«في حضرة العنقاء».. تمثيل الواقع أسطوريًا

«في حضرة العنقاء»..  تمثيل الواقع أسطوريًا

‮«‬في‭ ‬حضرة‭ ‬العنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الرواية‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرون‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬الروائي‭ ‬المبدع‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل،‭ ‬الذي‭ ‬واكب‭ ‬تحولات‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬أزماتها‭ ‬الروحية‭ ‬والوجودية،‭ ‬واستشرف‭ ‬إشكالات‭ ‬الحياة‭ ‬والمصير‭ ‬والغربة،‭ ‬عبر‭ ‬شخصيات‭ ‬إشكالية‭ ‬تحمل‭ ‬جنسيات‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية،‭ ‬وفي‭ ‬روايته‭ ‬الجديدة‭ ‬هذه،‭ ‬وابتداء‭ ‬من‭ ‬عنوانها،‭ ‬نلحظ‭ ‬عمق‭ ‬وشمولية‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬الذي‭ ‬يتخطى‭ ‬القوانين‭ ‬الوضعية‭ ‬الظالمة‭ ‬باتجاه‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬للإنسان‭ ‬نظرة‭ ‬كونية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬العرق‭ ‬والدين‭ ‬والوضع‭ ‬الطبقي،‭ ‬وهو‭ ‬يؤكد‭ ‬نظرته‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬رواياته‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الهاجس‭ ‬الأساس‭ ‬فيها‭ ‬أسئلة‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬المصيرية‭ ‬حول‭ ‬ذاته‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬روايته‭ ‬الأولى،‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬السماء‭ ‬زرقاء‮»‬‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬تداعيات‭ ‬الذات‭ ‬وهي‭ ‬تواجه‭ ‬غربة‭ ‬مزدوجة‭ ‬حياتية‭ ‬ووجودية،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬يستكمل‭ ‬غربة‭ ‬مواطن‭ ‬كويتي‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬ومواطنته‭ ‬ويدافع‭ ‬عنها،‭ ‬ولكنه‭ ‬يجبر‭ ‬على‭ ‬غربة‭ ‬أبدية‭ ‬تضعه‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الحياة‭ ‬مهددا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬بالطرد‭ ‬من‭ ‬وطنه‭.‬

يحفز‭ ‬العنوان‭ ‬‮«‬في‭ ‬حضرة‭ ‬العنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي‮»‬‭ ‬على‭ ‬تأويلات‭ ‬شتى‭ ‬أساسها‭ ‬هذا‭ ‬الثلاثي‭ ‬العجيب‭ ‬وغير‭ ‬المتجانس‭ ‬‮«‬الغول‮»‬‭ ‬و«العنقاء‮»‬‭ ‬و«الخل‭ ‬الوفي‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المستحيلات‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭ ‬وقد‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الشعري‭ ‬الشهير‭:‬

أَيْقَنْتُ‭ ‬أَنَّ‭ ‬الْمُسْتَحِيلَ‭ ‬ثَلاَثَةٌ

الْغُولُ‭ ‬وَالْعَنْقَاءُ‭ ‬وَالْخِلُّ‭ ‬الْوَفِي

وإذا‭ ‬كان‭ ‬البيت‭ ‬الشعري،‭ ‬يؤكد‭ ‬يقينية‭ ‬شاعر‭ ‬مجرب‭ ‬استحالة‭ ‬وجود‭ ‬الغول‭ ‬والعنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي‭ ‬مجتمعين‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬فإن‭ ‬رواية‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تعدل‭ ‬من‭ ‬تشاؤم‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر،‭ ‬وتسرد‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬المتلقين‭ ‬فصولا‭ ‬طويلة‭ ‬وممتعة‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬العنقاء‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‮»‬‭ ‬السارد‭ ‬والشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬والمتحكم‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬الأصوات‭ ‬الواقعية‭ ‬والمتخيلة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬الرواية،‭ ‬وعبر‭ ‬سرد‭ ‬فصولها‭ ‬الطويلة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتمثل‭ ‬الخل‭ ‬الوفي‭ ‬في‭ ‬الأسماء‭ ‬اللامعة‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الكويت‭ ‬المعاصرة‭: ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬صقر‭ ‬الرشود،‭ ‬القاضي‭ ‬صلاح‭ ‬الفهد،‭ ‬المسرحي‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬السريع،‭ ‬الفنان‭ ‬سليمان‭ ‬الياسين،‭ ‬مبارك‭ ‬سويد،‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‭ ‬والروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬نفسه‭. ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬الواقعية،‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬نضال‭ ‬يومي‭ ‬عسير‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬حياة‭ ‬شاقة،‭ ‬لإلغاء‭ ‬قانون‭ ‬جائر‭ ‬مكتوب‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬المعاصر،‭ ‬يهمش‭ ‬حياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكويتيين‭ ‬بالولادة‭ ‬والانتماء‭ ‬والمعاناة،‭ ‬ويضعهم‭ ‬في‭ ‬الهامش‭ ‬المنسي،‭ ‬هم‭ ‬وعوائلهم،‭ ‬ومما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مرارة‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬أنها‭ ‬تعصف‭ ‬بالجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والشابات‭ ‬من‭ ‬فئة‭ (‬البدون‭) ‬بالتهميش‭ ‬والإلغاء‭ ‬وضياع‭ ‬الفرص،‭ ‬والرواية‭ ‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬بتجسيد‭ ‬معاناة‭ ‬آبائهم‭ ‬واعتذاراتهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬شيئا‭ ‬لهم،‭ ‬وأن‭ ‬جريرتهم‭ ‬الكبرى‭ ‬أنهم‭ ‬أتوا‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬شاقة‭ ‬يعرفون‭ ‬مرارتها‭ ‬ولكن‭..‬

 

حاضر‭ ‬مرير‭ ‬ومستقبل‭ ‬غائم

الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬فيه‭ ‬تشعر‭ ‬شعورا‭ ‬عميقا‭ ‬بالهوية،‭ ‬وتشتغل‭ ‬في‭ ‬فضائها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬يشعرها‭ ‬بالغربة‭ ‬المريرة‭ ‬والهوان‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬ويبدد‭ ‬كل‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬حياتها‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬الانتماء،‭ ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تجسدها‭ ‬شخصية‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬كويتي‭ ‬بالولادة‮»‬‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يغفلون‭ ‬اسمي‭ ‬وينادونني‭ ‬ابن‭ ‬أبيه‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬‮«‬منسي‮»‬‭ ‬منسيًا‭ ‬فعلا‭: ‬الغضاضة‭ ‬في‭ ‬الدلالة‭.. ‬فدلالة‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬أبيه‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬لقيط‭ (‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ - ‬وفق‭ ‬قانون‭ ‬الجنسية‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ - ‬كسبا‭ ‬وليس‭ ‬عارا،‭ ‬فـ‭(‬اللقيط‭.. ‬أي‭ ‬لقيط‭ ‬مولود‭ ‬هنا‭ ‬يتمتع‭ ‬بحق‭ ‬اكتساب‭ ‬الجنسية‭ ‬الكويتية‭ ‬إذا‭ ‬بلغ‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭)‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ (‬أنا‭ ‬كما‭ ‬أراني‭ ‬لست‭ ‬مؤهلا‭ ‬لأن،‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬بي‭ ‬أن‭... ‬اكتفيت‭ ‬أراقب‭ ‬عبر‭ ‬مسافة‭ ‬أمان‭ ‬كافية‭).‬

المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬وفق‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬الخل‭ ‬الوفي‮»‬‭ ‬كويتي‭ ‬بالولادة،‭ ‬أو‭ ‬كويتي‭ ‬بالريحة،‭ ‬وفي‭ ‬كلا‭ ‬الأمرين‭ ‬فهو‭ ‬وفق‭ ‬القانون‭ ‬الكويتي‭ ‬لا‭ ‬يتساوى‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬اللقيط‭ ‬الذي‭ ‬يعطيه‭ ‬القانون‭ ‬حق‭ ‬اكتساب‭ ‬الجنسية‭ ‬عند‭ ‬بلوغه‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭.‬

يسرد‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬فصول‭ ‬حياته‭ ‬المريرة‭ ‬إلى‭ ‬ابنته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يراها،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬مسور‭ ‬بالفقر‭ ‬والتهميش،‭ ‬وحتى‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬سماه‭ ‬الروائي‭ ‬‮«‬فصل‭ ‬أخير‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يبلغ‭ ‬الكلام‭ ‬منتهاه‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬القول‭ ‬الفصل،‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قول‭ ‬له‭...‬‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬يعمد‭ ‬الروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬إلى‭ ‬تعرية‭ ‬كل‭ ‬الحجج‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬يحملون‭ ‬صفة‭ ‬الأهلية‭ ‬الكاملة‭ ‬للمواطنة‭ ‬الحقة‭ ‬في‭ ‬صف‭ (‬البدون‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬جائرة‭ ‬ومشبعة‭ ‬بعقلية‭ ‬العرق‭ ‬الصافي‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬هجين،‭ ‬تفرضها‭ ‬عقليات‭ ‬متخلفة‭ ‬عن‭ ‬دينها‭ ‬وإنسانيتها‭ ‬وتجعل‭ ‬منها‭ ‬قوانين‭ ‬ساكنة‭ ‬ومتحكمة‭ ‬بحركة‭ ‬حياة‭ ‬متجددة‭ ‬ومتخطية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأعراف‭ ‬والقوانين‭.‬

 

تمثيل‭ ‬الواقع‭ ‬أسطوريًا

والعنوان‭ ‬باعتباره‭ ‬عتبة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الروائي،‭ ‬يكتسب‭ ‬هنا‭ ‬أهمية‭ ‬استثنائية‭ ‬عندما‭ ‬يرفع‭ ‬رتبة‭ ‬الشخصية‭ ‬الواقعية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الأسطورة،‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬أسطورة‭ ‬طائر‭ ‬العنقاء‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي،‭ ‬فهو‭ ‬طائر‭ ‬وحيد،‭ ‬لا‭ ‬ينقرض‭ ‬أو‭ ‬يموت،‭ ‬بل‭ ‬يجدد‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭ ‬حين‭ ‬يحترق‭ ‬ومن‭ ‬رماده‭ ‬ينبثق‭ ‬عنقاء‭ ‬جديد،‭ ‬فائق‭ ‬الشبه‭ ‬بالقديم‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬فوره‭ ‬لمكانه‭ ‬الأصلي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الشرق‭ ‬البعيد‭.‬

ويسميه‭ ‬العرب،‭ ‬عنقاء‭ ‬مغرب،‭ ‬أي‭ ‬صار‭ ‬غريبا‭.‬

والمنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬يشبه‭ ‬هذا‭ ‬الطائر‭ ‬الأسطوري‭ ‬في‭ ‬غرابة‭ ‬وجوده‭ ‬ووحدته‭ ‬القاسية،‭ ‬وقابليته‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬والتجدد،‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يتماهى‭ ‬الروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬ببطله‭ ‬إلى‭ ‬منزلة‭ ‬الأسطورة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التماهي‭ ‬عصيٌّ‭ ‬على‭ ‬الفهم،‭ ‬لكنه‭ ‬مجسد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش،‭ ‬وخلال‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬إنسانا‭ ‬مؤسطرا‭ ‬لاستحالة‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬مكانا‭ ‬في‭ ‬حاضر‭ ‬الأمكنة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬يتنكر‭ ‬لأبنائه‭ ‬بعدم‭ ‬منحهم‭ ‬ورقة‭ ‬صغيرة‭ ‬تثبت‭ ‬الانتماء‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يستطيع‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬انتماء‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المتمدن‭.‬

يقول‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬كويتي‭ ‬نسبة‭ ‬لأمي،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬أراقب‭ ‬صبية‭ ‬كويتيين‭ ‬يماثلونني‭ ‬سنا،‭ ‬هل‭ ‬يصح‭ ‬لي‭ ‬ضمان‭ ‬مستقبلي‭ ‬أسوة‭ ‬بهم‭ (....) ‬الأمر‭ ‬أشبه‭ ‬باقتراب‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر،‭ ‬حيث‭ ‬ضياع‭ ‬الفرصة‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الهاجس‭ ‬سيبقى‭ ‬ملازما‭ ‬له،‭ ‬حين‭ ‬يبقى‭ ‬مراوحا‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬رتبته‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬أسطورة‭ ‬العنقاء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬مثيلا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬جنس‭ ‬الطيور‭ ‬الواقعية‭ ‬والأسطورية،‭ ‬فطائر‭ ‬العنقاء‭ ‬‮«‬صفر‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعالم‭ ‬الطيور،‭ ‬ويزداد‭ ‬الأمر‭ ‬غرابة‭ ‬واستحالة‭ ‬حين‭ ‬يغيب‭ ‬الخل‭ ‬الوفي‭ ‬المجسد‭ ‬في‭ ‬الشخصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬الكويتية،‭ ‬لتكتمل‭ ‬الدائرة‭ ‬المغلقة‭ ‬التي‭ ‬بشَّر‭ ‬بها‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬باستحالة‭ ‬وجود‭ ‬العنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي‭.‬

 

تقنية‭ ‬صندوق‭ ‬الذاكرة

يقترح‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬صنع‭ ‬صندوق‭ ‬‮«‬يسع‭ ‬أوراق‭ ‬فولسكاب‮»‬‭ ‬ينقش‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬ابنته‭ ‬زينب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يرها‭ ‬وهو‭ ‬ينوي‭ ‬توريثه‭ ‬إياها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أدون‭ ‬ما‭ ‬يساعدك‭ ‬زينب‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬أبيك‭ ‬لدرجة‭ ‬الحضور‭ ‬الفعلي،‭ ‬سواء‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الغياب‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حكمه‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬التي‭ ‬يبتكرها‭ ‬إسماعيل،‭ ‬يتسنى‭ ‬لشخصية‭ ‬المنسي‭ ‬أن‭ ‬يستدعي‭ ‬تفاصيل‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وفق‭ ‬زمن‭ ‬مفتوح،‭ ‬وحرية‭ ‬مطلقة‭ ‬بالاختصار‭ ‬أو‭ ‬الاستطراد،‭ ‬متخذا‭ ‬من‭ ‬النداء‭ ‬بصيغة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬زينب‮»‬‭ ‬لازمة‭ ‬تضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭. ‬ومن‭ ‬مزايا‭ ‬صندوق‭ ‬الذاكرة‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التلقي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬معلومة،‭ ‬وهو‭ ‬بصمته‭ ‬الأزلي،‭ ‬يعطي‭ ‬السارد‭ ‬الشخصية‭ ‬إمكان‭ ‬البوح‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬لغياب‭ ‬الرقيب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬للسارد‭ ‬بأن‭ ‬ينسى‭ ‬أو‭ ‬يحذف‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬منها،‭ ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬سرد‭ ‬الأحداث‭ ‬أن‭ ‬السارد‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحياد،‭ ‬لا‭ ‬يتخذ‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يناسب‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭.‬

وفي‭ ‬الحلم‭ ‬تمحى‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬ويتداخل‭ ‬الحديث‭ ‬المباشر‭ ‬بغير‭ ‬المباشر،‭ ‬الحوار‭ ‬بالتعليق‭ ‬على‭ ‬الحدث،‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬بالزمن‭ ‬الحاضر،‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬الروائي‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬مألوف‭ ‬كتابته‭ ‬بشكل‭ ‬مفارق‭:‬

‮«‬سمعتها‭ ‬تسألني‭: ‬متى‭ ‬نصل؟‭ ‬لو‭ ‬صدقتها‭ ‬الرد‭ ‬لقلت‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬بديل‭ ‬ذلك،‭ ‬طمنتها‭: ‬قريبا‭. ‬اشتدت‭ ‬حركة‭ ‬الرياح‭ ‬في‭ ‬الجوار‭. ‬هل‭ ‬أتعبك‭ ‬الركوب؟‭ ‬أتعبني‭ ‬الصمت‭. ‬للأحلام‭ ‬آلية‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ (...) ‬‮«‬لا‭ ‬تجزعي‭ ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬قادم‭ ‬إليك‭. ‬أركض‭. ‬لا‭ ‬غابة،‭ ‬لا‭ ‬أصوات‭ ‬جنادب،‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لسينما‭ ‬السيارات،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬ضلل‭ ‬الآخر‭ ‬أنا‭ ‬أم‭ ‬الطريق‭ (...) ‬أنا‭ ‬إزاء‭ ‬جدار‭ ‬أسود‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬اخضرار‭ ‬فيروزي‭ ‬يضاهي‭ ‬لون‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬تراني‭ ‬حدست‭ ‬سبب‭ ‬انبعاث‭ ‬الرائحة‭ ‬المدوخة‭. ‬أين‭ ‬أنت؟‭ ‬استغاثتها‭ ‬الملتاعة‭ ‬تكرس‭ ‬شعوري‭ ‬بالفجيعة‭. ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الجوار،‭ ‬أسفل‭ ‬هذا‭ ‬الجدار،‭ ‬تحريته‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬يسمح‭ ‬بالصعود‭.. ‬لم‭ ‬أسائلني‭..‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬الطويل‭ ‬نسبيا‭ ‬نحاول‭ ‬فيه‭ ‬التعريف‭ ‬بهذه‭ ‬القدرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬للروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬على‭ ‬إدامة‭ ‬حلم‭ ‬تتداخل‭ ‬فيه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الحبيبة‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬وكوابيس‭ ‬الأحلام،‭ ‬وهي‭ ‬تنأى‭ ‬عن‭ ‬مسارها‭ ‬الأليف‭ ‬لتدخل‭ ‬في‭ ‬منعطفات‭ ‬مكانية‭ ‬وزمانية،‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬ولاضفاف،‭ ‬وخلال‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬سرد‭ ‬الحلم‭ ‬متآلفا‭ ‬مع‭ ‬لغته‭ ‬المتشظية،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات،‭ ‬حين‭ ‬تمحى‭ ‬الفواصل‭ ‬بين‭ ‬الحوار‭ ‬وبين‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬وبين‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحلم‭ ‬والخروج‭ ‬منه،‭ ‬والتعليق‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

 

المكان‭ ‬ذاكرة‭ ‬ممحوة

تتجسد‭ ‬غربة‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬من‭ ‬شبحية‭ ‬الأمكنة‭ ‬العامة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حياة‭ ‬المنسي‭ ‬امتدت‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬لكن‭ ‬ذاكرته‭ ‬التدوينية‭ ‬لم‭ ‬تسجل‭ ‬سوى‭ ‬عينات‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الأمكنة‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها،‭ ‬وأغلبها‭ ‬أمكنة‭ ‬مغلقة‭ ‬محدودة‭ ‬الفضاء‭ ‬والشخصيات،‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الألفة‭ ‬مع‭ ‬المكان،‭ ‬وعندما‭ ‬يقع‭ ‬فضاء‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬تنشط‭ ‬شخصية‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬في‭ ‬التحرك‭ ‬والانتقال‭ ‬وسط‭ ‬مظاهر‭ ‬الخوف‭ ‬والرهبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لكنه‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬بعبثية‭ ‬واضحة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الوجود،‭ ‬مؤكدا‭ ‬شعورا‭ ‬داخليا‭ ‬بأنه‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬وطنه‭ ‬إزاء‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬خارجه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مواقفه‭ ‬السلبية‭ ‬السابقة‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬أفقا‭ ‬آخر،‭ ‬بانخراطه‭ ‬في‭ ‬قافلة‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬وطنه،‭ ‬فيقوم‭ ‬بأفعال‭ ‬كثيرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الموت،‭ ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬الخطيرة‭ ‬يجد‭ ‬المنسي‭ ‬نفسه‭ ‬مواطنا،‭ ‬‮«‬شملتني‭ ‬حيرتي،‭ ‬هنا‭ ‬ناسي‭,‬‭ ‬بلدي‭ ‬يحتاجني‭.. ‬المصيبة‭ ‬معدن‭ ‬الرجال‭ (...) ‬متى‭ ‬نبدأ‭ ‬العمل؟‭..‬‮»‬‭. ‬ويجد‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬هويته‭ ‬الجديدة‭ ‬الموقعة‭ ‬من‭ ‬القاضي‭ ‬صلاح‭ ‬الفهد،‭ ‬أي‭ ‬بلسان‭ ‬المقاومة‭ ‬‮«‬هنا‭ ‬أنا‭ ‬طوال‭ ‬خمس‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬عمر‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬كيان‭ ‬معترف‭ ‬به‭ ‬بقيت‭ ‬محروما‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وثيقة‭ ‬انتماء‭ ‬رسمية،‭ ‬مع‭ ‬مصادرة‭ ‬الدولة‭ ‬كلها‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬سلطتها‭ ‬يولد‭ ‬كيان‭ ‬ثان‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الكارثة،‭ ‬المقاومة‭ ‬الكويتية‭ (.....) ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬العارمة‭ (...) ‬تخصص‭ ‬المقاومة‭ ‬فسحة‭ ‬محبة‭ ‬ترعى‭ ‬ناسها‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬للوائح‭ ‬معتمدة‭ ‬منظمة‭ ‬رجل‭ ‬القانون‭ ‬صلاح‭ ‬الفهد‭ ‬سماني‭ ‬كويتيا‮»‬‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬تبلغ‭ ‬الرواية‭ ‬ذروتها‭ ‬بهذه‭ ‬المزاوجة‭ ‬الحية‭ ‬بين‭ ‬الواقعي‭ ‬ممثلا‭ ‬بشخصية‭ ‬القاضي‭ ‬صلاح‭ ‬الفهد،‭ ‬والتي‭ ‬لعبت‭ ‬أدوارا‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬إقرار‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬الحديثة‭ ‬وبمواقفه‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقي‭ ‬بالتعاضد‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬مثقفين‭ ‬متعالين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬العسف‭ ‬والتهميش‭ ‬والإذلال‭ ‬أمثال‭ ‬صقر‭ ‬الرشود‭ ‬وسليمان‭ ‬الياسين‭ ‬وغيرهما‭ ‬وبين‭ ‬الخيالي‭ ‬الذي‭ ‬يمثِّل‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬الروائي‭ ‬البديع‭ ‬الذي‭ ‬يديم‭ ‬تواصله‭ ‬الروائي‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل،‭ ‬بلغته‭ ‬وتقنياته‭ ‬المبتكرة‭ ‬وخبرته‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬إشكالات‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭.‬

سيبقى‭ ‬المتلقي‭ ‬لهذه‭ ‬الرواية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬معلقا‭ ‬بين‭ ‬تفوهات‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬وهو‭ ‬يحيا‭ ‬بفرح‭ ‬غامر‭ ‬حلم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬إخوانه‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬بالهوية‭ ‬التي‭ ‬منحته‭ ‬إياها‭ ‬المقاومة‭ ‬الكويتية‭ ‬رمزا‭ ‬على‭ ‬دفن‭ ‬الماضي‭ ‬الأليم‭ ‬وفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬للمواطنة‭ ‬والانتماء،‭ ‬وبين‭ ‬حاضر‭ ‬السرد‭ ‬الذي‭ ‬تكرسه‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭ ‬حين‭ ‬يجد‭ ‬المنسي‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬نفسه‭ ‬ساكتا‭ (‬أبدا‭) ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬فيها‭ ‬للغيوم‭ ‬بالمرة،‭ ‬وهي‭ ‬نهاية‭ ‬متشائمة‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬روايات‭ ‬إسماعيل‭ ‬العديدة،‭ ‬فنهايات‭ ‬كل‭ ‬رواياته‭ ‬مفتوحة‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬جديد،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬سؤالا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إجابة‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رواية‭ ‬العنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي‭ ‬تاريخا‭ ‬وماضيا‭ ‬لواقعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ذ‭ ‬إنسانية‭ ‬أصبحت‭ ‬ضمن‭ ‬سجلات‭ ‬التاريخ‭ ‬لمحنة‭ ‬فئة‭ ‬البدون‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بشكل‭ ‬خاص؟‭! ‬