في الذكرى 741 لوفاة جلال الدين الرومي متحف «مولانا» في قونية

في الذكرى 741 لوفاة جلال الدين الرومي متحف «مولانا» في قونية

 لم يكن القصد من رحلتنا المزدوجة المقارنة بين الفضاء الواقعي والفضاء المتخيل، بقدر ما كان محاولة لفهم عمق الأبعاد الروحية والجمالية لفلسفة جلال الدين الرومي، من خلال متعة اقتفاء آثار الأبطال والسعي لرؤية أسرار عوالمهم الخفية والظاهرة، والاقتراب أكثر من العلاقة غير العادية التي جمعت بين العالم الشاعر جلال الدين الرومي والدرويش الغامض والحكيم شمس التبريزي.  

 

انطلقنا عند بزوغ الفجر من مدينة «أفيون كاراهيزار»، الجو خارج الفندق بارد بعض الشيء. ليلتها لم يزرني النوم سوى ساعتين فقط، وخوفاً من الاستسلام لسلطانه في الطريق إلى قونية شربت عصير البرتقال الطبيعي ثم كوباً من القهوة (على غير العادة) حتى لا تفوتني لحظة الاستمتاع بمشاهدة المناظر التي تحيط بنا على طول الطريق. 
 كانت لحظات انتقال بين عالمين، عالم شاسع أمامنا وعالم آخر يتجاوز ما نراه. على جنبات الطريق تراءت لنا الجبال الشامخات متباعدة ومتعانقة. وما جعلنا ننطلق في رحلة جمال داخلية هو رؤية قرص الشمس الشديد الحمرة وهو يظهر في خجل ويرتفع رويداً رويداً؛ لحظات رهبة وخشوع تعتريك لما تنظر إلى نور الشمس وهو يعلن عن ميلاد يوم جديد، رؤية هذا الجمال الرائع تجعلك تسافر بخيالك وتجتاز العالم السفلي (الذي تقبع فيه)، وتغمرك موجة من السكينة المفاجئة التي لم تتعود عليها. 
 دخلنا قونية في ساعات الصباح الأولى، وهي ثاني أكبر مدينة بعد أنقرة بعدد سكان يتجاوز مليوني نسمة. كانت وجهتنا إلى متحف مولانا ويطلق عليه باللغة التركية اسم (Mevlana Müzesi). 
 يشكل هذا المتحف بكل ملحقاته دلالة رمزية كبيرة على أشهر أئمة المدرسة الصوفية في العالم (جلال الدين الرومي 1207-1273م). ومنذ افتتاحه في العام 1927 وهو يجذب ملايين السياح والزوار الأجانب القادمين من مختلف أنحاء العالم، ولعل السبب الجوهري لذلك هو أن المتحف يضم ضريح أكبر المتصوفة في العالم الإسلامي المعروف بـ «الرومي» أو «مولانا»، الذي أنشأ واحدة من أعرق المدارس الصوفية في قونية، التي تم تحويلها بمرسوم أصدرته الحكومة التركية في السادس من أبريل في العام 1926 إلى متحف بعد حظرها للمولوية في البلاد، وجاء هذا القرار بعد سقوط الخلافة ووصول كمال أتاتورك لسدة الحكم؛ حيث منع إقامة التكايا والزوايا في كامل أراضي الجمهورية.

حديقة الورد
 يقع المتحف في قلب مدينة قونية إلى جانب عدد من المساجد التاريخية والمعالم الأثرية المهمة، ومحال بيع الحلويات والتذكارات السياحية المرتبطة بالمولوية وكذلك بالشخصية التاريخية التي تحيل على الفكاهة والحكمة في العالم العربي: «جحا»، الذي توفي أيضا بقونية. بالإضافة إلى المعالم الثقافية كمركز مولانا الثقافي. كما يوجد في مدينة قونية ثلاث مدارس سلجوقية (مدرسة قاراطاي واينجه منارة وصرجالي) كانت في الماضي بمنزلة جامعات كبرى لطلبة العلم، وغيرها من المعالم الأخرى التي تزخر بها المدينة وتستحق الزيارة. 
 يعود تاريخ المتحف إلى «حديقة الورد» التي أهداها سلطان السلاجقة (علاء الدين قايقوباد) الأول إلى والد جلال الدين الرومي (بهاء الدين وَلد 1152-1231 م). وعندما توفي بهاء الدين وَلد دُفن في الحديقة، وبعد وفاته أراد محبوه أن يبنوا له ضريحاً ضخماً فوق قبره، لكن ابنه جلال الدين الرومي رفض هذا الطلب قائلاً: «لا يوجد قبر أكبر وأجمل من السماء». وعندما توفي الرومي في 17 ديسمبر 1273 دفن قرب والده في الحديقة، وقد قرر خليفته وصديقه (حسام الدين جلبي) بناء ضريح فوق قبره. وبعد عام تم بناء المبنى الرئيسي بالنمط السلجوقي، وفي العام 1854م تمت إضافة بعض الأجزاء إلى المبنى، في حين قام (سليم أغلو عبدالواحد) بتزيين المبنى من الداخل والحفر على الخشب.

مليونا زائر سنوياً
 بعد شراء التذاكر دخلنا من الباب الرئيسي للمتحف، وجدنا الحديقة (حديقة الورد) تعج بزوار المتحف الذين أتوا من كل حدب وصوب (من أعمار وجنسيات مختلفة)؛ منهم من يرتشف القهوة أو يحتسي المشروبات في مقهى الحديقة، ومن هو جالس تحت ظل شجرة أو بين الورد، في حين مجموعة من الأطفال يملأون قارورة ماء من عين منبع الحديقة، وهناك من يقف أمام محل بيع الكتب وأقراص الموسيقى والتذكارات الصوفية، والعديد من الزوار الآخرين يلتقطون صوراً تذكارية في مختلف أركان الحديقة، ومجموعة أخرى من السياح ملتفة حول مرشد المتحف تستمع بانتباه وشغف إلى توجيهاته وإرشاداته. 
 وتقدر إدارة المتحف عدد الزوار بأنه يتجاوز المليوني زائر في السنة. وتكون ذروة الزيارة في ذكرى وفاة الرومي، وقد سمى أتباعه ومريديه ليلة وفاته بالعرس، ومنذ ذلك التاريخ وهم يحتفلون بها إلى يومنا هذا، أيضاً يتم تنظيم احتفالات كبيرة تدوم لعشرة أيام تسمى «ليلة العرس»، تستقطب الزوار والسياح وتحضرها وفود رسمية من دول مختلفة. 
 بعد أن تجولنا في الحديقة واستمتعنا بالنظر إلى الخضرة والماء وجمال وردها ودقة تنسيقها، لاحظنا أن هناك باباً آخر يقود إلى فناء المتحف، هذا الباب يسمى باب «الدراويش». ولما دخلنا مباشرة وقع بصرنا على «النافورة» في وسط الفناء، المبنية بطريقة مميزة بزخارفها وأعمدتها وأقواسها وسقفها، حيث يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1512، بعد عودة السلطان سليم الأول من حملة عسكرية.
 قبل النافورة على شمالنا توجد «مقبرة النساء»، التي تضم جثامين أمهات وزوجات «الجلابيين» الذين يعملون في المركز المولوي. (كل أحفاد الرومي وحسب الطريقة المولوية من جهة الأب يطلق عليهم الجلبي ويسمى المنصب الذي يشغلونه باسم الجلبية). وقد شغل هذا المنصب واحد وثلاثون شيخاً حتى العام 1925م عندما منعت إقامة الزوايا والتكايا. وشواهد (بلاطات) الأضرحة تحمل نقوشاً من الورد ومواضيع من الأزهار نقشت بمهارة، مما أضفى عليها شكلاً جميلاً، كما أن هناك مجموعة أخرى من القبور على جانب النافورة بُنيت على خطين متوازيين، تسمى «قبور نيزين أو عازفي الناية».
 عندما نقف بين النافورة وقبور عازفي الناية يقابلنا مباشرة «مدخل المتحف»، حيث يتم الدخول إليه من خلال فناء صغير محاط بمشبك أمام «غرفة التلاوة» التي تشكل الطريق المؤدي إلى قسم «داخل عُشاق»، حيث يوجد ضريح الرومي. وهذه الغرفة كان يُقرأ فيها أجزاء من القرآن الكريم، وقد سميت لاحقاً بغرفة القراءة. ومصراعا الباب مصنوعان من الخشب المحفور.

الباحث عن المعرفة
 هناك نقش على القبة وضعه ابن الرومي «سلطان ولد»، كتب فيه: «أيها الباحث عن المعرفة رجاءً اقبل نصيحتي بالقلب والروح، كرس حياتك من أجل العدل والصدق». في أعلى مدخل بوابة المتحف علقت لوحة مطلية بالذهب، كتب عليها « يا حضرت مولانا»، وقد كتبها الخطاط محمد صادق. كما توجد تحتها لوحة أخرى أصغر حجماً، كُتب عليها بيتان من الشعر، جاء فيهما ما يلي: «هذا المكان أصبح مزاراً للعشاق الذين كانوا ناقصين من قبل، أصبحوا كاملين الآن». 
 مشينا داخل المتحف حتّى «قبر الرومي» وقبور خلفائه، فرأينا قبة مخروطية فوق قبره المغطى بغطاء سميك أشبه بالسجاد يميل لونه إلى الخضرة. كما لاحظنا عمامة خضراء فوق الضريح، في حين أخبرنا المرشد أن القماش الذي غطي به القبر مطرز بالذهب. وتجمع الزوار أمام قبر الرومي لا ينتهي، فبمجرد مغادرة مجموعة تأتي مكانها مجموعة أخرى كانت تنتظر دورها، رافعين أيديهم يتلون الفاتحة ويتضرعون بالدعاء إلى الله.
 من يزور قونية ويقف أمام قبر الرومي، حتماً ستسترجع ذاكرته روح الرومي الغارقة في السلام والمحبة، وتستعيد تاريخه المليء بالعلم والتجارب؛ فقد كان الرجل عالماً بالتفسير والحديث، ومحيطاً بعلم الكلام والمنطق واللغة والأدب، كما كان مطلعاً على الثقافة اليونانية ومختلف الحضارات القديمة، قبل أن يلتقي بصديقه شمس التبريزي الذي غير مساره رأساً على عقب، وكانت تلك هي نقطة تحول العالم الفقيه إلى شاعر ينظم الشعر الصوفي.
 فقد حرضته تساؤلات شمس على التفكير العميق في الإيمان بعالم المحبة الإلهية الأبدي، والسعي إلى المعرفة الصافية بأسرار الكون غير المرئية، ما جعله يقول: «إن شمس هو الذي أراني طريق الحقيقة وهو الذي أدين له في إيماني ويقيني». كان شمس درويشاً متنقلاً (لُقب بالدرويش المتجول) يحب الوحدة والتفرد، كما كانت آراؤه وتصرفاته تبدو متناقضة، وساخرة من الأمور المألوفة في حياة الناس ونمط عيشهم. وبدأ الرومي يقفل بابه في وجه الجميع (فقد هجر عائلته ومريديه ومحبيه) إلاّ صديقه شمس، ممّا جعل الناس يتذمّرون و يتساءلون عن هذا الوضع صعب الفهم وهذا الدرويش الذي أخذ الرومي بعيداً عنهم. مما اضطر شمس إلى ترك قونية في عام 1246م من دون سابق إنذار. فلم يحتمل الرومي لوعة فراق صديقه المفاجئ، ما جعله يحزن بشدة، لهذا أرسل ابنه (سلطان ولد) إلى دمشق في طلب شمس كي يعود إلى قونية، محملاً إياه بأبيات من الشعر جاء فيها: «أنت كالشمس إذا دنت ونأت يــا قريبـــا إلينــا تعــال». وبعد فترة وجيزة من عودة شمس عادت ردود الفعل إلى الظهور وتكررت التهديدات مجدداً؛ ولم يحتمل الناس الوضع الجديد، فازدادت موجات العداء لشمس؛ ما زاد الوضع تفاقماً، إلى أن تم قتل شمس ليلاً في فناء بيته، بتحريض من ابن الرومي الثاني (علاء الدين محمد) ومجموعة من طلبته.
 والى الشمال من الضريح توجد قاعة أخرى في المتحف تسمى «السماع خانة»، تم بناؤها كجزء من الضريح في عهد السلطان العثماني (سليمان القانوني)؛ كانت مخصصة لطقوس الرقص الدوراني الصوفي، كما كان يطلق عليها اسم «الميدان الشريف». وتحتوي على كرسي النعت ومقاعد مخصصة للموسيقيين والعازفين، بالإضافة إلى آلات الموسيقى الصوفية. وتشير طقوس السماع إلى الدوران السريع، وهو تعبير صوفي يدل على شدة الوجد وحالة من النشوة المطلقة أثناء عملية الدوران المتزامن مع سماع الموسيقى. وللكلمة دلالة كبيرة عند الصوفية، إذ إنها شبيهة في الصوت مع كلمة «سماء»، أي تتحد الموسيقى والشعر والدوران كلها في معنى واحد.
الديوان الكبير
 كما وجدنا أقدم نسخة من كتاب «الديوان الكبير» معروضة في هذه القاعة. وهذه النسخة كتبت بالخط النسخ بيد (حسن ابن المولوي عثمان) في العام 1368م، والورق المستعمل تم جلبه من دمشق، في حين زُين الغلاف بتصاميم هندسية تعرض فترة من التاريخ السلجوقي. وهو عبارة عن «غزليات» أو «رباعيات» مكتوبة باللغة الفارسية، كتبها الرومي في أوقات مختلفة، وخصوصاً بعد اختفاء صديقه شمس التبريزي (كان الرومي وشمس شخصان بروح واحدة). تتحدث عن الحب الإلهي، وقد جمعها ابنه سلطان ولد وصديقه حسام الدين جلبي. كما أن هذا الديوان معروف أيضا بديوان شمس التبريزي، ويحتوي كذلك على أشعار مكتوبة باللغات التركية والعربية واليونانية ولكنها قليلة في هذه اللغات. يقول الرومي عن أشعاره: «هذه الكلمات هي أسرار الروح، إنها أنفاس مقدسة، رياح الله النقية الخالية من كل عيب».

أصل مثنوي
 وفي القاعة ذاتها تم عرض نسخة أصلية من كتاب «المثنوي»، وهي أقدم نسخة كتبها «محمد بن عبد الله» في العام 1278م، تحتوي على خمسة وعشرين ألفاً و688 مزدوجاً من أبيات الشعر. والمثنوي يعني «اثنين» أو «زوج»، وقد كتب بالفارسية ويعتبر تفسيرا للقرآن الكريم. وقد فرغ منه الرومي في العام 1258م، إذ استغرقت كتابته حوالي عشر سنوات. وهو يعبر عن أفكار ومشاعر ومشكلات المجتمع الذي عاش فيه الرومي، ومن جهة أخرى يخاطب كل العالم والقرون كأغنية محبة. وترجع مصادره الأصلية إلى القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وقصص الأنبياء والرسل، وآراء العلماء والأولياء، وأخبار الصحابة والسلف، والعبر من أحوال الأمم الماضية. وكتاب المثنوي جاء في ستة أجزاء كل جزء له مقدمته الخاصة (كتبت إما باللغة العربية أو الفارسية أو جمعت بينهما). ويقول الرومي عن المثنوي بأنه: «فقه الله الأكبر وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، يشرق إشراقاً أنور من الإصباح...».
 كما شاهدنا في هذه القاعة قبعتين معروضتين (يلبسهما الرجال) يطلق عليهما اسم «قبعات السكة»، مصنوعتين من الصوف. بالإضافة إلى عرض عراقية واحدة تلبس على الرأس، وشال مصنوع من الحرير الأخضر، وفروة واحدة.  ويحتوي المتحف على نسخة من القرآن الكريم لا يتعدى طولها ثلاثة سنتيمترات، تسمى «مصحف الراية»، وهو من بين المصاحف التي كانت توضع في سارية راية الجيش العثماني. والذي يتوقف عنده الكثير من الزوار معجبين ومشدوهين في الوقت ذاته. فضلاً عن توافر نسخ أخرى من القرآن الكريم بأحجام متعددة تعود لفترات تاريخية مختلفة كتبت بخط اليد.
  كما نجد فيه معروضات تشمل مباخر فضية وقطع من الورق الصيني كتب عليها اسم الجلالة، وقطع من العقيق مكتوب عليها آيات الكرسي، بالإضافة إلى إبريق من النحاس وطست من الفترة العثمانية. كما يشتمل على مسجد للصلاة وعلى مجموعة مهمة من اللوحات المعلقة عليها آيات قرآنية ونقوش ورسومات دينية. بالإضافة إلى العديد من التحف التاريخية المهمة الأخرى المتعلقة بالصوفية وبالرومي كملابسه وسجادة صلاته وغيرها.
 بعد خروجنا من المتحف المستقل دخلنا إلى غرفة «ضريح فاطمة خاتون» ابنة (مراد باشا) حاكم كرمان، الذي تم بناؤه بالشكل المثمن في سنة 1585م. وفوق بوابة الدخول لاحظنا وجود النقوش، أما الجزء الداخلي من الضريح فهو مزين بالقماش المذهب، وقبرها (داخل مبنى الضريح) مبني بالرخام المنقوش بالأزهار والورد وأشكال أخرى مختلفة، أما القبة فهي مزخرفة بزخارف بديعة، والممرات إليها منقوش عليها (الله، والبسملة، ومحمد رسول الله، وأسماء الخلفاء الأربعة). 
ويوجد في فناء المتحف كذلك نافورة أخرى، تسمى «نافورة ليلة العرس»، وتقع بالضبط أمام «صومعة الدراويش» و«مطبخ الشريف». صمم بناؤها بشكل سداسي الأضلاع، يتدفق الماء منها باستمرار من خلال غصن له رأس تنين. يقوم الزوار بعد الشرب من مائها بالتمني ورمي قطع نقدية فيها، اعتقاداً منهم بأن ماءها له قدرة عجيبة على الشفاء.
 هناك مجموعة صوامع في غرب وشمال المتحف تسمى «صوامع الدراويش»، وقد بُنيت على يد السلطان مراد الثالث في العام 1584م، في حين تم ترميمها في عام 2010م. وهذه الصوامع مخصصة لأولئك الذي أتموا تعليمهم الروحي المسمى عند الصوفية «التوبة» أو «الندامة» أو «التكفير» على مدى ألف يوم ويوم، وحصلوا على اللقب؛ فإذا كانت هناك ضرورة يسكن درويشان في صومعة واحدة، تكون أبوابها مفتوحة نحو ساحتها (فنائها)، كما تحوي الصومعة شباكين وموقد، أحد الشبابيك ينفتح نحو الفناء والثاني نحو المحيط الخارجي. وقد تمت محاكاة نمط الحياة الذي كان سائداً في عهد جلال الدين الرومي من خلال وضع تماثيل من الشمع تجسد حياة الدراويش وهم في وضعيات مختلفة وفي تأدية مهام عديدة وبألبسة متنوعة.
 أن تجمع بين السياحة عبر النص والسياحة عبر الجغرافيا، فقد أوتيت متعة كبيرة ومعرفة لا حدود لها. تلك كانت ضالتنا لما قصدنا السفر إلى «قونية» لنرى الفضاءات التي دارت فيها أحداث رواية إليف شافاك (قواعد العشق الأربعون - رواية عن جلال الدين الرومي). في رحلتين في المكان ذاته وفي زمنين متباعدين (القرن الثالث عشر والقرن الحادي والعشرون). لكن هناك عوامل مشتركة كثيرة جدا بين هذين الزمنين؛ من عنف وفوضى لم يسبق لهما مثيل، وسيادة روح التعصب والصراعات الدينية والنزاعات المذهبية، وكذلك فترة من الاقتتال على السلطة والخوف والألم من جراء انتشار الجيوش والغزو والاحتلال وتحارب القبائل في ما بينها. إذ امتدت النزاعات والاضطرابات على مساحة شاسعة من العالم الإسلامي (العراق وشمال إيران والأناضول وشرق أوربا وبلاد الشام)، وهو ما يشبه إلى حد بعيد الظروف المأساوية والأوضاع المتناقضة التي نعيشها في عصرنا الحالي ■