أصبحت لدينا محكـمة عـربيَّة لـحقوقِ الإنسان

أصبحت لدينا محكـمة عـربيَّة لـحقوقِ الإنسان

خطت جامعة الدول العربية خطوة مهمة وضرورية على درب حماية حقوق الإنسان في الدول الأعضاء باعتماد مجلسها، وعلى مستوى وزراء الخارجية، في جلسته «142» التي انعقدت في القاهرة يومي 6 و7 سبتمبر 2014، قراره رقم 7790 - د.ع (142) ج 3، بتاريخ 7 سبتمبر، نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان، واختيرت المنامة عاصمة مملكة البحرين مقرا لها، وهي تتألف وفق نظامها من 7 قضاة. وسيدخل هذا النظام حيز النفاذ متى صادقت عليه 7 دول أعضاء في الجامعة.

 

سبق للجامعة أن اعتمدت في ختام القمة العربية التي انعقدت في تونس، بتاريخ 23/5/2004، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي دخل حيز النفاذ في 16/3/2008، بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية عملاً بما تنص عليه المادة 49 من الميثاق. أما الدول العربية التي صادقت عليه حتى الآن، فهي: الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والجزائر، والسودان، وسورية، والعراق، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، واليمن.
 وأسس هذا الميثاق العربي آلية لمراقبة حسن تطبيق الدول الأطراف فيه لالتزاماتهم من خلال اختصاصات لجنة حقوق الإنسان العربية (لجنة الميثاق)، وهي تضم 7 أعضاء من مواطني هذه الدول ويعملون بصفتهم الشخصية ويبحثون في التقارير الأولية والدورية التي ترسلها الدول الأطراف إلى اللجنة التي تصوغ تقاريرها وتوصياتها بخصوص هذه التقارير.
 ولم ينص الميثاق العربي لحقوق الإنسان على تأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان، فجاء قرار وزراء خارجية الجامعة ليسد هذه الثغرة في آلية الميثاق، ويؤسس محكمة عربية تسهر على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدول الأعضاء بالجامعة.
 وسبق اعتماد نظام المحكمة العربية انعقاد اجتماعات ومؤتمرات عدة لمناقشة مشروع هذا النظام، من بينها المؤتمر الذي دعت إليه مملكة البحرين والتأم في المنامة يومي 25 و26/2/2013 بحضور وزراء وممثلي الدول العربية وعدد من الخبراء، والمؤتمر الثاني الذي انعقد أيضا في المنامة يومي 25 و26/5/2014، وشهد حضور عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني والخبراء والباحثين من العالم العربي وأوربا وإفريقيا.

محاكم إقليمية
 جهود جامعة الدول العربية لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان تأتي في سياق جهود منظمات إقليمية أخرى، فقد أسست منظمة مجلس أوربا ومقرها مدينة ستراسبورغ الفرنسية محكمة أوربية لحقوق الإنسان مقرها في تلك المدينة بفضل اعتماد الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950، وتضم هذه المحكمة 47 قاضياً. واعتمدت منظمة الدول الأمريكية ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 والتي كرست فصلها الثامن لتأسيس محكمة أمريكية لحقوق الإنسان تضم 7 قضاة ومقرها مدينة سان خوسيه في جمهورية كوستاريكا بأمريكا الوسطى. واختار الاتحاد الإفريقي اعتماد بروتوكول في عام 1998 مضاف إلى الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي تم اعتماده عام 1981، ليؤسس محكمة إفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تضم 11 قاضياً، ومقرها مدينة أروشا بجمهورية تنزانيا.
 ونلاحظ بذلك أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان مشابه للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، حيث لم ينص كلا الميثاقين على تأسيس محكمة، وجاء لاحقاً اعتماد الاتحاد الإفريقي لبروتوكول عام 1998 خاص بالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان. أما في رحاب جامعة الدول العربية فقد تم تأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان بفضل قرار مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية.

بعض الملاحظات
 لعله كان من المحبذ أن يتم اعتماد بروتوكول، بمقتضى المادة 52 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، يتعلق بتأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وأن يتم اعتماد هذا البروتوكول من طرف مجلس الجامعة على مستوى القمة، كما تم اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان في نهاية أعمال القمة العربية بتونس عام 2004، وهو ما يعطي نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان أهمية أكبر وبُعداً أوسع.
 وسيطول الكلام، لو أردنا أن ندخل في تفاصيل نظام هذه المحكمة العربية، وحسبنا أن نشير إلى بعض الملاحظات التي ستكون - وفق تصورنا - محور نقاشات ومقترحات بغرض تطوير هذا النظام وتحديثه وبشكل يواكب أنظمة المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، وهذه الملاحظات هي:
1- ضرورة إفساح المجال للفرد أو لمجموعة من الأفراد أو المنظمات غير الحكومية بتقديم شكاوى إلى هذه المحكمة. فتقديم الشكاوى يقتصر في النظام الحالي، وفق المادة 19 منه على الدولة الطرف في النظام: «التي يدعي أحد رعاياها أنه ضحية انتهاك حق من حقوق الإنسان»، وبشرط «أن تكون الدولة الشاكية والدولة المشكو في حقها طرفاً في هذا النظام»، هذا من طرف، ولكن يجوز، من طرف آخر، أن تلجأ إلى المحكمة «منظمة وطنية غير حكومية» ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ومعتمدة لدى الدول الطرف في نظام المحكمة، لمصلحة أحد رعايا هذه الدولة التي يدعي فيها بأنه ضحية انتهاك حقوق الإنسان، ولكن بشرط أن تقبل الدولة بذلك.
2- تقتصر اختصاصات المحكمة العربية لحقوق الإنسان وفق المادة 16 من نظامها، على كافة «الدعاوى والنزاعات الناشئة عن تطبيق وتفسير الميثاق العربي لحقوق الإنسان أو أي اتفاقية عربية أخرى في مجال حقوق الإنسان تكون الدول المتنازعة طرفاً فيها». وفي واقع الأمر الميثاق العربي هو المعني بالدرجة الأولى بهذه المادة، في حين أن اختصاصات محاكم إقليمية أخرى (المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على سبيل المثال)، تشمل كل الاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة المعنية التي تقدم ضدها الشكاوى، وليس فقط الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 7 من البروتوكول المؤسس لهذه المحكمة)، فيجب إذن توسيع اختصاصات هذه المحكمة العربية لتشمل انتهاكات كل اتفاقيات حماية حقوق الإنسان التي يمكن أن تقوم بها دولة طرف في نظام المحكمة، وسبق أن صادقت هذه الدولة على تلك الاتفاقيات أو انضمت إليها.
 لقد أصبحت لدينا محكمة عربية لحقوق الإنسان، وهي خطوة جيدة، ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى تتمثل بداية بمحاولات تلافي بعض نواحي قصور نظام هذه المحكمة، ويمكن أن تبدأ هذه المحاولات قبول دخول النظام حيز النفاذ أو بعده، وهو ما يتطلب تضافر جهود الحكومات في الدول العربية، ومنظماتها الإقليمية، ومختلف مكونات المجتمع المدني  بغرض النهوض عملياً بأوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي وتحقيق حماية فعلية لها ■