على طلبة الـجامعات احترام دُور العِلم

على طلبة الـجامعات احترام دُور العِلم

أسهم‭ ‬د‭. ‬هاني‭ ‬هلال،‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬الأسبق‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وأستاذ‭ ‬الهندسة‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬وتنفيذ‭ ‬استراتيجية‭ ‬قومية‭ ‬لتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭. ‬هلال‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬مسئولية‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬متتالية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬قاد‭ ‬فيها‭ ‬مرحلة‭ ‬تطوير‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭. ‬التقاه‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬محمد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬إبان‭ ‬حضوره‭ ‬مؤتمرًا‭ ‬لوزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشئون‭ ‬الإسلامية‭. ‬تطرّق‭ ‬الحوار‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬بهدف‭ ‬التعرّف‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬على‭ ‬ركائز‭ ‬استراتيجية‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إبان‭ ‬توزيره،‭ ‬والدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للتعليم‭ ‬العالي‭ ‬ومتطلبات‭ ‬نجاح‭ ‬قيادة‭ ‬الخطة‭. ‬تحدث‭ ‬الدكتور‭ ‬هلال‭ ‬بشفافية‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬وأفصح‭ ‬وصال‭ ‬وجال‭ ‬في‭ ‬بنات‭ ‬أفكاره‭ ‬فأخرج‭ ‬من‭ ‬مستودعها‭ ‬الثري‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفيد‭. ‬استهل‭ ‬هلال‭ ‬حديثه‭ ‬بالثناء‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬حكومة‭ ‬وشعبًا،‭ ‬وخصّ‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬لتقديرها‭ ‬لشخصه‭.‬

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬القاعدة‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منها‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬ثوبها‭ ‬الجديد‭ ‬عام‭ ‬2006؟

‭- ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬تواجه‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭: ‬تطوير‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬فأدركت‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬هو‭ ‬البداية‭ ‬للانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬نهضة‭ ‬تنموية‭ ‬شاملة‭.‬

لجأ‭ ‬المسئولون‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬د‭.‬مفيد‭ ‬شهاب‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬مؤتمر‭ ‬قومي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬رصدوا‭ ‬معًا‭ ‬مواطن‭ ‬القوة‭ ‬ومكامن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬وخرجوا‭ ‬بوثيقة‭ ‬سمّيت‭ ‬‮«‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‮»‬،‭ ‬وبدأوا‭ ‬التنفيذ‭ ‬عبر‭ ‬مشاريع‭ ‬للتطوير‭ ‬بهدف‭ ‬إعداد‭ ‬خريج‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬خريج‭ ‬يحمل‭ ‬المهارة‭ ‬والجدارة‭ ‬ليعمل‭ ‬محليًا‭ ‬وإقليميًا‭ ‬ودوليًا‭ ‬ويكون‭ ‬مثالاً‭ ‬جيدًا‭ ‬لبلده‭.‬

سعت‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬تنفيذها‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬منظومة‭ ‬تنافسية‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الخريج‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬نظيره‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬جامعة‭ ‬عالمية‭.‬

‭<‬‭ ‬لكنك‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬اختصاصي‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الهندسة‭ - ‬فكيف‭ ‬جيء‭ ‬بك‭ ‬لتطوير‭ ‬التعليم؟

‭- ‬كنت‭ ‬مستشارًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬لمصر‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وحزت‭ ‬خبرة‭ ‬جيدة‭ ‬مكّنتني‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬كمنسق‭ ‬وطني‭ ‬لمشروع‭ ‬دعم‭ ‬التعليم‭  ‬العالي‭ ‬المموّل‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬عملت‭ ‬مستشارًا‭ ‬لوزير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬آنذاك‭ ‬زميلي‭ ‬د‭.‬عمرو‭ ‬سلامة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توليت‭ ‬مسئولية‭ ‬الوزارة‭ ‬خلفًا‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬2006‭.‬

وتعمّدت‭ ‬إكمال‭ ‬مسيرة‭ ‬زميليَّ‭ ‬سلامة‭ ‬وشهاب‭ ‬لجهدهما‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية‭.‬

 

أجواء‭ ‬تنافسية

‭<‬‭ ‬وما‭ ‬النقاط‭ ‬الرئيسة‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬القومية‭ ‬لتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬التي‭ ‬عملتم‭ ‬بها؟

‭- ‬أولاً‭ ‬الرؤية‭: ‬وهي‭ ‬السعي‭ ‬لتعليم‭ ‬عالٍ‭ ‬يدفع‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬لإسهام‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬التطوير‭ ‬والتنمية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

ثانيًا‭ ‬الرسالة‭: ‬وهي‭ ‬الوصول‭ ‬لمجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬ودفع‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬تنافسية‭ ‬علمية‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬التميّز‭.‬

ثالثًا‭ ‬الهدف‭ ‬الاستراتيجي‭: ‬وهو‭ ‬إعداد‭ ‬خريج‭ ‬عالي‭ ‬الجودة،‭ ‬متميز،‭ ‬كثيف‭ ‬المهارات،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬ويحقق‭ ‬طموحات‭ ‬الدولة‭ ‬بشأن‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭.‬

‭<‬‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬بمكان‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صعاب‭ - ‬وما‭ ‬هي؟

‭- ‬لا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬بالأمر‭ ‬اليسير‭ ‬بالطبع،‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬عدو‭ ‬ما‭ ‬يجهله،‭ ‬فتطوير‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬صاحَبه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصعاب‭ ‬والتحديات‭ ‬أجملها‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

أولاً‭ ‬التنافسية‭  ‬العالمية‭: ‬وقد‭ ‬اعتمدنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬المجتمع‭ ‬الجامعي‭ ‬عبر‭ ‬مشاريع‭ ‬تطوير‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬من‭  ‬التنافس‭ ‬العلمي‭ ‬لإحداث‭ ‬حراك‭ ‬فاعل،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬كل‭ ‬جامعة‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬للتطوير،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬بخطى‭ ‬ثابتة‭.‬

وتأصيل‭ ‬مبدأ‭ ‬التنافسية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شئون‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬وسياسة‭ ‬التقييم‭  ‬المرتكز‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الأداء‭.‬

 

التعليم‭ ‬الفني

التحدي‭ ‬الثاني‭ ‬أمامنا‭ ‬كان‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬ومعها‭ ‬زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وهما‭ ‬يترتبان‭ ‬على‭ ‬بعضهما‭ ‬في‭ ‬تناسب‭ ‬طردي‭.‬

وقد‭ ‬واجهناها‭ ‬بالتوجه‭ ‬نحو‭ ‬زيادة‭ ‬التعليم‭ ‬الفني‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬خطط‭ ‬التنمية،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬بأهمية‭ ‬التعليم‭ ‬الفني‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسات‭ ‬تعليم‭ ‬أهلية،‭ ‬ودعم‭ ‬التعليم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬والتعلم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭.‬

‭<‬‭ ‬لكن‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬داعمًا‭ ‬للاقتصاد‭ ‬القومي‭ ‬حال‭ ‬الاستثمار‭ ‬الجيد‭ ‬لها‭.‬

‭- ‬نعم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لجأنا‭ ‬إليه‭ ‬بتحويل‭ ‬العامل‭ ‬السلبي‭ ‬لتلك‭ ‬الزيادة‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬إيجابي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

وكان‭ ‬التحدي‭ ‬صعوبة‭ ‬تلبية‭ ‬رغبة‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشريحة‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬إلى‭ ‬22‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالجامعة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إلحاقهم‭ ‬بتخصصات‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وبذلك‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬صنعنا‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

‭<‬‭ ‬وكيف‭ ‬واجهتم‭ ‬توفير‭ ‬متطلبات‭ ‬سوق‭ ‬العمل؟

‭- ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬التحدي‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬واجه‭ ‬منظومة‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬فعملنا‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬متتابع‭ ‬للبرامج‭ ‬التعليمية،‭ ‬والتدريب‭ ‬المستمر‭ ‬وتغيير‭ ‬المسار‭.‬

وسعينا‭ ‬إلى‭ ‬التشجيع‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬البرامج‭ ‬الجديدة‭ ‬الموجهة‭ ‬بالقطاعين‭ ‬الخدمي‭ ‬والصناعي‭. ‬وخلق‭ ‬مساحة‭ ‬حوارية‭ ‬دائمة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬المدنية‭ ‬لتوجيه‭ ‬مهارات‭ ‬الخريجين‭ ‬طبقًا‭ ‬لما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

 

التمويل‭ ‬والإدارة

‭<‬‭ ‬وهل‭ ‬حال‭ ‬التعثر‭ ‬المالي‭ ‬لمصر‭ ‬وقلة‭ ‬مواردها‭ ‬دون‭ ‬إتمام‭ ‬كامل‭ ‬للخطة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي؟

‭- ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬وقفت‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬حجر‭ ‬عثرة،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬التمويل‭ ‬المطلوب‭ ‬لدعم‭ ‬الخطة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬الرابع‭ ‬أمامنا‭.‬

‭<‬‭ ‬وكيف‭ ‬واجهتم‭ ‬هذه‭ ‬العثرة‭ ‬إذن؟

‭- ‬لجأنا‭ ‬إلى‭ ‬إشراك‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬والإدارة‭ ‬والمتابعة‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العثرة،‭ ‬فقمنا‭ ‬بعمل‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬وتسويق‭ ‬لمخرجات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬للقطاعين‭ ‬الصناعي‭ ‬والخدمي،‭ ‬مع‭ ‬تعظيم‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬الحكومية‭ ‬لتمويل‭ ‬تنفيذ‭ ‬خططها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وعقد‭ ‬شراكات‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬لتحد‭ ‬من‭ ‬العقبة‭ ‬الكئود‭ ‬التي‭ ‬واجهتنا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬محدودية‭ ‬الموارد‭ ‬وقلة‭ ‬التمويل‭.‬

 

ثقافة‭ ‬الجودة

‭<‬‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نلحظ‭ ‬ثمرات‭ ‬ذلك‭ ‬التطوير‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬فما‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك؟

‭- ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬يسير‭ ‬ببطء‭ ‬ويؤتي‭ ‬ثماره‭ ‬بعد‭ ‬فترة،‭ ‬وكان‭ ‬لدينا‭ ‬بعض‭ ‬العقبات‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬مثل‭ ‬إصرار‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بملفات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬المياه‭ ‬والطرق‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أولويات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بسبب‭ ‬ضروريات‭ ‬حزبية‭ ‬تتطلبها‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬وتلمُّس‭ ‬الحاجات‭ ‬الضرورية‭ ‬للمجتمع‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬رضا‭ ‬الناخبين‭.‬

فتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬سار‭ ‬وتحرك‭ ‬ركبه‭ ‬من‭ ‬سبات‭ ‬عميق،‭ ‬لكن‭ ‬آثاره‭ ‬تستحس‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬عجلة‭ ‬دائمًا‭.‬

لقد‭ ‬كرّسنا‭ ‬لثقافة‭ ‬جديدة‭ ‬اسمها‭ ‬الجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ - ‬امتحانات‭ - ‬تعليم‭ - ‬منتج‭ ‬تعليمي‭ - ‬عضو‭ ‬هيئة‭ ‬تدريس‭ - ‬منافسة‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬أداؤنا‭ ‬قد‭ ‬شابه‭ ‬بعض‭ ‬التقصير‭ ‬فليصلحه‭ ‬مَن‭ ‬يأتي‭ ‬بعدنا‭ ‬ويعالج‭ ‬ثغراتنا‭ ‬ويبني‭ ‬على‭ ‬إيجابياتنا،‭ ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬أقوم‭ ‬بزيارة‭ ‬23‭ ‬جامعة‭ ‬حكومية‭ ‬مدنية‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬معي‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭. ‬وعملنا‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬مارّين‭ ‬بكمّ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬منها‭ ‬أيضًا‭ ‬مقاومة‭ ‬عملية‭ ‬التغيير‭ ‬ذاتها‭.‬

ففي‭ ‬ظل‭ ‬أوضاع‭ ‬ساكنة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬يصعب‭ ‬معها‭ ‬إحداث‭ ‬تطوير‭ ‬ديناميكي‭ ‬بسرعة‭ ‬ملحوظة‭.‬

فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬التدريجي‭ ‬وفقًا‭ ‬لأولويات‭ ‬محددة،‭ ‬مع‭ ‬قياس‭ ‬تقبّل‭ ‬سرعة‭ ‬التغيير،‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬الجودة‭ ‬تدريجيًا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬التي‭ ‬عملنا‭ ‬فيها،‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬ربط‭ ‬زيادة‭ ‬الدخل‭ ‬بجودة‭ ‬الأداء،‭ ‬ودعم‭ ‬الخطط‭ ‬التنفيذية‭ ‬للكليات‭ ‬والمنبثقة‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬التطوير‭ ‬ليمكن‭ ‬لها‭ ‬التقدم‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الاعتماد‭.‬

 

ركائز‭ ‬استراتيجية

‭<‬‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬استطعتم‭ ‬مواجهة‭ ‬الإقبال‭ ‬الكثيف‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬مع‭ ‬رفع‭ ‬جودته‭ ‬وتطويره؟

‭- ‬كان‭ ‬لوزارة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ركائز‭ ‬استراتيجية‭ ‬عدة،‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬بعناية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬لمجابهة‭ ‬حجم‭ ‬الطلب‭ ‬المتنامي‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والسير‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تطويره‭ ‬ورفع‭ ‬سقف‭ ‬جودته،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الركائز‭:‬

إتاحة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬للراغبين‭ ‬والقادرين‭ ‬علميًا،‭ ‬وإتاحة‭ ‬فرص‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬ولمختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬كأحد‭ ‬أسس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعي‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مواءمة‭ ‬نظم‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬لاحتياجات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القومي‭ ‬وسوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬ومن‭ ‬الركائز‭ ‬المهمة‭ ‬أيضًا‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتعليم‭ ‬الفني‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬كمحرك‭ ‬أساس‭ ‬للتقدم‭ ‬التقني‭ ‬للدولة‭.‬

 

التميّز‭ ‬في‭ ‬التعليم

‭<‬‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬لمصر‭ ‬والمثل‭ ‬التي‭ ‬جُبل‭ ‬عليها‭ ‬المجتمع؟

‭- ‬كانت‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للدولة‭ ‬بحسب‭ ‬نصوص‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬ارتكزت‭ ‬عليه‭ ‬استراتيجية‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬لمواجهة‭ ‬غول‭ ‬زيادة‭ ‬الإقبال‭ ‬عليه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الكفاءة‭ ‬والجودة‭ ‬للمستويات‭ ‬العالمية‭ ‬لكونها‭ ‬طريق‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وتفعيل‭ ‬المسئولية‭ ‬والمشاركة‭ ‬المجتمعية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتعليم‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الركائز‭ ‬أيضًا‭ ‬التنوّع‭ ‬والتكامل‭ ‬والمرونة‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬التعليم‭ ‬بما‭ ‬يتواءم‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والتطورات‭ ‬العالمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مرتكز‭ ‬مهم‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التخصصات‭ ‬التطبيقية‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬التنمية‭ ‬القومية‭.‬

‭<‬‭ ‬وماذا‭ ‬يلزم‭ ‬لنجاح‭ ‬قيادة‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية؟

‭- ‬أولاً‭: ‬لابد‭ ‬من‭ ‬توافر‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬والرؤية‭ ‬الشاملة‭ ‬للقيادة‭.‬

ثانيًا‭: ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬ليس‭ ‬هدفًا،‭ ‬لكن‭ ‬إدارة‭ ‬التغيير‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيس‭ ‬والمعول‭ ‬الأساسي‭ ‬لنجاح‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمنظومة‭.‬

ثالثًا‭: ‬ديناميكية‭ ‬تحديث‭ ‬وتطوير‭ ‬الخطة‭ ‬وتفعيل‭ ‬التواصل‭ ‬المستمر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬شركاء‭ ‬المنظومة‭ ‬لضمان‭ ‬نجاح‭ ‬قيادة‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

رابعًا‭: ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬والتغذية‭ ‬المرتجعة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشركاء‭ ‬بهدف‭ ‬تحديث‭ ‬الأولويات‭ ‬وخطة‭ ‬العمل،‭ ‬مع‭ ‬الصبر‭ ‬والالتزام‭ ‬بمعايير‭ ‬التغيير‭.‬

خامسًا‭: ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الهيئات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬بالخطة‭ ‬لجمع‭ ‬البيانات‭ ‬والتنفيذ‭. ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬الرئيسة‭ ‬لنجاح‭ ‬قيادة‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬خلق‭ ‬نظم‭ ‬قياس‭ ‬تأثير‭ ‬مشاريع‭ ‬التطوير‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬المنظومة،‭ ‬ونظم‭ ‬أخرى‭ ‬للمتابعة‭ ‬والمراجعة‭ ‬وقياس‭ ‬الأداء‭.‬

 

القائد‭ ‬الناجح

‭<‬‭ ‬وما‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬يؤديها‭ ‬القائد‭ ‬لكي‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الخطة‭ ‬الاستراتيجية؟

‭- ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للقائد‭ ‬الناجح‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬وقابلة‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬يوفر‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬اللازم،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإرادة‭ ‬وليس‭ ‬السلطة،‭ ‬يعلم‭ ‬أعضاء‭ ‬فريقه‭ ‬قبل‭ ‬قيادته‭ ‬لهم،‭ ‬يبعث‭ ‬فيهم‭ ‬الحماس‭ ‬لا‭ ‬الخوف‭. ‬كما‭ ‬لابد‭ ‬للقائد‭ ‬أن‭ ‬يتبع‭ ‬سياسة‭ ‬الحوار‭ ‬وليس‭ ‬الأوامر،‭ ‬يشجع‭ ‬المبادرات‭ ‬وأطر‭ ‬التفكير‭ ‬خارج‭ ‬الإطار،‭ ‬يتبع‭ ‬سياسة‭ ‬الباب‭ ‬المفتوح‭ ‬والشفافية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭.‬

القائد‭ ‬الناجح‭ ‬لا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬أنا‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬نحن‮»‬‭ ‬تقديرًا‭ ‬لأعضاء‭ ‬فريقه،‭ ‬ويحفزهم‭ ‬ماليًا‭ ‬ومعنويًا‭.‬

ينسب‭ ‬الإنجاز‭ ‬لأصحابه‭ ‬ويقر‭ ‬بمسئوليته‭ ‬في‭ ‬تحمُّل‭ ‬نتيجة‭ ‬الأخطاء،‭ ‬يكون‭ ‬قدوة‭ ‬لفريق‭ ‬عمله‭.‬

يعضد‭ ‬المجتهد‭ ‬ويتابع‭ ‬صاحب‭ ‬الأداء‭ ‬الضعيف،‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬المستمر‭ ‬لذاته‭ ‬ولفريق‭ ‬عمله‭ ‬ولا‭ ‬يستخدمهم‭ ‬كأدوات‭ ‬عمل‭ ‬فقط،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬المنظومة،‭ ‬وليس‭ ‬منعزلاً‭ ‬مع‭ ‬القيادات‭ ‬العليا‭. ‬لابد‭ ‬للقائد‭ ‬الناجح‭ ‬أن‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬المعرفة‭ ‬والخبرة‭ ‬ويشجع‭ ‬ثقافة‭ ‬الابتكار‭.‬

‭<‬‭ ‬تاريخ‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬الفاعل‭ ‬عبر‭ ‬مشاركة‭ ‬الطلاب،‭ ‬فهل‭ ‬تنكر‭ ‬عليهم‭ ‬ذلك؟

‭- ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬حراكهم‭ ‬السياسي‭ ‬المعتدل،‭ ‬فهناك‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬بين‭ ‬المشاركة‭ ‬الفاعلة‭ ‬والفوضى‭ ‬العارمة،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ينعكس‭ ‬عليها‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب،‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬دُور‭ ‬علم‭.‬

وأتفق‭ ‬مع‭ ‬شباب‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬مبادرات‭ ‬لمحاكاة‭ ‬الأحزاب‭ ‬داخل‭ ‬الجامعات‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬آرائهم،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬حادت‭ ‬عن‭ ‬أهدافها‭ ‬السلمية،‭ ‬وأصبح‭ ‬المشهد‭ ‬ضرب‭ ‬حجارة‭ ‬ومولوتوف،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬وقفة‭ ‬لإعادة‭ ‬الانضباط‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المسموح‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬للتجاذب‭ ‬السياسي‭.