عالمية اللغة العربية ودورها
تحظى اللغة العربية بمكانة مرموقة بين لغات العالم، فهي اللغة الأم لما يربو على مائة وستين مليونًا من المسلمين والعرب, كما أنها اللغة المقدسة لما يربو على ألف مليون مسلم في جميع أنحاء العالم, فهي اللغة الأم لسكان العالم العربي, واللغة الثانية لسكان العالم الإسلامي, وثالث لغات العالم من حيث سعة انتشارها وسعة مناطقها, وإحدى اللغات الست التي تكتب بها وثائق الأمم المتحدة، إنها اللغة التي اختارها الله لينـزل بها أفضل كتبه على أفضل رسله, فهي لغة القرآن الكريم.
تحث الجامعة العربية في كثير من توصياتها على الاهتمام باللغة العربية في المدارس والجامعات, وفي الشارع والبيت, ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تعلما وتعليما، فمن هذه التوصيات: ضرورة إيلاء مناهج اللغة العربية عناية خاصة للارتقاء بمستوى تعليمها, وإكساب مهاراتها بوصفها اللغة الأم, وأداة التواصل التاريخي, والاجتماعي, والثقافي, والعلمي (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, 2000م, ص50). وأوصى مؤتمر اللغة العربية في التعليم بين الهوية والإبداع بضرورة التأكيد على الخصوصية الثقافية, وتنمية اعتزاز الدارسين بالهوية العربية والإسلامية, ودعم ثقتهم باللغة العربية, وقدرتها على استيعاب العلوم الحديثة, وتلبية حاجات الاتصال في الحياة من دون حصرها في أغراض محددة, ودعم الجهود المبذولة والهادفة لاستخدام التقنيات الحديثة, والإفادة منها في مجالات تعليم اللغة, وأوصى أيضا بدعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتبني إنشاء مركز يُعنى بتطوير تعلم اللغة العربية وتعليمها, ودراسة واقعها, وتطوير مناهجها, وطرق تدريسها, والعناية بتأهيل معلميها (كنعان, 2004م, ص323). ودعا مؤتمر لغة الطفل العربي في عصر العولمة بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية وزارات التربية والتعليم في كل بلد عربي إلى العناية باللغة العربية, وجعلها لغة التواصل في المدرسة طوال اليوم الدراسي, وداخل الصف وخارجه, وأوصى بالاستفادة من التقنيات الحديثة في تعلُّم اللغة العربية وتعليمها, والانتقال من التلقين إلى الإبداع والمشاركة بما يوسع آفاق التلميذ (كنعان, 2007م, ص254). وقد أورد بعض العلماء الأجانب أقوالًا عن أهمية اللغة العربية ومكانتها في المجتمعات، حيث قال الفرنسي إرنست رينان: «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية من الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة»، أما الألماني فريتاغ فقال فيها: «اللغة العربية أغنى لغات العالم».
أما الدكتور عبدالمعطي الدالاتي فقد أورد أبياتًا في اللغة العربية, حيث قال:
لغتي عليا اللّغاتِ
قد سمتْ كالكوكبِ
جرسها بين اللُّغاتِ
كـــــــــــــرنــــــــــيـــــــــــــــــــــــــنِ الـــــــــــــــــــــــــــذّهــــــــــــــبِ
قد غدت أخت الخلودِ
بــالـــــــــــــــكــــــــــــــــــــــلامِ الـــــــــــــــــــــــطـــــــــيّـــــــــــــــبِ
دور اللغة العربية في بناء المجتمع العربي وتطوّره
لاتزال اللّغة العنصر الرّئيس في إعطاء الصفة الاجتماعية للمتحدّثين، وسواء أكانت مكتوبة أم منطوقة، إشارة أم إيحاء أم رموزًا... فهي عند العرب حميميّة وتضامنية واجتماعية... لذلك كانت لها هذه الأهمية، لأنّها فعل حياة، وغيابها يؤثّر تأثيرًا كبيرًا في واقع أبنائها. ولقد زاد من تركّز العربية في الذّهن والنّفس، ومن إقبال الناس عليها ارتباطها بالقيمة الاجتماعية للإنسان، فهي المتأتّية من العلاقة الوثيقة بالقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، فمن تعلّمهما حسنت مكانته، وها هو أبومنصور الثعالبي النيسابوري يقول في مقدمة كتابه «فقه اللغة وسرّ العربية»: ومن أحبّ الله أحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبّ العربية عني بها وثابر عليها، وصرف همّته إليها. أمّا اللغة العربية لدى الجاحظ فتعلّم الناس، وتعيش فيهم. بل هي جزء من نفوسهم، توجّهها وتدلّها إلى الجيّد والرديء والنافع والمضرّ... لذلك رأى أنّ ضبط اللغة ضرورة لضبط النفس.. وتبقى الحقيقة اللغوية التي يؤيّدها الواقع ويؤكّدها التاريخ، وهي ارتباط اللغة بحضارة أصحابها: اللغة والحضارة تتناسبان تناسبًا طرديًا؛ وهذا يعني ببساطة أن اللغة ظاهرة اجتماعية تعيش مع الإنسان جنبًا إلى جنب، تضعف بضعفه، وتنمو وتزدهر بنموه وازدهاره. أما لغتنا التي وسعت ألفاظ حضارات كثيرة فهي قادرة على استيعاب كل جديد، فهي التي حملت الدين الإسلامي طيلة أربعة عشر قرنًا، وسوف تبقى قادرة على إعانة المسلمين على فهم دينهم، وتبصرتهم به. لذلك كان هاجس اللغة عند كثير من رواد النّهضة اللغوية، يكشف عن دورها في تحوّل المجتمعات، وهي التي تعتنق الجديد، وتعبّر عن خطوات المستقبل، ومن دونها يبقى المجتمع أبكم ومهملًا، لذلك كان فرح أنطون يرى أنّ: اللغة العربية الجديدة التي ستكون لغة المستقبل، إنما هي التي لا يكون فيها لفظ غير مألوف الاستعمال، ولا تعبير من التعابير القديمة التي لا مسوّغ لاستعمالها في هذا الزمن.
دور اللغة العربية في بناء الشخصية الإنسانية
إنّ اللغة العربية تضيف إلى المحسوس أمورًا غير منظورة تعيش في المجازات والصّور، وتعطي للشيء الواحد أو الفكرة الواحدة غير معنى، لذلك كان سرّها في أن ألفاظها تحمل دلالات عديدة وقادرة على الاشتقاق والتوليد من جهة، ومن جهة ثانية تقوم بين هذه الألفاظ معان غير مرئية، وهذا أدّى إلى تميّزها وفرادتها بين لغات العالم. وتظلّ هي الوسيلة الرّئيسة للاتصال، ومن ثمّ للتأثير في الإدراك بنحو تذكُّر الماضي عند الفرد والجماعة، ووعيهما بالحاضر، وتوقعهما وتنبؤهما للمستقبل، لذلك كان الاعتقاد السائد بأنّ العربية حفظت شخصية الأمة على مرّ الزمان، وهي لن تبخل بأداء هذه المهمة في زمننا الراهن. فهي لغة القرآن، وهي اللغة المقدّسة التي دخلت إلى شغاف القلوب والوجدان والعقول والضمائر والنفوس، ورسمت كل خطوة يخطوها الإنسان {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (5) سورة العلق، {خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (3 - 4) سورة الرحمن، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} (31) سورة البقرة. فكانت اللّسان المبين الذي رسم الأقدار ووجّه الخلق، وخاطب العرب وخصّهم باختياره من دون العالمين: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (110) سورة آل عمران، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (2) سورة يوسف، إنّها دلائل عميقة على سرّ قوة «العربية»، لأنّها لم تعد حروفًا وكلمات فحسب، بل أصبحت بشرًا يسلكون ويتحرّكون بقدر من الله، أصبحت شخصية وذاتية في بنية الإنسان الذهنية والنفسية والمادية.. ولا يحقّ للفرد العبث بهذه الشخصيّة، لأنه يعبث بالدّين واللّغة وبتاريخ طويل من إنجازات البشرية كلّها.
دور اللغة العربية في تنمية المعرفة
تؤدي اللّغة دورًا مهمًا في حياة الأمم وتاريخها، لأنّ اللغة هي الأمة مكثفة، وقد قال فيخته: «اللغة والأمة أمران متلازمان ومتعادلان». وقد نشأت الحضارات الأولى في أودية الأنهار الكبرى، فكانت بدايتها في وادي الرافدين ووادي النيل، تتوافر في تلك الأودية ما للحضارات من مقوّمات ومن تحدّيات في توازن واستواء، وفي مقوّمات تتحدّى الإنسان للعمل، وتنشأ الحضارة فيها من توافر شرطين: 1- بناء المدينة بطوائف العاملين فيها، ويتوافر لهم الغذاء ممّا حولها من القرى في الزّراعة وصيد الحيوان، فيتاح لهم التفكير والتأمّل في شئون الحياة. 2- اختراع الكتابة لتدوّن خبرات المجتمعات وهي تتراكم وتتداولها الأجيال بالتربية، فيكون اختراعها الشرارة التي اتّقدت منها الحضارة الأولى في الواديين في تتابع وانتظام. وأتى بعد ذلك اختراع الأبجدية في بلاد الشام فتحًا كبيرًا في مسيرة الحضارات، اختراعًا تتناقله المجتمعات والأمم، ويتحقّق حظّ أوفى من تدوين الخبرات تدوينًا يكشف عمّا في اللغات من أهمية كبرى في مسيرة الحضارات. وكان للغة العربية شأنها العظيم في تلك المسيرة، بما لها من خصائص العراقة في تكوينها وسلامة أصولها، وغزارة مفرداتها، وسعة أصوات الحروف فيها، وانفتاحها على التطوّر، ولاسيما بالاشتقاق والمجاز، واستيعابها لخصائص بيئتها وأحوال قومها حتى عرف شعرها بأنه «ديوان العرب». وجاء اختراع الطباعة فتحًا بينًا، حيث تتداول الأيدي الكتب في شتى اللغات، وتتغنّى بها المؤسسات التربوية أيّما غناء، بدءًا من تعلّم القراءة والكتابة إلى ثمار الفكر الإنساني في مختلف مجالات المعرفة، ثمّ أتت فتوحات جديدة تمثلت في المعرفة العلمية والثقافية، وبأدوات خزن المعارف، وتزداد أهمية اللغات، سواء في تداولها في الحياة أو في التعويل عليها في التربية والتعليم، فهي حاضرة في كلّ زوايا البيوت، بالمذياع ينقل للمستمع البعيد والقريب من محطات الإذاعة بشتى اللغات، وبالتلفاز يجمع إلى الإذاعة الصوتية إذاعة الصور بشتى أشكالها وعلى تعدّد مصادرها، وبشبكات الحاسوب تُدني المخزون من كنوز المعلومات. وكانت اللغة العربية مفتاحًا لمغاليق المعرفة، فهي تجعل المرء متصلًا ببيئته، غير بعيد عن الحياة التي تحيط به، كما يكون بمقدوره أن يتابع ما تصل إليه العلوم والآداب من تطوّر وتجديد وتحديث. وهي اللغة الأم التي بها يتمّ التواصل بين أبناء المجتمع، وعن طريقها يكتسب الناس خبراتهم ومهاراتهم، وتنمو معارفهم، ويرتبطون في ما بينهم، وبتراثهم وحضاراتهم، ويتواصلون مع ركب الحضارة والتطوّر. وقد صانت هذه اللغة ذلك التراث الحضاري، فاستقى منه طلاب الحق والمعرفة من بناة الحضارة الحديث، ولم لا، واللغة العربية الفصيحة أداتنا التواصلية حين نكتب، وحين نتحدّث في قاعات الدرس، والندوات والمناقشات، وفي لغة الإعلام والصّحافة، وهي الجسر الذي بوساطته نعبر إلى حضارة الأمة وتراثها المعرفي والثقافي؟
دور اللغة العربية في وحدة الأمة
عندما انفصلت عن الدولة الإسلامية بعض أجزائها إن في الشرق أو في الغرب، رأينا السهام تتوجّه أولًا إلى أهم مقتل لحضارة هذه الأمة، ألا وهو لغتها، إذ أخذت الدول المستعمرة تشجّع الأمية، لتضعف المقاومة ويصبح المجال سهلًا لغلبة ما يريدون، والوصول إلى هدم الهوية العربية عن طريق استلاب ثقافتها، حتّى لا تكون لديها القدرة على استئناف الدّور الثقافي الذي كانت تضطلع به قرونًا. وإهمال التعليم، يسهّل الطريق أمام انتشار الأمية، وقد شجّعوا اللّغات العامية، ليفتّتوا وحدتها، لأنّهم يعلمون أنّ اللغة أهم موحدة لهذه الأمة، فأشاعوا سهولة العامية، وصعوبة الفصحى ونحوها وصرفها، وشجّعوا على الكتابة بالعامية ونظم الشعر، ليرغِّبوا كلّ غرّ بالكتابة وإيهامه بقرض الشعر بالعامية، بل نادوا بالتجديد في حروفها التي تناسب كلّ لهجة، وأدخلوا في روعنا أنّ اللّغة الفصيحة ليست لغة علم وحضارة معاصرة، وأوهمونا أن نقل العلوم الحديثة إليها صعب، وزرعوا فينا الشك في قدرة الحرف العربي على التشكيل والوفاء بالتعريب في العلوم خاصة، وفي جوانب المعرفة عامة. إلا أن الدعاوى الموجّهة ضد «الفصحى» قوبلت بما يشبه الإجماع من قبل الشعب العربي من محيطه إلى خليجه، ولسان حالهم يقول: إنا ننطلق من اعتقاد راسخ بأنّ اللغة العربية هي نحن، وهي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وصورتنا، وفكرنا وهي لغة مجتمعنا وهويتنا، وأصالتنا، وهي لغتنا وهي نحن، ونحن هي، وعلينا أن نتمسّك بها من دون مراء أو مفاضلة أو مقارنة أو تشكيك، فهي روحنا ومجتمعنا ومصيرنا، ولا وجود لنا بغير وجودها، غدت هي وحدتنا واستمرارنا ووعاء حضورنا المشترك في هذا العصر.
ولعلّ أبرز مظاهر الدّور الذي تلعبه اللّغة أنّها لا تترجم الحاجات والأهداف التي يعبّر بها وحسب، ولكن دورها يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تؤدّي عمّن يتكلّم بها ما يكتنف ألفاظه من مشاعر وأحاسيس ترتبط بالأجواء الثقافية التي تحفّ بالمفردة والعبارة، وبالأسلوب الذي صيغت فيه، ممّا يؤدّي مع الزّمن إلى شيء من التجانس بين طرق التفكير والاهتمامات بين أفرادها. ولا ينحصر دور اللغة في التعبير عن عواطف الإنسان وفكره وإبلاغها للآخرين، بل يتعدّى ذلك ليشمل عملية التوجّه نحو الداخل «الذات والنفس»، والخارج «العالم والواقع» على حدّ سواء، ولعلّ أكثر ما تتّضح عليه صورة الدّور، الذي تلعبه اللغة جلاءً في صياغة عقلية الفرد والمجتمع ما ذهب إليه إدوارد سابير من أن «اللغة تنظم تجربة المجتمع، وهي التي تصوغ عالمه وواقعه الحقيقي، وأنّ كلّ لغة تنطوي على رؤية خاصة للعالم، لذلك نجدها الأساس الذي تنبني عليه الهوية الاجتماعية، علاوة على الهوية الفردية». ولبيان أهمية الدور الذي تلعبه اللغة في منح الفرد شعورًا بالانتماء إلى المجتمع الذي يتكلّم لغته، والدور الذي تؤدّيه في التقريب بين من يتكلّمونها. فلابدّ من تجديد البناء الحضاري للعالم أجمع، بالتحالف بين الحضارات، لا بالحوار فقط، بل بالتعاون المثمر بين الأمم والشعوب، وهذه مهمة قيّمة لأولي العزم والحكمة وذوي الإرادات الخيّرة والعقول النيّرة من شتى المشارب والاتجاهات، ومن مختلف الحضارات والثقافات، لبناء مستقبل آمن ومزدهر.
ولابدّ لإنجاز هذه المهمة من وحدة اللغة التي يتفاهم الناس بها، بحيث تكون المعاني المقصودة بكلامهم، وإن اختلفت مخارجه ومدارجه، واحدة لدى الناس كافة. ولما كانت مادة النصوص أخطر المواد التي يتربّى عليها التلاميذ، فقد بات لزامًا أن تعدّ، أو تختار بطريقة محكمة ومدروسة. ولتحقيق ما تقدّم؛ فإن من الضروري عقد مؤتمرات وتنظيم لقاءات بين مدرسي اللغات على الصعيدين الوطني والدولي، لوضع استراتيجية تتناغم مع متطلبات العولمة القائمة على أسس العدل والمشاركة الحقيقية بين الشعوب، ولابدّ في هذا السياق من وضع معجم دولي تعتمده كل الأمم؛ وإلى أن يتحقق ذلك لا بدّ من الحفاظ على الثوابت الحضارية من خلال ما نقدّمه لأبنائنا من وجبات الفكر والثقافة؛ مع استمرار الدعوة لإشاعة العدل في ربوع العالم، والسّعي لإقامة مجتمع عالمي واحد.. ويقول رامبو: مادامت كل لغة فكرة فسوف يأتي اليوم الذي تكون فيه اللغة عالمية تتحدّث من النفس إلى النفس، لغة لكلّ العصور والأصوات والألوان، لأنّها رابطة لكلّ الفكر، تعبّر عن الانتماء لمجتمع ما، وبالتالي فإنها صدى لحضارة ما... فكلّما كان الرّفد المعرفي لتلك الحضارة كبيرًا ومتواصلاً، كانت اللغة والمنتمون لها في أوج حضورهم العالمي. وكلّما كان الرفد المعرفي لمجتمع ما (حضارة) ضعيفًا وغير متواصل مع الحضارة الإنسانية، كان دور اللغة والمنتمين لها هامشيًا في الحضارة الإنسانية. وما اللغة إلا ترجمان لتلك الانفعالات تمامًا على نحو ما قاله الشاعر العربي:
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما
جُعل اللّسان على الفؤاد دليلا .