مهرجان القرين 20 العودة إلى الجذور!

احتفل مهرجان القرين هذا العام بمرور عشرين عامًا على انطلاقه عام 1994 بأمر من المغفور له الشيخ جابر الأحمد، ليكون وسيلة للنهوض بالفنون والآداب في الكويت. واختير اسم «القرين» بوصفه أحد أسماء الكويت القديمة.
وكرّس المهرجان شخصيته عبر هذه الأعوام، باعتباره المهرجان الثقافي الأهم، حيث تمتد أنشطته لأكثر من ثلاثة أسابيع، كما تتسم بالشمولية
والتنوع على عكس المهرجانات الأخرى التي تغطي مجالًا محددًا.
أقيمت الدورة العشرون من 7 إلى 25 يناير الماضي، تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، وقدم خلالها ما يقرب من خمسين نشاطًا في مجالات الأدب والسينما والمسرح والتشكيل والآثار والموسيقى، بالإضافة إلى الندوة الرئيسة والأمسيات المصاحبة.
وألقى وزير الإعلام وزير الدولة لشئون الشباب الشيخ سلمان الحمود كلمة في حفل الافتتاح، نيابة عن راعي المهرجان، أكد فيها أن «القرين» هذا العام ارتقى إلى رسالة الكويت السامية وموقعها على الساحة الثقافية العربية والدولية، بالرعاية السامية من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، وبتوجيهات سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك.
وأشاد الحمود بلقاء المفكرين والفنانين والإعلاميين والنقاد والأدباء العرب ضمن أنشطة المهرجان، لصياغة إضافات جديدة في سجل الثقافة العربية، لافتا إلى أن المهرجان أصبح علامة بارزة على خارطة النشاط الثقافي والفني لدولة الكويت. كما أكد الوزير أهمية الثقافة في دعم الحوار بين الحضارات واحترام التنوع وتعزيز الوعي بالقيم المشتركة بين الشعوب.
وفي ختام كلمته، وجه الحمود التحية إلى الشباب على ما يقدمونه من تجارب إبداعية متميزة ومواصلة مسيرة العمل الثقافي، وأيضًا إلى الرواد الذين واكبوا مسيرة «القرين» طوال عشرين عامًا.
بعدها كان الموعد مع «دروازة القرين» بقيادة المايسترو د.سليمان الديكان، على مسرح متحف الكويت الوطني، وأهم ما يميز هذا العمل المزج ما بين التراث الموسيقي والغنائي في الكويت، والقوالب والآلات الأوركسترالية بمشاركة أوركسترا من أوكرانيا. بعدها تواصلت الأنشطة الغنائية والموسيقية، وكانت بالفعل الأكثر تميزًا في هذه الدورة، ومنها حفلة «مع فاغنر»، وموشحات أندلسية في مسرح الميدان الثقافي، وحفل أوركسترا كورال التربية الأساسية على مسرح الدسمة، واستضافة أربع فرق عالمية من الصين وأمريكا وفرنسا وإيطاليا، لكن الفرقة التي حازت الإعجاب والاهتمام كانت «ثلاثي جبران» من فلسطين، وهي مكونة من ثلاثة أشقاء بارعين في العزف على «العود»، وتعتبر هذه الزيارة الثانية لهم إلى الكويت، في غضون أشهر قليلة، ثم كان مسك الختام مع حفل الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة على مسرح الدسمة، وقدمت فيه مجموعة من القصائد الغنائية الخاصة بها، إضافة إلى باقة من أشهر الأغاني العربية لعبدالوهاب ووديع الصافي وأسمهان.
الأنشطة الفنية الأخرى شملت أربع أمسيات سينمائية ومسرحية، هي: عرض الفيلم الإندونيسي «أمي تريد الذهاب إلى الحج»، ومجموعة من الأفلام الكويتية القصيرة في سينما ليلى جاليري - معظمها سبق عرضه - والمسرحية العمانية «الهام» والكويتية «من منهم هو» للمخرج خالد أمين، وهي المسرحية الفائزة بجائزة مهرجان الكويت المسرحي في ديسمبر الماضي.
كما أقيمت حوالي عشرة معارض تشكيلية وفنية وتوثيقية أهمها: معرض الفنانة الإسبانية ماريسا تيرون في قاعة العدواني، طوابع الزواج الملكي للملك جورج السادس، في بيت ديكسون، و«كاريكاتير ضد الفساد» في مركز عبدالعزيز حسين، معرض الفنان الإيطالي ماكس لوي في متحف الفن الحديث، المعرض الفني لوزارة التربية «فيلكا والكنز المفقود» في مارينا مول، معرض «آثار سعد وسعيد» في متحف الكويت الوطني، معرض المطبوعات والإصدارات الحكومية، وأخيرًا معرض القرين التشكيلي الشامل في قاعتي الفنون والعدواني.
كذلك أقام المهرجان عدة معارض للكتب في المجمعات التجارية، مثل «الأفينيوز»، و«سليل الجهراء»، كما هي العادة، لتنشيط عملية القراءة والذهاب بإصدارات المجلس إلى الجمهور حيثما كان.
نأتي إلى الندوة الرئيسة التي عقدت تحت عنوان «أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي.. إعادة تفكير» (1974- 2014) وكما هو واضح من عنوانها، فهي تستعيد عنوانًا لندوة أقيمت في الكويت قبل أربعين عامًا، تحت إشراف جامعة الكويت وجمعية الخريجين، وبمشاركة كبار المفكرين آنذاك، أمثال: شاكر مصطفى، أنور عبدالملك، علي الوردي، هشام شرابي، أدونيس، زهير الكرمي وزكي نجيب محمود.
بينما كان أبرز من شاركوا تحت العنوان نفسه في 2014: محمد الرميحي، مصطفى شريف، رضوان السيد، نور الدين أفايه، وغلام حداد. وعلى الرغم من أهمية المحاور التي طُرحت حول عجز العرب عن التطور، ومنها «الضعف المعرفي» و«الأصولية الإسلامية»، فإن ثمة أسئلة طاردت الندوة عن جدوى مناقشة قضية تمت مناقشتها من قبل، وهل معنى ذلك أنه لم يحدث أي تقدم طوال أربعة عقود؟ وألم يكن الأجدى طرح قضايا ساخنة تمس الواقع بدلًا من «العودة إلى الأرشيف» لجلب «موضوع نخبوي» نوعًا ما؟
إلى جانب الندوة الرئيسة التي استمرت على مدى يومين وشهدت عدة جلسات، صباحية ومسائية، احتضن المهرجان ندوات ومحاضرات أخرى متنوعة، أهمها: «آثار دولة الكويت» وحاضر فيها سلطان الدويش وشهاب الشهاب، «المتاحف في المدن الخليجية ما بين عامي 1919 و 2011» باللغة الإنجليزية، للباحث أليكساندر كازيروني، و «خدمة المعلومات الصحفية في ظل التقنيات الحديثة»، وحاضر فيها د.حسن السريحي، وكذلك محاضرة عن الأسواق القديمة لفرحان الفرحان، و«أهمية أدب الرحالة في التوثيق لتاريخ الجزيرة العربية»، وقدمها فاسلييف بمشاركة عطية الظفيري.
كان من الواضح أن الطابع العام لندوات هذه الدورة، هو «العودة إلى الجذور» والانشغال بسؤال الهوية، فثمة ارتدادة واضحة نحو الماضي بدءًا من استعادة ندوة أقيمت قبل أربعين عامًا، مرورًا بمعرض طوابع الملك جورج، وانتهاء بالأسواق القديمة.
وتحت عنوان «عام وفضفاض»، أقيمت أيضًا ندوة حول مسرح الطفل في الكويت، في المكتبة الوطنية التي احتضنت أيضًا ورشة الكتابة الإبداعية بإشراف الكاتبة الإماراتية سارة الكعبي، واتسمت بالعمومية والكلام عن أجناس الكتابة وأهم عناصرها مثل بناء الشخصيات والقدرة على الابتكار والخيال ومعالجة الحبكة وأهمية الزمان والمكان والمفارقات، ما يطرح سؤالًا مهمًا عن جدوى إقامة «ورشة» بهذه العمومية، وكان يمكن أن يقوم بها أي كاتب أو أكاديمي كويتي! فالاستعانة بضيف لإقامة ورشة ما، تتطلب أن تكون الورشة نوعية.
من ناحية أخرى، حضر الشعراء على استحياء في أمسيتين استضافتهما رابطة الأدباء، الأولى للشاعر السوداني صديق مجتبى، والثانية شارك فيها شيخة المطيري، مصعب الرويشد، وجاسم الصحيح، وحنان بديع. بينما احتضنت المكتبة الوطنية «منارة الفنان الراحل محمد السريع» بمشاركة عبدالعزيز السريع ونادر القنة وتقديم سليمان الشطي، و«منارة عبدالعزيز حسين»، وتحدث فيها عباس الحداد وعبدالله الجسمي وخليفة الوقيان.
ولعل الظاهرة اللافتة في الدورة العشرين، هي إرجاء توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية إلى حفل الختام، وليس الافتتاح، كما كان متبعًا في السنوات الماضية، علمًا بأنه قد فاز بالجائزة التقديرية الإعلامية أنيسة جعفر «ماما أنيسة» والأديب فاضل خلف والمؤرخ يعقوب الغنيم والفنانة مريم الصالح.
كما غاب عن الدورة العشرين اختيار شخصية العام، حيث تميز المهرجان في دوراته السابقة بتكريم شخصيات عربية بارزة، وكذلك غياب فاعلية «ضيف الشرف» والتي سبق أن احتفت بثقافة بلدان عربية مثل مصر والإمارات، وهو ما يوحي بميل إلى التقوقع على الذات، لذلك ورغم إشارة مدير المهرجان سهل العجمي إلى مشاركة أكثر من 80 ضيفًا في الأنشطة - ربما قصد الفرق الموسيقية والمسرحية الزائرة - فإن الشعور العام أن «القرين 20» خلا من الضيوف .