البطــــالـمــــة

البطــــالـمــــة

البطالمة أسرة مقدونية أسسها بطليموس (ت. 283 ق. م.) الذي كان قائدا من قواد الإسكندر الأكبر. وقد حكم بطليموس مصر، وجعل الإسكندرية عاصمة دولته. استمرت هذه الأسرة في حكم مصر والمناطق التابعة لها حكما فرديا حتى عام 30 ق. م. عندما أطاح بحكمهم الرومان. كان بطليموس شغوفا بالعلم والمعرفة، وازداد بهما شغفا لما رأى حضارة الفراعنة وإنجازاتهم الهندسية وعمق معرفتهم الكيميائية والفلكية. كما تأثر أيضا بعبادة الفراعنة وفلسفتهم الدينية، وأصّل مُلْكا دام 250 عاما تقريبا على التقاليد والطقوس نفسها.

اتخذ البطالمة من اسم بطليموس لقبا لملوكهم، تيمنًا بالمؤسس الأول، حيث استمر هذا الاسم حتى نهاية دولتهم بمقتل بطليموس الخامس عشر، الابن غير الشرعي لكليوباترا من قيصر روما. إلى جانب الانبهار بالحضارة، تأثر البطالمة بالفراعنة تأثرا كبيرا جدا في طريقة المأكل والملبس وأسلوب المعيشة. 
وعندما اعتلى بطليموس الثاني عرش المُلْك، مد حدود دولته، وشجع العلم ببنائه مكتبة الإسكندرية، ودعم أسطوله البحري لحماية دولته من ناحية، وتنمية التجارة من ناحية أخرى، فبنى منارة الإسكندرية التي صارت من عجائب الدنيا السبع، تلك التي كان بناؤها من الضخامة بمكان حتى بلغ طولها 120 مترا تقريبا (أو على قول المسعودي 230 ذراعا). ومثلما تكرر اسم بطليموس كملك للدولة، تكرر اسم آخر بعد تسلُّم بطليموس الخامس حكم مصر، حين تزوج من ابنة الملك أنطيوخيوس الثالث الأميرة «كليوباترا». لم تكن كليوباترا الشهيرة تاريخيا إلا كليوباترا السابعة في حكم مصر كملكة، فكانت أعظم ملكات مصر البطلمية. ولدت في الإسكندرية عام 69 ق. م.، وشاءت الأقدار أن تشهد أعظم أحداث انهيار دولتها. اعتلت كليوباترا عرش المُلْك في الثامنة عشرة من عمرها، مشاركة بالحكم مع أخيها القاصر بطليموس الثالث عشر، الذي كان عمره عشر سنوات. وكميراث فرعوني، فقد كانت الأعراف الملكية البطلمية تقتضي أن تعلن شراكة الحُكم بالاقتران، زواج الملك من الملكة. وأغلب الظن أنّ مثل تلك الزيجات المتكررة بين الأشقاء في السلالة البطلمية، لم تكن إلا زيجات صورية كان الهدف منها احتكار السلطة. 
وفي عام 47 ق. م. استطاع الرومان احتلال مصر، وقتل بطليموس الثالث عشر، ومد النفوذ الروماني إلى أبعد من الإسكندرية جنوبا. وبقيت كليوباترا مع أخيها بطليموس الرابع عشر مطاردين، إلا أنها استطاعت بفطنتها أن تصل إلى قيصر وتستميل عواطفه، فقد دخلت مجلسه ملفوفة بسجادة كهدية من المصريين، ولما فُرشت السجادة ظهرت كليوباترا بأجمل صورة وأزهى لباس لها. لقد كانت ثقافتها تؤهلها للحديث باللغة اللاتينية، لغة روما، وبحديثها استولت على لبّ قيصر وقلبه. لم يكن جمال كليوباترا أو لباسها مفتاح عشق قيصر لها، بل كان صوتها وحديثها نغما أسر جنان قيصر وسر انجذابه. وتوطدت العلاقة بين الاثنين، وخاصة بعد خروجهما في رحلة على ظهر سفينة ملكية تشق نيل مصر جنوبا إلى الكرنك. بعدها حملت بمولودها من قيصر، بطليموس قيصر (بطليموس الخامس عشر) الذي أسرّ شعب الإسكندرية غمزاته فيه، فأطلقوا عليه لقب «قيصرون». كانت طموحات كليوباترا أن تكون زوجة قيصر الرسمية، فنراها سجلت هذه العلاقة كزواج رسمي على جدار أحد معابد آمون-رع، وصاحبت قيصر إلى روما مع ابنهما قيصرون لإعلان هذا الزواج، ولكن الأحداث جرت سريعا، لقد اغتيل قيصر. 
ونشب صراع السلطة بين قتلته من جانب وأتباعه من جانب آخر، الأمر الذي دعا كليوباترا إلى أن تقف موقف الحياد خوفا على ملكها ومملكتها. وبعد انتصار ماركوس أنطونيوس (أنطونيو) على خصومه المتآمرين في مقتل قيصر في معركة فيليبي عام 42 ق. م.، دعا كليوباترا للمثول أمامه ليحاسبها على موقفها المتخاذل وعدم دعمها له في قتاله، وهو من كان يطلب ثأر من تزعم بأنه حبيبها. قدمت كليوباترا على أنطونيو في موكب رائع يصوّر قصة إلهة الجمال «فينوس» عند قدومها إلى إله الحبّ «آمور». لم يستطع أنطونيو أن يكتم مشاعره بما شاهده من جلال المنظر وجاذبيته، وتأثر بسحر كليوباترا ووقع في غرامها. بدأت العلاقة الغرامية بين أنطونيو وكليوباترا ثمرتها توأما، سمتهما اسكندر هلبوس وكليوباترا سيرين. لم تقف هذه العلاقة عند هذا الحد، بل كانت عبارة عن مصلحة سياسية متبادلة، فقد كانت كليوباترا بحاجة إلى ترسيخ دعائم مملكتها، فقد قدم إليها أنطونيو أجزاء من سورية والساحل الفينيقي ومملكة خلقيس كهدية يعبر بها عن حبه، وأعاد إلى ملكها جزيرة قبرص. أما أنطونيو فقد كان بأمسّ الحاجة إلى تمويل جيشه وتموينه، وكانت مصر هي ملاذه والقادرة على إمداد جيشه. 
لم يدر أنطونيو أن زوجته الأولى أوكتافيا كانت تشتكي بلوعة لأخيها أوكتافيوس، القائد الروماني الكبير، من هجر أنطونيو لها، وتوغر قلبه بقصة تفريط أنطونيو في أراضي شعب روما وتقديمها لكليوباترا. استطاع أوكتافيوس أن يكسب شعب روما ويجنده في «معركة مقدسة» ضد أنطونيو. ورغم الدعم العسكري والمادي الكبير الذي قدمته كليوباترا لجيش أنطونيو، فإنّ الهزيمة كانت له بالمرصاد في معركة «أكتيوم» البحرية عام 31 ق. م، التي قُتل فيها. وفي غياب وسائل البريد، عادت كليوباترا إلى مصر لتشيع انتصارها على الأسطول الروماني، رافعة معنوياته، آسرة همها. كانت تعلم بأنها ستُطلب من الرومان فتلقى الذل والهوان، ففضلت الانتحار بسم الأفاعي، وماتت عام 29 ق. م. لتحيا ذكراها إلى اليوم بعد أن بادت حضارة البطالمة التي سادت قرنين ونصف القرن .