عـطْـــر العَنـبـــر عَـبْــر الـعـصــور

عـطْـــر العَنـبـــر عَـبْــر الـعـصــور

اعتادت‭ ‬معظم‭ ‬شعوب‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬استعمال‭ ‬العطور‭ ‬بأنواعها‭ ‬المختلفة،‭ ‬إما‭ ‬قلائد‭ ‬عطرية‭ ‬للزينة‭ ‬وإما‭ ‬تُستعمل‭ ‬في‭ ‬المراسم‭ ‬الجنائزية‭ ‬وأثناء‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬المعابد،‭ ‬وقيل‭ ‬إن‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬عرفوا‭ ‬العطور‭ ‬وطرق‭ ‬صناعتها‭ ‬وتخزينها‭ ‬في‭ ‬قوارير‭ ‬مُعدة‭ ‬لذلك‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬نظرًا‭ ‬لأهميتها،‭ ‬ووُجدت‭ ‬قطع‭ ‬منها‭ ‬محفورة‭ ‬بقبور‭ ‬المصريين‭ ‬للزينة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬3200ق‭.‬م،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬اليوناني‭ ‬والروماني،‭ ‬حيث‭ ‬وُجدت‭ ‬زجاجات‭ ‬أثرية‭ ‬لحفظ‭ ‬العطور،‭ ‬كما‭ ‬وُجد‭ ‬العنبر‭ ‬البلطيقي‭ ‬في‭ ‬قبور‭ ‬الرومان‭ ‬والفراعنة‭ ‬وعلى‭ ‬الحفريات‭ ‬خلال‭ ‬العصرين‭ ‬البرونزي‭ ‬والحديدي‭.‬

اعتقدوا‭ ‬أنه‭ ‬يزيل‭ ‬الألم‭ ‬والأمراض‭ ‬ويبعد‭ ‬الشر‭ ‬ويمكن‭ ‬استعماله‭ ‬بعد‭ ‬الموت،‭ ‬كما‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أنه‭ ‬يشفي‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬الحنجرة‭ ‬والعين‭ ‬والأذن‭ ‬والمعدة‭ ‬والقلب‭ ‬والقرحة،‭ ‬وصنعوا‭ ‬منه‭ ‬تماثيل‭ ‬ووضعوها‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنها‭ ‬تزيد‭ ‬الخصوبة‭ ‬عند‭ ‬الرجال‭ ‬وتشفي‭ ‬عقم‭ ‬النساء،‭ ‬أما‭ ‬الإسكندنافيون‭ ‬القدماء‭ ‬فقد‭ ‬وضعوه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬فأس‭ ‬في‭ ‬قبورهم‭ ‬مع‭ ‬الأموات‭ ‬لحماية‭ ‬الأرواح‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬إلى‭ ‬الخلود،‭ ‬وفي‭ ‬اللغة‭ ‬اليونانية‭ ‬كانت‭ ‬كلمة‭ ‬العنبر‭ ‬تعني‭ ‬الخلود‭.‬

وفي‭ ‬العصر‭ ‬القبطي،‭ ‬تطورت‭ ‬صناعة‭ ‬العطور‭ ‬بصورة‭ ‬أوسع،‭ ‬وتم‭ ‬استعمال‭ ‬العطور‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض،‭ ‬كذلك‭ ‬عرف‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام‭ ‬كيفية‭ ‬تركيب‭ ‬وخلط‭ ‬العطور،‭ ‬وكانت‭ ‬العطور‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬التجارية‭ ‬المهمة،‭ ‬وامتهن‭ ‬كثيرون‭ ‬مهنة‭ ‬العطارة،‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام،‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬عباده‭ ‬المسلمين‭ ‬بالنظافة‭ ‬والتطهر‭ ‬واستعمال‭ ‬الطيب‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬صلاة،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الطبقات‭ ‬أن‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬يتطيب‭ ‬بالمسك‭ ‬والعنبر‭ ‬وأوصى‭ ‬سائر‭ ‬المسلمين‭ ‬باستعمال‭ ‬العطور‭ ‬للعلاج‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض‭ ‬أيضًا‭. ‬واتباعًا‭ ‬لسنته‭ ‬الكريمة‭ ‬اهتمَّ‭ ‬الصحابة‭ ‬والمسلمون‭ ‬والخلفاء‭ ‬الراشدون‭ ‬بالطيب‭ ‬وحرصوا‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬أجود‭ ‬أنواعه‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أسست‭ ‬الدولة‭ ‬الأموية‭ ‬ثم‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬وتوسعت‭ ‬كلاهما‭ ‬في‭ ‬رقعتها‭ ‬وازدهرت‭ ‬فيها‭ ‬التجارة‭ ‬ورغب‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأمويون‭ ‬والعباسيون‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الترف‭ ‬وشراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غالي‭ ‬الثمن،‭ ‬أصبحت‭ ‬دمشق‭ ‬ثم‭ ‬بغداد‭ ‬أكبر‭ ‬المراكز‭ ‬التجارية‭ ‬ووُجد‭ ‬بهما‭ ‬أجود‭ ‬أصناف‭ ‬العطور‭ ‬والبخور‭. ‬

وتنقسم‭ ‬العطور‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭: ‬نباتية‭ ‬مثل‭ ‬العود‭ ‬والصندل‭ ‬والكافور‭ ‬والزعفران‭ ‬والقرنفل‭ ‬والياسمين،‭ ‬وعطور‭ ‬حيوانية‭ ‬مثل‭ ‬المسك‭ ‬والعنبر،‭ ‬وعطور‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬العطور‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية،‭ ‬ونخص‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬عطر‭ ‬العنبر‭.‬

 

العنبر‭ ‬في‭ ‬القواميس

ذُكر‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬علم‭ ‬المصريات‭ ‬بلفظ‭ ‬Bernstine،‭ ‬وكان‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬النوبة‭ (‬جنوب‭ ‬مصر‭) ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الضرائب‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬سورية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالملك‭ ‬تحتمس‭ ‬الثالث‭ - ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬تحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الموانئ‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتصدره‭ ‬إلى‭ ‬سورية‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬بردية‭ ‬هاريس‭ ‬كوصفة‭ ‬علاجية‭. ‬توجد‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كلمتان‭ ‬لهما‭ ‬لفظ‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬العربية‭ (‬العنبر‭)‬،‭ ‬ولكنهما‭ ‬مختلفتان‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬وهما‭ ‬كلمة‭ ‬Amber‭ ‬وتعني‭ ‬الكهرمان‭ ‬ذ‭ ‬وهي‭ ‬مادة‭ ‬تفرزها‭ ‬أشجار‭ ‬الصنوبر‭ ‬ويتفاوت‭ ‬لونها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬اللونين‭ ‬الأصفر‭ ‬والبني‭ ‬ومنه‭ ‬الأصفر‭ ‬المائل‭ ‬للحمرة،‭ ‬واستخدمت‭ ‬في‭ ‬الحلي‭ ‬ويوجد‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الألماني‭ ‬ببحر‭ ‬البلطيق‭ ‬ذ‭ ‬أما‭ ‬كلمة‭ ‬Ambergis‭ ‬فتعني‭ ‬العنبر،‭ ‬وهو‭ ‬مادة‭ ‬شمعية‭ ‬توجد‭ ‬طافية‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬البحار‭ ‬الاستوائية‭ ‬وتتكون‭ ‬في‭ ‬أمعاء‭ ‬الحيتان‭ ‬التي‭ ‬تقذفها‭ ‬على‭ ‬الشواطئ‭ ‬وتستخدم‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬العطور‭.‬

 

‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬العنبر

اختلفت‭ ‬الآراء‭ ‬والأقاويل‭ ‬والتصورات‭ ‬عن‭ ‬مادة‭ ‬العنبر‭ ‬والتي‭ ‬تشبه‭ ‬الشمع‭ ‬وتفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬زكية‭ ‬عند‭ ‬تسخينها،‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬موج‭ ‬البحر،‭ ‬وتارة‭ ‬يقذفها‭ ‬البحر‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬وتارة‭ ‬بين‭ ‬الصخور،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أجسام‭ ‬بعض‭ ‬الحيتان،‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬الرحالة‭ ‬والعلماء‭ ‬في‭ ‬حيرة؛‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬ليس‭ ‬بركاز‭ (‬الذهب‭ ‬والفضة‭ ‬والنفيس‭ ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬الأرض‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬قذفه‭ ‬البحر‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬مادة‭ ‬تُستخرج‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطيب‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري‭ / ‬التاسع‭ ‬الميلادي،‭ ‬ذكر‭ ‬التاجر‭ ‬أبويزيد‭ ‬حسن‭ ‬السيرافي‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬مادة‭ ‬تستخرج‭ ‬من‭ ‬حوت‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬التال‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مادة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬ابتلعها‭ ‬الحوت‭ ‬فأحدثت‭ ‬له‭ ‬عسر‭ ‬هضم‭ ‬أودت‭ ‬بحياته‭ ‬ثم‭ ‬طفا‭ ‬على‭ ‬الماء،‭ ‬فيصطاده‭ ‬الصيادون‭ ‬ويستخرجونه‭ ‬من‭ ‬جوفه‭. ‬وهنا‭ ‬يرى‭ ‬السيرافي‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬نبات‭ ‬ينمو‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المحيط،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬النويري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬الأرب‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الأدب‮»‬‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬ربما‭ ‬أتت‭ ‬السمكة‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬لها‭ ‬‮«‬البال‮»‬‭ ‬فابتلعت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العنبر‭ ‬الطافي‭ ‬وهو‭ ‬يفور‭ ‬فلا‭ ‬يستقر‭ ‬في‭ ‬جوفها‭ ‬حتى‭ ‬تموت‭ ‬وتطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬ويطرحها‭ ‬البحر‭ ‬على‭ ‬الساحل،‭ ‬فيشق‭ ‬الصياد‭ ‬جوفها‭ ‬ويستخرج‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬العنبر،‭ ‬ويسمى‭ ‬العنبر‭ ‬السمكي‭ ‬أو‭ ‬العنبر‭ ‬المبلوع‮»‬‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يؤيد‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬ينمو‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬كالإسفنج‭ ‬ويلقيه‭ ‬الموج‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬جمعه،‭ ‬وآخر‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬زبد‭ ‬البحر‭ ‬متجمد‭ ‬فيقذفه‭ ‬البحر‭ ‬على‭ ‬الساحل،‭ ‬وعندما‭ ‬يراه‭ ‬طائر‭ ‬أسود‭ ‬شبيه‭ ‬بالخُطاف‭ ‬يلتقطه‭ ‬بمخالبه‭ ‬ومنقاره‭ ‬فيموت‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬ويتبقى‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬منقاره‭ ‬وكان‭ ‬يسمى‭ ‬العنبر‭ ‬المناقيري،‭ ‬وثمة‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬مادة‭ ‬شمعية‭ ‬تتكون‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الحوت‭ ‬نفسه‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬فضلاته،‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬أحد‭ ‬الرحالة‭ ‬المحدثين‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬إفراز‭ ‬مرضي‭ ‬من‭ ‬أمعاء‭ ‬حوت‭ ‬‮«‬البال‮»‬‭ ‬ويوجد‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬المعدة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬المرارية‭ ‬وهو‭ ‬شبيه‭ ‬في‭ ‬طبيعته‭ ‬بحصى‭ ‬كيس‭ ‬الصفراء،‭ ‬وما‭ ‬يوجد‭ ‬منه‭ ‬طافيًا‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قذفه‭ ‬الحوت‭ ‬حيًا‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تخلى‭ ‬عنه‭ ‬ميتًا‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الطب‭ ‬النبوي‮»‬،‭ ‬فيضعنا‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬نبات‭ ‬ينمو‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬فيبتلعه‭ ‬بعض‭ ‬دوابه‭ ‬فإذا‭ ‬ثملت‭ ‬منه‭ ‬قذفته‭ ‬رجيعًا‭ ‬فيقذفه‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬سواحله،‭ ‬وقيل‭ ‬إنه‭ ‬طل‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬البحر‭ ‬فتلقيه‭ ‬الأمواج‭ ‬إلى‭ ‬الساحل،‭ ‬وقيل‭ ‬أيضًا‭ ‬روث‭ ‬دابة‭ ‬بحرية‭ ‬تشبه‭ ‬البقرة‭. ‬وقال‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬إنه‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬في‭ ‬البحر‭. ‬ونهاية‭ ‬القول‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬قد‭ ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬مادة‭ ‬شمعية‭ ‬تُستخرج‭ ‬من‭ ‬أمعاء‭ ‬حوت‭ ‬العنبر‭ ‬ولها‭ ‬رائحة‭ ‬زكية‭ ‬عندما‭ ‬تُوضع‭ ‬على‭ ‬النار‭. ‬

 

استخراج‭ ‬العنبر

ويقودنا‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬استخراج‭ ‬العنبر؛‭ ‬حيث‭ ‬يذكر‭ ‬بعض‭ ‬الرحالة‭ ‬قائمة‭ ‬طويلة‭ ‬بأسماء‭ ‬البلاد‭ ‬والجزر‭ ‬التي‭ ‬يُجمع‭ ‬فيها‭ ‬العنبر‭ ‬ومعظمها‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬والذي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬الهند‭ ‬ويمتد‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقي‭ ‬لإفريقيا،‭ ‬وكانت‭ ‬أغنى‭ ‬المناطق‭ ‬بالعنبر‭ ‬هي‭ ‬منطقة‭ ‬صحار‭ ‬والشحر‭ (‬تقع‭ ‬بين‭ ‬اليمن‭ ‬وعمان‭) ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الجنوبي‭ ‬للجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليه‭ ‬العنبر‭ ‬الشحري‭ ‬ويُعد‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬العنبر،‭ ‬ومن‭ ‬أوصافه‭ ‬الخفة‭ ‬والبياض‭ ‬والدهنية‭ ‬ويميل‭ ‬لونه‭ ‬إلى‭ ‬الخضرة‭ ‬والصفرة‭ ‬قليلا،‭ ‬ويأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬العنبر‭ ‬المُستخرج‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬البربر‭ ‬والزنج‭ ‬والزيلع،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬الرَّحالة‭ ‬ماركو‭ ‬بولو‭ ‬عام‭ ‬670هـ‭/‬1271م‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬يُجمع‭ ‬فيها‭ ‬العنبر،‭ ‬ومنها‭ ‬مدغشقر‭ ‬وزنجبار‭ ‬وجزيرة‭ ‬سقطري‭ ‬جنوب‭ ‬اليمن،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬مقديشيو‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الصومال،‭ ‬ثم‭ ‬جزر‭ ‬موريا‭ ‬والملديف‭ ‬وجزر‭ ‬نيكوريا‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬الشرقي‭ ‬للهند،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العنبر‭ ‬الشلاهطي‭ ‬الأزرق‭ ‬الدسم‭ ‬كثير‭ ‬الدهن،‭ ‬ثم‭ ‬العنبر‭ ‬القاقلي‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬قاقلة‭ (‬كلكتا‭) ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الهند‭ ‬ولونه‭ ‬أشهب‭ ‬جيد‭ ‬الرائحة‭ ‬حسن‭ ‬المنظر،‭ ‬خفيف،‭ ‬وفيه‭ ‬يبس‭ ‬يسير،‭ ‬وكان‭ ‬يسمى‭ ‬الكرك‭ ‬بالوس‭ ‬وينسب‭ ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬يأتون‭ ‬به‭ ‬قُربَ‭ ‬عُمان‭ ‬فيشتريه‭ ‬أصحاب‭ ‬المراكب،‭ ‬وكذلك‭ ‬العنبر‭ ‬المغربي،‭ ‬وهو‭ ‬دون‭ ‬العنبر‭ ‬الشحري‭ ‬في‭ ‬الجودة‭ ‬ولكنه‭ ‬شبيه‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬لونه،‭ ‬ويُؤتى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬الأندلس‭ ‬فيحمله‭ ‬التجار‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وهناك‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬سيلان‭ ‬معروف‭ ‬باسم‭ ‬فيرزن‭ ‬Verzin‭ ‬ويعُرف‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬عنبر‭ ‬سيلان‮»‬،‭ ‬ونشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يعيش‭ ‬حوت‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يشاهده‭ ‬الصيادون،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يكثُر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬جمع‭ ‬العنبر‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬البرتغال‭ ‬وإسبانيا‭,‬‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬جودة‭ ‬من‭ ‬العنبر‭ ‬الشرقي‭. ‬وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬أهم‭ ‬مناطق‭ ‬إنتاجه‭ ‬هي‭ ‬بحر‭ ‬عُمان‭ ‬وسواحل‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬والسواحل‭ ‬الشرقية‭ ‬لإفريقيا‭ ‬وسواحل‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭.‬

ولكن‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬تجميع‭ ‬العنبر؟‭ ‬ذكر‭ ‬لنا‭ ‬التاجر‭ ‬السيرافي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الصين‭ ‬والهند‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بعض‭ ‬الرجال‭ ‬بركوب‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬القمرية‭ ‬ويسيرون‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬معروفة،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬العنبر،‭ ‬وعندما‭ ‬يراه‭ ‬الجمل‭ ‬يبرك‭ ‬بصاحبه‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬فيأخذه،‭ ‬وهم‭ ‬بذلك‭ ‬ينتظرون‭ ‬حتى‭ ‬يقذفه‭ ‬البحر‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬أما‭ ‬الطريقة‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬ذكرها‭ ‬الرحالة‭ ‬ماركو‭ ‬بولو‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬لمدينة‭ ‬سقطري،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬أدوات‭ ‬معينة‭ ‬لصيد‭ ‬حوت‭ ‬العنبر‭ ‬ثم‭ ‬يستخرجونه‭ ‬من‭ ‬معدته؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بعض‭ ‬الصيادين‭ ‬بركوب‭ ‬القوارب‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬السنة؛‭ ‬حيث‭ ‬توجد‭ ‬حيتان‭ ‬العنبر‭ ‬بكثرة‭ ‬ويستخدمون‭ ‬حربونة‭ ‬حديدية‭ ‬شائكة‭ ‬يرشقونها‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الحوت‭ ‬رشقا‭ ‬قويا‭ ‬ثابتا‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬نزعها،‭ ‬ويثبت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحربونة‭ ‬حبل‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬آخره‭ ‬شمندورة‭ (‬جسم‭ ‬معدني‭ ‬طافٍ‭ ‬على‭ ‬الماء‭) ‬بقصد‭ ‬معرفة‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬سيموت‭ ‬فيه‭ ‬الحوت‭ ‬بعد‭ ‬طعنه،‭ ‬وعندئذ‭ ‬يسحبونه‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬ويشرعون‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬العنبر‭ ‬من‭ ‬بطنه‭ ‬بينما‭ ‬يحصلون‭ ‬من‭ ‬رأسه‭ ‬على‭ ‬زيت‭ ‬العنبر‭. ‬

 

أسواق‭ ‬العنبر

ثم‭ ‬يتم‭ ‬بيع‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬مشهورة‭ ‬ومحددة؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬العنبر‭ ‬يوزع‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬مكة‭ ‬مع‭ ‬سلع‭ ‬وبضائع‭ ‬كثيرة‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الهند‭ ‬مثل‭ ‬الكافور‭ ‬والمسك‭ ‬والعقاقير‭ ‬الهندية،‭ ‬ومن‭ ‬أسواق‭ ‬العرب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مشهورة‭ ‬ببيع‭ ‬الطيب‭ ‬وتصديره؛‭ ‬سوق‭ ‬عُكاظ‭ ‬وسوق‭ ‬الشحر‭ ‬وسوق‭ ‬عُمان،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لأهمية‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الإسلامي‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬سوق‭ ‬العنبريين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفاطمية‭ ‬سجنًا‭ ‬لأرباب‭ ‬الجرائم‭ ‬وكان‭ ‬شنيع‭ ‬المنظر‭ ‬ورائحته‭ ‬كريهة،‭ ‬وعندما‭ ‬تولى‭ ‬السلطان‭ ‬المملوكي‭ ‬المنصور‭ ‬قلاوون‭ ‬حكم‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬678هـ‭/‬1279م‭ ‬قام‭ ‬بهدم‭ ‬حبس‭ ‬المعونة‭ ‬وبنى‭ ‬سوقًا‭ ‬ليسكنه‭ ‬تجَّار‭ ‬العنبر،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬للعنبر‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬المقريزي‭ ‬‮«‬وللناس‭ ‬فيه‭ ‬رغبة‭ ‬زائدة‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يوجد‭ ‬بأرض‭ ‬مصر‭ ‬امرأة‭ ‬وإن‭ ‬سفلت‭ ‬إلاّ‭ ‬ولها‭ ‬قلادة‭ ‬من‭ ‬عنبر‭ ‬وكان‭ ‬يُتَّخذ‭ ‬منه‭ ‬المخادّ‭ ‬والكلل‭ ‬والستور‭ ‬وغيرها‭ ‬وتجار‭ ‬العنبر‭ ‬يعدّون‭ ‬من‭ ‬بياض‭ ‬الناس،‭ ‬ولهم‭ ‬أموال‭ ‬جزيلة‭ ‬وفيه‭ ‬رؤساء‭ ‬وأجلاّء‮»‬‭. ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬770هـ‭/ ‬1330م‭ ‬كثُر‭ ‬فيه‭ ‬الغش‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬اسمًا‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ ‬وقلّت‭ ‬رغبة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬استعماله‭ ‬فتلاشى‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬العنبر‭ ‬يُباع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬إما‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قطع‭ ‬خام‭ ‬أو‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭ ‬مثقوبة‭ ‬ومتراصة‭ ‬معًا‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬سبحة‭. ‬ومن‭ ‬ضروب‭ ‬وألوان‭ ‬العنبر‭ ‬كما‭ ‬ذكرها‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬الجوزية؛‭ ‬منه‭ ‬الأبيض‭ ‬والأشهب‭ ‬والأحمر‭ ‬والأصفر‭ ‬والأخضر‭ ‬والأزرق‭ ‬والأسود،‭ ‬وأجوده‭ ‬الأشهب‭ ‬والأزرق‭ ‬ثم‭ ‬الأصفر‭ ‬وأردأه‭ ‬الأسود‭. ‬

 

اقتناء‭ ‬العنبر‭ ‬وتقديمه‭ ‬هدايا‭ ‬

حرص‭ ‬المسلمون‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬العنبر‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬والتزين‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناسبات؛‭ ‬فعندما‭ ‬عقد‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المأمون‭ ‬قرانه‭ ‬على‭ ‬بوران‭ ‬بنت‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬سهل،‭ ‬بذل‭ ‬أبوها‭ ‬لحاشية‭ ‬المأمون‭ ‬حين‭ ‬وافاه‭ ‬في‭ ‬خطبتها‭ ‬إلى‭ ‬داره‭ ‬أملاكًا‭ ‬وأنفق‭ ‬في‭ ‬عرسها‭ ‬العجب،‭ ‬أما‭ ‬المأمون‭ ‬فأعطاها‭ ‬في‭ ‬مهرها‭ ‬ليلة‭ ‬زفافها‭ ‬ألف‭ ‬حصاة‭ ‬من‭ ‬الياقوت‭ ‬وأوقد‭ ‬شموع‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬مائة‭ ‬منه‭ ‬وهو‭ ‬رطل‭ ‬وثلثان‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬المنتظم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬الجوزي،‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المقتدر‭ ‬بالله‭ ‬كان‭ ‬مسرفًا،‭ ‬فقد‭ ‬أضاع‭ ‬ما‭ ‬ادّخره‭ ‬أسلافه‭ ‬الخلفاء‭ ‬من‭ ‬الجواهر‭ ‬والنفائس،‭ ‬ثم‭ ‬ذكر‭ ‬أنواع‭ ‬النفائس‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أضاعها،‭ ‬فوجدنا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النفائس‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬قيمتها‭ ‬من‭ ‬الجواهر‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الغالية‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬أشهر‭ ‬أنواع‭ ‬الطيب‭ ‬المستخلص‭ ‬من‭ ‬العنبر‭. ‬

ويروي‭ ‬ابن‭ ‬الجوزي‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المعتضد‭ ‬استدعى‭ ‬خازن‭ ‬الطيب‭ ‬والعطور‭ ‬وسأله‭: ‬‮«‬كم‭ ‬عندك‭ ‬من‭ ‬الغالية؟‭ ‬فقال‭: ‬نيف‭ ‬وستون‭ ‬حبا‭ ‬صينيا‭ ‬مما‭ ‬عمله‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الخلفاء،‭ ‬فقاله‭ ‬له‭: ‬فأيها‭ ‬أطيب؟‭ ‬فقال‭ ‬الخازن‭: ‬ما‭ ‬عمله‭ ‬الخليفة‭ ‬الواثق،‭ ‬فأمره‭ ‬المعتضد‭ ‬بإحضارها،‭ ‬فأحضر‭ ‬الخازن‭ ‬جملة‭ ‬عظيمة‭ ‬يحملها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الخدم،‭ ‬وفتحوها‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬فوجد‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الغالية‭ ‬وقد‭ ‬ابيضت‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬المدة‭ ‬وجمدت‭ ‬من‭ ‬التعتيق،‭ ‬فأعجبت‭ ‬المعتضد‭ ‬وأخذ‭ ‬منها‭ ‬شيئا‭ ‬بأصابعه‭ ‬ومسح‭ ‬بها‭ ‬لحيته‭ ‬واكتفى‭ ‬بذلك‭ ‬وقال‭ ‬للخازن‭: ‬ما‭ ‬تسمح‭ ‬نفسي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وأمر‭ ‬بإرجاعه‭ ‬إلى‭ ‬خزائنه‭ ‬حرصا‭ ‬عليه‮»‬‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬جليًا‭ ‬مدى‭ ‬حرص‭ ‬الخلفاء‭ ‬العباسيين‭ ‬على‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الغالية،‭ ‬أو‭ ‬عطر‭ ‬العنبر،‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬معتقًا‭ ‬كي‭ ‬يزداد‭ ‬تركز‭ ‬الرائحة‭ ‬الطيبة‭ ‬فيه‭ ‬وتزداد‭ ‬قيمته،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الغالية‭ ‬مقرونة‭ ‬بالجواهر‭ ‬ونفائس‭ ‬الكنوز‭ ‬ويُحتفظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الخزائن،‭ ‬كما‭ ‬وُجد‭ ‬لعبدة‭ ‬بنت‭ ‬المعز‭ ‬الفاطمي‭ ‬عندما‭ ‬توفيت‭ ‬عام‭ ‬442هـ‭/ ‬1050م‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحصى‏‏؛‭ ‬منه‭ ‬ستة‭ ‬وثلاثون‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬وأُخرج‭ ‬من‭ ‬تماثيل‭ ‬العنبر‭:‬‭ ‬اثنان‭ ‬وعشرون‭ ‬ألف‭ ‬قطعة‭ ‬أقل‭ ‬تمثال‭ ‬منها‭ ‬وزنه‭ ‬اثنا‭ ‬عشر‭ ‬منًا‭ ‬وأكبره‭ ‬يجاوز‭ ‬ذلك،‭ ‬وكان‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمي‭ ‬خزائن‭ ‬الجوهر‭ ‬والطيب‭ ‬التي‭ ‬وُجد‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬أزيار‭ ‬صيني‭ ‬كبار‭ ‬مختلفة‭ ‬الألوان‭ ‬مملوءة‏‏‭ ‬كافورًا‭ ‬قيصوريًا‭ ‬وعدة‭ ‬من‭ ‬جماجم‭ ‬العنبر‭ ‬الشحري‭ ‬ونوافج‭ ‬المسك‭ ‬التبتي‭ ‬وقواريره‭ ‬وشجر‭ ‬العود‭ ‬وقطعه‭.‬

‭ ‬وعندما‭ ‬قضى‭ ‬الأفضل‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬الجمالي‭ ‬القائد‭ ‬الفاطمي‭ ‬نحبه‭ ‬عام‭ ‬514هـ‭/‬1121م‭ ‬احتاط‭ ‬الخليفة‭ ‬الآمر‭ ‬بأحكام‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬داره‭ ‬فوجد‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬العين‭ ‬وأنواع‭ ‬الطيوب‭ ‬والعنبر‭ ‬والمسك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحصـى‏‏؛‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬ذخائره‭ ‬دكة‭ ‬عاج‭ ‬وأبنوس‭ ‬محلاة‭ ‬بالفضة‭ ‬عليها‭ ‬عرم‭ ‬متمن‭ ‬من‭ ‬العنبر‭ ‬زنته‭ ‬ألف‭ ‬رطل‭,‬‭ ‬وعلى‭ ‬العرم‭ ‬مثل‭ ‬طائـر‭ ‬مـن‭ ‬الذهـب‭ ‬برجليـن‭ ‬مرجان‭ ‬ومنقـار‭ ‬زمرد‭ ‬وعينـين‭ ‬ياقوتتين‭ ‬كان‭ ‬ينصبها‭ ‬في‭ ‬بيته‭.‬

كان‭ ‬العنبر‭ ‬من‭ ‬الهدايا‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬يتبادلها‭ ‬الملوك‭ ‬والخلفاء‭ ‬والسلاطين‭ ‬والأمراء‭ ‬وكبار‭ ‬رجال‭ ‬الدولة‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬احترامهم‭ ‬وتقديرهم؛‭ ‬فعندما‭ ‬استقل‭ ‬ابن‭ ‬ذي‭ ‬يزن‭ ‬باليمن‭ ‬وفدت‭ ‬العرب‭ ‬عليه‭ ‬تهنئه‭ ‬بالملك،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬وفد‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مشايخ‭ ‬قريش‭ ‬عبدالمطلب‭ ‬وكان‭ ‬رئيس‭ ‬الوفد،‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬ملك‭ ‬اليمن‭ ‬هدايا‭ ‬للوفد‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬من‭ ‬الإبل‭ ‬وعشرة‭ ‬عبيد‭ ‬وعشر‭ ‬وصائف‭ ‬وعشرة‭ ‬أرطال‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬والذهب‭ ‬وكرش‭ ‬مليء‭ ‬بالعنبر‭ ‬وأضعاف‭ ‬ذلك‭ ‬بعشرة‭ ‬أمثاله‭ ‬لعبدالمطلب‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬292هـ‭/‬904م‭ ‬وافت‭ ‬هدية‭ ‬إسماعيل‭ ‬بن‭ ‬أحمد،‭ ‬أمير‭ ‬خراسان‭ ‬إلى‭ ‬بغداد،‭ ‬وكان‭ ‬فيها‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬جمل‭ ‬عليها‭ ‬صناديق‭ ‬فيها‭ ‬المسك‭ ‬والعنبر‭ ‬والثياب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬لون‭ ‬ومائة‭ ‬غلام‭ ‬وأشياء‭ ‬كثيرة‭.‬

 

فوائد‭ ‬العنبر‭ ‬واستخداماته

تناولت‭ ‬كتب‭ ‬الرحالة‭ ‬المسلمين‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬فوائد‭ ‬العنبر‭ ‬واستخدامه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬الأطباء‭ ‬والصيادلة‭ ‬المسلمون‭ ‬ذلك؛‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬الزهراوي‭ ‬وابن‭ ‬القيم‭ ‬فوائد‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الاستعمال‭ ‬شائعًا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأزمان‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الغرب؛‭ ‬حيث‭ ‬ذكروا‭ ‬أن‭ ‬العنبر‭ ‬مفيد‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬الانتفاخات‭ ‬وآلام‭ ‬المعدة‭ ‬والشقيقة‭ ‬إذا‭ ‬تبخر‭ ‬به‭ ‬الإنسان،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬دهن‭ ‬جسمه‭ ‬به‭ ‬فإنه‭ ‬يقوي‭ ‬الأعضاء،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬مقوٍ‭ ‬للدماغ‭ ‬والحواس‭ ‬وعلاج‭,‬‭ ‬ونافع‭ ‬للشيوخ‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الزكام‭ ‬ومقوٍ‭ ‬للقلب‭ ‬ونافع‭ ‬في‭ ‬الفالج،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬تذكرة‭ ‬داود‭ ‬الأنطاكي‭ ‬‮«‬كذلك‭ ‬يستعمل‭ ‬العنبر‭ ‬داخليًا‭ ‬لفتح‭ ‬الشهية‭ ‬وزيادة‭ ‬الوزن‭ ‬والقدرة‭ ‬الجنسية،‭ ‬ويخفف‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬التهاب‭ ‬المفاصل،‭ ‬كما‭ ‬يستخدم‭ ‬كمسهل‭ ‬وطارد‭ ‬للغازات‭ ‬المعوية‭ ‬داخليًا،‭ ‬وطلاء‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وترياقًا‭ ‬لعدة‭ ‬سموم،‭ ‬وهو‭ ‬جيد‭ ‬للمعدة‭ ‬والأمعاء‭ ‬والكبد‭ ‬والمثانة،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬سهولة‭ ‬التنفس‭ ‬وضربات‭ ‬القلب‭ ‬ويستعمل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الشم‭ ‬للفالج‭ ‬واللقوة‭ ‬والكزاز،‭ ‬ويستنشق‭ ‬دخانه‭ ‬لنزلات‭ ‬البرد،‭ ‬وكمقوٍ‭ ‬للدماغ،‭ ‬وكدهان‭ ‬على‭ ‬فقرات‭ ‬الظهر‭ ‬لأوجاع‭ ‬العصب‭ ‬والخدر،‭ ‬وداخليًا‭ ‬لعلاج‭ ‬الشلل‭ ‬النصفي‭ ‬وشلل‭ ‬الوجه‭ ‬ومرض‭ ‬الرقاص‭ ‬والتيتانوس،‭ ‬والصداع‭ ‬النصفي،‭ ‬وآلام‭ ‬الصدر‭ ‬والسعال‭ ‬والربو،‭ ‬ويضاف‭ ‬إليه‭ ‬السمن‭ ‬والعسل‭ ‬لعلاج‭ ‬لدغات‭ ‬الثعابين‭ ‬والعقارب،‭ ‬وهو‭ ‬يستخدم‭ ‬كمادة‭ ‬منشطة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬يدخل‭ ‬العنبر‭ ‬الخام‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬وخلط‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العطور،‭ ‬وخاصة‭ ‬الغوالي‭ ‬والند‭ ‬والبخور،‭ ‬والغوالي‭ ‬مفردها‭ ‬غالية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يخلط‭ ‬العنبر‭ ‬بالمسك‭ ‬ودهن‭ ‬البان‭ ‬ليصبح‭ ‬عطرًا‭ ‬زكيًا،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أسماه‭ ‬بذلك‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬عليه‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬وتفوح‭ ‬منه‭ ‬رائحة‭ ‬الطيب،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أطيبك‭ ‬يا‭ ‬عبدالله،‭ ‬فقال‭: ‬مسك‭ ‬وعنبر‭ ‬جمع‭ ‬بينهما‭ ‬دهن‭ ‬البان،‭ ‬فقال‭ ‬معاوية‭: ‬غالية،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬سميت‭ ‬هذه‭ ‬التركيبة‭ ‬بذلك‭ ‬الاسم،‭ ‬ثم‭ ‬أطلقت‭ ‬كلمة‭ ‬الغوالي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تركيبة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬العطور،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬أفضل‭ ‬وأغلى‭ ‬العطور‭ ‬المركبة‭ ‬هي‭ ‬المسك‭ ‬والعنبر‭ ‬والعود‭ ‬والبان‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬القيمة‭ ‬عن‭ ‬صناعة‭ ‬الغوالي‭ ‬وأهم‭ ‬الآلات‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬صنعها‭ ‬والوقت‭ ‬المناسب‭ ‬الذي‭ ‬يصلح‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬فيه؛‭ ‬فيذكر‭ ‬الزهراوي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أصلح‭ ‬الأوقات‭ ‬لصناعة‭ ‬الغوالي‭ ‬وجميع‭ ‬الطيوب‭ ‬وَجْه‭ ‬السَحَر‭ ‬قبل‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس‭ ‬بسبب‭ ‬اعتدال‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬ويُستحسن‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الهواء‭ ‬ساكنًا،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الربيع‭ ‬كان‭ ‬أفضل‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬الآلات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬صنـع‭ ‬الغوالي،‭ ‬فتتكون‭ ‬من‭ ‬هاون‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬الخالص،‭ ‬أو‭ ‬صلاية‭ ‬زجاج،‭ ‬يذاب‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬محادز‭ ‬من‭ ‬حجر‭ ‬يُؤتى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬أو‭ ‬مدهن‭ ‬حجر‭ ‬أسود‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬العدوة‭. ‬أما‭ ‬كيفية‭ ‬عملها‭ ‬ومقاديرها؛‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬‮«‬أوقية‭ ‬مسك،‭ ‬يسحق‭ ‬المسك‭ ‬برفق‭ ‬لكيلا‭ ‬يحترق‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬السحق،‭ ‬ثم‭ ‬يُنْخل‭ ‬بمنخل‭ ‬شَعر،‭ ‬ثم‭ ‬يؤخذ‭ ‬نصفُ‭ ‬أوقيةٍ‭ ‬من‭ ‬العنبر‭ ‬فيذاب‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬هادئة،‭ ‬فإذا‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الذوبان‭ ‬قُطـر‭ ‬عليه‭ ‬قليلٌ‭ ‬من‭ ‬دهن‭ ‬البانِ‭ ‬الطيب،‭ ‬ثم‭ ‬يُنزل‭ ‬عن‭ ‬النار‭ ‬ويُصَفّى‭ ‬بحريرة،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يوضع‭ ‬المسك‭ ‬في‭ ‬الصَّلاية‭ ‬مع‭ ‬العنبر‭ - ‬ولابد‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬العنبر‭ ‬حارًا‭ ‬لأن‭ ‬حرارته‭ ‬تفسد‭ ‬المسك‭ - ‬فُيسحقان‭ ‬برفقٍ‭ ‬حتى‭ ‬يمتزجان،‭ ‬ويُجْرَد‭ ‬المسحوق‭ ‬بصفيحة‭ ‬ذهبٍ‭ ‬ثم‭ ‬ترفقُ‭ ‬الغالية‭ ‬بالبان‭ ‬حسب‭ ‬الطلب‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الشرقيون‭ ‬يصنعون‭ ‬من‭ ‬العنبر‭ ‬القلائد‭ ‬والطسوت‭ ‬والتماثيل‭ ‬الصغيرة،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأوربي‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬العنبر‭ ‬في‭ ‬عادات‭ ‬الشخصيات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬فكانوا‭ ‬يحفظونه‭ ‬في‭ ‬أوعية‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬كرات‭ ‬ذهبية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أكياس‭ ‬أو‭ ‬عُلب،‭ ‬كما‭ ‬صنعوا‭ ‬منه‭ ‬الصُلبان‭ ‬والسبح‭ ‬والأزار‭ ‬والتحف‭ ‬غريبة‭ ‬الشكل‭ ‬وصورا‭ ‬من‭ ‬نقش‭ ‬بارز‭ ‬وتماثيل‭ ‬صغيرة‭,‬‭ ‬وكان‭ ‬يُرصع‭ ‬به‭ ‬الأشغال‭ ‬الخشبية‭. ‬

ونظرًا‭ ‬لاهتمام‭ ‬الخلفاء‭ ‬والسلاطين‭ ‬بعطر‭ ‬العنبر‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬اقتنائه‭ ‬وتخزينه،‭ ‬كان‭ ‬المحتسب‭ ‬يراقب‭ ‬العطارين‭ ‬بشدة‭ ‬وصرامة‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬لأحد‭ ‬بمزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬العطارة‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬له‭ ‬خبرة‭ ‬بها‭ ‬ويكون‭ ‬شخصا‭ ‬ذا‭ ‬ثقة‭ ‬وأمانة‭ ‬‭.