استراتيجية «القبَّعات الست» في التعليم

استراتيجية «القبَّعات الست» في التعليم

هل التفكير مهارة، بمعنى أنه موقف قابل للتعلم والاكتساب؟ إنه سؤال جهدت الأجيال في السعي للبحث عن إجابة مقنعة عنه، ذلك لأن أهمية التفكير تعادل أهمية الإنسان وحضارته، فليس الإنسان في نهاية التحليل إلا تفكيره الذي نرى فيه نشاط العقل وفاعليته للوصول إلى قرار أو موقف ما.

استحوذ هذا السؤال على اهتمام مؤلفين وباحثين كُثُر للإجابة الملحة عنه, وذلك بالسعي الحثيث لفهم العقل وأساليب التفكير.
ونحن بدورنا نسعى لعرض تجارب وبحوث في هذا الميدان، مؤمنين بالدور التربوي لبناء جيل المستقبل، ومدركين حقا أهمية مثل هذا الموضوع، إذ ما فائدة التعليم الذي يقوم على منهجية التلقين البغيضة التي ألفناها؟ ولعل هذه تكون واحدة من علل بناء ما نشهده من أجيال مأزومة، تعجز عن المحاكمة العقلية الواعية لدى مجابهة مشكلات الحياة، أو ليس الدكتور زكي نجيب محمود على حق؟ إذ يعزو قصورنا نحن أمة العرب إلى عجز الجهاز التعليمي عن تشكيل الفرد الذي ننشد، إنه يرى في هذا الجهاز موضع الداء مما نعانيه من قصور وعجز وضعف يتجلى في ضعف قدراتنا الابتكارية أو في انعدامها.
فإذا كنا قانعين حقاً بضعف جهازنا التربوي وكنا صادقين حقا في محاولة السعي لتطوير هذا الجهاز، فإن السؤال الذي يواجهنا هو: من أين نبدأ؟
إن التقدم والتخلف قضيتان جذورهما فكرية، وتتمحوران حول المنهجية واللامنهجية، وليست التكنولوجيا عملاً خارقاً أو مستحيلاً على أي شعب، إذا ما أتيحت له تربية العقل المنهجي... إنه العقل الذي تعلم كيف يفكر، فالتكنولوجيا هي العملية الإبداعية لمثل هذا العقل المنهجي. وليس هذا العقل وليد المصادفة، بل إن التربية مجال بنائه. ومن هنا يتبدى اهتمام واسع «بتعليم التفكير» للرد على السؤالين البارزين: ماذا نعلِّم؟ وكيف نعلِّم؟ وذلك لكسر الجمود التربوي بالخروج من قوقعته المنهجية التقليدية التلقينية.

أهمية تعليم وتعلّم التفكير 
ازداد الاهتمام العلمي بموضوع التفكير ازديادا ملحوظا في النصف الثاني من القرن العشرين، ولاسيما في عقد الثمانينيات منه، حيث تمثل ذلك الاهتمام في الكثير من قوائم التفكير والبرامج التعليمية لتنظيم التفكير عند المتعلمين، والاستفادة من طاقاتهم الإبداعية واستثمارها، ولم تعد النظم التربوية تهدف إلى ملء عقول الطلبة بالمعارف والحقائق فقط، بل تعدت ذلك إلى العمل على تنميــــة وتعليــم التفكير، ليتمكن الفرد من التعامل مع متطلبات الحياة المعاصرة، وفــــــي هذا المجال ثمة مجموعة من الاعتبارات العملية التي يمكن أن تفيد، هي:
- من خلال تعليم التفكير نتمكن من وضع معايير جديدة للتفكير الناقد والتفكير الإبداعي.
- لقد تمت إعادة بناء العديد من الاختبارات الموضوعية بناء على معايير تعليم التفكير، وذلك لاختبار قدرة الطلبة على استخدام وتطبيق المعرفة بشكل فعال.
- يعتبر تعليم التفكير هدفا تعليمياً - تعليمياً.
الذكاء يكتسب، وهذا يعطي المرونة لتعليمه، ويقود إلى تعليم التفكير في الغرف الصفية.
ولكن قد يتساءل البعض: هل يحتاج الانسان إلى أن يتعلم كيف يفكر؟ أو ليس الإنسان مفكراً بطبيعته؟ والجواب على ذلك أن الإنسان في حاجة إلى تعلم طرق التفكير والتدرب على مهاراته كحاجته إلى أن يتعلم كيف يتكلم وكيف يعامل الناس.
ويتبين أن الخطوة الأولى نحو تنمية مهارات التفكير لدى المتعلم هي إعادة تأهيل وتدرب المعلم على السلوكيات والأساليب الداعمة للتفكير.
ولعل من أبرز المهتمين بتعليم التفكير هو إدوارد دي بونو، الذي عمل في جامعات كمبردج وأوكسفورد ولندن وهارفرد، وكرّس كل حياته حول «تعليم التفكير»، وقد أفادت منه فنزويلا التي كان فيها ماتشادو (أول وزير للذكاء في العالم) والذي باشر أضخم مشروع «لتعليم الذكاء» لمجمل أفراد الأمة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وسوف نتعرض في ما بعد لبعض ما ساهم به «دي بونو»، حيث أنشأ مؤسسة «البحث المعرفي لتعليم التفكير» (cognitive research trust) والتي عرفت باسم «cort» اختصارا، وقد أضيف الحرف «O» لتيسير قراءة المصطلح على أنه كلمة واحدة.
ابتكر دي بونو طريقة رائعة لنمط التفكير عند الإنسان عرفت باسم «القبعات الست» ولأهميتها الكبيرة نوجزها في ما يلي:

القبعات الست للتفكير
هي عبارة عن ستة أنماط تمثل أنماط التفكير الشائعة عند الناس:
1- القبعة البيضاء: تمثّل التفكير الرقمي الذي يؤمن بلغة الأرقام والوثائق والإثباتات.
2- القبعة الصفراء: تمثل نمط التفكير المتفائل الحالم الذي يركز على الإيجابيات.
3- القبعة الحمراء: تمثل نمط التفكير العاطفي الذي يفعل العاطفة وخياراتها بشكل أكبر.
4- القبعة السوداء: تمثل نمط التفكير المتشائم الذي يركز على السلبيات.
5- القبعة الخضراء: تمثل نمط التفكير الإبداعي الذي يهتم بالبحث عن البدائل الأخرى والتفكير في الأمور بطريقة غير مألوفة وجديدة.
6- القبعة الزرقاء: التي تسمى قبعة التحكم بالعمليات وتمثل نمط التفكير الذي يدير وضع جدول الأعمال ويخطط ويرتب وينظم بقية العمليات واتخاذ القرارات.
والفكرة الأساسية التي يقوم عليها برنامج «قبعات التفكير» هي ضرورة تدرب الإنسان على ممارسة كل هذه الأنماط أثناء حل المشكلات والقضايا العالقة، تجنباً للوقوع في مصيدة تشويش الأفكار، ويتم ذلك من خلال الممارسة والتدرب على تجسيد شخصية الإنسان الرقمي والعاطفي والمبدع والإيجابي والسلبي و... باختصار... ارتداء قبعة كل نمط ثم خلعها لارتداء القبعة الأخرى وهكذا.

تطبيق استراتيجية «القبعات الست» في التعليم
أ- القبعة البيضاء: (عرض الحقائق والمعلومات الرئيسة):
يقدم المعلم في بداية الدرس الحقائق الأساسية والأفكار وكذلك المعلومات والبيانات المتوافرة.
ويمكن استخدام عدة أساليب في عرض الحقائق، منها:
المحاضرة - المناقشة - الأسئلة والإجابات - الاستقصاء... إلخ، المهم في استخدام القبعة البيضاء أن يتعرف الطلاب على الحقائق الأساسية، ثم ينتقل المعلم إلى القبعة الحمراء، ويقول: ارتدوا الآن القبعة الحمراء.
ب- القبعة الحمراء: (تعبر عن المشاعر):
يعطي المعلم فرصة لطلابه للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم نحو موضوع الدرس إن وجدت. وفي هذه المرحلة يسمح للطلاب بفترة قصيرة حرة يبدون فيها مشاعرهم، مثل:
< أحب هذه الشخصية...
< أكره القرار الذي اتخذ بهذا الشأن...
< أنا مندهش من موقف كذا...
< أشعر بأن خطراً ما سوف يواجه...
وبعد أن يعبر الطلبة عن مشاعرهم لفترة قصيرة (2-4) دقائق ينتقل المعلم إلى القبعة الثالثة، ويقول: اخلعوا الحمراء لنلبس القبعة السوداء.
ج- القبعة السوداء: (نقد الأفكار والقرارات والشخصيات) والمواقف - أحكام سلبية:
يقدم الطلبة ما يرونه من أحكام سلبية، مثل:
< هذه الشخصية لا يجوز أن تشغل موقع القيادة.
< ارتكبت الشخصية الأخطاء التالية...
< لا يمكن تنفيذ ذلك في ظل...
< هذا الحل لا يصلح لكل المسائل...
< ينبغي الأخذ في الاعتبار...
وبعد انتهاء النقد وتوضيح السلبيات ينتقل المعلم للقبعة الصفراء.
د- القبعة الصفراء: (تعبر عن الإيجابيات والفوائد)، يقدم الطلبة تعليقات إيجابية مثل:
< إن الموقف الجيد هو...
< هذا قرار من المفضل أن يتخذ في مثل هذا الموقف...
< هذا الحل الأسهل والأسرع في...
< هذه أساليب ضرورية في...
وبعد الانتهاء من الإيجابيات ينتقل المعلم للقبعة الخضراء.
هـ - القبعة الخضراء (مقترحات/ تطوير/ تعديل/ تغيير/ إبداع جديد) يعلن  المعلم أننا الآن بموجب هذه القبعة نبحث عن أفكار جديدة ومقترحات جديدة وتغييرات إضافية، ويقدم الطلبة مقترحاتهم مثل:
< أقترح تشكيل مجلس لإدارة الأسرة...
< أقترح أن تكون إدارة الأسرة دورية...
< أقترح حلاً آخر لهذه المسألة...
< أقترح عمل نموذج كذا...
وبعد انتهاء هذا الدور يطلب المعلم من طلابه ارتداء القبعة الأخيرة.
و - القبعة الزرقاء: (وضع خطط التنفيذ واتخاذ القرارات):
يعلن  المعلم أن القبعة الزرقاء هي قبعة التنفيذ ويطلب من الطلبة وضع خطط على ضوء ما تم في القبعات السابقة، فيحددون خطوات التنفيذ مثل:
< تشكيل لجان عمل...
< الاتصال بمؤسسات أخرى...
< جمع الأدوات وتجهيزها...
< إعداد نماذج لتوضيح...

أهداف القبعات الست
1- توضيح وتبسيط التفكير لتحقيق فاعلية أكبر.
2- التحول من عرضية التفكير إلى تعمّد التفكير.
3- المرونة في تغيير التفكير من نمط إلى آخر.

مميزات القبعات الست
1- سهلة التعلم والتعليم والاستخدام.
2- تستخدم على جميع المستويات.
3- تغذي جانب التركيز والتفكير الفعال.
4- تعترف بالمشاعر كجزء مهم للتفكير.
5- تمارس فيها أنواع مختلفة من التفكير مثل التفكير الناقد والتفكير الإبداعي والعاطفي .