حمد أبوشهاب.. المحلّق بجناحي الفصيح والمحكي!
بجناحين من الشعر الفصيح والشعر المحكي، حلَّق الشاعر الإماراتي حمد خليفة أبوشهاب في سماء منطقة الخليج طويلا، قبل أن يهوي طاويا جناحيه في مدينة جنيف السويسرية في أحد أيام شهر أغسطس من العام 2002، محاطا بكثير من الأوراق التي كان يخط عليها قصائد لم تكتمل بعد، ومشروعات كتب لم يضع عليها لمساته الأخيرة بعد، ومشروعات مازالت في طور الإعداد، وكثير من الكلمات التي كانت تناوش روحه آنذاك.
ولد الشاعر حمد بن خليفة أبوشهاب في إمارة عجمان في العام 1932م. وبدأ رحلته التعليمية مثل كثير من المحظوظين من أبناء عصره وفقا للطريقة التقليدية في الكتاتيب، لكنه ما لبث أن التحق بالتعليم النظامي في المدرسة المحمدية في عجمان.
وفي تلك المدرسة بدأ اهتمام الطفل الصغير باللغة العربية وآدابها، فأقبل على قراءة ما يتيسر له من الكتب والدواوين الشعرية وهو دون العاشرة من عمره.
وفي هذه السن المبكرة كتب أولى قصائده الشعرية تقليدا لما كان يقرأه من قصائد باللغة العربية الفصيحة، أو ما يسمعه من محيطه الأسري والاجتماعي من قصائد باللهجة المحكية.
واستفاد أبوشهاب في بداياته من مجالسته لكبار أدباء عصره من أبناء المنطقة مثل راشد بن سالم الخضر، وراشد بن سالم بن ثاني المعروف بـ«رشيد»، وحمد بن سليمان، وأحمد بن سند وعبدالله الشيبة، وناصر بن محمد، وخالد بن خصيف وغيرهم. لكن ولعه بقراءة أمهات الكتب ودواوين الشعر القديم كان معينه الأول في تثقيف نفسه بنفسه، وساعدته في ذلك ملكة الحفظ التي تميز بها منذ صغره، فكان يحفظ دواوين كاملة لمن يحب من الشعراء مثل شاعره الأول أبي الطيب المتنبي وأبي تمام وابن الرومي وغيرهم.
ولم يجد أبوشهاب غضاضة في التنقل الشعري بين «الفصيحة» و«المحكية»، فكتب قصائد بهذه وقصائد بتلك، محافظا على ولعه الكبير بعمود الشعر وفقا لأوزان الخليلي التقليدية.
أكمل الشاعر مراحل تعليمه واستمر في ترجمة شغفه الشعري قصيدا متنوع الأغراض، فبدأ رحلة العمل في خمسينيات القرن الماضي متنقلا بين بلدان عربية وأجنبية عدة منها جزيرة «سقطرة» في بحر العرب، حيث عمل مع والده آنذاك بتجارة بيع وشراء اللؤلؤ، أو ما تسمى في المصطلح الخليجي بـ «الطواشة»، ولم يستمر في تلك الجزيرة طويلا، فغادرها إلى الكويت وعمل فيها بكتابة «المعاريض» والخطابات الرسمية لمن يطلبها من الناس، ثم تنوعت أعماله في البيع والشراء فغادر إلى السعودية ومنها إلى البحرين عاملا في التجارة، قبل أن يعود إلى موطنه بعد أن اتحدت الإمارات السبع مكونة دولة الإمارات العربية المتحدة مطلع السبعينيات. ففضل أن يقيم في إمارة دبي منذ مطلع السبعينيات عاملا في السلك الدبلوماسي بوظائف ومسميات مختلفة، بالإضافة الى اضطلاعه بعدة مهمات ثقافية بادر إليها عندما رأى حاجة البلاد الفتية في اتحادها إلى من يقوم بها. ومنها مثلا اهتمامه بتوثيق التراث الإماراتي من الشعر الشعبي، بالإضافة إلى دأبه على توثيق تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك الأنساب في جميع أنحاء البلاد.
وفي تلك المرحلة أشرف الشاعر على إصدار عدد من الدواوين الشعرية للشعراء المشهورين بكتابة الشعر المحكي آنذاك، فحفظ في تلك المهمة تراثا كاد يندثر فعلا، لولا جهوده الكبيرة في البحث عن تلك الدواوين المحفوظة غالبا في صدور أصحابها من الأحياء، بالإضافة إلى دواوين الشعراء الراحلين المحفوظة في صدور عشاق ذلك النوع من الشعر.
وعلى الرغم من طبيعته الحياتية المتسامحة في الحياة وتقبُّل كل ما هو جديد أيضا، فإنه بقي متعصبا بشدة للعمود الخليلي، رافضا كل أشكال التجديد التي ألمت بالقصيدة العربية. ولم يكن ليتسامح في قبول تلك الأشكال الجديدة إلا باعتبارها أنواعا من النثر الجميل.
وقد أثرى الشاعر أبوشهاب المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات التي تنوعت ما بين الشعر والتوثيق والتحقيق والإعداد والسِّير وغيرها. ومن أشهر ما ترك من عناوين؛ ديوان سلطان بن علي العويس، ديوان تراثنا من الشعر الشعبي، ديوان شاعرات من الإمارات، وديوان ربيع بن ياقوت، ديوان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقفات مع تاريخ دولة الإمارات، و«الماجدي بن ظاهر.. حياته وآثاره»، وديوان أريج السمر، وديوان فتاة العرب، ونسائم المحبة. بالإضافة إلى أعمال عدة لم تكن قد طبعت قبل رحيله ومنها؛ ديوان الخضر، وإطلالة على تاريخ الإمارات، والسيرة الذاتية، وأشياء من الماضي.