عن الهوية الحضارية والمشترك الإنساني!

عن الهوية الحضارية والمشترك الإنساني!

تتبلور الهوية الحضارية للأمم من خلال عمليتين ثقافيتين متداخلتين ومتوازيتين في آن واحد: الأولى تتمثل في التعرف على الذات الحضارية، أي إدراك الجواهر المؤسسة لها، بقصد إنمائها وتكريسها. وكذلك إدراك ما هو عرضي فيها، طارئ عليها، قد يكون معطلا لمسيرتها، ومن ثم يمكن الإسراع في تبديله بهدف تجديد هذه الذات، وتحقيق انسجامها الدائم مع حركة التاريخ، إذ لا يمكن تنمية شخصية حضارية من دون إدراك جواهرها وأعراضها، والتعاطي المرن والفعال مع مقتضيات الثبات، وعوامل التغير.

أما الثانية فهي التعرف على الآخر بقصد تعامل خلاق معه، إذ لا يمكن بلوغ تفاعل إيجابي مع ذات حضارية أخرى دون إدراك لطبائعها العامة، وفهم نقاط ضعفها التاريخية، ومواطن عقدها النفسية التي تثقل كاهلها بغرض الابتعاد عنها، وفي المقابل فهم مصادر قوتها التي تعتز بها، على طريق تقديرها، وإبداء الاحترام لها؛ فالأمم، كالأشخاص، تحتاج إلى التقدير المعنوي، تحب من يمنحه إليها، وتكره من يحرمها منه، عندما يتعالى عليها ازدراء أو احتقارا.
غير أن ثمة تباينًا بين الأمم في آليات التعرف على الآخر بفعل رؤية كل منها للتاريخ، ونظرتها إليه ودورها فيه. وهنا يمكن أن نميز بين استراتيجيتين متناقضتين، لكل منهما نقطة انطلاق تميزها، وطريق خاص بها يحكم توجهها في صياغة الهوية الذاتية، إما عبر مسار موجب ينطلق من الذات متجها نحو الآخر، وإما من خلال مسار سالب يبدأ من الآخر متجها إلى الذات:
الاستراتيجية الأولى يمكن وصفها بـ«الموجبة»، إذ تنطلق من الذات إلى الآخر، بحيث يكون إدراك الذات وتحديد مكوناتها الأساسية اللغوية والثقافية والعرقية والدينية وغيرها بمنزلة عملية مستقلة سابقة على التعرف إلى الآخر، بمعنى أن الأمة هي وحدها التي تصوغ خصوصيتها في ضوء تاريخها وقسماته المميزة بكل حرية وثقة. ومن هذه النقطة، أي بعد إدراك الذات، تبدأ محاولة التعرف على الآخر الذي يحوز في كل الأحوال تكوينًا مغايرًا بنسب مختلفة لتكوين الذات، ولكن من دون أن يكون هذا الاختلاف عائقا عن التواصل معه أيا كانت درجة غيريته، طالما كانت الذات واثقة بنفسها، واعية بمقوماتها، ناجحة في توكيدها في الواقع، ومتفائلة بدرجة نموها في المستقبل. فهنا تسود رؤية إيجابية للتاريخ، تعكس نفسها في رؤية ثقافية منفتحة على الآخر تستطيع قبوله والتواصل معه، لأنها تؤمن بيقين أنه، مهما كانت نصاعة مقومات وأشكال وجوده، غير راغب بالضرورة وربما غير قادر على تهديد مكونات وأشكال وجودها. هذه الاستراتيجية الموجبة وما تصوغه من رؤية إيجابية للتــــاريخ تـستــــند إلى أحد إدراكيـــن أساسيين لظاهرة الثقافة نفسها، وهو الإدراك (الموضوعي/ السوسيولوجي) كما هو لدى المدرسة الاجتماعية الفرنسية بزعامة دوركهايم. والــــثـــقـــافة لــــديه نمط عيش وأسلــــوب حــــياة تسقط فيه الرموز على الوقائع مباشرة وتندمج فيه حركة الصور والـشخــوص، وتنتفي فيه إلى حد كبير المسافة الفاصلة بين الرؤى والسلوك. وهنا يصبح فعل «المعاش» هو المؤسس لفعل «التأمل» في حياة البشر، إذ إن حركتهم هنا لا تصدر عن رؤية سابقة بالضرورة، وإن أمكن استخلاص هذه الرؤية من حركة الجماعة الإنسانية «الثقافية» بعد أن تكون قد تقررت في واقعها التاريخي بشتى جوانبه. 

بناء الكيانات الكبيرة
 هذا الإدراك السسيولوجي للثقافة يهتم بالقاعدة أكثر من الاستثناء، ويلهم عملية التقنين الجمعي بأكثر مما يغذي النزعة الفردية. ومن ثم فهو الوجه الأصلح لبناء الكيانات الكبيرة/ الفوقية/ الجمعية، أو لتحقيق التعايش في ما بينها، لأنه يتمتع برؤية توافقية على الصعيد النظري، ونزعة «تكاملية» على الصعيد العملي، إذ ينبع من المشترك الإنساني الذي تؤسس له وحدة الجنس البشري، ويتغذى على التجربة التاريخية المشتركة التي تمثل معينا لا ينضب للخبرة الإنسانية. ولذا فهو الوجه المهيمن على النزعات الفكرية ذات الطابع الإنساني والكوني، إذ رغم انطلاقه من روافد موضوعية وليست مثالية، فإن تفتحه للتجربة الواقعية، والخبرة البشرية، ينتهي به إلى مواقف أكثر تسامحا ونزوعا إلى الانفتاح على التاريخ والآخر.
على هذا الإدراك الثقافي المتفتح استطاع العالم العربي الإسلامي، والغرب المسيحي، كلاً في لحظة صعوده، أن يقدم الآخر إلى نفسه من خلال اكتشاف تراثه هو - أي تراث الآخر - وتعريفه به على نحو يتيح له أن يبدأ في مرحلة إعادة البناء: العرب فعلوا ذلك مع أوربا في العصر الوسيط عندما قام ابن رشد والفارابي وغيرهما بترجمة ودراسة الأعمال الكبرى في الفكر اليوناني والإضافة إليها، عبر محاولة التوفيق بينها وبين الإسلام. ومن خلال تلك الترجمات والدراسات تم وصل العقل الأوربي بجذره اليوناني القديم. وفي المقابل قام الأوربيون بالمهمة نفسها في العصر الحديث من خلال أعمال المستشرقين - الجادين والأكثر نزاهة قطعا - وجهود الأثريين الغربيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي أسهمت في إعادة تعريف العرب المعاصرين بكثير من جوانب تراثهم كمقدمة للنهضة العربية الثانية. بل إن قيام شامبليون بفك رموز «الهيروغليفية» هو ما فتح لنا الباب إلى كهف الحضارة الفرعونية الأولى وقدم مساهمة كبرى في تعريفنا بأنفسنا، وخصوصا بعد أن أخذت مصر موقعها في قلب الحضارة العربية الإسلامية. 
وأما الاستراتيجية الثانية فيمكن وصفها بـ«السالبة»، إذ تنطلق في مسار عكسي، أي من التعرف على الآخر نحو إدراك الذات. بمعنى أن الأمة لا تستطيع أن تحدد مكوناتها هي إلا بالتعرف على مكونات الآخر أولا، قبل أن تقوم في مرحلة ثانية بوضع نفسها موضع السلب الكامل لكل ما يمثله، لتصبح مجرد نقيض له على صعيد الرؤى والمواقف والأدوار التي تصورها الآخر لنفسه. 
وتستند هذه الاستراتيجية إلى إدراك (ذاتي/ سيكولوجي) لظاهرة الثقافة، يستند بدوره إلى نظم فكرية مكتملة يتوافر لها الشمول كالدين في فهمه الضيق، أو التي تدعي هذا الشمول كالفلسفات المثالية ذات الطابع الميتافيزيقي، والأيديولوجيات السياسية الكبرى. والثقافة وفق هذا الإدراك هي بناء عقلي شامل ونظام صارم للأفكار يفسر نفسه بنفسه، تستطيع أن تجد داخله كل الحقيقة إذا ما حاولت وكنت أكثر إيمانا/ الدين، أو اعتقادا/ الفلسفة، أو ثورية/ الأيديولوجيا. 
أما الحقيقة لديه فليـــســـت خبرة حية تكتشف في التجربة، بل رؤية تصدر عن تأمل ذاتي سابق على التجربة. والتأمل نفسه قد يكون فعلا إنسانيا خالصا، أي إبداعيا محكوما في سقفه الأعلى بوعي البشر أنفسهم وإلهاماتهم التي تجدها في فكرة فلسفية أو تعبير أدبي أو في أي من منتجات الوعي. وقد يكون فعلا تأويليا فقط  ينطلق من أو يستند إلى نص مقدس يخضع فقط لتفسيرات البشر عندما يحاولون أن يصوغوا به ومن خلاله رؤاهم الفكرية والسياسية.

مفارقات المثالية
وتبدأ مشكلة هذا الإدراك عندما ينشغل فقط بتأكيد مبدأ الخصوصية غير مكترث بالمشترك الإنساني مع الجماعات المغايرة، إذ يتغذى على ما هو ذاتي، وفردي، ويسعى في نهم إلى التعبير عن الاستثناء وليس تجريد القاعدة، لأنه ينبع من الروافد المثالية كالعقيدة الدينية، والمذهب الفلسفي، والروح القومية، والأيديولوجيا السياسية، ومن ثم تكون المفارقة في أن الفكر الذي ينبع من روافد مثالية أو روحية، فلسفية أو دينية، هو نفسه الذي ينتج وعيا حديا استبعاديا لا يتحمس للتعدد، ولا يكترث بالتواصل مع الخصوصيات الأخرى لصناعة كيانات أكبر وأوسع، حيث تواجه الذات الثقافية المتمركزة حوله مشكلتين أساسيتين: 
المشكلة الأولى هي الإغراق التلقائي في إبراز التناقض مع الآخر، لأنها إذ تنطلق من الآخر نحو ذاتها، تتصور أن كل عامل مشترك مع الآخر يعني إذابة الذات فيه، ولأنها تنطلق من تصور طهراني للثقافة وخلاصي للهوية، لا تتصور وجود عوامل مشتركة معه ولو بأقدار مختلفة نتيجة تواصل ما تاريخي قد يرجع إلى جذر ديني ولو بعيد، أو جذر عرقي ولو فرعي، أو قربي لغوية ولو جزئية، فطالما وجد عامل مشترك فلا معنى لوجوده، غير أنها قد ذابت في الآخر وتأثرت به أو «انسحقت» أمامه، وهذا أمر يفزعها ويدفعها، من ثم، إلى نفي هذا المشترك والنأي بنفسها عنه من خلال تحديد ذاتها بنقيضه، فتكون لغتها مجرد سلب للغة الآخر، ودينها مجرد سلب لدين الآخر... إلخ. وهنا وإزاء حركة السلب هذه نكون بصدد عملية ليست فقط تلقائية بل ومتنامية لإبراز التناقض باعتباره الطريق الوحيد لتأكيد الذات. وقد عبَّرت حالة السلب هذه عن نفسها في الأديان الثلاثة التي صاغت الحضارتين الكبيرتين: العربية - الإسلامية، والغربية اليهو - مسيحية، وذلك من خلال أفكار ثلاث أساسية: 
ففي الرؤية الدينية اليهودية للعالم ثمة فكرة الاختيار، تلك التي صنعت حاجزا بين اليهود والأغيار امتد بعمق تاريخهم، وشوه جل تفاعلاتهم، وربما صنع عقدتهم الوجودية. لقد عاش اليهودي تاريخه بإحساس ملتبس، ففي ردح قصير من الزمن بدا «متعاليا» على الآخرين بقوته التي ظنها نابعة من خيريته، حتى إذا ما دالت دولته، وجدناه يحيا «آسفا متألما» إذ يجد نفسه «عاديا» في التاريخ منذ سبي البابليين أجداده، وفتك الرومان بهم، وبالأخص منذ جاء المسيح إلى الأرض نبيا للرحمة لا القتال، رافضا أن يكون ملكهم المقدس، فاتحا شريعة موسى ودين الرب (يهوه) لجميع الناس/ الأغيار/ الأمم، ومانحا الخيرية لجميع المؤمنين من بينهم، المنتمين لإبراهيم بالروح لا الجسد، بالعقيدة لا العرق. وحينئذ صار اليهودي لا يرى في التاريخ سوى مجرد لص قام بسرقة خيريته، ومن ثم فقد عاش من أجل الثأر كلص جديد يسعى إلى سرقة الآخرين، حتى يعود المسيح إلى الأرض المقدسة مستردا له خيريته. ولهذا نلاحظ كيف أن الشخصية اليهودية ظلت تراوح بين طبائع وأمزجة متــــناقـــضة، فـهي شديدة الانسحاق، والعزلة والانطواء حينا، وهي شديدة الغرور والغطرسة والعدوانية حينا آخر، وخصوصا عندما تجد في التاريخ ما يبدو وكأنه فرصة أو تحول يعيد إليها تلك الخيرية المدعاة والتي لا يمكن لها أن ترى الزمن إلا من خلالها إما احتفاء بحضورها، وإما حسرة على غيابها.  
وفي الثقافة الإسلامية ثمة نزعة ماضوية لدى فصيل من المسلمين يسقط على الإسلام في مرحلة الأزمة، فهمه وتأويله المنغلقين، مستخدما العنف في غير محله، معتبرا إياه وسيلة طبيعية لتغيير الواقع باتجاه صورة مثالية لماض غابر، ولو نال عنفه من الآخر الذي يسهم بجدية في صناعة الحاضر، وذلك على الرغم من الروح العالمية الكامنة في الإسلام، ونزعته العميقة إلى التسامح. وإذ ينسب هذا التيار نفسه إلى السلف، ويلبس عنفه العبثي أحيانا والعدمي أحيانا أخرى ثوب الجهاد، فإنه يسيء إلى إحدى أهم الظواهر التي صاغت مسيرة الحضارة الإنسانية وهي الجهاد الإسلامي «الحـــــضاري» ذو المنــــزع الإنســــاني والغـــاية التحــــريرية للتــاريخ من قبضة الوثنية والشرك والانحطاط والفوضى.

المركزية الذاتية الغربية
وفي الوعي الأوربي الحديث ثمة نزعة التمركز حول الذات، تلك التي نمت منذ القرن الثامن عشر، وهيمنت على التاسع عشر وبداية العشرين، استنادا إلى افتراضين اختزاليين: أولهما هو مركزية الاستثنائية الإغريقية في التاريح الفلسفي، لدرجة تصبح معها الجذر الوحيد لكل عقلانية ممكنة، فلا توجد عقلانية أخرى خارجها. وثانيهما هو المفهوم العنصري للثقافة، والذي يتصور بقاء هذه الفلسفة أصلا نقيا لفكر غربي خالص لم يرفده مكون ثقافي سابق لها، كما لم يلوثها أي بناء فكري لاحق عليها. هكذا تنسب هذه النزعة إلى الذات الغربية كل إنجازات الحاضر العالمي، قبل أن تقوم باختزال التاريخ كله في هذا الحاضر، وتثبيت معطياته المستجدة كمرجعية لبقية عصور التاريخ، تقاس إليها بل وتحاكم بها الثقافات والحضارات الأخرى. وهكذا تصير نزعة إقصائية تستند إلى العنف واحتقار الآخر، ولذا كانت هي الجذر الذي خرج منه نسق الفكر الكولونيالي وظاهرة الاستعمار الغربي، والعنصريتين: النازية والفاشية، ولا تزال تنتسب إليه التيارات العنصرية واليمينية في الثقافة الأوربية المعاصرة.
أما المشكلة الثانية فهي الإغراق في كراهية الآخر كلما زاد تقدمه، واستطاع الولوج إلى فضاءات جديدة ومستويات أرقى على صعيد التجربة الإنسانية؛ ذلك أن الذات الحضارية هنا تقع بين شقي رحى: فإما مماثلة الآخر في هذه الآفاق جميعا، ما يعني لديها الذوبان فيه، وإما النأي بنفسها عنه، واعتبار هذه الآفاق مساحات غريبة على ما تعتقده أصالتها، وربما غير أخلاقية قياسا إلى ما تتصوره فضيلتها. غير أنها لا تقوم بهذه العملية عن ثقة بل عن خوف، وليس عن تسامٍ أخلاقي، بل عن اغتراب نفسي، وليس عن زهد حقيقي، بل عن شعور عميق بالحرمان. 
وإزاء كل تلك المشاعر السلبية بالخوف والاغتراب والحرمان، وبتصور أن الآخر هو من فرض تلك المشاعر عليها، لا يكون ثمة طريق سوى كراهيته والنزوع إلى القطيعة معه.  ومع استمرار حال تفوق هذا الآخر، وتمكُّنه من السيطرة طويلة الأجل على حركة الواقع، تبدأ الذات الحضارية في كراهية حاضرها، والتشاؤم إزاء مستقبلها، فلا يبقى لها من أبعاد الزمن سوى الماضي لتلوذ إليه بدعوى وجود تجربة سابقة فيه تنم عن السبق، وتشي بغير العجز، فإذا بها تمعن في تبجيله حتى تحيله إلى أسطورة متعالية على التاريخ.
وربما كانت هذه التجربة محض أوهام في بعض الحالات، وربما كانت حقيقية أو حتى فذة في ريادة الإنسانية في حالات أخرى، ولكن المشكلة التي تبقى قائمة في كلتا الحالين أن تجربة الماضي غير قادرة سواء على ملء فراغ الحاضر، أو على زيادة الأمل في المستقبل، لأنها ببساطة غير قابلة للاستعادة، ولا فائدة حقيقية لها إلا في حالة واحدة هي النجاح في تفكيكها، والنفاذ إلى القيم الإيجابية المؤسسة لها بقصد إعادة إنباتها في تربة العصر. 
غير أن المفاجأة المدوية التي سرعان ما تتبين لهذه الذات التعسة، أو للتيار الغالب فيها، أن تلك القيم الإيجابية التي صاغت تجربتها الزاهية في الماضي، هي نفسها العناصر الدينامية التي تصنع تقدم الآخر في الوقت الراهن، ولو صيغت في أشكال حديثة ومسميات معاصرة، وأنها جميعا محض سنن يودعها الله في التاريخ حاكمة لحركة البشر، تكاد تشبه، ولكن من دون حتم، تلك القوانين التي يبثها في الطبيعة، حاكمة لحركة الكون. 
أما المفاجأة الصادمة حقا، فهي أن اكتشاف الذات الحضارية لمثل هذه الحقيقة الأساسية ربما لا يسعدها إذ ترى في هذا الاكتشاف انتقاصا مما تعده خيريتها الخاصة، ومن ثم تتنكر له، لأن التفاعل مع معطياته سوف يماهي بينها وبين الآخر، ويذيب هويتها فيه فلا تعدو قادرة على التعرف إلى نفسها، ومن ثم فهي غالبا ما تتنازل عن الكشف الجديد حفاظا على هوية قديمة، وتتخلى عن الحاضر والمستقبل حتى لا تغترب عن ماضيها الذي تصورته أصالتها وهو في الحقيقة، لا يعدو غربتها في الزمن وهلعها المرضي من الآخر .