لغة الأدباء أو الصفوة أو المثقفين، ولذا لا نجد ندرة في الأخطاء إلا في رسائل المثقفين أو الرسائل التي تعرضت للتمحيص والتدقيق لكونها سترسل إلى عدد كبير من القراء، وبعض الرسائل قد تبدأ بسؤال وكأنها لغز، وتنتهي بالإجابة مثل:
«كم قمر في الكون؟ اثنين واحد في السماء وواحد قاعد يقرأ الرسالة».
وهي نادرة ورسالة تقرأ بالعامية وبالفصحى وهذا نوع نادر من الرسائل.
وقد حرفت في بعض مدن وقرى الأحساء بالسعودية، فإنهم يبدلون الكاف جيماً مخففة ثلاثية النقط (چ) كقول:
«أخوچ، أبوچ»، بدلاً من أخوكِ، أبوك، وهي اللهجة السائدة بالكويت.
ج - رسائل باللغة العربية المكتوبة بحروف إنجليزية وأرقام مكان الحروف العربية غير الموجودة في الإنجليزية
المزج بين الفصيح والعامي والمزج بين العربية والإنجليزية، من خصائص الرسائل الإلكترونية، وذلك في نص رسالة واحدة فتتحول العربية إلى كتابة بالحروف الإنجليزية وتوجد حروف بالعربية تعجز الأبجدية الإنجليزية عن التعبير عنها، استخدام الأرقام أو ما يطلق عليه الرسائل الرقمية ومن أمثلة ذلك:
(Ana Baroo7 Ma3 9a7bety Mam)
فهذه رسالة من ابنة لوالدتها تخبرها بأنها ستذهب مع صاحبتها، فاستخدمت الحروف الإنجليزية ربما لأن بعض الموبايلات وبعض البرامج لا تدعم العربية، أو لأنها موضة العصر الكتابة بالحروف الإنجليزية، فكتبت كلمة بأروح Baroo7 وكلمة: مع كتبت: Ma3 وكلمة صاحبتي كتبت: 9a7bety، ولما لم تستطع الأبجدية الإنجليزية التعبير عما يريد مرسل الرسالة، استخدم الأرقام للتعبير عن الأصوات التي لم تستطع الأبجدية الإنجليزية الوفاء بها أو التعبير عنها، فاستخدمت الأرقام للتعبير عنها، وهذا جدول يبين الأرقام التي تعبر عن الأصوات العربية:
د- رسائل مكتوبة باللغة الإنجليزية
وحروفها عربية
مثل كتابة بعض الكلمات باللغة الإنجليزية ولكن بحروف عربية مثل «مِرْسي» كلمة «شكراً» بالفرنسية، أو «ثانكس» أو «ثانكيووو» كلمة شكراً بالإنجليزية، فنجد استخدام بعض هذه الكلمات في الرسائل الإلكترونية.
هـ - وجود الاختصارات أو الإيجاز بالأرقام وغيرها في لغة الرسائل
قد توجد اختصارات وإيجاز وتنتشر هذه الظاهرة كثيرا في المحادثات المباشرة، ورسائل الجوال والرسائل الأخرى، كاستخدام تعبيرات أو حروف أو أرقام للتعبير عن كلمات، مثلا في الإنجليزية تحل في الرسائل «4u» عن جملة من أجلك، لأنه ينطق فور يو فالرقم 4 يتطابق مع نطق لفظة for والرقم 2 ينطق you فيغني عن الجملة «for you».
ومنها بعض الإشارات التي حدث اتفاق حولها مثل: v علامة للوجه المبتسم، وقد يعبر هذا الرمز عن جملة أنا سعيد جدا، أو استخدام صورة القلب أو رسمه رمزا للحب، واسم العلم «كويت» يرمز له «q8» وهكذا اشتقت لنفسها لغة الرسائل لغة أخرى مكونة من حروف وأرقام متعارف عليها بين مستخدميها.
تقنية الرسائل القصيرة
يمكننا أن نعدّ تقنية «الرسائل القصيرة» للهاتف المحمول فناً وجنساً يحاول أن يكتسب شرعيته في الحقل الفني والتقسيم النوعي، نظراً للخصائص الفنية التي اصطبغ بها، وأصبحت جزءاً مهماً من بنيته القولية، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:
1- الانطلاق من قاعدة الاقتصاد اللغوي، واستخدام لغة موجزة جداً.
2- القدرة الفنية على توصيل المعنى.
3- سلامة اللغة من التقعر والجمود والغرابة والغموض.
4- استخدام الكلمات ذات الوقع السهل المنساب لدى المتلقي.
5- البعد عن الخيال والتحليل والتعليل والتفسير.
6- البعد عن الأسلوب الحواري ببعديه: «الداخلي مع الذات، والخارجي مع الآخرين».
7- البعد عن الأسلوب التقريري والسردي.
8- استخدام الوصف بشكل كبير، مع غياب واضح لعنصري الزمان والمكان.
9- تمزج في مفرداتها بين الإمتاع والإقناع.
10- البعد عن العنونة (العناوين الطويلة).
11- استخدام فنون التناسب بين المفردات، والتوازي بين الجمل القصيرة.
12- استخدام فن التناغم من خلال انتهاء الجمل القصيرة عادة بحرف واحد.
13- استخدام فنون البلاغة العربية الجميلة والأنيقة في التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل والفصل والوصل والتقديم والتأخير والجناس
و... إلخ (1).
الوسائط السمعية البصرية في الرسائل الإلكترونية
ومن المهم أن نضمن «أشكال الرسائل الإلكترونية» العصرية تلك الصور المُستحدثة لإدراج وإدماج الوسائط السمعية والبصرية فيها. فلم تعد الرسائل مقروءة الحرف، وحسب، وإنما أصبحت مسموعة ومرئية ومتفاعلة بالمثل.
ومن أساليب ذلك نسخ صور منشورة، وإدراجها، بتعليق أو من دونه. وقد تكون هذه الصور للشخص نفسه، أو لأعلام مشهورين، أو لمكان ما، وتكون الرسالة الضمنية هي مشاركة المتلقي للصورة المرسلة، بما تحدثه من أثر يتوقعه المرسل. فالعبارات التي يدونها الكاتب المصري الساخر أحمد رجب، في زاويته بجريدة الأخبار (1/2 كلمة) لا تنقل عبر الرسائل الإلكترونية كعبارات مصفوفة، وإنما تنقل بصورتها المنشورة، لكي تنقل التأثير الذي يرتبط بالمادة المنشورة ورقيا.
كما أن من بين الرسائل الإلكترونية ما يمثل دعوة للمشاهدة أو الاستماع، ويتم ذلك بوضع رابط إلكتروني، يقود المتلقي، عند فتحه، إلى نافذة جديدة يستمع من خلالها، أو يشاهد، مادة مسجلة، قد تكون أغنية، أو برنامجا، أو مشاهد حية لأحداث مهمة.
ويمكن أن نضيف نوعًا جديدًا لتلك الوسائط السمعية والبصرية يتمثل في الخرائط والأشكال الجرافيكية والشرائح المسلسلة، والتي تعمل بشكل تلقائي أو تفاعلي، حين يتم الانتقال من شاشة إلى أخرى بالضغط على الشاشة أو مفتاح الإدخال.
وما من شك أن أنواع هذه الوسائط السمعية والبصرية كافة تزيد من قوة الرسائل الإلكترونية تأثيرًا، وتجعل من فضائها ثريا، وتنقل النص إلى أبعاد وآفاق جديدة تستفيد من التطور التقني، وخاصة أن يُسر تداول هذه الرسائل التفاعلية (الوسائط السمعية والبصرية) أدى إلى جعلها مادة أساسية في البرامج الحوارية، ينقل عنها، ويصور منها.
والخاتمة أن رسائل الجوال لها مظهر سلوكي لغوي، علينا أن نعترف بوجودها وأن لها تدخلاً في وعي الجمهور ناشئة وآباء ومربين وأساتذة ولغويين، لأنها باتت تدخل حيز الممارسة الفعلية لدى هذا الجيل من ناشئتنا، وإن رأينا ناشئتنا ينزعون بشكل مطرد إلى أن يشاكلوا الغرب بثقافته ويتشبهوا بأبنائه أفرادا وجماعات في السلوك والمظاهر والممارسات، لذا نراهم يعبرون عن أنفسهم ويكتبون بالإنجليزية.. ولا يكتبون العربية إلا نادرا وبأخطاء في لغتهم. كما أن من أهم الملاحظات على لغة الرسائل أننا وجدنا شيوع الإنجليزية كلغة وتحبيذ العامية كلهجة، لكتابة الرسائل لقلة الثقافة العربية عند الناشئة.
إن ظاهرة المختصرات التي باتت مفضلة عند كثير من مستخدمي الرسائل باتت تهدد اللغة العربية باختصارات ربما تضر أكثر مما تنفع، صحيح أنها تختصر الوقت في الاتصال لكن على المدى الطويل لها خطرها الكبير على اللغة وشخصية الإنسان.
وبقدر ما تمثل الرسائل مجالا رحبا، لما فيها من عمق إبداعي يستحق العناية والدراسة، فهي مادة جادة وجديدة وأرض خصبة للإبداع، وإظهار ما تُكنّه النفوس من مشاعر متنوعة. فما تضمره القلوب يظهر في تلك الرسائل، لأنها تكتب بدافع داخلي، دون أي مؤثر، أو أي تدخل خارجي، فمتى جاشت الخواطر دفعت الجوارح للكتابة، فهي وسيلة جديدة لنقل الإبداع الأدبي، أو لإظهار المشاعر والأحاسيس تجاه الآخرين، وهذه الوسيلة تمتاز بالعفوية فلا يحتاج الكاتب إلى تدقيق كبير، ومراجعات مستمرة، فهي وليدة اللحظة، وهذا سر الإبداع فيها .