رحلة الحج وتاريخ الكسوة... موظفو بعثة الحج المصرية في العصر المملوكي
تشد القوافل الرِّحال، تجتاز البلاد والأقطار، وتقطع آلاف الأميال في طريقها إلى الحجاز، ويمر المحمل الشريف محمولا فوق ظهور الجمال حاملا كسوة البيت المعمور, يتبعه آلاف الحجيج يدفعهم شوق وحنين لتلبية النداء... كل إليه مشوف... كل به يطوف...كل به تتعلق عيناه ويداه ورجاؤه ودعاؤه وهيبته ولوعة دموعه من كل طريق إليه... من كل فج عميق إليه يهرعون مهرولين وزاحفين، حثيثي الخطى في خفة وقعيد محمول في محفة لا يعرف المستحيل، وفي العصر المملوكي كانت القاهرة تتجمل كالعروس بالزينات ويجوب المحمل الشريف بين الشوارع والطرقات المحتشدة بالجموع الغفيرة، وتتطلع العيون، وتهفو القلوب لرؤية الموكب المهيب الذي تبارى كل سلاطين وملوك مصر في الاحتفاء به إجلالا لبيت الله الواحد الأعظم الذي تسقط الأقنعة أمامه، حيث الإنسان، كل إنسان لا يستثنى غني أو متعلم أو ملك أو أمير... الكل أمام تعظيم البيت صغير صغير والعظمة لله وحده، بل لعل أشد الناس خشوعًا وخضوعًا... بكاء ونحيبًا، الأشداء الأقوياء... لعل التكفير عن غرور الإنسان... ولعلها الحقيقة التي غابت في زحام القاهرة يوم المحمل.
كانت رحلة الحج قديما تنطوي على مشقة وعناء شديدين وتستمر على ظهور الجمال لشهور عديدة، وفي حالة عدم القدرة على الحصول على دابة يذهب الناس مشيًا على الأقدام، لنرى معه كيف إذا استبد الشوق بالمسلم إلى البيت العتيق فإنه لا يعرف الصعب أو المستحيل، فكانت هناك أربع قوافل للحج تصل إلى مكة المكرمة في وقت واحد تقريبًا قبل موسم الحج، وهي القافلة المغربية التي تضم الحجاج القادمين من سائر بلاد المغرب، وهي قافلة برية كانت تتوقف في المدن لينضم إليها الحجاج، أما القافلة الثانية فهي القافلة المصرية التي تنطلق من مصر وتحمل معها كسوة الكعبة المشرفة، والثالثة هي قافلة الشام التي تضم الحجاج القادمين من تركيا والأناضول وأرض كنعان، والقافلة الرابعة هي قافلة الهنــد التي تنطلق من جزر الهند الشرقية، وينادي المنادي في الناس إيذانًا ببدء الحج، ويبدأ الراغبون في قيد أسمائهم، ومَنْ لم يلحق بالقافلة المصرية يستطع اللحاق بالقافلة المغربية التي تمر بأرض مصر في طريقها إلى الحجاز.
المحمل الشريف
والمحمل الشريف هو الهودج الذي يتقدم قافلة الحجيج لينقل كسوة الكعبة المشرفة من مصر إلى مكة المكرمة، ويُحمل الهودج فوق جمل له قبة مطلية بالفضة ومغطاة بالحرير الأصفر، وينقش على قماش الهودج آيات قرآنية ورسوم زخرفية مطرزة بخيوط من الحرير الذهبي، ويزين رأس الجمل حامل الهودج بالعقود الملونة، وتتبعه الجمال التي تحمل أموال الصُرة الشريفة في صناديق مغطاة بقماش مطرز فاخر، والصرة الشريفة هي الأموال التي يرسلها السلاطين والأمراء والأثرياء إلى أهالي الحرمين الشريفين، وتكون عادة على هيئة أوقاف من الأراضي الزراعية والمباني والمنشآت.
ويُقال إن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري هو أول من أرسل محملا مرافقًا لقافلة الحجاج إلى مكة (1272م)، وخصص للكسوة مراسم ملكية وطقوسًا دينية عند خروجها من مصر، وتبدأ مراسم الاحتفال ويتحرك الموكب المهيب الذي يرأسه أمير المحمل، يطوف بسائر أنحاء القاهرة قبل السفر إلى مكة المكرمة، يسبقه فرسان المماليك مستعرضين مهاراتهم في اللعب بالرماح والألعاب البهلوانية فوق ظهور الخيول، وتغلق الدكاكين أبوابها، ويحرص على مشاهدة الاحتفال جميع سكان القاهرة، ولاسيما أنه قد جرت عادة المماليك أن يحتفلوا سنويا بدوران المحمل، كما احتفل به الفاطميون، فينادى في الناس قبل موعده بثلاثة أيام بأن يزينوا حوانيتهم ودورهم، ويأتي أهل الريف من كل مكان للفرجة على حرق النفط وعمل الصواريخ، ويتغالون في اكتراء البيوت والحوانيت والأسطحة مغالاة كبيرة، وربما قضوا ليلتهم في الطرق.
حتى النساء كن يبتن في الحوانيت حتى ينظرن المحمل من الغد. ولعل حرص الناس على مشاهدة الاحتفالات بدوران المحمل يرجع إلى ما أحدثه المماليك من عجائب ولطائف وألعاب بالرمح لا عهد لهم بها من قبل، فيركب جماعة من المماليك السلطانية الرمَّاحة وهم في ملابس الحرب وبأيديهم الرماح، حين يبدأ الموكب من مخيم أمير الحج خارج باب النصر، وأمامه الوزير والقضاة الأربعة والمحتسب والشهود وناظر الكسوة وغيرهم. ويسير خلفهم «جمل المحامل» عليه الكسوة، وهي من الحرير النفيس المطرز بالذهب والقصب على إطار مربع من الخشب، هرمي القمة له ستر من الديباج الأحمر وعليه زخارف وكتابة مطرزة تطريزًا فاخرا بالذهب على أرضية من الحرير الأخضر أو الأحمر، وينتهي هذا الكساء بشراشيب تعلوها كرات فضية يتفرع منها أسلاك دقيقة والناس يتبركون بالمحمل وبلمس الكسوة ويقبلون شراشيبها.
معلمية المحمل
ويظل الموكب يتهادى في طريقه حتى يصل إلى ميدان الرميلة تحت القلعة، حيث يلعب المماليك برماحهم أمام السلطان، ثم ينصرف المحمل بعد ذلك إلى الفسطاط. ليس هذا فقط ما يثير الدهشة والعجب، بل إن سلاطين المماليك خصصوا مدرسة عالية لتعليم الطلبة «فن إدارة المحمل ولعب الرماحة» أسموها «معلمية المحمل»، يتولى نظارتها أحد المعلمين الكبار من ذوي الخبرة الفنية، ورشح لها المؤرخ المعروف
أبو المحاسن «ابن تغري بردي» سنة 857هـ / 1453م على عهد السلطان أبي النصر إينال، وعين له أربعة مساعدين من أمراء العشرات يطلق عليهم «بَاشَات»، بعد أن اعتذر جماعة من الأمراء الألوف لعجزهم عن معرفة هذا الفن، وما يتصل به من تدريب الجند، وإعداد جمل المحمل وخيول اللعب، وتمثيل ما أسموه «عفاريت المحمل»، وهم جماعة من «أوباش المماليك السلطانية» يُغيرون زيهم ولباسهم بزي مضحك بشع، ويركبون خيولا عليها أنواع القلاقل والأجراس والشراشح في هيئة مزعجة مهولة إلى الغاية، ويعتبون على العوام، ويُزعجون النــاس بقصد إضحاكهم.
ومما وقع من اللطائف في يوم المحمل سنة 857هـ / 1453م، أنهم لما زينوا، وشرع عفاريت المحمل يُضحكون الناس على العادة، خرج شخص من التجار المشارقة، وقصد جهة من الجهات، فلما صار في وسط الحلقة قصده عفريت وطعنه برمحه حتى رماه عن فرسه بعد أمور وقعت بينهما، فضحك الناس من ذلك.
وفي سنة 868هـ / 1463م، أخرج المعلم الأمير قايتباي الظاهري أمير سلاح رمَّاحة المحمل، ولعَّبهم بين يدي السلطان خشقدم في كل يوم إلى أن فرغ اللعب، وأوقفهم صفًا واحدًا، ووقف هو في الوسط، ووقف باشان عن يمينه وباشان عن يساره، ودق لهم فنزل الجميع إلا هو والباشات الأربعة ودق لهم، فباسوا الأرض دفعة واحدة، ودق ثالثة فركبوا خيولهم، ثم وقفوا مكانهم، وتقدم المعلم قايتباي والباشات على هيئة وقوفهم، ومشوا خطوات يسيرة، ثم نزلوا وقبَّلوا الأرض بين يدي السلطان، وتقدموا واحدًا بعد واحد، فقبَّلوا رجل السلطان؛ ثم بعد الجميع جاء المعلم قايتباي وفعل مثلهم فخلع السلطان على المعلم والباشات الأربعة.
لا شك في أن السلطان خشقدم أعجب كثيرًا من نزول المماليك عن خيولهم في آخر اللعب وتقبيلهم الأرض بين يديه، وكذلك ما فعله بعدهم المعلم والباشات الأربعة من نزولهم أيضًا عن خيولهم وتقبيلهم الأرض، وأمر المعلم أن يفعل ذلك يوم دوران المحمل بميدان الرميلة تحت القلعة. وهذا شيء لم يفعله أحد من المعلمين قبل ذلك، على قول الراوي شاهد العيان، الذي أثنى على المعلم قايتباي لاهتدائه لهذا المعنى الظريف الذي لم يُسبق إليه، إذ «إن فيه نوعًا يعظم الملوك، والنفوس تحب التعظيم بالطبع، وفيه زيادة فرجة في نزولهم وركوبهم بتلك الهيئة العظيمة، ودوران المحمل كله إنما هو بصدد الفرجة وتعظيم تعلقات الحج».
ويعني هذا أن بدعة دوران المحمل يُقصد بها التنفيس عن الناس وإضحاكهم مع تعظيم السلطان وإجلاله، فضلا عن ترغيب الناس وحثهم على أداء فريضة الحج، وإذا كان الظاهر بيبرس أول من أمر بطواف المحمل وكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة 675هـ / 1276م، فإن جماعة المماليك الجلبان خرجت عن هذا القصد الحسن في عهد سلاطين الجراكسة الضعاف، وصارت تدخل بيوت الأمراء والناس ودكاكين التجــار، وتطلب منهم ومن المارة أموالا، يجبونها على كره منهم، ومن امتنع عن الدفع آذوه وألحقوا به ضررًا بليغًا «حتى صار الناس يترقبون فراغ المحمل ليستريحوا من هذه الأنواع القبيحة»، فضلا عن خطف النساء والصبيان وعمائم الناس، وعظم الفساد وتزايد التشويش من الجلبان في حق بعض الأمراء، فكلموا السلطان خشقدم 871هـ / 1466م، في أمرهم فرسم بأبطالهم واستراح العباد من ظلمهم، على قول أبي المحاسن بن تغري بردي.
وقد فرض سلاطين المماليك على كل البلاد التي يمر عليها موكب الحج المصري أن يخرج حاكم هذا البلد ويقبل خف جمل المحمل السلطاني، ويستمر على ذلك حتى يصل مكة؛ لإثبات التبعية والولاء للسلطان المملوكي.
ونجح المماليك في استغلال لحظة تقبيل خف الجمل في التخلص من أمراء الحجاز المعارضين لهم، معتمدين في ذلك على الفداوية، وقد أطلق عليهم ابن بطوطة اسم «سهام الملك الناصر» التي كانت ترسل لتتعقب كل من يحل عليه غضب السلطان في أي مكان، ونجحوا في اغتيال الأمير مانع بن جماز أمير المدينة سنة 759هـ في عهد السلطان الناصر حسن أثناء تقبيله خف الجمل، كما كان الشريف محمد بن أحمد بن عجلان أمير مكة المكرمة ضحية أخرى لتلك الاحتفالات في عهد السلطان الظاهر برقوق سنة 788هـ، فساعد ركب الحج المصري في تثبيت وإحلال السيطرة المملوكية على الحجاز، فبقدر ما تحمله قافلة الحج من أعطيات للأشراف بالحجاز، تراوح ولاء الحجاز بين مصر واليمن – في كثير من الأحيان – تبعًا لحجم الأعطيات التي تحملها كل قافلة.
تنظيم دقيق
وكان المماليك ينظمون المواكب الاحتفالية الخاصة بالحج الأكثر تعقيدًا بين كل معاصريهم، وامتاز ركب الحج المصري بالتنظيم الدقيق في تكوينه وفي مسيره، فكل فرد كان يعلم حدوده وواجباته الملقاة عليه، ووظيفته المحددة له داخل الركب المصري منذ بدايتها حتى نهايتها، إضافة لكثرة عدد الموظفين الذين يرأسهم «أمير المحمل»، وهو القائد العام للقافلة التي يسأل عنها أمام السلطان، وطبقا لدوره يثاب أو يعاقب. ثم «الدوادار»، وهو أول المرافقين لأمير الحج وكان بمنزلة ضابط الاتصال بين القائد وبقية الموظفين وتنظيم سير القافلة والطواف ليلاً للحراسة أو نهارًا للمعاونة، والقبض على السرّاق والمفسدين وتطبيق الحد عليهم، يليه «قاضي المحمل» الذي كان يرافق القافلة ويكون عارفًا بمحظورات الإحرام وأحكام الحج وتحال إليه الأمور الشرعية التي تحدث في القافلة. ووجد ما يُعرف بـ «شهود المحمل» أو «شهود السبيل» ويكونون مع القاضي في القافلة وكانوا من أهل الخبرة والعدالة ولهم ما للقاضي من الغذاء، ووجدنا وظيفة «كاتب ديوان الحج» ومهمته كتابة الصادر والوارد من وإلى القافلة، إضافة لوظيفة «أمير آخور القافلة»، ومهمته رعاية جمال القافلة وخيولها، ويليه «الدوادار» في الرتبة والأهمية، ويشرف بنفسه على الدواب ووفياتها والإصابات التي تلحق بها. ووجدت وظيفة «شاد السنيح» ويعرف بالكلارجي، وهو القائم على شؤون تموين قافلة الحج، وكان يعين من مماليك الأمراء ومن الجند، ممن يعتقد فيهم الأمانة والنصيحة وحسن الدراية، وكان يشترط فيه ألا يكون مبذرًا فيضيِّع مأكولات المطبخ التي تحت يديه في أقل مدة، إضافة لوجود «شاد المطبخ» وهو المشرف على أحوال مطبخ القافلة من البداية إلى النهاية، ويتولى أمر الإشراف على الذبائح، ومعرفة من يحضر إلى مطبخ القافلة، يساعده «شاد السقائين»، ومهمته الإشراف على ملء القِرب في المناهل، وتوزيع المياه على الحجاج، وكان يوجد تحت إمرة أمير الحج عدد من الجمال لحمل الماء يتراوح عددها ما بين مائتين ومائتين وخمسين جملا تحمل مئات القرب التي كانت تصنع في القدس وحلب وصفد وتجلب لهذا الغرض، إضافة إلى «شاد المحمل الشريف» وكانت وظيفته تسند إلى رجال من عامة الناس ومهمته الحفاظ على إتمام عدد القافلة وما تحمله من محتويات.ووجدت وظيفة «المقدمون على جمال النفر» ومهمتهم القيام بتأمين الجمال وخاصة أمير الحج وعدتها ثمانية وعشرون جملا التي كانت مختصة بحمل المحمل في العصر المملوكي، بالإضافة إلى «مقدم الضوئية والغشامة» وهو قائد رجال الإضاءة والمشاعلية بالقافلة وعليهم الاهتمام بأخشاب الوقود وتأمين الخشب للطبخ، و«مقدم الهجانة والشعارة» وهو كبير المسؤولين عن الجمال ونقل حبوب القافلة، وأيضًا المسؤول عن أكسية الجمال التي تتصف بالأبهة ووضع الوشم على الجمال، و«مقدم القواسة» وهو همزة الوصل بين أمير المحمل وبدو الصحراء الذين تمر بهم قافلة الحج لتأمينها.
مدينة متنقلة
ويوجد أيضاً «الميقاتي والمؤذن», أما الميقاتي، فمهمته الإعلام بدخول الوقت، وتحديد وجهة القبلة في بعض المراحل والمنازل وتعيين الصلوات الخمس، أما المؤذن فلرفع الأذان والإقامة. ووجد أيضًا «الجرائحي» أو أطباء القافلة وكانوا يعالجون كل مريض بما يناسبه من غير مقابل. و«مهتار الطشت خاناه» للإشراف على القرب التي تحمل الماء وإحضار الماء للوضوء والغسل عند الاحتياج، ووجد «مهتار الشراب خاناه»، وكان يقوم بالإشراف على المشروب في القافلة وتبريد الماء في أيام الحر ومزجه بالسكر وتقديمه للحجاج، و«مهتار الفراشخاناه» لنصب الخيام وطيها وشد الأحمال في المواكب على ظهور البغال, إضافة إلى «الطباخون» ومهمتهم إعداد الطعام وطبخه وتوزيعه إذا قصد الركب الراحة. ووجد «الزردكاش» المسؤول عن مهمات السلاح وما تحتاج إليه من آلات الحرب ولباس الخيول والدروع والخوذ والبارود، إضافة إلى «النفطي» وهو البارودي لعمل الإحراقات من الصواريخ والألعاب النارية لزوم الاحتفال عند الوداع والرحيل وعمل إشارات للقافلة. أما «مهتار الركاب خاناه» أو السايس فهو قائد المشرفين على الخيل وجهازها, إضافة لوجود «البيطار» وهو طبيب الدواب، ولم نعدم وجود «الشعراء» وهم نفران من أتباع مقدم الهجانة المسؤول عن الجمال، وكانوا يترنمون بالشعر والرجز لرفع الروح المعنوية في الصحراء، وإبعاد الملل عن النفوس أثناء الطريق، إضافة لوجود «جماعة الطبول خاناه»، وكانوا يقومون بدق الطبول طوال سير القافلة لإرهاب المفسدين وقطاع الطرق، ونجد في القافلة «المخبزي» وهو الخباز الذي يصحب قافلة الحج، ذهاباً وإيابًا، ويختص بعمل الخبز وتوزيعه على القائمين على شؤون القافلة وأحيانا يقومون بتوزيع البقسماط، ووجدنا «الكيالون» نظرًا لما تحمله القافلة من الغلال فكان لزامًا أن يصحبها كيال ومهمته تشوين غلال القافلة، إضافة إلى «نجار السنيح»، وهو نجار مطبخ القافلة، والذي يسافر لترميم ما يحتاج ترميمه من المطبخ، وإصلاح ما ينكسر منه في المضايق, إضافة إلى «نجار الكور» مثل نجار المطبخ ولكنه يسافر مع القافلة لإصلاح ما ينكسر ويصطدم من الأكوار أولا فأولاً ذهابًا وإيابًا. ونجد «خولي الأغنام» ومهمته حفظ أغنام القافلة وعليفها وسقايتها ويسأل عما يذبح، إضافة إلى «الزفوري» وهو من ينفذ القصاص في القافلة على مرتكبي الجرائم سواء التي يرتكبها أفراد القافلة أو العربان المتلصصون الذين يسرقون أمتعة القافلة حيث كان يتم القبض عليهم من جانب أمير الحج. ثم نجد «المبيتون» ووظيفتهم الجهر بالنداء نهارًا في القافلة لتبليغ ما أمر به أمير الحج من المصالح لأفراد القافلة، ويطوفون ليلا مع الدوادار (العس) لإجهار النداء بإعلام أهل القافلة بأي نزلوا، وبالاحتراز والاحتفاظ على أسبابهم وجمالهم. ونجد «الأدلاء» وهم أهل الخبرة بتعاريج الطرق، واستقامتها، وهم يرشدون أي الطرق تسلك ذهابًا وإيابًا. وأخيرًا «مبشر الحج»، وكان السلطان المملوكي يُنعم بهذه الوظيفة على من أراد أن يشمله بالنعم والهبات نظرًا لما كان يحصل عليه من الهدايا، والعادة ألا يتأخر المبشر عن يوم منى، بل يتوجه إذ ذاك للبشارة ويسير مسرعًا حتى يبلغ القاهرة وينقل إلى السلطان أحداث الحج والرأي العام وأخبار الوفيات، وسير القافلة وما واجهه الحجاج من راحة أو تعب وسيرة أمير الحج. إن الاهتمام المصري بتجهيز ركب الحج المصري وخروجه بهذه الصورة من الثراء والرفاهية يعنيان محافظة المماليك على سيادتهم بمكة والمدينة، ومواصلة التزاماتهم تجاه الحرمين الشريفين، وفي مقدمتها كسوة الكعبة المشرفة .