حرف الجيم في اللغة واللهجات

حرف الجيم في اللغة واللهجات

حرف الجيم: من أجمل الأصوات في حروف الهجاء وترتيبه الخامس... فيه جرس موسيقي... وتُستعذب الأسماء المحتوية على هذا الحرف كالزهور والورد إن كانت متضمنة حروف الجيم، زادتها جمالاً على رُؤْيتها مثل النرجس والجوري والبنفسج. وإن احتوي في الشعر هذا الصوت جعل فيه جرْساً موسيقياً جميلاً.

 

هل رأيتم جمالاً مثل مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي:

بأبي الشموسِ الجانحاتِ غواربا
اللاّبساتِ من الحريرِ جلاببا
ولنقف عند أبيات أخرى للمتنبي:
لهذا اليومِ بعد غدٍ أريجُ
ونارٌ في العدوِّ لها أجيجُ
ووجهُ البحرِ يُعرفُ من بعيدٍ
إذا يسجو فكيف إذا يموجُ؟
كل شطر فيه كلمة محتوية على حرف الجيم، توزّع الجرس الموسيقي في هذه الأبيات من جمال صوت الجيم.
***
حروف الجيم المنطوقة في اللهجات:
حرف الجيم ينطق بأصواتٍ عدة في الوطن العربي من خلال اللغة الفصحى واللهجات.
< في الكويت له ثلاثة أصوات:
جيم الفصحى، وصوت الياء، والجيم المنقلبة من حرف القاف في اللهجة.
< في العراق: نطق الجيم الفصحى، وفي جنوب العراق تُنطق الجيم ياء والقاف المبدَّلة بالجيم.
< في مصر: جيم الفصحى، وصوت (الكَيم)... وبصوت الدّال.
< في دول شبه الجزيرة تنطق مثل الكويت والعراق بالفصحى، وقلب الجيم ياء، عدا اليمن وعمان والحجاز تنطق بصوت (الكَيم).
< وعند قبائل عربية قديمة نَطقوا صوت الياء جيمًا.
< ونُطقت الجيم بصوت (الكاف).
***
وهذه بعض الأمثلة في إبدال الجيم لأصوات غريبة وكلها من وحشّيِّ الكلام غير مرغوب فيها في الفصحى.
< في الكويت: في المدارس والمعاهد والمحافل وفي الإذاعة والتلفزيون ينطق حرف الجيم في مجال الفصحى نُطقًا سليمًا، أمّا في المجال العامي فينطق حرف الجيم ياء مثل «ريّال» في رجال، و«دياي» في دجاج.
وإبدال القاف جيمًا مثل «الجبلة» في القبلة، والليلة القابلة تلفظ «الجابلة».
ونقول الهوا «شرْجي»، وقليب الشيوخ تنطق «جليب»، وإن نُطقت هكذا فعلى مؤسسات الدولة أن تكتبها فصيحة مثل القبلة، وجليب بالقاف (قليب).
وتساءل العلاّمة الشيخ حمد الجاسر في لقاء إذاعي أجريته معه بعد أن تبعت «الخفجي» للمملكة العربية السعودية: لماذا كتبتموها بالجيم؟ وذكر ذلك في مقال في مجلة «الخفجي» فقال هي الخفجي من خفقان الأرض... وهناك أسماء أعلام بُدّلت من القاف إلى الجيم مثل: الشايجي، والثاجب، والسابق وعبدالجادر، والعتيج و«مجرن» من مقرن.
< في جنوب العراق كما هو في الكويت صوت الجيم بالفصحى، والياء المنقلبة من الجيم، والقاف المنقلبة جيمًا، وفي الساحل الشرقي من شبه جزيرة العرب في الإحساء وقطر والبحرين.
< وفي عُمان واليمن والحجاز والسودان ومصر قُلبت الجيم الفُصحى إلى (الكَيم) العامية، بعد أن جاهد الأزهر وجامعته، ودار العلوم لنزع (الكَيم) من الفصحى.
وبعد أن جاء الدارسون من فرنسا ألَّفوا كُتباً في الفقه، فتعصّبوا لنطق (الكَيم) اليمنية، واليمن تنطق حرفين بهذا الصوت القاف والجيم.
وقال الدكتور إبراهيم أنيس في تصنيفه لصوت الجيم هكذا:
الجيم القُرآنية، والفصحى، والجيم القاهرية.
كان الدكتور أنيس يُدرِّسنا في المعهد الإذاعي في القاهرة مادة «فقه اللغة» فناقشته عن إبعاد الجيم عن النطق الفصيح، فقال إن الجيم تطوّرت حضاريًا من الجيم القرآنية والفصحى إلى نطق (الكَيم)، فقلت: هل نويتم قراءة القرآن بهذا الصوت؟ وعندما صار الدكتور أنيس مديراً لـ«دار العلوم» نزع الجيم الفصحى واستبدلها بحرف (الكَيم) وأطلق عليها الجيم القاهرية، وقلتُ له: كان بإمكانكم أن تأخذوا القاف اليمنية وتنطقونها «كَيما» وتطلقون عليها قافًا قاهريةً... هكذا حتى تعصّب لهذا النطق في الجيم في أوائل القرن العشرين السياسيون ليقولوا إن مصر تختلف عن الدول العربية وهي إفريقية، علماً بأن الدول المغاربية كلها إفريقية.
وممّا زاد الطين بلّة أن الدكتور إبراهيم أنيس صار بالإضافة إلى محاضراته في المعهد الإذاعي مسؤولاً عن اختبار المذيعين وأخذ يُرسِّب الخريجين من الأزهر و«دار العلوم» الذين يلفظون الجيم الفصحى بالرغم من أن غالبية الشعب المصري من الصعيد (الوجه القبلي) يلفظون الجيم الفصحى.
تقدم الأستاذ فهمي عمر ليعمل مذيعًا، وكان ينطق حرف الجيم وفق تصنيف الدكتور أنيس نطقاً قرآنياً وفصيحاً في كتب الفقه التي ألّفها، وكان فهمي عمر فصيحاً وشاعراً، إلا أن الدكتور أنيس رسّب فهمي عمر في الاختبار، وقُبِل في البرامج الجماهيرية الشعبية فقط.
< من غرائب نُطق الجيم «دالا» في محافظة سوهاج بمدينة «جرجا» يقول الجندي «أنا دُنْدي في الدّيش» وأنا «دُفْعة في الديش».
< ومن غرائب نطق حرف الجيم، عند إبدال الياء جيماً بعكس الجيم ياءً:
قال أبو العلاء وهو من فقهاء اللغة: 
قُلْتُ لرجلٍ ممَّنْ أنت؟ قال: أنا «فُقَيْمج» يُريدُ أن يـــــــقــول أنـــا فُقَيمي، قال له من أيِّهم قال: «مُرِّج» يريد فقيمي ومُرِّي.
وأنشد لُهَيْمان بن قُحافة السَّعدي:
«يطير عَنَّا الوبرُ الصَّهابجا»
يريد الصهابيا، من الصَّهبة وهي احمرارُ الشَّعْر في الـــرأس.
ويصغَّر فَيُقال صُهيب، وبه سُمي اسم العلم صُهيباً.

وقال خلف الأحمر: في قلب الياء جيماً وهي من قُضاعة، أنشدني رجل من أهل البادية:
خالي عُوجفٌ وأبو عَلِجْ
والمطعمان اللَّحمَ بالْعَشجّ
وبالغداة كِسَر البرنج
المعنى:
عُوجف: عُويف، أبوعلج: أبوعلي
العَشِجّ: أراد العشيّ
والبَرْنَجْ: هو البرني خبز محلّى بالعسلِ.
وأنشد أبوزيد:
يارب إن كُنْتَ قبلت حِجَّتج
فلايزال شاحج يأتيك بج
أَقْمرُ نهَّازٌ يُنَزِّي وَفْرتج
هكذا: حجتج: حجتي
شاحج: شاحي
بج: بي... وفرتج: وَفْرتي
وأنشد آخر:
حتى إذا ما أَمْسَجتْ وأمْسَجا
يُريد أمسيَتْ وأمسيا
< ومن الغرائب نطق الجيم كافًا (ج - ك)
ورُوي أن عبدالملك بن عطية قد قاتل أبا حمزة الشاَّري وقتل الخوارجَ قتلاً ذريعاً وأسر منهم أربعمائة، فقال لهم بن عطية: ويلكم ما دعاكم إلى الخروج مع أبي حمزة الشاري، فقالوا ضَمِن لنا (الكنة). هنا قلْبُ الجيم إلي حرف الكاف، ويريدون ضَمن لها الجنة. هكذا انقلب حرف الجيم الفصحى في اللهجات:
إلى حرفِ الياءِ (ج - ي)
وحرف الياء جيما (ي - ج)
نطق القاف جيماً (ق - ج)
نطق الجيم كافا (ج - ك)
نطق الجيم «كَيما» (ج - كَـ)
نطق الجيم معطشة (ج - چ)
نطق الجيم إلى حرف الزّاي (ج - ز)
(من سكان البادية من ينطق رجّال: رزال).
وفي فلسطين أهل نابلس يقولون «ززر» في جزر.
لذا اهتم علماء اللغة بدراسة اللهجات لإبعادها عن الفصحى.
وظهر اللحن عند العرب قليلاً في عهد
النبي  عندما وقف بحضرته رجل فألحن فقال: (أَرْشدوا أخاكم)، ثم كثر اللحن مع الفتوحات واختلاط القبائل ببعضها.
فأمر الإمام علي  بتنقيط القرآن الكريم، وسمع اللحن في قراءة القرآن الكريم، فاستدعى الإمام علي أبا الأسود الدؤلي وأرشده إلى وضع علم النّحو.
وفي القرن الثاني الهجري ظهر الاهتمام بإصلاح اللغة في كتب علوم اللغة، وتحمل هذه العناوين: لحن العامّة، وتقويم اللسان، وتثقيف اللسان، وإزالة الرطانة، ولهجات القبائل ■