ملتقى الكويت الدولي السادس للفنون الإسلامية
استضافت دولة الكويت الملتقى الدولي السادس للفنون الإسلامية في المسجد الكبير في الفترة ما بين 29 ديسمبر2013 و9 يناير 2014. جمع المؤسسات الدولية المعنية بالفنون الإسلامية؛ دار الآثار الإسلامية بالكويت، والجمعية الحرفية للسدو، وجامعة السلطان محمد الفاتح - كلية الفنون التقليدية في تركيا، ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول (أرسيكا)، وجامعة العلوم الإسلامية - كلية الفنون والعمارة الإسلامية في الأردن. وقد شارك في أعمال الملتقى 80 فناناً وحرفياً وأكثر من 25 دولة من مختلف قارات العالم. وأقيم تحت رعاية وزير العدل وزير الأوقاف والشئون الإسلامية السابق شريدة المعوشرجي.
يهدف مركز الكويت للفنون الإسلامية منظم الملتقى، توسيع دائرة الاهتمام بالعديد من الفنون الإسلامية, ما يسهم في ترقية الذوق العام, وتأكيد الهوية الإسلامية للمجتمع, وإبراز المكانة المرموقة للمسجد كمعلم ثقافي، وإظهار مكانة الكويت كمركز لدعم الفنون الإسلامية وتنميتها. ووفقاً لما أوضحه مدير إدارة الإعلام في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية أحمد القراوي، فقد شاركت أكثر من 100 لوحة في معرض الخط العربي, الذي اشتمل على العديد من أنواع الخطوط، إضافة إلى معرض للخط الكوفي، شارك فيه 60 خطاطاً ومزخرفاً من شتى أنحاء العالم. قدم المشاركون خلاله ورشات يومية وأخرى مبرمجة بمواضيع متنوعة في مجال الخط العربي والزخرفة الإسلامية، علاوة على ورشات للرسم على الماء (الأبرو) للفنانين أحمد جوكتان وغريب آي، وكذلك ورشة الخط العربي بالأسلوب الصيني للخطاط نور الدين مي جوانج جيانج طوال فترة المعرض.
اشتمل المعرض على فنون الخط العربي والزخرفة، وجناح الفنون الإسلامية وتطبيقاتها المتضمن معرض سجادة الصلاة. وكذلك جناح معرض إحياء خط الكوفي، وورشات مخصصة للأطفال والنشء وأخرى مخصصة لعموم الجمهور، فضلاً عما قدمه الحرفيون في مجال تطبيقات الفنون الإسلامية على السجاد، ولاسيما فن الخط العربي الجميل، الذي احتل مكانة مميزة في العالمين العربي والإسلامي، وذلك لتمازجه مع العمارة الإسلامية، علاوة على ارتباطه بكتابة المصحف الشريف، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الخط العربي محور الدورة السادسة، وتم اختيار «الألف» كشعار للملتقى، وذلك لتوثيق حضوره البصري والمعنوي بين باقي الحروف.
طلبة المدارس والأطفال
جاءت مشاركة وزارة التربية الكويتية منسجمة مع فكرة المعرض، فتوالت زيارات طلبة المدارس لها بهدف التعرف على التراث العربي, كالخط العربي، ولاسيما أن هناك كثيرا من الطلبة لديهم موهبة الخط العربي، كما أن حضور طلبة المدارس الملتقى ووجودهم بأعداد كبيرة، وفكرة تخصيص مساحات واسعة للتلاميذ الصغار في الملتقى, تعد مبادرة مميزة من قبل وزارتي الأوقاف والتربية، تصب في مصلحة أبنائنا الطلبة وتزيد من وعيهم الثقافي وتفتح وجدانهم ومداركهم في الفن الإسلامي.
من جانبه، أشاد الأستاذ في جامعة الكويت والباحث والمهتم بالشئون الثقافية الإيرانية سمير أرشدي بالملتقى، موضحا أنه بمنزلة دعوة لكل جيل الشباب تدفعهم إلى تعلم المهارات الفنية التي تبشر بغدٍ مشرق لكل الدول الإسلامية، وأن يستعيد الجيل الصاعد هذا التراث وهذه الحضارة التي تذكرنا بازدهار الحضارة الإسلامية وكيف نمت، وتفوقت من خلال هذه الفنون والتراث والتظاهرة الفنية الجميلة التي تبهر كل ناظر.
معرض سجادة الصلاة
جاء معرض هذا العام وللمرة الأولى بفكرة جديدة, حين تخصص في سجادة الصلاة كأول مبادرة في التاريخ تمكن المشاركين من استلهام الأعمال المستقبلية في الخط العربي، حيث اشتمل على 60 سجادة متنوعة من ناحية المواد والزخارف المستخدمة، كما تضمن المعرض على هامشه ورشات للحرفيين في نسج سجادة الصلاة.
وأقيمت العديد من المحاضرات التي تناولت جوانب عدة في فن الخط العربي ومكانة سجادة الصلاة المعنوية والفنية، إضافة إلى عرض تجارب أبرز الخطاطين في العالم، ومنها تجربة الخط الكوفي للدكتور جمال بوستان من سورية، وترميم كتابات جامعة السليمانية في إسطنبول للدكتور خسرو صوباشي من تركيا، والخط الكوفي التربيعي للدكتور مأمون صقال من الولايات المتحدة، وتجربة الخطاط فؤاد هوندا من اليابان.
من جهته، أبدى رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة الأسبق الشيخ فهد الجابر إعجابه بما شاهده من منتجات متميزة تعبر وتحكي تاريخنا الإسلامي من الناحية الفنية, قائلاً: كانت سعادتي كبيرة وأنا أتجول في المعرض وأرى عن قرب المنتجات المختلفة والمتنوعة لسجادة الصلاة في مختلف الأجنحة، وأستمع لتفاصيل دقيقة من قبل العارضين وإبداعاتهم في حياكتها، مضيفاً أن الأمر ذاته ينطبق على الخط العربي، الذي يعتبر من أهم الفنون الإسلامية وأعلاها شأناً، فقد رأيت فناً راقياً من قبل الخطاطين الذين أبدعوا بكتابة الآيات القرآنية والشعر والحِكم، ورأينا مدارس متنوعة في مختلف الخطوط العربية.
تميز بسجادة الصلاة
من جانبه، أكد رئيس مركز الفنون الإسلامية فريد العلي أن معرض ملتقى الكويت الدولي للفنون الإسلامية تميز هذا العام باختيار سجادة الصلاة الذي يقام للمرة الأولى على مستوى العالم، ما يعطي السبق لدولة الكويت في هذا الجانب.
وقال: «إن محتويات المعرض تعددت وتنوعت واختلفت في الأفكار والمنسوجات، لكنها اتفقت جميعها في سجادة الصلاة، التي استقطبت كثيرا من الزوار الذين قدموا لزيارة المعرض من مختلف الفئات العمرية, ما يكشف نجاح هذا المعرض».
كما شاركت العديد من الدول في الملتقى للمرة الأولى، مثل: اليابان، موريتانيا، نيجيريا، أوزبكستان، قرغيزستان، أذربيجان واليمن، بالإضافة إلى تركمانستان، فأصبح رافدا مهما من روافد الحضارة الإسلامية، ولاسيما أنه من خلال هذا الفن الإسلامي بمختلف تنوعاته واتجاهاته يمكن إيصال رسالة وزارة الأوقاف إلى جميع شعوب العالم بأن الدين الإسلامي هو دين الوسطية والاعتدال، وأن الحضارة الإسلامية لم تنس الجمال، وتعاملت معه كحاجة مهمة في حياة الإنسان، واعتبرت الإبداع جزءًا لا يتجزأ منها، ومن ثم قامت بدعم الفنون الإسلامية الجميلة الراقية بجميع مكوناتها. من جانبه، قال الخطاط عمر الجمني من تونس, إن مشاركته في المعرض جاءت بلوحة واحدة مزج فيها الخط المغربي بالخط الشرقي, لتعبر عن حوار مشرقي مغربي ولاقت استحسان الحضور وإعجابهم. وجاءت الأعمال المعروضة من نخبة من الفنانين لتعبر عن درجة احترافهم ومستواهم الفني من خلال عدد كبير من اللوحات.
دقة وإتقان
إن عمل السجاد يحتاج إلى دقة وإتقان، هذا ما قاله الحرفي في صناعة السجاد اليدوي زكريا محمود أبوسعدة من مصر, لأن الواجب على من يعمل في هذه المهنة تحويل الصورة من على الورق إلى واقع مرسوم على شكل سجادة. وإن العمل يحتاج إلى وقت طويل قد يمتد إلى 6 أشهر كي يتمكن الرسَّام من نسج خيوط لوحته بشكل متميز يبهر المشاهدين.
وأثنى الحضور والعارضون المشاركون على منتجات الدول الثلاث الأكثر إبهارا وهي جمهورية مصر العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية، التي تميزت بالألوان الغنية المستخدمة, وطريقة التصميم والحياكة المحترفة، وهي دول دائمة الاطلاع على كل ما هو جديد في هذا المجال وتسعى إلى تطوير ذاتها وقدراتها في التصاميم والخامات.
طفرة الخط العربي
يشهد الخط العربي منذ عشر سنوات وحتى الآن طفرة جديدة, فهو يعيش في عصره الذهبي من خلال إقامة الملتقيات والمهرجانات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات وورشات العمل الخاصة به في مختلف الدول, مثل الكويت والجزائر والإمارات وبغداد والصين والمملكة العربية السعودية، التي تضم عدداً من الملتقيات المهمة في هذا الصدد.
وأوضح الخطاط والفنان التشكيلي السعودي جمال الكباسي الربيعان أن هناك فائدة كبيرة تعود على الخطاطين من جراء المشاركة في مثل هذه الملتقيات، ولعل أبرزها الالتقاء بالخطاطين والفنانين والتعرف عليهم، وتبادل الأفكار والتباحث معهم والاستماع لنقدهم الفني البناء، ومتابعة ابتكار وإبداع الفنانين عن قرب ومشاهدة أعمالهم على أرض الواقع.
وأبدى الروائي طالب الرفاعي تأييده لأي تظاهرة فنية وثقافية، ولاسيما إذا كانت تظاهرة لفن الخط العربي، مشيرا إلى أن الحروف العربية أخذت تقترب لتعانق الفن التشكيلي، وهذا التداخل بين الخط العربي والفن التشكيلي أضاف بعدا إنسانيا، وجعل الذين لا يتحدثون العربية ولا يعــــرفــــون معناها، يقتربون من الخط العربي ويتقنونه في عصر الفضاء المفتوح والإنترنت، ما سهل من مهمة التواصل والوصول إلى الطرف الآخر.
من جانبه، قال الخطاط جاسر الشمري إن مشاركته في المعرض تتــمثل في الخط التقليدي، من خلال لوحتين، الأولى في الديواني الجلي، والثانية في الثلث الجلي، مضيفا أن الخطاط عموما يستخدم بشكل دائم كل ما هو طبيعي، سواء في القلم للكتابة أو الورق، فكلما كانت الأداة طبيعية كان التنفيذ أجود.
وفي محاضرة على هامش الملتقى تحت عنوان: «تجربتي مع الخط الكوفي»، قال الخطاط السوري جمال بوستان: «لم أكن أعلم أن صفحة من كتاب يمكن أن تغير مسيرتي، فعندما كنت أتصفح أحد أعداد مجلة «فكر وفن» الألمانية، وتحديدا العدد 17 العام 1971، استوقفتني صورة لوحة للخطاط محمد إبراهيم بالخط الكوفي، فقد سكنت اللوحة في ذاكرتي، ومنها بدأت رحلتي مع الخط الكوفي».
مشاركة دار الآثار الإسلامية في الملتقى
وأضافت المرشد المتحفي في دار الآثار الإسلامية فاطمة دشتي أن جميع المقتنيات التي توجد في دار الآثار الإسلامية هي ملك للشيخ ناصر صباح الأحمد وترأسها الشيخة حصة صباح السالم الصباح, ولهذا فإن دار الآثار الإسلامية حريصة على التفاعل مع كل الفعاليات التي تقام في الكويت، وذلك بهدف إثراء هذا الجانب وإبراز محتويات الدار أمام الجمهور.
وأكد وكيل وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الدكتور عادل الفلاح أن مركز الفنون الإسلامية يعد منارة ثقافية ومركزاً عالمياً، ويعزز الخطة الاستراتيجية للوزارة ورؤيتها المتعلقة بالريادة عالمياً في العمل الإسلامي، فضلاً عما أنتجته من فكر إلى غير المسلمين, ومد جسور التواصل مع المؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي.
وهو تأكيد على أن العمل لا يتوقف على الشأن الديني فحسب، وإنما يشمل الشأن الثقافي أيضاً بهدف المحافظة على الموروث الفني الجميل، وتشجيع وتطوير وإبراز المواهب الصغيرة التي توافدت عليه.
وأشادت الرئيس الفخري لجمعية السدو الحرفية الشيخة ألطاف السالم بالعطاء الإنساني والفني الذي كان على درجة عالية من الحرفية والإتقان، حيث الأعمال اليدوية التي تعد تعبيرا إنسانيا وفنا راقيا، مؤكدة أن هذه اللقاءات ترسخ مكانة الكويت كمركز داعم للفنون الإسلامية، وتنميتها من خلال توفير المناخ المناسب لتبادل الخبرات والتعاون بين المؤسسات المتخصصة .