مشاريع تطوير اللغة العربية وعصرنتها

إذا سلمنا جدلا بأن تطوير اللغة العربية مرتبط بتطور الفكر العربي وتحديثه، فلن نفاجأ بمحدودية الحركة باتجاه «عصرنة» هذه اللغة، وإن كان عدد من أصحاب الاختصاص ينفون هذه «التهمة» ويدللون على ردهم بالحراك القائم على الساحة اللغوية في السنوات العشر الأخيرة.
الراصد للنشاطات الخاصة في عالم اللغة العربية لن تخذله الرؤية بتصدر عبارات «الضعف» و«المنافسة» و«المحنة» و«الخطر» التي تهددها من خلال الندوات والمؤتمرات التي عقدت لهذه الغاية، فمشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كان من المشاركين في المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية عام 2013، الذي جرى تحت عنوان «اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها»، ومشروع النهوض باللغة العربية الذي تبنته المنظمة العربية للثقافة والعلوم أطل على الرأي العام تحت الشعار القائل إن اللغة العربية تعاني «ضعفا شديدًا جدًا»، وفعاليات مجمع اللغة العربي الأردني حول سبل النهوض باللغة كان يجتمع في ظل «معركة مريرة من التحديات الخارجية والداخلية»!
وعلى الرغم من تلك الأجواء «السوداوية»، بقي هناك من يعتقد، كحال الدكتور فهد الراشد، مسئول وحدة البحوث والنشر في إدارة الثقافة بمنظمة «ألكسو»، أن اللغة العربية تعيش في أزهى عصورها ليس فقط لجمالها بل لوجود أكثر من مجمع لغوي ومعهد للمخطوطات ومراكز للترجمة والتعريب، إضافة إلى مكتبات وطنية ومركزية، فضلا عن الملتقيات والندوات..! أو كحال رئيس «مجمع الخالدين» في مصر الدكتور حسين الشافعي، الذي نفى ما يقال إن «العربية تتدهور إنما الذي يتدهور هو اللغة على لسان الناشئة»، باعتبار أن الإنسان لا يبدع إلا من خلال لغته، فتغيير اللغة هو عملية «تصفير» للذات أي الانطلاق بها من الصفر، فالسرد في لغة غير أصلية يفكك ذات الكاتب، وفق تعبير الباحث في الدراسات الدينية المقارنة بجامعة تكساس للتكنولوجيا وستيكا براداتان، وهو ما ذهب إليه الكاتب سمير عطاالله بالقول «إن اللغة العربية بحاجة إلى التطوير لا إلى التغيير».
بعد أن اعتمدت «اليونسكو» يوم 18 ديسمبر من كل عام، يوما عالميا للغة العربية، أقرت أن هذه اللغة يتحدث بها اثنان وعشرون عضوًا من الدول الأعضاء في «اليونسكو»، وهي لغة رسمية في المنظمة، وما يزيد على 422 مليون عربي، إضافة إلى أكثر من 1.5 مليار من المسلمين يحتاجون إلى استعمالها.
والمسألة بالطبع ليست فقط أرقامًا، فهناك تاريخ حافل من الثقافة ووعاء متسع من الحضارة دخل هذا الجسم، وبالتالي فهي إحدى اللغات الحية والمتفاعلة مع باقي لغات الشعوب والأجناس والحضارات.
يبقى السؤال عن ماهية مشروعات التطوير، إلى أين وصلت؟ وما الجهات الداعية لها، والمدى الزمني الذي تحتاج إليه، والبيئات التي تتوجه إليها؟ بعيدًا عن موجة التفاؤل المفرطة التي تجتاج عقول بعض المختصين بعلم اللغات، أمثال الباحثة العراقية السيدة خديجة الحمداني، التي رأت أن اللغة العربية «تحمل في بنيتها بذور النماء والتطوير والتجديد، بما فيها من نحت واشتقاق وتصريف، وهي قادرة على استيعاب مستجدات الحياة»! في هذا المشهد سيكون «الإبحار» في مطالعة أهم المشروعات المهتمة بتطوير اللغة العربية، يسير في أمان وسلام، بعيدًا عن المغامرات غير المحسوبة سلفًا، في إطار من القراءات الهادئة للوقوف على حجم ونوعية تلك المشروعات، ومدى اتساقها وتوافقها مع الحاجة للتغيير أو بعكسها.
مجمع الخالدين وتحديث المعجم
وباعتبار أن المعجم أداة من أدوات الثقافة، وكذلك المرآة التي نرى فيها مستوى الارتقاء الثقافي في المجتمع، كما شرحها الدكتور حسين مقتدي في «ملتقى العربية» الذي عقد في إمارة دبي صيف 2013، فقد أنجز مجمع الخالدين بالقاهرة، وهو من أقدم مجامع اللغة العربية في المنطقة، تأسس عام 1932، إصدار «أحسن» المعاجم العربية الحديثة، وهو معجم الوسيط، الذي طبع في أنحاء العالم أكثر من مائتي مرة، وأيضا «الوجيز»، وهو يخدم الطلاب في التعليم الأولي، وهذان مشروعان يقوم المجمع بتحديث لهما وإضافة تعديلات عليهما إلى جانب تعريب علوم التعليم والمعارف، ومنها الطب والهندسة، وهي خطة تأخرت كثيرًا، لأن «كل دول العالم تقريبًا من الأفارقة والآسيويين وليس الأوربيين والغربيين فقط، يدرسون العلوم الطبية والهندسة الفيزيائية بلغاتهم القومية، إلا العالم العربي»! على حد تعبير رئيس مجمع الخالدين في مصر في حديث له نشرته مجلة «آخر ساعة» ( 19/06/2013).
لجنة دولية للمشاريع
وفي ضوء تحديات اللغة العربية، كان أبرز محاور الملتقى الذي عقد في إمارة دبي، صيف 2013، الذي تبنى قيام مشروعين هما: القانون الاسترشادي للغة العربية، وإنشاء مركز عربي للترجمة والتعريب، سبق ذلك توصيات أعلنها المشاركون في مؤتمر «العربية وهوية الأمة» في الأردن في شهر أكتوبر 2012 بإعادة النظر في منهج التربية والتعليم وتقويمها لحظر مزاحمة اللغات الأخرى ووضع بدائل عربية لمواقع التواصل الاجتماعي، والكف عن التهجين اللغوي في الأدب، والاستعانة بالأعم في تعزيز دور اللغة العربية.
تلك الاهتمامات والتوصيات تصب في خانة القضايا ذات الصلة بالتطوير، وإن بقيت في إطار التمنيات غير الملزمة، لكنها تضع الأولويات على رأس الطاولة. الواقع أن كثرة المشاريع المطروحة بتنمية وتعزيز اللغة العربية دفعت بالدكتور فهد الراشد، مسئول وحدة البحوث والنشر في إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلى تشكيل «لجنة استشارية دولية» تتبنى تلك المشاريع، من باب تنظيمها وعرضها ودراستها ثم إجازتها إذا صح التعبير، مركزًا على ضرورة عمل دراسات ميدانية ورصد الظواهر السلبية للمنظومة التعليمية في الوطن العربي. واعتبر أن مركز الملك عبدالله لتعليم اللغة العربية في مدينة الرياض يعد من أقوى مراكز القياس في اللغة على مستوى العالم، وهو ما تحتاج إليه المنطقة العربية ولغتها الأم، وكانت هذه المداخلة أثناء انعقاد المؤتمر العالمي الرابع للغة العربية وآدابها في مقر الجامعة الإسلامية بكوالالمبور بماليزيا في شهر مايو 2003.
مشروع النهوض ودور «ألكسو»
لعل من أهم المشاريع ذات الصلة، هو مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي تقف وراءه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، بعد أن استطاعت أن تستصدر قرارًا من مجلس الجامعة العريبة على مستوى القمة التي عقدت في دمشق عام 2008، والقمة التي عقدت في الدوحة عام 2009، بالموافقة على «وثيقة مشروع النهضة»، التي تعد الركيزة الأساسية في عملية الإصلاح اللغوي، ومن أهم تلك المشاريع مشروع وضع أساسيات تعليم اللغة العربية وطرق تدريسها، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى الضعف العام في واقع استعمالها في مراحل رياض الأطفال والتعليم الأساسي في مدارس وزارة التربية. وأيضا مشروع إنجاز البرامج الخمسة التي يتكون منها مشروع استخدام التقانات الحديثة في تطوير اللغة العربية، وذلك من خلال استخدام مركز عربي متخصص، والتركيز على نشر المصطلح العربي الموحد وجعله متاحًا للجميع على وسائل النشر الإلكتروني. وتوصيات أخرى تمثلت بثماني توصيات، أبرزها دعم مشروع المرصد العربي للمصطلحات بالتنسيق مع مركز تنسيق التعريب في الرباط والمركز العربي للتعريب في دمشق.
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، وضعت «ألكسو» مجموعة من البرامج والآليات لتنفيذ هذا المشروع، بهدف تطوير اللغة العربية وجعلها في عمق المنظومة المعرفية الحديثة لتقوية حضورها في المجتمعات العربية وإعلاء شأنها في العالم، ومن أهمها، إنشاء مؤسسات وطنية متخصصة في تعليم اللغة العربية، وفي هذا الإطار أصدرت المنظمة كتابًا جديدًا يحمل عنوان «دليل مرجعي لإحداث مؤسسات وطنية متخصصة في النهوض باللغة العربية».
مرصد مركز الملك عبدالله
ضمن بوابته الإلكترونية، أطلق مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية «مرصد العربية»، ويعد هذا المرصد من الجوامع المعنية باللغة وشئونها على الإنترنت، ويهتم بالرصد الإلكتروني لأخبار اللغة وتقديمها للمختصين والباحثين، حيث يتم رصد الموضوعات المرتبطة بالعربية آليا من خلال تتبع مواقع الجهات المتصلة بها، كالجامعات والمكتبات والمجامع اللغوية والمؤسسات المعنية ودور النشر والمجلات ووكالات الأنباء والصحف.
طرح المركز من خلال بوابته قسمًا لـ «بنك الأفكار» من أجل جمع المبادرات التي تخدم اللغة وتطويرها، وأطلق برنامج النشر العلمي الذي تضمن تسعة مسارات.
وفي هذا الصدد، يقوم «المرصد» بإعداد معجم متطور وشامل، جمع فيه حتى تاريخه أكثر من 20 مليون كلمة ومصطلح.
مكتبة البابطين.. مركز تعليم اللغة
وفي دولة الكويت، أعلنت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، إنشاء مركز لتعليم اللغة العربية في جامعة «إيكرد» بولاية فلوريدا الأمريكية، يهدف إلى تدريس وتعليم اللغة العربية لفئات متعددة من الأعمار ومراحل مختلفة من طلبة الجامعات الأمريكية، يتوقع أن يتخرج فيها 100 طالب وطالبة سنويًا.
موسوعة عربية على الإنترنت
على صعيد استثمار استخدام الشبكة العنكبوتية، سجل طلال أبوغزالة، صاحب مجموعة طلال أبوغزالة للخدمات التعليمية والمهنية، أول مبادرة بإطلاق موسوعة «تاجيبيديا» الإلكترونية العربية الحرة بمليون صفحة في شهر يوليو 2003، الذي رأى فيها سبيلا لبناء مجتمع عربي للمعرفة، وأنفق عليها خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 10 ملايين دولار لتطويرها،
«عربي 21»
وفي مسار متواز، عملت مؤسسة الفكر العربي ومقرها في بيروت على تبني مشروع «عربي 21»، وهو عبارة عن مبادرة متكاملة لتطوير تعلم اللغة العربية، موجهة إلى القائمين على التدريس، ردًا على التحديات التي تواجهها اللغة لدى الطلاب العرب، بهدف تشكيل إنسان عربي قادر على التفكير بلغته الأم، والتواصل بها ووضع للمشروع خطة عملية للنتائج المتوقعة خلال السنوات العشر المقبلة.
مشروع معجم الدوحة التاريخي
في الدوحة، أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعد اجتماعات استمرت حوالي سنتين، في مايو 2013، عن مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية وإطلاق صفحته الإلكترونية، الذي سيستغرق إعداده نحو خمس عشرة سنة، يؤرخ لألفاظ اللغة العربية على مدى عشرين قرنًا، ويتم على مراحل يجري عرض إنجازاتها كل ثلاث سنوات، ويسعى لبناء عدد من البرامج الحاسوبية الخاصة بالمعالجة الآلية للغة العربية، مثل: الترجمة الآلية، الإملاء الآلي، المدققات النحوية، وغيرها، كما سيوفر عددًا من المعاجم الفرعية، مثل معجم ألفاظ الحضارة، معاجم مصطلحات العلوم، المعجم الشامل للغة العربية المعاصرة، المعاجم اللغوية التعليمية. المشروع النهضوي بحسب الدكتور عزمي بشارة رئيس المركز، مؤسس على اللغة العربية، من أجل تمكين هذه اللغة من التطور على هدى من التاريخ وفهم تاريخ الألفاظ العربية ودلالتها، وقد تكفلت دولة قطر بالتمويل.
جملة مشاريع عربية
من المشاريع الأخرى التي جرى الحديث عنها، يمكن الإشارة إلى مشروع مجمع اللغة العربية ومقره في القاهرة بلسان أمين عام المجمع فاروق شوشة عام 2010، من بينها تحديث المعجم الوسيط بعد أن مر نصف قرن على صدور طبعته الأولى عام 1960، إضافة إلى معجم الشعر العربي، الذي تمت إضافة خمسة ملايين بيت من الشعر إليه، ومن المنتظر أن يتم إنجاز معجم مصور للطفل وطبع معاجم التاريخ والآثار ومصطلحات علم الفيزياء والجغرافيا.
وفي العام 2008، أقامت دولة الكويت بواسطة وزارة التعليم العالي مركزًا لتعليم اللغة العربية للجمهور الفرنسي، وذلك بالتعاون مع جامعة «غرينوبل»، يكون مركز انطلاق متميزًا للغة العربية وللأبحاث حول الكويت ومنطقة الخليج العربي، وبواسطة خبرات معلمي اللغة العريبة الذين يعملون في تلك الجامعة وفي مجال الترجمة والثقافة العربية.
قبل ذلك، وفي العام 2006، اعتمد المجلس التنفيذي لمكتب التربية العربي لدول الخليج العربية تأسيس مركز للغة العربية في إمارة الشارقة، والذي سيعمل على رفع مستوى الأداء اللغوي وتقديم البحوث الهادفة إلى تحسين ودعم اللغة العربية في التعليم، وصولًا إلى مقامها الطليعي في خدمة الحضارة الإنسانية.
أما مشروع «كلمة» للترجمة، فهو مبادرة مستقلة تتبع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، تم إطلاقه عام 2007، بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ونجح في تحقيق جملة من الإنجازات، أبرزها ترجمة ونشر نحو 800 كتاب عن أكثر من 13 لغة، والفوز بجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة عام 2011م، بالإضافة إلى تأسيس جملة من العلاقات الدولية مع أكثر من مائة ناشر عالمي، واتفاقيات تعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات العالمية، وتوفير خيارات حيوية من كتب الأطفال والناشئة (أكثر من 250 عنوانا)، وتنظيم مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
أقيم المؤتمر الأول عام 2011، وتناول القضايا المتعلقة بالترجمة وسبل النهوض بحركة الترجمة في العالم العربي، أما المؤتمر الثاني والذي أقيم عام 2013 تحت شعار «تمكين المترجمين»، فتضمن ورشات عمل لتدريب المترجمين على الترجمة الأدبية من اللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية إلى العربية، وشارك فيها نحو 62 مترجما جاءوا من نحو 21 دولة .