الرواية العربية استفادت من هامش الحريات في الواقع

الرواية العربية استفادت من  هامش الحريات في الواقع

عن‭ ‬الإسكندرية؛‭ ‬المدينة‭ ‬الكوزموبوليتان‭ ‬المتوسطية‭ ‬المتجانسة‭.. ‬عن‭ ‬البحر‭ ‬والسينما‭ ‬ورواة‭ ‬العشوائيات،‭ ‬وعن‭ ‬الكتابة‭ ‬الجديدة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬ومستقبله،‭ ‬وكيف‭ ‬أثرت‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬الروائي،‭ ‬وماهية‭ ‬الجوائز‭ ‬وتفسير‭ ‬الجيل‭ ‬الكتابي،‭ ‬والمجايلة،‭ ‬يدور‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الروائي‭ ‬المصري‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبدالمجيد‭. ‬وكان‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭.. ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬1946‭. ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬ليسانس‭ ‬الآداب‭ ‬قسم‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬وبدأ‭ ‬عمله‭ ‬الوظيفي‭ ‬كأخصائي‭ ‬ثقافي‭ ‬بالثقافة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1976‭ - ‬1982،‭ ‬ثم‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المسرح‭ ‬بالثقافة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬من‭ ‬1982‭ - ‬1985‭ ‬وتدرج‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬متولياً‭ ‬إدارة‭ ‬النشر‭ ‬بالهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬ثم‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬الثقافة‭ ‬العامة‭ ‬بالثقافة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1999‭ ‬فرئيس‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كتابات‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬بالهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1999‭ ‬وحتى2000‭. ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬البلدة‭ ‬الأخرى‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وجائزة‭ ‬أحسن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬وجائزة‭ ‬الدولة‭ ‬للتفوق‭ ‬عام‭ ‬2006‭. ‬وجائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التقديرية‭ ‬عام‭ ‬2009‭. ‬قدم‭ ‬له‭ ‬التلفزيون‭ ‬المصري‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬ماجد‭ ‬المصري‭ ‬وسيناريو‭ ‬وحوار‭ ‬يسر‭ ‬السيوي،‭ ‬وهي‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬اختيرت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قوائم‭ ‬أهم‭ ‬100‭ ‬رواية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬يلتقيه‭ ‬الروائي‭ ‬حسين‭ ‬عبدالرحيم،‭ ‬وهو‭ ‬قاص‭ ‬وسينمائي‭ ‬مصري،‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬عربة‭ ‬تجرها‭ ‬خيول‮»‬‭ (‬2000‭) ‬و«المغيب‭ ‬قصص‮»‬‭ (‬2002‭)‬،‭ ‬و«ساحل‭ ‬الرياح‮»‬‭ ‬رواية‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ (‬2004‭)‬،‭ ‬و«المستبقي‮»‬‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬ميريت‭ (‬2007‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬سيناريو‭ ‬‮«‬قلب‭ ‬المدينة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬وثائقي‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬بورسعيد‭ ‬أخرجه‭ ‬مجدي‭ ‬فاروق‭.‬

‭-‬كيف‭ ‬استقبلت‭ ‬خبر‭ ‬اختيار‭ ‬روايتك‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬ضمن‭ ‬أهم‭ ‬100‭ ‬رواية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وماذا‭ ‬يمثل‭ ‬ذلك‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬إضافات؟

‭- ‬الرواية‭ ‬جاء‭ ‬اختيارها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬موقع‭ ‬w‭ ‬ww‭.‬list‭ ‬muse‭.‬com‭ ‬الأدبي‭ ‬العالمي،‭ ‬وقد‭ ‬استقبلت‭ ‬الخبر‭ ‬بسعادة‭ ‬بالغة،‭ ‬وتلقيت‭ ‬آلاف‭ ‬التهاني‭ ‬تلفونياً‭ ‬وإعلاميا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬والدوريات‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬المصرية،‭ ‬وكل‭ ‬نجاح‭ ‬يمثل‭ ‬لي‭ ‬إضافة‭ ‬في‭ ‬رحلتي‭ ‬الأدبية‭ ‬الإبداعية‭.‬

‭-‬عن‭ ‬الإسكندرية‭ ‬في‭ ‬إبداعات‭ ‬لورانس‭ ‬داريل‭ ‬وأم‭ ‬‮«‬فوستر‮»‬‭ ‬وقسطنتين‭ ‬كفافيس،‭ ‬كيف‭ ‬يرى‭ ‬الروائي‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الإسكندرية‭ ‬في‭ ‬رواياتهم؟

‭- ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬كتابة‭ ‬مختلفة،‭ ‬الإسكندرية‭ ‬مدينة‭ ‬مثل‭  ‬‮«‬سمرقند‮»‬‭ ‬مدينة‭ ‬أسطورية‭ ‬تمتلك‭ ‬حسا‭ ‬تاريخيا،‭ ‬تشبه‭ ‬البلورة‭.‬

وداريل‭ ‬الإنجليزي‭ ‬رأى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬بعين‭ ‬أخرى‭ (‬صادقة‭ ‬وليست‭ ‬كاذبة‭). ‬ولكنه‭ ‬وبحكم‭ ‬تكوينه‭ ‬الثقافي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والفكري‭ ‬والتاريخي‭ ‬كان‭ ‬إسهامه‭ ‬في‭ ‬الرباعية‭ ‬بتاريخيتها‭ ‬وأبطالها‭ ‬حتى‭ ‬المصريين‭ ‬منهم،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأجانب‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬وتفاصيل‭ ‬وأهل‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصر‭ (‬السكندرية‭) ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬الحساب‭.‬

قسطنطين‭ ‬كفافيس‭ ‬يراها‭ ‬مدينة‭ ‬هللينية‭ ‬مازجاً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬اليونانية‭ ‬والفرعونية،‭ ‬استدعى‭ ‬إسكندرية‭ ‬القديمة‭ ‬كرؤية،‭ ‬وبما‭ ‬كتبه‭ ‬صنع‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬اليوناني‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬نقاد‭ ‬العالم‭ ‬واليونان‭.‬

‭- ‬رواياتك‭ ‬عن‭ ‬الإسكندرية‭ ‬مختلفة‭ ‬؟‭! ‬

‭- ‬أنا‭ ‬كاتب‭ ‬مصري‭ ‬سكندري‭ ‬شاهد‭ ‬الإسكندرية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬كمدينة‭ ‬تسامح،‭ ‬والإسكندرية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬هذه‭ ‬الروح،‭ ‬وهي‭ ‬روح‭ ‬مصرية‭ ‬وعالمية‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬ضمن‭ ‬المنظومة‭ ‬المتوسطية‭ ‬منذ‭ ‬القرون‭ ‬الأولى‭ ‬وحتى‭ ‬محمد‭ ‬علي،‭ ‬ولكنها‭ ‬تغيرت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬السادات‭. ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬مسارات‭ ‬كما‭ ‬ترصدها‭ ‬روايتي،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تتعايش‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬والأجناس‭ ‬رغم‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬نقطة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وبعدها‭ ‬لم‭ ‬ينتصر‭ ‬هتلر‭ ‬ولم‭ ‬ينهزم‭ ‬الحلفاء،‭ ‬كانت‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬العلمين‮»‬‭ ‬قمة‭ ‬الانتصارات‭ ‬وتمت‭ ‬هزيمة‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭.‬

أكتب‭ ‬كمصري‭ ‬وسكندري‭ ‬مولود‭ ‬فيها‭ ‬وليس‭ ‬وافداً‭ ‬عليها،‭ ‬وبهذا‭ ‬اختلفت‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬تختلف‭ ‬طبيعة‭ ‬التكوين،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬قصد‭ ‬ما‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الرواية،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬إحدى‭ ‬المميزات‭ ‬التي‭ ‬أعطتها‭ ‬قيمة‭ ‬كبيرة‭.‬

وقد‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬مرحلة‭ ‬لم‭ ‬أعشها‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فكان‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬وهذا‭ ‬استدعى‭ ‬مني‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬دراسة‭ ‬للمرحلة‭ ‬والمشاهدة‭ ‬والكتابة‭.‬

‭- ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬طيور‭ ‬العنبر»؟

‭- ‬كانت‭ ‬عن‭ ‬الإسكندرية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬الجاليات‭ ‬الأجنبية‭ ‬تحت‭ ‬دعوى‭ ‬التمصير،‭ ‬لكن‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬كلها‭ ‬وفيها‭ ‬الإسكندرية‭ ‬بدأت‭ ‬تفقد‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬للبحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القصد‭ ‬ظهر‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬السبعينيات‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإسكندرية‭ ‬في‭ ‬غيمة‮»‬‭ ‬فهنا‭ ‬بدأت‭ ‬الإسكندرية‭ ‬تفقد‭ - ‬وبشكل‭ ‬واضح‭ - ‬الروح‭ ‬العالمية‭ (‬الكزموبوليتانية‭ ‬والمصرية‭ ‬معاً‭)‬،‭ ‬وظهرت‭ ‬حينها‭ ‬دعوات‭ ‬‮«‬الرجعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬ستاراً‭ ‬بجعلنا‭ ‬قبيلة‭ ‬وعشيرة‭. ‬وليست‭ ‬أمة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬ولها‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬حول‭ ‬النيل‭.‬

‭- ‬كيف‭ ‬ترصد‭ ‬مسارات‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬الجديدة؟

‭- ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬رافداً‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العالمية،‭ ‬ويمكن‭ ‬جدا‭ ‬للنقاد‭ ‬أن‭ ‬يجدوا‭ ‬فيها‭ ‬مذاهب‭ ‬واتجاهات‭ ‬للكتابة‭,‬‭ ‬كما‭ ‬وجدوا‭ ‬ورصدوا‭ ‬النقاد‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬التاريخ‭.‬

‭- ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬تأثير‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬آنيها‭ ‬ومستقبلها؟

‭- ‬هناك‭ ‬ملاحظة‭ ‬بسيطة،‭ ‬هذه‭ ‬الثورات‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬تحكمها‭ ‬نظم‭ ‬عسكرية،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عسكرياً‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬عسكري،‭ ‬وهذه‭ ‬النظم‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬كانت‭ ‬تخفي‭ - ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬وبالقمع‭ - ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أقواها‭ ‬تنظيماً‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬مثالا،‭ (‬مصر‭) ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬للسخرية‭ - ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ (‬محظورة‭ ‬؟‭!) ‬كان‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬النظام‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬السادات‭ ‬بأن‭ ‬تتحرك‭ ‬كيفما‭ ‬تشاء،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ (‬الأحياء‭ ‬الفقيرة‭) ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬المهم‭ ‬ألا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬الحكم؟‭! ‬فإذا‭ ‬فكرت‭ ‬فيه‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬قياداتها‭. ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬استخدم‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬‮«‬فزاعة‮»‬،‭ ‬بحجتها‭ ‬صادر‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬ظهر‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬وهو‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات،‭ ‬وأقصد‭ ‬جيل‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬ومن‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي،‭ ‬فالعالم‭ ‬كله‭ ‬بشبابه‭ ‬وكتابه‭ ‬على‭ ‬‮«‬اللابتوب‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬‮«‬الموبايل‮»‬‭ ‬قامت‭ ‬الثورات‭ ‬ونجحت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬باستثناء‭ ‬سورية،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬الغطاء‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بعزل‭ ‬رؤساء‭ ‬الجمهوريات،‭ ‬فظهر‭ ‬ما‭ ‬تحته،‭ ‬والجماعات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيما‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬،‭ ‬والجماعات‭ ‬المرئية‭ ‬هي‭ ‬الأضعف،‭ ‬وأقصد‭ ‬الأحزاب‭ ‬القديمة‭ ‬تحديدا،‭ ‬فوصل‭ ‬الإخوان‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬فتم‭ ‬كشفهم‭ ‬بسرعة‭ ‬لأنهم‭ ‬يكذبون‭ ‬‮«‬فـــي‭ ‬سبــيل‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وإنهم‭ ‬لا‭ ‬ولاء‭ ‬عندهم‭ ‬للوطن‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬معنى‭ ‬الوطن‭.‬

‭-‬عن‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬أثَّر‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬وكتابته‭ ‬وتكوينه‭ ‬ومساره‭ ‬الروائي‭ ‬والإبداعي؟

‭- ‬أنا‭ ‬معروف‭ ‬عني‭ - ‬وكتبت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرا‭ - ‬أنا‭ ‬غير‭ ‬مقتنع‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬جيلاً‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬لا‭ ‬تقاس‭ ‬بالعمر،‭ ‬ولكن‭ ‬تقاس‭ ‬بالإنجاز‭ ‬الجمالي‭ ‬للأعمال‭ ‬الفنية،‭ ‬كذلك‭ ‬ترتبط‭ ‬التغيرات‭ ‬الفنية‭ ‬والإبداعية‭ ‬بالتحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ففي‭ ‬مصر‭ ‬مثلاً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مراحل‭ ‬للكتابة،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الكتابة‭ ‬مثلاً،‭ ‬فعصر‭ ‬‮«‬إسماعيل‮»‬‭ ‬مرحلة،‭ ‬فيه‭ ‬أصبحت‭ ‬مصر‭ ‬بلداً‭ ‬متوسطياً‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬أوربا،‭ ‬فتم‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬العمارة‭ ‬مروراً‭ ‬بحريَّة‭ ‬المرأة‭ ‬والصحافة‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭. ‬فمحمود‭ ‬سامي‭ ‬البارودي‭ - ‬مثالا‭ - ‬الذي‭ ‬تخلَّص‭ ‬من‭ ‬ركاكة‭ ‬العصر‭ ‬المملوكي،‭ ‬ثم‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬وحافظ‭ ‬إبراهيم،‭ ‬دفعوا‭ ‬الشعر‭ ‬للأمام‭ ‬دفعة‭ ‬عظيمة،‭ ‬وغيرهم‭.‬

الجيل‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1919،‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬المسارح،‭ ‬ونصوص‭ ‬مسرحية،‭ ‬ووجدنا‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬والقصيدة،‭ ‬وظهرت‭ ‬مدارس‭ ‬شعرية‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬الديوان‮»‬‭ ‬و«أبولو‮»‬،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1919،‭ ‬وظل‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬الأدبية‭ ‬طريقاً،‭ ‬فظهرت‭ ‬حقبة‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬علي‭ ‬أحمد‭ ‬باكثير‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الحر،‭ ‬وظهر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الخمسينيات‭.. ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القفزة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭. ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬ثورة‭ ‬1952،‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬المجددين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أبناء‭ ‬المرحلة‭ ‬الليبرالية‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭ ‬تعلموا‭ ‬فيها،‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أما‭ ‬الستينيات‭ - ‬حقيقة‭ - ‬فكانت‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬لكنها‭ ‬ارتبطت‭ ‬بهزيمة‭ ‬يونيو‭ (‬حزيران‭) ‬1967،‭ ‬وارتبطت‭ ‬أيضا‭ ‬بالحركات‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبالذات‭ ‬ثورات‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬السبعينيات‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬الستينيات،‭ ‬هي‭ ‬موجة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬التجديد‭ ‬نفسها‭. ‬ولذلك‭ ‬الفصل‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬ساذج‮»‬‭ ‬يراد‭ ‬به‭ ‬سهـــولة‭ ‬الدراســــات‭ ‬الأدبية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬وإلا‭ ‬أين‭ ‬الثمانينيات؟‭! ‬

مسألة‭ ‬التقسيم‭ ‬أراها‭ ‬مدرسية،‭ ‬فكل‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬الشباب‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬رافضة‭ ‬للمواضعات‭ ‬الأدبية‭ ‬والنقدية‭ ‬مثل‭ ‬الستينيات‭. ‬والفارق‭ - ‬وأنا‭ ‬أتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬الجيدة‭ ‬وليس‭ ‬العادية‭ - ‬هو‭ ‬كثافة‭ ‬عدد‭ ‬الكتَّاب‭. ‬فنحن‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬عمل‭ ‬ملحق‭ ‬خاص‭ ‬عنا‭ ‬نجد‭ ‬سبعة‭ ‬أو‭ ‬ثمانية‭ ‬كتَّاب،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مقهى‭ ‬عشرة‭ ‬كتاب‭ ‬مثلاً،‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬الجديدة‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬المهمشمين،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أختلف‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬نكتب‭ ‬عن‭ ‬المهمشين،‭ ‬عن‭ ‬المقابـــر‭ ‬مثلا؟‭ ‬فرواية‭ ‬جميل‭ ‬عطية‭ ‬إبراهيم‭ ‬‮«‬البحر‭ ‬ليس‭ ‬بملآن‮»‬‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬عالم‭ ‬المقابر‭. ‬وكتبت‭ ‬أنا‭ ‬‮«‬المسافات‮»‬،‭ ‬‮«‬الصياد‭ ‬واليمام‮»‬،‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬العشق‭ ‬والدم‮»‬‭ ‬أما‭ ‬خيري‭ ‬شلبي‭ ‬فحدِّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ ‬عما‭ ‬كتبه،‭ ‬فلم‭ ‬يكتب‭ ‬إلا‭ ‬عنهم‭ - ‬المهمشين‭ ‬أقصد‭. ‬

البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬كسراً‭ ‬للتابوهات،‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬كان‭ ‬موجودًا‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬وما‭ ‬قبلها،‭ ‬ولكنه‭ ‬قليل‭. ‬وأصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬وقتها،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬كبرى،‭ ‬الآن‭ ‬التحول‭ ‬الكبير‭ ‬الآخر‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬1967،‭ ‬لأننا‭ ‬ورغم‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬ظلت‭ ‬الروح‭ ‬رافضة‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مكاسب‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬للناس‭ ‬العاديين،‭ ‬بل‭ ‬عادت‭ ‬على‭ ‬تجار‭ ‬الخردة‭ ‬والسماسرة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬‮«‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬العظيم‭ ‬أحمد‭ ‬بهاءالدين‭ ‬‮«‬سداح‭ ‬مداح‮»‬،‭ ‬وأوجد‭ ‬مشكلات‭ ‬فظيعة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالرأسمالية‭ ‬الحقيقية‭. ‬لكنها‭ ‬رأسمالية‭ ‬طفيلية‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬تستثني‭ ‬أعدادا‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتسيطر‭ ‬الدولة‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬نظاماً‭ ‬شمولياً‭ ‬في‭ ‬الباطن‭ ‬مدعياً‭ ‬للحريات‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬تحول‭ ‬آخر‭ ‬يصنع‭ ‬جيلاً‭ ‬مختلفاً‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬ذكرت؟

‭- ‬أجل‭.. ‬هناك‭ ‬تحول‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تظهر‭ ‬جيلا‭ ‬جديدا‭ ‬شكلا‭ ‬وموضوعا‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬تبلور‭ ‬خريطته،‭ ‬وهنا‭ ‬أقول‭ ‬شيئاً،‭ ‬إن‭ ‬الأجيال‭ ‬لا‭ ‬تنفي‭ ‬بعضها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬بيروقراطي‭ ‬مثل‭ ‬مصر،‭ ‬فلـيس‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬نفي،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬ثمة‭ ‬نسخ‭ ‬مثلاً،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬جيل‭ ‬شيئا‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬مع‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭. ‬

وهذا‭ ‬سر‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬باستمتاع‭ ‬رواية‭ ‬واقعية‭ ‬لتشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬ورواية‭ ‬رومانتيكية‭ ‬لتوماس‭ ‬هاردي‭ ‬ورواية‭ ‬تيار‭ ‬الشعور‭ ‬حداثية،‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬عوليس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬عجائبية‭ ‬لماركيز‭ ‬بعد‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬السابقة‭.‬

رائع‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬رواية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬دون‭ ‬كخوتة‮»‬‭ ‬فتستمتع‭. ‬ورواية‭ ‬لاستروياس‭ ‬فتستمتع،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفهمه‭. ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬حروب،‭ ‬ولكنه‭ ‬تطوير‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬وجماليات‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬فعن‭ ‬طريقه‭ ‬تأتي‭ ‬مشكلة‭ ‬‮«‬التسميات‮»‬،‭ ‬أنك‭ ‬تجمع‭ ‬كتّابًا‭ ‬مختلفين‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬شكلاً‭ ‬وموضوعاً‭ ‬وتضعهم‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة،‭ ‬بينما‭ ‬فيهم‭ ‬الضعيف‭ ‬والقوي،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬ربطت‭ ‬الجيل‭ ‬بالشكل‭ ‬والموضوع‭ ‬،‭ ‬فسوف‭ ‬نعرف‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الكتاب‭.‬

‭-  ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬والرواية‭ ‬والإبداع،‭ ‬كيف‭ ‬حلمت‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬نفسك؟

‭- ‬لم‭ ‬أحلم‭ ‬بشيء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬كاتباً،‭ ‬كنت‭ ‬تلميذاً‭ ‬في‭ ‬‮«‬إعدادي‮»‬‭ ‬و«ثانوي‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬‮«‬شاطرا‮»‬‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬وأحصل‭ ‬على‭ ‬الدرجات‭ ‬النهائية‭ ‬في‭ ‬التفاضل‭ ‬والتكامل‭ ‬والجبر،‭ ‬وأحصل‭ ‬على‭ ‬ثلثي‭ ‬الدرجة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬الثانوي‮»‬‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬العلوم‭ ‬كما‭ ‬أقرأ‭ ‬كتبا‭ ‬أدبية،‭ ‬ولكنني‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬أحببت‭ ‬الأدب،‭ ‬وفي‭ ‬سن‭ ‬الـ‭ ‬15‭ ‬كتبت‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬ساذجة‭ ‬فرحت‭ ‬بها‭ ‬وضاعت،‭ ‬وقررت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السن‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬كاتباً‭ ‬ودعوت‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يساعدني‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬طرق‭ ‬الكليات‭ ‬العملية‭ ‬كانت‭ ‬مفتوحة‭ ‬لو‭ ‬أردت،‭ ‬فإن‭ ‬الموهبة‭ ‬كانت‭ ‬ضاغطة‭ ‬على‭ ‬روحي،‭ ‬وحبي‭ ‬للأدب‭ ‬جعلني‭ ‬مدمناً‭ ‬للسينما‭ ‬عاشقا‭ ‬للموسيقى‭. ‬

وقضيت‭ ‬فترة‭ ‬مهمة‭ ‬أطوف‭ ‬على‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬التشكيلية‭. ‬باختصار‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬الإبداع‭.‬

‭- ‬إذًا‭ ‬حدثني‭ ‬عن‭ ‬السينما‭ ‬ودلالة‭ ‬الصورة‭ ‬ودراميتها‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭ ‬الروائية‭ ‬ومسارك‭ ‬الإبداعي‭.‬

‭- ‬السينما‭ ‬كانت‭ ‬رافداً‭ ‬كبيراً‭ ‬جداً‭ ‬للأدب،‭ ‬لأنني‭ ‬منذ‭ ‬سنواتي‭ ‬الخمس‭ ‬الأولى،‭ ‬وفترة‭ ‬الإعدادية،‭ ‬كنت‭ ‬أدخل‭ ‬الفيلم‭ ‬الأجنبي‭ ‬مشاهداً‭ ‬إياه،‭ ‬لأخرج‭ ‬باحثاً‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬الفيلم‭ ‬لأقرأها،‭ ‬وولدت‭ ‬عندي‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أعمالي‭ ‬‮«‬طيور‭ ‬العنبر‮»‬‭ ‬و«لا‭ ‬أحد‭ ‬ينام‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬و«عتبات‭ ‬البهجة‮»‬‭. ‬

‭- ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الجوائز‭ ‬عربية‭ ‬ومصرية؟‭ ‬

‭- ‬الجوائز‭ ‬قيمتـها‭ ‬المعنوية‭ ‬عظيمة،‭ ‬لأنها‭ ‬تعطي‭ ‬الكاتب‭ ‬دفعة‭ ‬للأمام‭ ‬وقيمتها‭ ‬المادية‭ ‬تنفع‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الصعب،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬‮«‬قسمة‭ ‬ونصيب‮»‬،‭ ‬المشكلة‭ ‬أننا‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬كتَّاب‭ ‬كُثر،‭ ‬وجوائز‭ ‬كثيرة‭ ‬عربية،‭ ‬مثل‭ ‬جائزة‭ ‬العويس‭ ‬أو‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد،‭ ‬وجائزة‭ ‬ساويرس‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهي‭ ‬جائزة‭ ‬واحدة‭ ‬لرجل‭ ‬أعمال،‭ ‬صحيح‭ ‬أنها‭ ‬تمنح‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬فروع،‭ ‬ولكن‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الجوائز‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬وواقعنا‭ ‬المصري‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوربا،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الرأسمالية‭ ‬العملاقة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬روكفلر‭,‬‭ ‬وفورد‮»‬‭ ‬نشاط‭ ‬ثقافي،‭ ‬فالعالم‭ ‬العربي‭ ‬ومصر‭ ‬في‭ ‬احتياج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الصناعية‭ ‬روافد‭ ‬ثقافية،‭ ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬يلحق‭ ‬بمصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬فتكون‭ ‬مثل‭ ‬رأسمالية‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭. ‬

‭- ‬عن‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬‭ ‬للكويتي‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬سكاكين‭ ‬في‭ ‬مطابخ‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‮»‬‭ ‬للسوري‭ ‬خالد‭ ‬خليفة،‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬مستقبل‭ ‬الرواية‭ ‬العربية؟‭ ‬

‭- ‬بالتأكيد‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قطر‭ ‬عربي‭ ‬استفادت‭ ‬وستستفيد‭ ‬من‭ ‬هامش‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬وذلك‭ ‬لتعاطيها‭ ‬مع‭ ‬اللغات‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬هموم‭ ‬العالم،‭ ‬والأقليات،‭ ‬وصراع‭ ‬الهويات‭ ‬والاغتراب،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بفضل‭ ‬انفتاح‭ ‬العالم‭ ‬ككل‭ ‬بكتَّابه‭ ‬ومثقفيه‭ ‬ومفكريه‭ ‬ومبدعيه‭ ‬وفنانيه،‭ ‬وكل‭ ‬يروي‭ - ‬وفق‭ ‬موهبته‭ - ‬وحشة‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬كينونته‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬العالم‭,‬‭ ‬فكل‭ ‬البشر‭ ‬تحكمهم‭ ‬وتتحكم‭ ‬فيهم‭ ‬قيود‭ ‬واحدة‭ ‬أبدية‭ ‬ومادية‭ ‬ملموسة،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬غربيا‭ ‬أو‭ ‬شرقيا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬البسيطة،‭ ‬ولذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الطفرات‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬العربية،‭ ‬سواءً‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أو‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬سورية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬‭.